سرمد السرمدي
الحوار المتمدن-العدد: 3407 - 2011 / 6 / 25 - 01:27
المحور:
الادب والفن
أن الفنان المسرحي في العراق المعاصر يدرك أهمية استثمار حرية التعبير لبناء المجتمع ثقافيا, لكنه لاذ بعكاز الإدانة في سباق تجاوز الخطوط الحمر من خلال إبداعه المسرحي المدان, وبما إن الحرية تحولت إلى أنماط متنوعة من التعبير الفني على خشبة المسرح, فهنالك من العروض ما يدرج ضمن خطوة البداية للتجسيد الفعلي لانطلاق الحريات في الفن المسرحي العراقي, رغم إن إدانة الحرب هو الموضوع الرئيسي في المسرح العراقي وهذه الإدانة تشمل كل الحروب التي مر بها الشعب العراقي, وهذا رأي اغلب المسرحيين العراقيين في ان المسرح العراقي يجب ان يتعرض بالإدانة من خلال استعراضه لمجريات آثار الحروب على الواقع الاجتماعي العراقي ويجب ان يصور الإنسان في العراق ومعاناته الحقيقية, مما يعزز فاعلية المسرح اجتماعيا بين العراقيين, والمثقف العراقي عموما ينتمي الى هذا الاتجاه المعتمد من قبل المسرحيين العراقيين, بل وتطلعاتهم التي تعزز هذا الاتجاه إلى نبذ العنف والحرب من خلال محاولات تصوير قصة الإنسان في العراق التي ظلت خافية عن الأعلام العالمي بشكل قسري, وان لا تعود خشبة المسرح والثقافة العراقية عموما الى تصدير الأنماط التعبوية من الخطابات الإبداعية, سواء أكان من خلال النتاج المحلي أو العالمي, وهي محاولة مسرحية لتأكيد التلاقح الفني على الصعيد الإنساني بين المعاناة العراقية وما يمكن أن يعبر عنها من روائع الأدب المسرحي العالمي, لأن العمق الذي يمثله الأدب المسرحي العالمي يمكن ان يعبر عن معاناة العراقيين نوعا ما, بل وقد يمثل جسرا للتواصل بين العراق وشعوب العالم, وهذه المرة سيكون الحوار بين الحقيقة التي عاشها الإنسان في العراق وبين الأوساط الثقافية العالمية, التي لم تعتد اغلبها على هذا التاريخ المؤلم الذي يكتب من جديد ولأول مرة بكل حرية من على خشبة المسرح العراقي.
لقد تضمن النتاج المسرحي العراقي إعادة لبعض الموضوعات التي كانت قبل هذا التاريخ المعاصر تمثل المشهد المسرحي العراقي بشكله العام في فترة التسعينيات من القرن الماضي والتي اتخذت من موضوع معاناة الأنسان في العراق من جراء الوضع الاقتصادي القائم أيام ما عرف بالحصار الاقتصادي, والذي فرضته الأمم المتحدة كأحد العقوبات الموجهة للنظام العراقي السابق, تلك العقوبات التي نال الشعب منها الجانب الأكبر من المعاناة إلا أن مسرح التسعينيات لم يضيء هذه النقطة بالذات بل ركز على تجسيد الخطاب السياسي الموجه من قبل النظام الدكتاتوري السابق للشعب العراقي وللعالم, واستمرت بعض الأعمال المسرحية المعاصرة باستنساخ هذا الخطاب لتقدم وثيقة إدانة ثقافية لكل من تسببوا بمعاناة الشعب العراقي وأول المبادرين هم المسرحيين العراقيين, وقد عززت هذه المحاولة المسرحية من موقف المشهد المسرحي العراقي عموما برفضه للحرب والصراعات السياسية التي يذهب ضحيتها الشعوب, حيث إن الثقافة المسرحية العراقية لابد ان تكون كفيلة بتعزيز المشهد الثقافي لعراق جديد ديمقراطي, يأتي هذا الموقف الذي ينادي به المسرحي العراقي على الرغم من صعوبة ظروف الإنتاج التي تحيط بالعملية الإبداعية المسرحية, إلا إن الآمال كبيرة لاشك والجهود حثيثة بالتأكيد باتجاه وضع المسرح في مكانه الفاعل على خارطة الثقافة العراقية.
يبدو ان المسرحي العراقي ظل ناظرا للمهرجانات الدولية وبكونها هدفا لعمل المسرح حيث كانت العروض العراقية تسافر لأي مهرجان مسرحي قبل أن يشاهد العرض جمهور عراقي, وربما لم ولن يشاهد الجمهور أغلب هذه العروض التي تعود كوادرها رافعة راية النصر بحصولها على شهادة تقديرية لمشاركتها في مهرجان ما, وهذا أسوأ ما مارسه المسرح العراقي تجاه جمهوره, ونخص بالذكر الأعمال التي تنقل رسالة النظام الدكتاتوري السابق إلى خارج العراق, فعملية تسييس المسرح العراقي أدت إلى تغييبه, ولعل هذا الرأي يتعرض إلى تاريخ الحركة المسرحية العراقية حينما كان لكل حزب فرقة مسرحية تعبر عن أهدافه وتستعرض مبادئه للجمهور وحين ينتهي الحزب ودوره السياسي تختفي الفرقة المسرحية المعينة, ونخص بالذكر فرقة المسرح الفني الحديث وحزبها الشيوعي العراقي, الا ان هذا لاينفي الضرورة الملحة لاستعادة الذاكرة اليومية للمتفرج, ولعل هذا الرأي بنفس الوقت لا يعارض التعرض للاتجاهات الفنية الحديثة في المسرح العالمي واستثمارها عراقيا, لكن الشرط الأساسي أن تكون قادرة على فرض التواصل المسرحي بين الخشبة والمتفرج العراقي, خاصة وان المشهد المسرحي في التسعينيات لم يخرج من معطف مسرح الثمانينيات إلا فيما ندر, ولعل هذا الرأي ينطبق نوعا ما على بعض العروض المسرحية المعاصرة, عند النظر في طبيعة خطابها الموجه إلى الجمهور.
في النظر الى طبيعة الشعب العراقي كباقي شعوب الأرض نجده يمتلك طقوسا شعبية معينة, يهدف بهذه الطقوس الدينية الطابع بأن يتواصل مع دينه ودنياه, فليست دعوة سياسية او مؤامرة ضد النظام الحاكم أكثر منها طقوس روحية تحي في الفرد صلته بالمجتمع من خلال استذكار الصالح من العبر المتوارثة والحكم المستنبطة من كتب الله وسيرة الأنبياء, وبما إن لكل شعب تراثه الذي يعتز به, ومعتقداته التي يحرص على إن تنتقل عبر الأجيال, كجزء من تاريخ ذلك الشعب بشكل عام وجزء من تكوينه الروحي والديني بشكل خاص, لكن لم يكن التعبير عن المعتقدات مكفولا بحرية في عهد النظام الدكتاتوري السابق في العراق, على الرغم من أن هذه الطقوس الدينية والشعائر التي تقام لأحياء ذكرى الصالحين في مناسبات معينة, لا تمس الجانب السياسي للسلطة القمعية الحاكمة, فهؤلاء الذين يقيمون هذه العبادات الطقسية لأحياء وتكريم كل ما هو صالح ومقدس لديهم من أبناء الشعب العراقي, لا يهدفون من وراء ذلك إلى قلب نظام الحكم أو الاستيلاء على العرش المغتصب من قبل حكومة غير منتخبة من قبلهم, بل يهدفون إلى تعزيز عباداتهم من خلال الطقوس التي تحيي الذكر المقدس للأنبياء والصالحين والمؤمنين فقط, إلا إن هذا لم يكن مسموحا به على الإطلاق, وهكذا يفتتح المسرح العراقي أول إبداعاته مخترقا الممنوع في العهد الدكتاتوري السابق, متخذا من تناول هذا الموضوع بالذات تعبيرا عن أسلوب جديد في العلاقة مع الجمهور المسرحي, الا ان هذا المنحى على ايجابياته لا يكفل للمسرح العراقي المعاصر فاعلية دوره البناء في المجتمع العراقي الذي يشهد الديمقراطية كآلية حكم تفتقر الى توكيدها كثقافة مجتمع, فلا يصح إغفال التغيير الاجتماعي من قبل المسرح والاكتفاء بمغازلة فكر الأحزاب المتصدية للمشهد السياسي كما كان يتغزل شبه المسرحي وشبه العراقي بفكر النظام الدكتاتوري السابق, فبهذه الطريقة لن يجد الجمهور المعاصر إلا تعديلا في العناوين التعبوية المقيتة للمواضيع المسرحية المجترة مما يعزز أسباب قطيعته للمسرح, على الرغم من ان تناول الممنوع كسب مسرحي بحد ذاته, حيث يشهد المحيط الثقافي العربي بهذه النهضة نحو الحرية في التعبير والتي لم يألفها من على خشبة المسرح العراقي, حينما انصبت اغلب الأعمال المسرحية العراقية في انتقاد الدكتاتورية وتعريتها بصوت مرتفع يشير الى استثمار المسرحيين لحرية كانت غائبة وخاصة في نقد نظام الحكم, وغياب الرقيب الحكومي المعهود في بلدان العالم الثالث وخاصة العربية المصنفة بالحرة المستقلة, وهذا ما تخلص منه المسرحي العراقي المعاصر,على الرغم من وجود الاحتلال والإرهاب في العراق.
يعد جل ما قدمه المسرح العراقي المعاصر تعبيرا عن ثقافة الإدانة, إدانة للماضي خجولة غير موضوعية في تناول جرائم النظام الدكتاتوري السابق, وإدانة للحاضر تفتقر إلى رؤية للتغيير الاجتماعي, وإدانة عمياء للمستقبل, حيث لم تكن عملية تنوير المجتمع هي جوهر الفعل المسرحي الرامي نحو أهم ما استجد على تكوين نظام الحكم من تغيير, إلا وهي الثقافة الديمقراطية, ويمكن تصنيف ما قدمه المسرح العراقي وفق ثلاثة ملامح رئيسية للإدانة, والتي ارتكز عليها خطاب العرض المسرحي العراقي, أول هذه الملامح هي إدانة رمزية للنظام الدكتاتوري السابق, وثاني هذه الملامح هي إدانة صريحة لاحتلال العراق من قبل قوات التحالف الدولية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية, وثالث هذه الملامح هي إدانة مبهمة للإرهاب, ان ملامح الواقع العراقي المعاصر تتجسد في التعامل المختلف من قبل الإنسان في العراق مع خطاب الفنون التي يتعرض لها, وليس من دليل أوضح على إدانة الجمهور لمسرح الإدانة المعاصر, إلا غيابه عنه بشكل يوضح غياب المسرح العراقي تماما, عن دوره الفاعل في الواقع المعاصر للعراق.
الكاتب
سرمد السرمدي
أكاديمي - ماجستير فنون مسرحية - كلية الفنون الجميلة - جامعة بابل
العراق
#سرمد_السرمدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟