|
رؤيا مستقبلية - ثلاث أقصوصات
صالح حبيب
الحوار المتمدن-العدد: 3406 - 2011 / 6 / 24 - 09:52
المحور:
الادب والفن
(1)
حب
قال لها و هو يقدم لها وردة: - " تفضلي " نظرت الى الوردة ثم نظرت اليه و قالت ببرود: - " ماهذا ؟ أهو نبات ؟؟ " - " نعم انه نبات..!" - " و لماذا تعطيني هذه النبتة؟؟" - " لأن البشر يفعلون ذلك عندما يعبرون عن الحب يا ...حبيبتي" توقفت متجمدة أمامه لثوان تنظر اليه بعينين مضيئتين ثم انصرفت بصمت وتركته ينظر الى وردته الصغيرة و هو يعاني من خجل منطقي مقداره 0.2 نانو أمبير لأنه تذكر فورا بأنهما .. آلات. ـــــــــــــــــــــــــــــــ شتاء 1992
(2)
وداع
نظرت عبر الزجاج الشفاف الى السماء المرصعة بالنجوم ، و الى حيث الكرة الزرقاء العظيمة تغفو حالمة بمستقبل البشرية ، فتدحرجت على و جنتها دمعة. نظرت اليه و هو يحتضنها بحنان و كان في عينيها رجاء مستحيل فأطلقت سؤالها بحسرة: - ألن نعود اليها ثانية..؟ و بحزن عميق أجاب: - لا..لنأمل أن يفعلها الأحفاد. - انهمرت الدموع من عينيها و هي تقول : - هل نقول و داعا اذن ؟؟ - بل قولي سلاما شخصت عينيهما المغرورقتان بالدمع على الكرة الزرقاء الجميلة، أمهم " الأرض " مهد البشرية ، بينما راحت المحركات الجبارة للسفينة النجمية العملاقة تهدر بتثاقل، ثم انطلقت بسرعة تسابق الضوء و هي حبلى بآلاف من البشر في رحلة الألف عام نحو نجم بعيد... ـــــــــــــــــــــــــــ شتاء 1992
(3)
رؤيا مستقبلية
إنه عالـَمٌ آلي أيها الطبيب
استلقى المريض متهالكا على سرير الفحص الطبي. وبعد ان لمس ببطاقته التعريفية الرقمية مكانا خاصا قرب السرير فابتدأت انغام موسيقية حالمة تنساب من اركان الغرفة و ابتدأ معها الطبيب حديثه بدون مقدمات : - " بحسب ما تشير القراءات التي حصلت عليها من أقطاب سرير الفحص الالكتروني فإن جسمك سليم ولكنك تشعر بتعب نفسي كما تشير القراءات" اجاب المرض و هو مضطجع: - " نعم يا دكتور فهذا هو الذي أشعر به بالضبط " - "هل تشعر بالوهن ؟" - " نعم واشعر احيانا بالتصلب يدب في عضلات جسمي " صمت الطبيب قليلا ..صدرت عنه بعض الهمهمات..ثم قال : - " ما عملك؟ " - " أعمل مشرفا في مصنع للطائرات " صمت قليلا ثم اردف: - " مصنع يعمل آليا بالطبع" - "وهل انت منزعج من عملك؟ " - " نعم ، الى الدرجة التي تجعلني افكر في تركه " - " لماذا؟ " - "لانني اشعر بأن لا مبرر من وجودي هناك فكل شئ يسير تحت اشراف الكومبيوتر والأنسان الآلي .. روبوتات..روبوتات..روبوتات " - "وما الذي يزعجك في ذلك؟" - فرص العمل نادرة فكل المصانع تدار بنفس الطريقة ، بالروبوت، وهكذا تلاشى العنصر البشري ، ما عادت هناك حاجة للإنسان ، اختفت اللمسة الانسانية، كل شيء منظم و دقيق بل انه رتيب..نسيت كيف ارتب اي شئ او انسق اي شئ او أصلح خطأً حصل هنا او هناك ، لان كل شئ قد برمج مسبقا وكل خلل يصحح اوتوماتيكيا، الروبوت يقوم بكل ذلك. فأنا لا اشعر بجدوى من وجودي. انتابت المريض نوبة من الاضطراب والهياج العصبي فعاد يقول: - العالم كله يعمل آليا ايها الطبيب .. فأينما اتجهت وجدت أن كل شئ مسيطر عليه بالكومبيوتر .. المصانع .. المصارف..المدارس .. الجامعات.. الخدمات.. وحتى البشر تتم إدارتهم بالكومبيوتر ويخدمهم الروبوت .. أكاد أجن فلا التقي بإنسان إلا وعثرت عليه مستلقيا في بيته وقد ترهل جسمه ، ذلك الجسم الأنساني الجميل الذي كان في يوم ما رشيقا رياضيا جميلا و لكنه اليوم قد اصابه الوهن و الخمول وعضلاته تؤول الى الضمور فلا يتحرك منه إلا العينين والشفتين وحتى الأصابع التي كان يضغط بها على لوحة المفاتيح في الحواسيب القديمة قد انقرضت منذ زمن بعيد لم يعد بحاجة اليها فكل ما عليه هو ان يفكر بالشئ فقط فيكون له ما يريد ويتم تنفيذه آليا، حتى انه لا يتعب حنجرته او شفتيه!!؟ ما الذي حصل لهذا الكائن البشري ؟ ماذا سيعمل بني البشري اذا أوكلوا كل شئ للروبوت؟ هل اصيب الأنسان بالبلادة ؟ هل اسند الناس مهام العمل و التفكير التي ميزهتم عن باقي المخلوقات الى هذه الآلات الغبية الباردة ؟ الخالية من المشاعر والابداع ؟ مستحيل لا يمكن ان يكون الانسان قد غادر هذا الكوكب وترك هذه الابدان الفارغة التي لم تعد أكثر من كتل لحمية من الخلايا التي ليس لها عمل إلا ان تدب على الارض ويخدمها الروبوت. اكاد اصاب بالجنون ، انني اختنق .. تداركه الطبيب ليهدئ من روعه : - حاول ان تهدأ يا بني فلقد ازدادت مؤشراتك الرقمية عن الحد المسموح به للفعاليات الحيوية العامة والطبيعية لجسمك.. أهدأ ارجوك ، اهدأ و ضع يدك على هذا القرص المعدني الى جانب السرير ، ساعطيك ما يهدئ روعك. إلا ان حالة المريض تفاقمت سوءا وبدأ يصرخ ويعربد - ولكنك لم تعط حلا لمشكلتي ؟ اجابه الطبيب ببرود قاتل - ليس هنالك مشكلة يا بني ، فالبشر هم الذين ارادو للعالم ان يسير على هذا النحو..انه قرار الحضارة ان يصبح العالم آليا مؤتمتا .. لا مهرب من هذا الواقع يابني ، فالكومبيوتر والآلات الذكية هي سيدة الموقف اليوم في هذا العصر و في العصور القادمة. قفز المريض من على السرير مذعورا فهرول خارجا من العيادة وهو يصرخ ويزبد بهياج و جنون - حتى انت يادكتور؟ ..حتى انت؟؟..حتى انت ؟؟ * * * عندما شعر ان المريض قد غادر الغرفة وخلى سرير الفحص من أي كائن حي خزّن الطبيب تقريره عن حالة المريض النفسية في قاعدة البيانات المركزية ثم أطفأ نفسه فتوقفت دوائره الالكترونية عن العمل و دخل في طور الأنتظار و توفير الطاقة. ــــــــــــــــــــــ صيف 1987ـ
#صالح_حبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حرب صاروخية جميلة
-
فنتازيا حب
-
رحلة في ذاكرة بغدادية - سبعينات القرن العشرين 1970 - 1979
-
أخلاق إسلامية بلا إسلام
المزيد.....
-
الحكومة الأوكرانية تلزم ضباط الجيش والمخابرات بالتحدث باللغة
...
-
تناغمٌ بدائيٌّ بوحشيتِه
-
روائية -تقسيم الهند- البريطانية.. وفاة الكاتبة الباكستانية ب
...
-
-مهرج قتل نصف الشعب-.. غضب وسخرية واسعة بعد ظهور جونسون في
...
-
الجزائر تعلن العفو عن 2471 محبوسا بينهم فنانات
-
أفلام كوميدية تستحق المشاهدة قبل نهاية 2024
-
-صُنع في السعودية-.. أحلام تروج لألبومها الجديد وتدعم نوال
-
فنان مصري يرحب بتقديم شخصية الجولاني.. ويعترف بانضمامه للإخو
...
-
منها لوحة -شيطانية- للملك تشارلز.. إليك أعمال ومواقف هزّت عا
...
-
لافروف: 25 دولة تعرب عن اهتمامها بالمشاركة في مسابقة -إنترفي
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|