|
شاعر يشتهي الرضاعة من ثدي اُمه ِ !!! ...
خلدون جاويد
الحوار المتمدن-العدد: 3405 - 2011 / 6 / 23 - 02:53
المحور:
الادب والفن
شاعر يشتهي الرضاعة من ثدي امه ...
خلدون جاويد
في سابقة عراقية خطيرة ، يشتهي الشاعر حسين مردان الرضاعة من ثدي الوالدة " الجليلة "! . وفي ديوانه "قصائد عارية " أقام الدنيا وأقعدها بما عبّر عنه من غرائز جامحة كامنة أراد تحريرها من جسده وذهنه ، فكانت وَبالا ً ولعنات سلـّطها عليه بعض مجايليه ، قادت الى إلقاء القبض عليه واعتقال ديوانه ومصادرته من الأسواق . وكان للمحاكمة وقعها الكبير في الخمسينات وصداها مع الدفاع الشهير للمحامي الضليع السيد صفاء الاورفلي وبالتالي الإفراج عن الشاعر والديوان . راحت القصائد كالنار في الهشيم . راح إسم حسين مردان ، كشاعر متمرد على كافة الأصعدة ، يشتهر وقصائده العديدة يحفظها الشباب العشّاق من محبي الإنطلاق والفكر الوجودي على حد تعبير ذلك الزمان !.
القصيدة بعنوان : ثدي اُمي
" رأيتها عارية فوددت لو عدت طفلا ً..."
" آن للحب أن يموت ويفنى حلمي العذب في بريق السراب ِ أنت ِ من أنت ِ شهوة ٌ تتلظى وجحيمٌ أحرقت ُ فيه شبابي فاذهبي : إذهبي بعيدا ً فقلبي لم يعدْغير حفنة ٍ من تراب ِ وظلال تغيب ُ شيْئا ً فشيّا
..........
قد رضعت الفجور من ثدي اُمي وترعرعت في ظلام الرذيلة ْ فتعلمت ُ كل ّ شيء ٍ ولكن لم أزل جاهلا معاني الفضيلة فدعيني أعيش وحدي غريبا بين أحلام قلبيَ المستحيلة ْ يصرخ الكأس فارغا ً في يديّا
..........
كل ما في الوجود شيء ٌ قبيح ٌ وقبيح ٌ حبي لهذا الوجود ِ شربت ْ عمري َ الليالي ونامت ْ بين جنبيّ ثورة المعمود ِ فكرهت ُ الهوى كرهتك ِ أنت ِ فابحثي اليوم عن غرام ٍ جديد ِ يصطفيك الغرام عذبا ً شهيّا
...........
يافتاة الضباب لم يبق الاّ جسد ٌ متعب ٌ بحضن المنون ِ وشفاهٌ زرقٌ عليها بقايا حلم النار والهوى المجنون ِ فاتركيني .... لا ، لا ، تعالي فاني لم أزل عبد شهوتي ومجوني فكُلي كل ّ ماتبقى لديّا " . اُنظر ص 33 من الديوان .
*******
واذا كان موديل الشاعر أعلاه هو جسد الاُم أو إمرأة اخرى في روح العنوان " ثدي اُمي " فان النص تتجاذبه نظرتان إحداها تحررية تدعو الى التعبير عن أية بارقة ذهنية أو رغبة جسدية مهما كانت . الأدب الفضائحي هو المكبوت دائما والذي يطالبنا بضرورته الكثير من الليبراليين أو الديموقراطيين أو الأطباء النفسانيين . وفي اوروبا عموما ً تترسخ الدعوة الى التوغل بعيدا بعيدا في أعماق الذات البشرية لتصوير رغباتها وبقصد إخضاع كوامنها الى المعاينة والدرس والطب النفسي . من جهة اخرى فانه أدب يخدش الحياء على حد تعبير المحافظين في مجتمعاتنا . الخطورة تكمن أن الحرية لاحدود لها . قال حسين مردان ذاته : " الحرية كلمة عجيبة لايفهم معناها غير الحيوان " ص 45 من الديوان . ومجتمعاتنا المحافظة عموما ترفض الحديث عن الذات والأسرار والمخفي والمحرم والمسكوت عنه . صحيح إن هناك حدودا دنيا مسموحا بها الاّ أن المنع والرقابة وحجب كوامن الذات في التصرف والكتابة هي سمة سائدة عموما . وأمراضنا في هذه الحالة تتضاعف الى أورام سرطانية أو جنونية . وهناك من يقول السرطان والجنون ولا عار وشنار الأدب الرذيل. أن النص أعلاه للشاعر حسين مردان لم يمر بسهولة في الخمسينات لكنه لو نشر اليوم لتعرض الشاعر الى الإغتيال لامحالة . هذا حال الرجل في التعبير فكيف لو كانت إمرأة أديبة قد عبرت عن لواعجها ، إنها تـُرجم فورا . لقد عبر الأديب الفرنسي جوستاف فلوبير عن معاناة مدام بوفاري فهز الأجواء والعرف السائد . وكانت ضريبة ذلك العمل لعنات ولعنات . الاّ أن حالة مدام بوفاري مَرَضية بحق .إنها مأزومة ومحمومة وبحاجة الى التعبير عن حرية جسدها . والأمر ليس مجرد نزوة إنه دمار نفسي . إن الكتابة عن أحوال الذات البشرية أفضل ألف مرة من تكبيتِها وقمعها . كما إن الرقابة على الأعمال الفضائحية والرويات الجريئة هي جريمة بحق . لكنها ليست جريمة عندما نحول دون تأثيراتها ـ وفق المحافظين ـ على أخلاق المجتمع . ولايضير المحافظين أن مجتمعاتهم مستنقعات عهر من تحت ، وأمراض مغطاة بالوقار المصطنع والحشمة الكاذبة ، من فوق . ولذا فهم يكرهون الثقافة . الثقافة تصوّر الجوع الذي يقود الى الزنا فتفضحه وتدعو الى التغيير إنتصارا لكرامة الإنسان رجلا أم إمرأة . الرواية تهبط الى قاع المدينة لتصور الحياة . وأروع ما في حياة علاء الأسواني ـ على سبيل المثال ـ موافاتنا بأن يومه مقسوم الى نصفين نصف للعيادة كطبيب أسنان ونصف يقضيه في أعمق أعماق المجتمع ليصور عذاباته وتشوّهاته . التصوير والتحليل خطر على السلطة ، كما هو واضح في رواية " نيران صديقة " التي رفضتها الرقابة بوقتها . أي أن كل ماهو عمقي كواليسي هو خطر على الفكر الساكن . إن الشذوذ النفسي أدعى الى الكشف والمعالجة ومن الحضارة بمكان الكتابة عنه من أجل دراسته ومعالجته من أجل الإرتقاء بالمجتمع الى حياة صحية . الأورام السرطانية يجب أن تكشف وتعالج لا أن تغطى وتستشري . يجب أن نتقبل حسين مردان في "شذوذه ـ حريته " لا للدعوة وتحبيذ الشذوذ بل من أجل سبر غور الشذوذ وتحسين البيئة التربوية . لابد من عيّنات شاذة من أجل إكتشافات علاجية . ولكن مع من تتكلم " ولا حياء لمن تنادي ـ ولمن لاعقل له " . هناك قصيدة لحسين مردان تعبر عن حب " السمسرة الظريفة ! " والفرح بتقديم صديقته الى صديقه وفي دعوة عجيبة الى الثنائية أو الجماعية أو الى أي نوع من الهوس الجميل في نظره . لابد أن نعرف بعد قراءة النص الشعري لحسين مردان مادواعي الرغبة هذه :
قصيدة قسم
" قسما ً بما ُطبعت على شفتيك من قبلات ألفي عاشق ٍ وعشيق ِ أنا لست أحيا لحظة ً لو لم يكن ريّا زفيرك ياصدوف شهيقي فدعي الشفاه على الشفاه لتنطوي ولكي تجف من الدماء عروقي إني عهدتك بالوصال كريمة ً فهَبي جمالك ساعة ً لصديقي ."
******* 22/ 6/ 2011 توقٌ أخيرٌ ـ المحاكمة تعقد وتستمر لمدة شهر بينما يبعث أهم شخصية عراقية ببرقية من لندن ـ استاذ الأدب العربي في جامعة لندن ـ من أجل حصوله على نسخة من ذلك الديوان . إنه الاستاذ صفاء خلوصي الذي اعتبر الديوان شيئا جديدا في الشعر العربي . أين الاُستاذ الأديب الذوّاقة من الجهلة والخراتيت والحِفـّـاي ! . أين الثريا من الثرى ! . وإنـّـا لله وإنا اليه راجعون .
#خلدون_جاويد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يوميّاتي 2 ...
-
التغزل بجدار قديم ...
-
صورة - سيدتي الجميلة - ...
-
إهدأ يا اُستاذ ! ...
-
رحيم الغالبي وعجالة الرحيل المفجع !!! ...
-
قصيدة غزلية لم اُمزقها ! ...
-
منحة لراحة وإستجمام العراقيين !!! ...
-
مدخل ومخرج الى أدونيس والأدنَسة ...
-
قصيدة مهداة الى الشاعرة البحرينية السجينة ...
-
قصيدة الى شاعرة البحرين السجينة...
-
بساطة أم تعقيد ، إستعلاء أم تقبُّل ؟
-
- المستشار هو الذي شرب الطِلا - ...
-
يوميّاتي 1 ...
-
عشقتك يا أبا ذرّ الغفاري ...
-
- خوطوا ولوطوا - السوناتا السابعة !!!
-
- لستُ أنساكَ وقد أغريتني - ...
-
قصيدة هزيمة النسر لكاظم جهاد ...
-
عودة ترينتي الى مدن التيْ أنتيْ !
-
إنتقل العراق الى رحمة الله !!!
-
نتقل العراق الى رحمة الله !!!
المزيد.....
-
عرض جواز سفر أم كلثوم لأول مرة
-
مسيرة طبعتها المخدرات والفن... وفاة الممثلة والمغنية البريطا
...
-
مصر.. ماذا كتب بجواز سفر أم كلثوم؟ ومقتنيات قد لا تعلمها لـ-
...
-
أساطير الموسيقى الحديثة.. من أفضل نجوم الغناء في القرن الـ21
...
-
السعودية.. رحيل -قبطان الطرب الخليجي- وسط حزن في الوسط الفني
...
-
مصر.. كشف تطورات الحالة الصحية للفنان ضياء الميرغني بعد خضوع
...
-
-طفولة بلا مطر-: المولود الأدبي الأول للأكاديمي المغربي إدري
...
-
القبض على مغني الراب التونسي سمارا بتهمة ترويج المخدرات
-
فيديو تحرش -بترجمة فورية-.. سائحة صينية توثق تعرضها للتحرش ف
...
-
خلفيات سياسية وراء اعتراضات السيخ على فيلم -الطوارئ-
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|