أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبد الحليم غنيم - تنويعات على لحن اسمه فاطمة














المزيد.....

تنويعات على لحن اسمه فاطمة


محمد عبد الحليم غنيم

الحوار المتمدن-العدد: 1014 - 2004 / 11 / 11 - 08:25
المحور: الادب والفن
    


(1)

الضباب الكثيف يغلف البيوت الصغيرة المتناثرة فوق رقعة وسط الحقول ، يحيط بها الماء من جوانب ثلاث ، أصوات العصافير فوق شجرة الكافور الوحيدة في العزبة تهلل لقدوم فجر يوم جديد ، وأنت تسيرين وحدك ، وأمام البوابة الخشبية الضخمة تتعوذين من الشيطان، وعندما يتقلب الحارس خلف البوابة في سريره الحديدي القديم مصدراً صوت سعال حاد ، تتنفسين الصعداء ( ما زلت تخافين العفاريت يا فاطمة ) وتتزن خطواتك ، رغم ثقل الحمل فوق رأسك ، ورغم ألم الرقبة المزمن ، لا تعلمين أن الحارس يرقبك – الآن – من شق صغير في البوابة ، ويعلم أنك في طريقك إلي الست أم محمد ، تلك الغريبة التى دخل زوجها السجن وترك لها أولادا خمسة ؛ ها هي الشمس تبزغ ، فلتدخلي قبل أن يراك أحد ، ولكن الحارس سيأتي بعد قليل لينال كوباً من الشاىالساخن ، وبعضاً من خبزك أيضا.



(2)

إنها شمس الظهيرة الحارقة ، الحقول خالية من الفلاحين ،حيث يقيلون تحت الأشجار أو داخل البيوت القريبة ، الأوراق الخضراء لأشجار القطن تميل إلي الزرقة ، هناك حقل واحد ، سقاه العم شحاته هذا الصباح ، بعد أن عاد من عمله الليلي في المدينة ، أوراقه الخضراء نضرة لامعة تعكس بعض أشعة الشمس فوق وجه فاطمة ، التى خلعت نعليها وتسير فوق أرضه الرطبة ، تتحسس طريقها باحثة عن حبات القثاء علي جانبي القناة الرئيسية التى تتوسط الحقل ، جمعت حتى الآن ست حبات، لن تكفى الأولاد ، يجب أن تبحث عن حبات أخري ، فجأة تجد فاطمة نفسها خارج الحقل ، أتستمر في طريقها ، رابطة حبات القثاء الست في طرف شاشها الأسود أم تميل علي حقل أخيها إسماعيل الذي يبيع القثاء لأهل العزبة بسعر أعلي من سعر سوق المدينة ؟ هل ترددت فاطمة ؟ شرعت فاطمة تقتطف حبات القثاء، مكملة الطبخة ، وعندما انتهت تماماً ، رفعت يديها إلي أعلي وقالت : سامحني يا رب .



(3)

تسيرين وسط الظلام ، تمسك الصغيرة " هناء " بذيل جلبابك الأسود الواسع تردد – خائفة – كل عدة خطوات : أمه .. أمه فاطمة ، بينما يستقر قدر الطعام الساخن فوق رأسك ، لابد من الحذر ،حتى لا يندلق الطعام فوق الأرض ويفتضح أمرك ، وتعرف ضرتك ، أنك تأخذين الطعام وتقدمينه للأغراب ، الذين أكلوا عقلك ، تتقدمين في بطء من فتحة الشباك ، شباك غرفة الجلوس المفتوح دائما ، وتضعين القدر والخبز ، ثم تعودين وتطرقين باب المنزل الرئيسي :

سا الخير عليكو .

أين الأولاد ؟ بعد قليل يتحلقون حولك ، تفوح من أفواههم رائحة طعام ، هل ابتسمت ؟ ولكنك عند العودة – في آخر الليل – ستحملين الصغيرة " هناء " فوق صدرك ، بينما تحمل إحدى يديك مصباحاً بترولياً مشتعلاً ، ولن يعنيك أن يراك أحد ، أي أحد .

(4)

وحدك في الفراش ، يحيط بك الذباب والناموس وأصوات الصغار تختلط بروائح كريهة لعرق نساء كادحات ورجال عائدين من الحقول ولم يغتسلوا بعد ، ضوء المصباح الكهربي أصفر واهن بلون المرض ، ومع ذلك يفضح غضون وجهك المرهق ، تتناثر فوقه حبات عرق منطفئة كأنها فقاقيع دمامل صغيرة ، شعرك الرمادي تحت العصابة السوداء فوق رأسك تناثر بعضه فوق جبينك ، يخرج صوتك الواهن فتنتفخ الرقبة بسبب ذلك الورم الخبيث الذي بدأ منذ عشرين عاماً ، والآن ينتهي ، هل قلت شيئا يا فاطمة ؟

هل أشرت بيدك نحوي ؟

وهذه الابتسامة ، هل هي صلاتك الأخيرة ؟

لكن يبقي سؤال : لماذا تموت الزهور يا .. ؟

د.محمد عبد الحليم غنيم



#محمد_عبد_الحليم_غنيم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مبادرة جديدة لهيئة الأفلام السعودية
- صورة طفل فلسطيني بترت ذراعاه تفوز بجائزة وورلد برس فوتو
- موجة من الغضب والانتقادات بعد قرار فصل سلاف فواخرجي من نقابة ...
- فيلم -فانون- :هل قاطعته دور السينما لأنه يتناول الاستعمار ال ...
- فصل سلاف فواخرجي من نقابة فناني سوريا
- -بيت مال القدس- تقارب موضوع ترسيخ المعرفة بعناصر الثقافة الم ...
- الكوميدي الأميركي نيت بارغاتزي يقدم حفل توزيع جوائز إيمي
- نقابة الفنانين السوريين تشطب سلاف فواخرجي بسبب بشار الاسد!! ...
- -قصص تروى وتروى-.. مهرجان -أفلام السعودية- بدورته الـ11
- مناظرة افتراضية تكشف ما يحرّك حياتنا... الطباعة أم GPS؟


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبد الحليم غنيم - تنويعات على لحن اسمه فاطمة