|
ماذا حدث للمصريين بعد 25 يناير؟
هدى جعفر
الحوار المتمدن-العدد: 3402 - 2011 / 6 / 20 - 13:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حكاية أول يوم زيارة للقاهرة بعد 25 يناير، لا بد من أن الآلاف – لن أبالغ لو قلت الملايين- يحلمون بزيارة كهذه من باب الفضول على الأقل إن لم يكن من باب الاهتمام أو الانضمام إلى مناصري ثورات الربيع العربي. بالنسبة إليَّ لم يكن الأمر هكذا فحسب، فقد كنت أتطلع للاستماع إلى نصائح وتعليقات (ثوار) مصر، أبحث عن أي معلومة تفيدنا في ثورة اليمن، أي قشة تستطيع أن تنقذ غريقاً أو تقسم ظهر البعير. منذ ركوبنا الطائرة وأنا أرسم سيناريوهات عدة لشكل مصر الجديد بعد ثورة يناير: هل سأشاهد ذلك العجوز البائس الذي تجاوز السبعين يبيع الترمس قرب مراكب النيل (الكيس بنص جنيه أي عشرة سنتات أميركي) من أجل شراء دواء الفشل الكلوي الذي يبلغ مئات الجنيهات شهريا؟ هل أشاهد هند مرةً أخرى؟ هند لمن لا يعرف، طفلة تبيع المناديل في أحد مقاهي وسط البلد إلى ما بعد منتصف الليل. كنت أراها يوميا إلى أن همس النادل بصوت مسموع "ما تحنّيش عليها يا هانم دي بنت حرام". فلم أرها بعد ذلك أبداً. ألا يزال عم إبراهيم موجود، حارس العقار الثمانيني الذي يغسل السيارات في عزّ البرد وكل دقيقتين يتكئ على الحائط المجاور وهو يتنفس بصعوبة؟ هل سأرى هؤلاء البائسين؟، قادني هذا السؤال إلى تخيل صور ساذجة و طفولية أخرى. تخيلت أن يستقبلنا طاقم المطار بسلال الفراولة وعقود الورد الطبيعي كما يفعلون مع السياح في هاواي. لكن، أليس الأجدر بي أن أقدّم هذا إلى المصريين وليس العكس؟ بل أليس الأجدر بالعالم أن يهدي إلينا – نحن مواطني بلاد الثورات العربية- الورود وسلال الفراولة؟ بعد دخولي مطار القاهرة، اكتشفت أن أحلامي لم تكن محض خيال، فقد اختفت فعلاً تلك العادة المحرجة التي لازمت عمّال مطار مصر منذ الثمانيات، "حمد لله ع السلامة" كانت تعني غالباً جنيهاً أو اثنين تدسها في جيب الضابط الفخيم ذي البدلة العسكرية المنشّاة، ليس هناك "حمد لله ع السلامة" حالياً، لا ضبّاط ولا عمال نظافة ولا عتّالين، المسألة إذاً، ليست لها علاقة بالفقر – لا يزال هؤلاء الموظفون والموظفات فقراء- بل هي نتاج نظام أفرز ممارسات اقتصادية واجتماعية وسياحية وأخلاقية خدشت كرامة المصري و التصقت بالشخصية المصرية دون وجه حق. كل التاكسيات تؤدي إلى التحرير أو شرم الشيخ بغض النظر عن الشارع الذي تستقل فيه التاكسي، وبغض النظر عن الوقت أو طول المشوار، فإن كل سائقي التاكسي في القاهرة لا بد أن يتحدثوا عن ثورة يناير وفرحتهم بانتهاء هذا العصر. اللافت أن كل سائق تاكسي لديه حزمة مختلفة من جرائم النظام السابق، فذاك يحدّثك عن تواطؤ النظام مع إسرائيل ضد القضية الفلسطينية وغلق معبر رفح في وجه الهاربين من الموت والنار والدم، الثاني يحدّثك عن فساد الوزراء ونهبهم للأراضي و استيراد البضائع الفاسدة سواء كانت غذائية أو خدمية أو صحية، هناك من يتكلم عن التعذيب والمعاملة المهينة للمواطن المصري في السجون وأقسام الشرطة، و لكن الكل يؤكد ضرورة محاكمة مبارك وأسرته وإنزال أقصى العقوبات بهم، أو، كما يقول عم محمد سليم، يجب أن تكون العقوبة مضاعفة لأن المفروض أن يرعى الرئيس حقوق المصريين ويحافظ على سمعة أم الدنيا ومكانتها. عن سينما "مترو" نظراً إلى كوني مواطنة محرومة سينمائياً، فإن الذهاب إلى السينما في القاهرة مهمة مقدسة، حتى لحضور فيلم على شاكلة "قبضة الهلالي". في سينما "مترو" سألت عن فيلم "ميكروفون"، فقيل لي ربما يعرض في سينمات "سيتي ستارز". سألت عن فيلم "الفاجومي"، المقتبس من مذكرات أحمد فؤاد نجم، فقالوا إن موعده هو 25 مايو. ما هي الأفلام الحالية؟ فيلم "الفيل في المنديل" ، وفيلم "365 يوم سعادة" للبناني سعيد الماروق. من المستحيل أن أشاهد فيلماً لطلعت زكريا وتصريحه حول ثورة يناير لا يزال يزكم الأنوف. قال زكريا إن شباب التحرير يمارسون الرذيلة ويتعاطون المخدرات، وعندما لم يجد قربانا يقدمه لشباب الثورة بعد نجاحها جاء بمحاولة بائسة حيث أضاف مشهداً للفيلم وهو على كرسي كشف الكذب، حيث يسأله صوت من خلف حجرة الاختبار: إنت بتحبّ الريس مبارك؟ فيجيب سعيد حركات (طلعت زكريا): لا! سألتُ أحد العاملين في سينما "مترو" عن رد فعل المشاهدين حيال فيلم "الفيل في المنديل"، فقال إنه ضعيف جداً. أراحني هذا كثيراً وانتبهتُ عند ذاك إلى أن ملصق الفيلم في مكان منزو داخل مبنى السينما وليس خارجها كما جرت العادة. حضرتُ فيلم "365 يوم سعادة". كان فيلماً محايداً ولطيفا، أجمل ما فيه كان إعلان فيلم "الفاجومي"، الذي للأسف تم تأجيله إلى بعد مغادرتي للقاهرة. من ميدان التحرير إلى "بيتزا هت" الزمالك كان من ضمن مهام برنامج المؤتمر الذي حضرناه، القيام بنزول ميداني نستطلع فيه آراء المصريين بعد ثورة 25 يناير. اخترنا، أنا وزميلتي الباحثة الألمانية هيلغا هانسن استطلاعاً حول طلبات المرأة المصرية من الحكومة الجديدة . كان ذلك صعباً لأن الموضوع حساس، بالإضافة إلى أننا لسنا مصريتين. لكننا تسلّحنا ببعض النصائح من زميلة مصرية، جعلت مهمتنا شبه ناجحة، وصلتُ إلى التحرير وقلبي يخفق، و شعرتُ برغبة عارمة في خلع حذائي: هذا مكان مقدس لا يقلّ حرمة عن دور العبادة. كان هناك باعة استغلوا هذه الفرصة في زيادة مدخولاتهم التعيسة، والأهم هو من أسمى نفسه بالثائر الحق وقد ألصق طلباته المدنية والسياسية على شجرة تتوسط الميدان حتى غطاها تماما!. بجانب مجمع التحرير يجلس عشرات المواطنين، وهو بالمناسبة الموقع الذي تم فيه تصوير فيلم "الإرهاب والكباب" لعادل إمام ويسرا. لفتت نظري امرأة كبيرة في السن، بدينة جداً، تبيع "فطير مشلتت". اتجهنا نحوها وعرّفتُها بنفسي. وجدتها جميلة جداً، لكن تراكم سنوات طويلة من الفقر والعوز وحرارة الشمس، مترافقا مع بيع "المشلتت"، قد غيّرا وجهها كثيراً. لنقل إنها نسخة متعبة من الممثلة الأمريكية كيت هيدسون مخلوطة بهدى رمزي. عرّفتها بنفسي وبرفيقتي، وسألتها عن الظروف التي قادتها إلى بيع "المشلتت". قالت أن اسمها أميرة و أنها تمارس هذه المهنة منذ 22 سنة بعد وفاة زوجها. سألناها عن توقعاتها حول ما بعد ثورة يناير، فأبدت بصراحة رأيها: وهي دي كانت ثورة؟! الثورة الحقيقية هي اللي عملها عبد الناصر وبس. هممتُ بأن أردّ عليها بأن جمال عبد الناصر هو من بدأ الحكم العسكري في الوطن العربي، وبأن مئات المصريين قضوا تحت التعذيب فضلا عن الإعاقات الجسدية والنفسية. هممتُ بسؤالها أيضاً، لماذا لم ينقذ عبد الناصر زوجها من بيع "المشلتت"، لكني أحجمتُ ونفحتُها جنيهين. ولم تفتني ملاحظة القبعة التي ارتدتها للوقاية من حرّ الشمس، مكتوباً عليها: تحيا ثورة 25 يناير! قابلتُ بعد ذاك عدداً من النساء اللاتي ينتمين إلى الطبقة المتوسطة والأقل عمرا من أميرة طبعا، كلهن أبدين تأييدهن المطلق للثورة و لمحاكمة الرئيس، و كلهن لديهن مخاوف من المستقبل، وكلهن ذكرن ذات المطالب تقريباً: القضاء على البطالة، والاهتمام بالخدمات الصحية و التعليم والطفولة. قالت لي إحداهن بأنها لا تريد لكذبة سوزان مبارك أن تتكرر في العهد الجديد. جدير بالذكر أن سوزان مبارك كانت رئيسة المركز القومي للطفولة والأمومة. جدير بالذكر أيضاً أن ممثلة منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (اليونيسيف) السيدة إرما مانوكورت، أشادت بالدور الرائد للسيدة سوزان مبارك في قضايا النهوض بالطفولة، وأكدت مانوكورت أن الأعوام الخمسة التي عملت خلالها في مصر كممثلة لليونيسيف (2005 - 2010) كانت مليئة بالإنجازات التي تحققت للطفل المصري وتوِّجت بصدور قانون الطفل المعدل. وبهذه المناسبة السعيدة فإني أتوجه إلى السيدة مانوكورت بسؤال أتمنى أن يكون خفيفاً عليها، وهي المرأة المشغولة: ما ردّها حول إحصاء 2006 الذي يفيد بأن عدد أطفال الشوارع في مصر يبلغ ثلاثة ملايين طفل، يقع كثير منهم ضحايا لتجار المخدرات وشبكات الدعارة وبيع الأعضاء؟ وبهذه المناسبة ، أدعوها أيضاً إلى مشاهدة الفيلم الوثائقي "جلد حي" لفوزي صالح، الذي يتحدث عن قصص أطفال المدابغ في مصر القديمة، والذين لو زارتهم السيدة مانوكورت فلن يستطيعوا مصافحتها لأن أطرافهم أكلتها مكائن الدباغة الضخمة ، عموماً، ليست هي المرة الأولى التي تدهشنا بها الأمم المتحدة بقدرتها "الخارقة" للمألوف في تقدير الأمور. أما المفاجأة الكبرى فكانت تنتظرني في مطعم "بيتزا هات"، فرع الزمالك، قبالة فندق "فلامنكو" (غولدن توليب)، وجدت هناك مجموعة من الفتيات لا يتجاوزن السادسة عشرة، عرّفتهن بنفسي وبرفيقتي فرحّبن بنا جداً. توجّهنا إلى المطعم وتحدّثنا عن الثورة وأحلامهن ومخاوفهن. و ما سمعتُه أثار دهشتي بحق. هؤلاء الطفلات لديهن وعي كامل بالثورة، وقد ناقشنني بكل التفاصيل الخاصة بالمشهد السياسي المصري، وقدمن تصورهن للأيام القادمة، وتحدثن عن المستقبل بكل أمل وشغف . هؤلاء الفتيات منتعشات الروح لأنهن عشن عمراً أقلّ تحت نظام مبارك، ولهذا كنّ أكثر تعافياً من النساء الأكبر سناً، وكانت نفسيتهن أكثر صحة من "المواطنات" اللاتي قضين سنوات أطول تحت النظام البائد، إذن ما قالته الحاجة أميرة ليس معاديا للثورة، ولكن هذا ما تعلمته من نظام مبارك، حديثها كان نتاجا لما تلقته من كذب وتدليس وتحطيم للروح المصرية المتسامحة والمحبة للحياة، فكلما كان العمر أطول تحت النظام الديكتاتوري كلما كانت نظارتك السوداء سميكة رغم كل الفرح الذي يحيط بك. آخر يوم كان يوم المغادرة مليئاً بالشجن كيوم الوصول. أتأمل وجوه النساء و الأطفال والرجال. هناك شيء ما، كان موجوداً واختفى أو كان مختفياً ثم وجد. حتما ليست الثورة عصا سحرية تذيب مشاكل المصريين في أشهر ولا حتى في سنوات ولكننا محكومون بالأمل كما يقول سعد الله ونوس، حتما سيأتي يوم تتحول مصر إلى أم الدنيا فعلا، وسأرى الحاجة أميرة تقول لي بعظمة لسانها- وليس على قبعتها فقط- تحيا ثورة 25 يناير!.
#هدى_جعفر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
11 يوليو 1995... تاريخ يجب أن تخجل منه الأمم المتحدة
المزيد.....
-
مايوت: إمكانيات في مستوى التحديات؟
-
تفاؤل وزخم دبلوماسي.. صفقة محتملة لوقف إطلاق النار بين إسرائ
...
-
-جدران السجن لن توقفني أبدًا-.. الناشطة الإيرانية نرجس محمدي
...
-
مصر: وزارة الصحة ترد على ما أثير حول -متحور كورونا-.. وهذه ن
...
-
السودان.. مقتل مدنيين في قصف الدعم السريع على مدينة الفاشر
-
الكويت.. إخلاء سبيل برلماني سابق بكفالة وإعادة فتح باب المرا
...
-
كيلوغ: اغتيال كيريلوف خطوة غير معقولة من جانب سلطات كييف
-
الكرملين: نرى تدخلا سافرا في شؤون جورجيا من قبل الاتحاد الأو
...
-
الداخلية اللبنانية: علي مملوك غير موجود بلبنان وزوجة ماهر ال
...
-
الإدارة الذاتية الكردية تحذر من فرار آلاف الدواعش بسبب هجمات
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|