|
مساهمة متواضعة حول إصلاح سوق العمل
علي ربيعه
الحوار المتمدن-العدد: 1014 - 2004 / 11 / 11 - 08:40
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
لا تختلف الأنظمة الاقتصادية سواء الرأسمالية منها أو الاشتراكية أو تلك التي تأخذ بالاقتصاد المختلط (ما يطلق عليه الاقتصاد الموجه ( لا تختلف جميعها في وضع الاستراتيجيات و الخطط الاقتصادية الكفيلة بتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية التي تسعى إليها الدولة و التي تتلخص في الآتي:-
زيادة حجم البضائع الرأسمالية أو ما يطلق عليه تراكم رأس المال. التوظيف الكامل و خلق فرص عمل جديدة. العمل على زيادة الموارد الطبيعة. الاستخدام الأمثل لهذه العوامل من أجل مضاعفة الإنتاج و تحسين نوعيته. و هذه الأهداف الاقتصادية و الاجتماعية لا زالت تشكل العناوين الرئيسية لكل حكومات العالم سواء تلك التي تأتي عن طريق الانتخاب أو التي تأتي عن طريق التعيين. و ما يعنينا في هذه المقدمة هو الهدف الثاني المتعلق بالتوظيف الكامل للعمالة الوطنية.
في السبعينات من القرن الماضي ورث المجلس الوطني تركة ثقيلة من المشاكل العمالية و الاقتصادية و الاجتماعية لم تلبث أن تفجرت في صورة إضرابات بلغ عددها ستة و عشرين إضرابا عماليا. و حتى يكون المجلس الوطني في مستوى هذه المهمات الصعبة باشر بتشكيل لجنتين برلمانيتين إحداهما عمالية و الأخرى اقتصادية. و قد وافق المجلس على تسعة و عشرين توصية من توصيات التقرير العمالي كما وفق أيضا على جميع توصيات اللجنة الاقتصادية و من ضمنها تلك التوصية المتعلقة بتهيئة الأجهزة اللازمة لوضع الخطط و رسم السياسات الاقتصادية.
لكن حل المجلس الوطني في 26 أغسطس 1975 أدى الى توقف المشاركة الشعبية في ممارسة الرقابة على تنفيذ هذه التوصيات و إقدام الحكومة على فتح أبواب سوق العمل على مصراعيها أمام استقدام الأيدي العاملة الأجنبية الرخيصة و ذلك لتحقيق هدف سياسي ألا و هو منع تكرار حدوث موجة إضرابات السبعينات. و قد أدت سياسة إغراق السوق بالعمالة الأجنبية الرخيصة الى طرد المواطن البحريني من كثير من المهن التي كان يشغلها منذ عقود كمهنة السباكة و اللحام و توصبل الأنابيب و البناء و الصباغة و النجارة و غيرها من الوظائف التي برع فيها و ساهم بها في بناء السعودية و قطر و الامارات.
و ما يعانيه سوق العمل في الوقت الحاضر من خلل في تركيبة السوق ما هو الا نتاج هذه السياسات الاقتصادية الخاطئة التي أدت الى الانحراف عن الأهداف الحقيقية للخطط الاقتصادية.
و مع تقديرنا للجهد المبذول في الوقت الحاضر من أجل اصلاح السوق الا أن الاصلاح الحقيقي يبدأ أولا بالاعتراف بالعمالة الوطنية كهدف رئيسي من أهداف أي خطة اقتصادية و أن هذا الهدف غير قابل للمساومة أو للمتاجرة مع القطاع الخاص حتى و لو قبل بدفع ضريبة الرؤوس التي تحدث عنها تقرير مكنزي.
و هنا وجب التأكيد على حقيقة اقتصادية مفادها أن المشاريع الاقتصادية تقاس بوطنية العاملين فيها و ليس بوطنية رأس المال. و كنت قد أشرت الى وطنية المشاريع في أحد المواضيع السابقة و قلت أن المشروع الذي يخدم اقتصادنا الوطني هو الذي يوظف العمالة الوطنية حتى و أن كان رأسماله أجنبيا بينما يعتبر المشروع صاحب الرأسمال الوطني أجنبيا اذا كانت عمالته أجنبية.
و هذا بطبيعة الحال يقودنا الى السؤال عن جدوى و مردود تلك المشاريع التي تستخدم العمالة الأجنبية على اقتصادنا الوطني و فيما اذا كانت لها أية إضافة على الناتج المحلي الإجمالي؟
و هذه البديهيات الاقتصادية تفرض على الدولة أن تتبنى مفهوم وطنية المشاريع كهدف وطني استراتيجي غير قابل للتغيير و أن يتحول هذا المفهوم الى أحد الأهداف الأساسية في خططنا الاقتصادية الآنية و المستقبلية.
و من هذا المنطلق فأني لا أتردد في دحض الفكرة القائلة بفرض ضريبة الرؤوس مقابل السماح باستقدام العمالة الأجنبية لأن هذا الطرح رغم ما وراءه من نوايا حسنة و دوافع طيبة الا أنه يعني الآتي :-
1) القبول طواعية بالتنازل عن أهدافنا الوطنية في مقابل تقنين سوق العمل لصالح أصحاب رؤوس الأموال و المستثمرين.
2) أن أصحاب العمل الذين عبروا عن عدم رضاهم بدفع ضريبة الرؤوس سيضطرون حسب اعتقادي لقبول هذا العرض في سبيل الاحتفاظ بالعمالة الأجنبية. فالعمالة الأجنبية تعني الأجر الأقل و ساعات العمل الطويلة و ظروف العمل القاسية و عدم المطالبة بتحسين الوضع العمالي بالإضافة الى عدم التزام صاحب العمل بتطبيق قانون العمل.
3) معنى ذلك أن ضريبة الرؤوس أو ما أطلق عليه تسمية " الجباية " في ندوة غرفة التجارة و الصناعة سوف لن تجبر القطاع الخاص على تدريب و تخريج اليد العاملة الوطنية المدربة ما لم يكون هناك قانون ملزم.
و في هذا السياق وجب لفت نظر أطراف الإنتاج في البحرين الى أن فكرة ضريبة الرؤوس لم تكون وليدة تقرير مكنزي و انما سبق أن تم طرحها من قبل الزميل الأخ جاسم مراد و منذ ما يزيد على سبع سنوات تقريبا و كنت دوما في تعارض تام مع وجهة نظره هذه على اعتبار أن هذه الضريبة لا يعدو كونها مقايضة و الخاسر فيها على المدى البعيد هو الوطن و ذلك للأسباب التي ذكرتها أعلاها بالإضافة الى سببين أخريين هما:-
1) أن تعويض العاطلين عن العمل عن طريق صندوق ضريبة الرؤوس هو نوع من المكرمات أو الصدقات التي يدفعها صاحب العمل من أجل تنازل المواطن العاطل عن حق العمل بما يتعارض و ما نص عليه الدستور و قانون العمل و قانون التأمينات الاجتماعية و كذلك الوثائق و الاعلانات الدولية . و اذا كان هناك من تعويض فأن القناة الصحيحة له هي التأمين ضد البطالة عن طريق صندوق التأمينات الاجتماعية و صندوق التقاعد و يجب أن يشرع لذلك في أسرع وقت ممكن .
2) أن تطبيق مبدأ التعويض عن طريق صندوق " الجباية " معناه أننا نلغي دور المواطن في مساهمته في الانتاج و التنمية و ندفع في اتجاه إحالة المواطن الى التقاعد و هو في سن العطاء الأمر الذي يتحول المواطنين الى عالة على المجتمع بدل أن يكونوا أداة إنتاج.
و نأتي الآن الى السؤال المهم حول ماهية هذه الضريبة أو صفتها القانونية فنكتشف أنه لا يوجد اي تفسير لها في القواميس الاقتصادية و المالية . فالضرائب حسب المفاهيم و المعايير الضريبية كما تعلمناها و درسناها أما أن تكون ضريبة على دخل الأفراد و هي ضريبة تصاعدية و تأخذ بعين الاعتبار أصحاب ذوي الخل المحدود أو هي ضريبة على الأرباح أو على المبيعات أو على الاستيراد .
ما هي إذن الحلول البديلة لما هو مطروح في الساحة الاقتصادية من حلول و معالجات؟
نعلم جيدا أن الدافع الرئيسي وراء تحول القطاع الخاص الى العمالة الأجنبية بدء من السبعينات هو رخص أجورها و استعدادها للعمل بما يتجاوز ساعات العمل المقررة في القانون إضافة الى الطاعة العمياء لرب العمل و عم مطالبتها له بتحسين ظروف العمل .
و هنا لا بد من طرح الحل الجذري و العملي لإصلاح سوق العمل ألا و هو تطبيق الحد الأدنى للأجور الذي قدرته آخر الدراسات و هي دراسة مركز الدراسات و البحوث في حدود الثلاثمائة و الخمسين دينار . و هذا المقترح ليس هو بالطرح الجديد و قد سبق أن أثار طرحه جدلا في الساحة بين مؤيد و معارض و كان أكثر المعرضين له هم التجار و أصحاب الأعمال.
لا شك أن تطبيق الحد الأدنى للاجور هو بمثابة العملية القيصرية و أن كلفة تبنى هذا المشروع على الاقتصاد الوطني كبيرة جدا لكنه هو الخيار الأفضل من أجل العودة لتحقيق الأهداف الاقتصادية الصحيحة على المدى البعيد.
بقي أن نقول أن عملية الاصلاح هذه لا يمكن أن تتم بدون مساهمة و تدهل الحكومة للقيام بالآتي :-
قيام الحكومة بوضع الشرط الخاص باحتساب نسبة البحرنة في جميع مناقصاتها و عطاءاتها على أن يتم احتساب كلفة البحرنة من قيمة هذه المناقصات. و هذا الشرط كفيل بإجبار التجار و أصحاب الأعمال على البحرنة طالما أن الحكومة ستقوم بتخفيف أعباء التحول عن كاهلهم . العمل على تطبيق قرار رقم (7) لسنة 1996 بشأن تحديد نسب العمالة البحرينية في مؤسسات و شركات القطاع الخاص. و حسب الفقرة (أ) من المادة الأولى من هذا القرار فان على المؤسسات و الشركات التي لديها عشرة عمال فاكثر و نسبة البحرنة فيها أقل من 50% أن ترفع نسبة الحد الأدنى للبحرنة فيها بمعدل لا يقل عن 5% سنويا و أن تكون هذه الزيادة لمدة خمس سنوات فقط حسب ما نصت على ذلك الفقرة (ب) من المادة الثانية. بالنسبة للمشاريع و الاستثمارات الجديدة يجب أن تكون نسبة العمالة عند بدء المشروع 50% بخلاف ما نص عليها القانون أعلاه شريطة أن ترتفع بمعدل 10% سنويا حتى تصل الى البحرنة الكاملة.أن تطبيق هذا القرار يصب في مصلحة وطنية المشاريع التي تأثرت بشكل كبير نتيجة الإهمال و لا يتعارض مع الحرية الاقتصادية كما يتعمد البعض ترويج ذلك. العدول عن فكرة السماح للأجانب بتغيير أماكن عملهم لان في ذلك ما يلحق الضرر الكبير بالكفيل الأصلي و يخلق في الوقت نفسه منافسة جديدة للمواطن نتيجة حرية العامل الأجنبي في الانتقال من مؤسسة الى أخرى و بحرية تامة حاله حال المواطن. العدول عن فكرة الاحتفاظ برقم احتياطي دائم من الأجانب لأن مثل هذا الإجراء يعد خارج المنطق الاقتصادي و السياسي و أن عملية تطمين القطاع الخاص لا يمكن أن تكون على حساب التوظيف الكامل لعمالتنا الوطنية.
و يجب لفت النظر أن الحرية الاقتصادية لا تعني أبدا فتح أسواقنا للعمالة الأجنبية و لو كانت هذه النظرية صحيحة لسبقنا الغرب في ذلك و قام بفتح أسواقه و هو أكثر منا حاجة للعمالة الرخيصة. فالدستور الجديد الذي وقعه رؤساء دول الاتحاد الأوروبي قبل أيام أكد على توطين الوظائف و حصرها في مواطني الشعوب الأوروبية. كما أن قوانين حماية السوق الوطنية من العمالة الأجنبية في الولايات المتحدة الأمريكية دفعت بعض الشركات الى بناء مصانعها داخل حدود المكسيك.
#علي_ربيعه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بالفيديو.. منصات عبرية تنشر لقطات لاشتباكات طاحنة بين الجيش
...
-
Rolls-Royce تخطط لتطوير مفاعلات نووية فضائية صغيرة الحجم
-
-القاتل الصامت-.. عوامل الخطر وكيفية الوقاية
-
-المغذيات الهوائية-.. مصادر غذائية من نوع آخر!
-
إعلام ألماني يكشف عن خرق أمني خطير استهدف حاملة طائرات بريطا
...
-
ترامب يدرس تعيين ريتشارد غرينيل مبعوثا أمريكيا خاصا لأوكراني
...
-
مقتل مدير مستشفى و6 عاملين في غارة إسرائيلية على بعلبك
-
أوستن يتوقع انخراط قوات كورية شمالية في حرب أوكرانيا قريبا
-
بوتين: لدينا احتياطي لصواريخ -أوريشنيك-
-
بيلاوسوف: قواتنا تسحق أهم تشكيلات كييف
المزيد.....
-
واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!!
/ محمد الحنفي
-
احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية
/ منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
-
محنة اليسار البحريني
/ حميد خنجي
-
شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال
...
/ فاضل الحليبي
-
الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
مراجعات في أزمة اليسار في البحرين
/ كمال الذيب
-
اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية
/ خليل بوهزّاع
-
إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1)
/ حمزه القزاز
-
أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم
/ محمد النعماني
المزيد.....
|