|
الشاعر المغربي أحمد فرج الروماني…في ضيافة المقهى؟؟
فاطمة الزهراء المرابط
الحوار المتمدن-العدد: 3400 - 2011 / 6 / 18 - 16:38
المحور:
مقابلات و حوارات
- الحلقة 78-
من عروسة الشمال طنجة، شاعر وصحافي، ينتقل بين بساتين الكلمات لينتقي لنا أجودها، ناسجا منها نصوصا شعرية ينشر أريجها هنا وهناك، من أجل التعرف أكثر على هذه الذات الشاعرة وعلاقته الجميلة بالمقهى كان الحوار التالي....
بعيدا عن الكتابة.. من هو أحمد فرج الروماني؟
أن أقول من أنا معناه أن "أتعرى" أمام الآخر، أو أقتني بجميل الكلام أقنعة، فأصير أفاكا أثيما. لذلك. سأحاول جاهدا أن أقول نفسي بشكل تلقائي وعفوي.. أنا، فقط، ما تبقى من الأبيض والأسود، لا أجيد فعل شيء غير الاستماع إلى الموسيقى... أنا الفاشل في كل شيء، فاشل في كل الألعاب التي كان يلعبها أطفال الحي لما كنا صغارا، فاشل في حفظ القرآن وفي الدراسة (لطالما كانت مدرسة اللغة الفرنسية تضربني على أناملي الصغيرتين كلما جاء دوري في القراءة أو في استظهار فعل "أَفْوَارْ" الذي لم أستطع حفظه لحد الآن، حتى أنني كدت أكره الفرنسية لو لم أصادف في دراستي أستاذة أخرى كانت كما شمس لا تنطفئ، كانت أستاذة في كل شيء..، كنت ساعتها في الثامنة عشرة من عمري –وأكبر بقية زملائي بثلاث سنوات-، وبطبيعة الحال، كنت قد أغرمت بها) اخترت أن أضع حدا لعناء التمدرس، ففشلت في ذلك أيضا، ليس لأنني أنهيت دراستي، بل لأنني ندمت على إنهائها. شاءت ظروف معينة أن أمتهن الصحافة، كنت أرسل نصوصا خلتها يوما ما شعرا إلى بعض المنابر الجهوية والمحلية بطنجة، وكان المسؤولون عن تحرير تلك المنابر يعملون على نشرها، إما لأنهم أيضا كانوا يحسبون أنها شعرا، أم أنهم كانوا يملؤون بها الفراغ. وبعد ذلك جعلت أكتب مقالات اجتماعية، كانت تجد بكل سهولة طريقها إلى النشر حتى قيل لي يوما على سبيل النفاق والاستغلال في آن واحد: " أنت تكتب جيدا، وقد كلمت إدارة الجريدة بشأنك لتجد لك منصبا ماليا بيننا". وكان هذا سبب تهوري في ترك تعب الباكالوريا وامتهان الصحافة. وقد نجحت الآن في تحقيق عشر سنوات من الفشل المهني، لا لشيء، فقط لأنني أكتب ما أومن به، وأعرف ما معنى أن تكون صحافيا... بعيدا عن الدراسة والمهنة، فأنا كذلك فاشل في الحب..، لم أستطع مطلقا أن أحب امرأة واحدة... باختصار شديد، استطعت أن أحظى بمكانة رفيعة بين مجموعة من الأصدقاء البسطاء مثلي، وهم أيضا فشلوا في كل شيء، نجتمع كل مساء في مقهى كلاريدج ونضحك بصوت مرتفع على فشلنا... كيف ومتى جئت إلى عالم الإبداع؟ كيف، متى ومن جاء إلى الآخر ؟ أهو الإبداع من جاء إلي أم أنا من لجأ إليه؟..، لا أدري. ولا أظن أن أحدا من المبدعين الحقيقيين يعرف ذلك. لا أحب أن أكون مدعيا فأقول أن الشعر يكتب من خلالي أو أنه هو من يكتبني، فكل هذا لغو، ومن لغا لا إبداع له.. وحتى أجيبك عن سؤالك، أظن أن فعل الإبداع ينتج بالضرورة عن كل امرئ استطاع أن يكون إنسانا، أقصد، متى استطاع الفرد أن يعيش كإنسان حر غير مستلب ولا مستعبد، يمتلك القدرة على الاختيار، ويأخذ وقته الكافي للتأمل في دواخله وفي الأشياء المحيطة به، فسوف يُهَيِّجُ المبدع النائم في صدره. "أنا أيضا أطيرْ كل إنسانٍ طائرْ" هذا ليس كلامي، لكن أنا أيضا إنسان، وكل إنسان مبدع.
ما هي الحواجز التي تعرقل مسيرة الكاتب الإبداعية؟
فكرة الحواجز والعراقيل والحرب الخفية ضد الأصوات الجديدة أو الشابة؛ هي مجرد أوهام، وإذا افترضنا جدلا أن هناك بالفعل عراقيل وحواجز تعترض سبيل المبدع، فهي غير قادرة تماما على كتم هذه الأصوات أو هذه التجارب من الظهور بين باقي التجارب الإبداعية الأخرى. المبدع الحقيقي لا يهمه حتى أن يُعْرَفَ بالمبدع ولا حتى أن يجالس المثقفين ويصاحبهم، لا يهمه لا نقاش أزمة الحداثة ولا مشكلة الفلسفة ولا أي شيء آخر..، هو فقط يقول كلمته ويمضي، تماما كما الأنبياء... من هو غير هذا –في نظري فقط- قد يمارس فعل الإبداع، لكنه ليس مبدعا. وحسب جان كوكطو؛ "الشعر يصدر عن أولائك الذين لا يعنون به، مناجو الأرواح يأتون من بعد"
ما هي طبيعة المقاهي في طنجة؟ وهل هناك مقاه ثقافية؟
المقاهي كعادتها، تترصد أسرار الأزقة والطرقات وأضواء السيارات. كافي سِنْطْرَالْ، كافي دُو بَارِي، كلاريدج، غْرُانْ بُوسْطْ، حَنَافْطَة، الحافة، مَادَامْ بُورطْ - رغم ما أصابها من تشويه أفقدها جماليتها ورائحتها -. مقاه عرفت روادا كثيرين من المبدعين والفنانين والمثقفين عموما..، هي الآن لا تزال بخير، لكن مريديها الجدد يعشقون كرة القدم.. الآن في طنجة نوع ثانٍ من المقاهي، مقاهي لا يستطيع المبدع تحمل بهرجتها وزينتها المبالغ فيها، أو ربما يخاف من الذهاب إليها... الحقيقة أن طنجة لا تملك أي شيء مرتبط بالثقافة، لا مقاه ثقافية، ولا أندية ثقافية..، لا مؤسسات ولا مراكز ثقافية ولا حتى مندوبية ثقافية..، في طنجة، مجموعة من الادعائيين، نصبوا أنفسهم رعاة الثقافة في المدينة. مجموعة من السماسرة استطاعوا بكل ذكاء أن يشتتوا شمل المشتغلين والمنشغلين بالفن والإبداع من الطنجاويين، ليستحوذوا على كل ما من شأنه (....) وكل من وِرْدٍ يشربون.. لكن هذا لم يمنع عددا من مثقفي المدينة من الاشتغال بعيدا عن المؤسسات والبعثات المنتدبة ليفرضوا وجودهم في المشهد الثقافي بكل قوة، سواء في المجال المسرحي أو السينمائي أو الإبداعي (شعري، تشكيلي، روائي وأيضا قصصي) أو في المجال الفكري والسياسي وأيضا الإعلامي.. أذكر أنه كانت هناك محاولة جادة لخلق صالون ثقافي بمقهى "حقول الإيليزي"، وقد لقيت هذه المحاولة في مهدها نجاحا موفقا..، لكنها في نهاية المطاف أقبرت لأسباب خفية. بعد ذلك وقبل ذلك لم أسمع بوجود مقهى ثقافيا. واجتماع مجموعة معينة من المثقفين والمبدعين في مقهى معين، لا يعني أن هذا المقهى مقهى ثقافيا.
هل هناك علاقة بين المبدع أحمد فرج الروماني والمقهى؟ وهل سبق وجربت جنون الكتابة بهذا المكان؟
لم تكن علاقتي قوية إلا بطرفين (إلى جانب أسرتي طبعا): أصدقائي والمقهى، حتى أنني صرتُ أمنح المقهى وقتا أكثر بكثير مما أمنحه لأسرتي... مقهاي صباحا تكون محرابي أو صومعتي التي علمتني العزلة والناس حولي، قربي وأمامي، خلف زجاج النافذة، -يسيرون ويجيئون-، فيها كتبت أول نصوصي، وفيها كتبت آخر نصوصي، وهي أيضا قصيدة لم أكتبها بعد.. في المقهى، يذوب غضبي وأنسى حزني ويتوقف الزمن عند طاولتي المؤثثة دائما بأجندة صغيرة وقلم أزرق وبضع سجائر (أو علبة صغيرة في بعض الأحيان) وكأس قهوة سوداء أضعه في غالب الأحيان قرب المرمدة ( أتذكر هنا أنني غالبا ما أنفض السيجارة –سهوا- في كأس القهوة بدل أن أنفضها في المرمدة ).. المقهى، وحدها، ما يشعرني بمن أكون في أعين الغير، وحدها ما يثير المتعة في أناي، وحدها (من) يدري هواي، وحدها (من) يعرف ما أريد وما لا أريد...
في رأيك، مازالت المقاهي تحتفظ بدورها في المجالين الإبداعي والثقافي؟
النميمة الثقافية وحدها ما تبقى من هذا الدور، هذا إن افترضنا أنه كان لدينا في وقت ما مقاهٍ ثقافية. عدا ذلك، يمكن اعتبارها زاوية تجعلك تلتقي، صدفة، بمبدعين ومثقفين يزورون المدينة، فهم غالبا ما يقصدون هذه المقاهي التي ذكرتها سلفا –حتى وإن لم تكن لهم سابق معرفة بالمدينة- لأن لهذه المقاهي رائحة أو جاذبية غريبة لا يتفاعل معها إلا المبدع.. وما كنت أود قوله في البداية أن النميمة الثقافية التي تبقى المقهى مرتعا خصبا لها تخلق في كثير من الأحيان خلافا بين طرفين لا دخل لأحد منهما فيه.. أظن أنه علينا أن نكبر قليلا، كي نؤسس لمقهى ثقافي نموذجي أو أي مشروع ثقافي يستدعي مشاركة مثقفي ومبدعي المدينة..
ماذا تمثل لك: طنجة، القصيدة، الطفولة؟
الطفولة: أنشودة كلما رتلناها بكينَا. والقصيدة امرأة مستحيلة..، تُحبُّها وتحبكَ، تراودك لحظةً وتمضي هاربة إلى لحظة أخرى قد لا تجيء، لتتركك حزينَا. وطنجة بيت القصيد..، هي خبز الأم وفران الحي، هي البذلة المدرسية الأولى وفرحة المقلمة وقلم الرصاص، هي ذكريات الفرار من حصص اللغة الفرنسية وكويرات البِلِيِّ واصطياد العصافير.. طنجة: ابنة جارتنا التي يستحيل تخيل ملامحها الآن، لا زلت أذكرها، فقط، وهي جالسة عند عتبة منزلها المقابل لمنزلنا، تأكل الخبز بالزيت والسكر، وتمنح قطعا منه لكل من يبتسم لها من أطفال الحي.. طنجة أيضا قصيدة مستحيلة طنجة أيضا امرأة مستحيلة طنجة؛ قصيدة، امرأة، جنة وجحيم...
كيف تتصور مقهى ثقافيا نموذجيا؟
السؤال الآن هو كيف يمكننا جميعا تصور مثقف "نموذجي" تكون أناه خالصة متعالية، غير متألهة ولا معنية بإعطاء المعاني للأشياء..، مثقف يعي جيدا ما معنى حرية الاختيار والحق في الاختلاف وفي أن يكون بالفعل خليفة الله في الأرض. إذا تحقق ذلك، فإن أي تصور لمقهى ثقافي سيكون نموذجيا وملائما لخلق حراك ثقافي في المدينة... وإلى أن يتحقق ذلك، علينا القبول بقليل من النفاق الاجتماعي، كي نستطيع خلق مقهى ثقافيا يساهم في خلق متنفس للمبدعين والفنانين، في ظل الجمود الذي تعرفه المؤسسات الثقافية الرسمية في المدينة.
#فاطمة_الزهراء_المرابط (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القاص والشاعر المغربي محمد منير... في ضيافة المقهى؟؟!
-
إصدار قصصي جديد - سَتَّة وْسَتِّين كْشِيفَة- للقاص المغربي ا
...
-
مدينة ابن أحمد تحتفي بالقاص المغربي حسن البقالي
-
جمعية -النجم الأحمر- تحتفي بالقاصة الراحلة مليكة مستظرف
-
جائزة أحمد بوزفور للقصة القصيرة
-
إعدادية الوحدة بطاطا تحتفي ب-إدريس الجرماطي- و-فاطمة الزهراء
...
-
زاكورة تحتفي بالقصة القصيرة
-
إصدار قصصي جديد - رقصة الجنازة- للمبدع المغربي إدريس الجرماط
...
-
أصيلا تحتفي باليوم العالمي للشعر
-
اليوم العالمي للمرأة في ضيافة إعدادية النهضة بأحد الغربية
-
فاس تحتفي بالمبدع المغربي عبد الرحيم مؤدن
-
الملتقى الوطني التاسع للقصة القصيرة بفاس يكرم الأديب المغربي
...
-
الدعارة ...واقع يطرح أكثر من سؤال؟؟ الجزء الثالث
-
الشاعرة المغربية البتول العلوي... في ضيافة المقهى؟؟!
-
أصيلة تحتفي بالقاص المغربي أحمد السقال
-
القاص المغربي أحمد السقال... في ضيافة المقهى؟؟!
-
القاص والناقد العراقي وجدان عبد العزيز... في ضيافة المقهى؟؟!
-
الشاعر المغربي محمد العناز… في ضيافة المقهى؟؟!
-
بلاغ الملتقى الوطني التاسع للقصة القصيرة بفاس
-
القاص المغربي عبد السميع بنصابر… في ضيافة المقهى؟؟!
المزيد.....
-
آخر ضحايا فيضانات فالنسيا.. عاملٌ يلقى حتفه في انهيار سقف مد
...
-
الإمارات تعلن توقيف 3 مشتبه بهم بقتل حاخام إسرائيلي مولدافي
...
-
فضيحة التسريبات.. هل تطيح بنتنياهو؟
-
آثار الدمار في بتاح تكفا إثر هجمات صاروخية لـ-حزب الله-
-
حكومة مولدوفا تؤكد أنها ستناقش مع -غازبروم- مسألة إمداد بردن
...
-
مصر.. انهيار جبل صخري والبحث جار عن مفقودين
-
رئيس الوزراء الأردني يزور رجال الأمن المصابين في إطلاق النار
...
-
وسيلة جديدة لمكافحة الدرونات.. روسيا تقوم بتحديث منظومة مدفع
...
-
-أونروا-: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
رومانيا: رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا يتصدر الدورة الأولى من
...
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|