|
محددات المبادرة السياسية الاوروبية
احمد مجدلاني
الحوار المتمدن-العدد: 1013 - 2004 / 11 / 10 - 11:09
المحور:
القضية الفلسطينية
تفيد جملة المؤشرات المعبر عنها في الأوساط والمؤسسات السياسية الأوروبية، بأن هناك تحركا سياسيا أوروبيا جديا يعد له من قبل مجموعة من الدول الأوروبية الفاعلة في الاتحاد الأوروبي والتي على صلة أكثر من غيرها من دول الاتحاد مع الشرق الأوسط والصراع الفلسطيني الإسرائيلي،ومرتبطة بروابط تاريخية وسياسية وجغرافية عبر مشاطئتها على حوض البحر الأبيض المتوسط . وهذا التحرك المبادر سياسيا في الواقع ليس وليد الصدفة كما انه لم يكن المبادرة الأولى من دول الاتحاد الأوروبي اتجاه الوضع بالمنطقة ، لكنه في هذه الظروف بالتحديد يكتسب ربما أبعادا مختلفة عما كانت عليه الظروف والمعطيات في مراحل تاريخية سابقة ، وقد يكون احد العوامل الدافعة لهذا التحرك الآن ، استحقاق الانتخابات الأمريكية وتزايد المؤشرات على إمكانية استمرار الإدارة الحالية وإمكانية التعاون معها على الصعيد الدولي في فترتها الجديدة بخلاف الفترة الماضية ارتباطا بان الانتخابات الأمريكية رغم النجاح الذي حققه الحزب الجمهوري وعودة للرئاسة عكس انقساما أمريكيا داخليا اتجاه السياسية الخارجية بما في ذلك داخل معسكر بوش نفسه ولم يكن من الممكن في إطار حملة بوش أن يظهر هذا التناقض في الرؤية للسياسية الخارجية مما قد يعني إن الإدارة الجديدة القديمة وكما توحي بعض المؤشرات معنية بإعادة الشراكة مع أوروبا في العلاقات الدولية ، وانتهاج سياسية تقلل من حجم التوتر الذي ساد في العلاقات السياسية الدولية وعرضت أمنه لمزيد من الخطر أكثر مما كان عليه في السابق . كما وان الاستراتيجية التي انتهجتها إدارة بوش في المرحلة الماضية باحتكار واستبعاد إي دور لأوروبا في رعاية عملية السلام في المنطقة والسماح لها بلعب دور الممول فقط قد حد من أمكانية توظيف وترجمة هذا الدور وتثميره سياسيا واقتصاديا ، لصالح الاتحاد الأوروبي . إن هذه القراءة لإمكانيات التغيير المحتملة في السياسية الخارجية للإدارة الأمريكية الجديدة القديمة عند بعض الأطراف من دول الاتحاد الأوروبي كانت من العوامل المهمة والدافعة لبلورة رؤية للمساعدة في إعادة إحياء وإنعاش عملية السلام التي دخلت في غيبوبة عميقة منذ زمن طويل ، واستمرارها قد يفاقم من الأزمة القائمة ويدفعها لمزيد من التأزم وربما التفجر، وهو أمر لا تستطيع أوروبا السكوت عنه أو انتظار حدوثه،لان الأمن في المنطقة مرتبط بالأمن الأوروبي وبالتالي فإن زيادة نزعات التطرف جراء التصعيد العسكري الإسرائيلي واستطالة الأزمة وتفاقمها سيجعل من أوروبا ليس ساحة للصدام فحسب وإنما طرفا وهدفا في آن معا ، ومن هنا فإن اعتبارات الأمن والاستقرار في المنطقة وامتداده في أوروبا يشكل احد العوامل الدافعة والمحركة لهذه المبادرة . العامل الثاني هو وجود خطة إسرائيلية( خطة شارون للفصل الأحادي الجانب) والتي أصبحت ووفقا لسياسة الأمر الواقع المفروض هي الخطة الوحيدة المطروحة على طاولة البحث السياسي ، ورغم التحفظات العديدة التي يبديها الاتحاد الأوروبي اتجاه هذه الخطة وقصورها وخصوصا فيما يتصل بأنها أحادية الجانب ولا تتم بالتنسيق مع السلطة الوطنية الفلسطينية ، وإنها من غير المقبول أن تكون بديلا عن خطة خارطة الطريق وإنما يتعين اعتبارها في حال إنها نفذت جزء منها . ورغم النواقص والثغرات المسجلة أوروبيا على هذه الخطة فإن التحرك الأوروبي القادم ينظر إلى هذه الخطة باعتبارها فرصة وتحدي في آن معا ، فهي فرصة من جهة لإعادة تحريك وإحياء عملية السلام ومدخل لا بد منه لوقف حالة التدهور والانهيار في الوضع الأمني والسياسي ووضع حد لمعاناة للشعب الفلسطيني ، وتحدي من جهة أخرى تفرضه هذه الخطة مع البيئة السياسية التي تتفاعل معها وفي مقدمة هذه التحديات : - فشل شارون أو عدم قدرته أو رغبته الجدية على مواجهة ضغوط قوى اليمين الديني والقومي المتطرف المتزايدة في الشارع الإسرائيلي ومنها بدون أدنى شك الوضع داخل حزب الليكود المهدد بالانقسام رغم قرار الكنيست بخطة الانفصال وتمويلها ، مما يضع شارون أمام خيار الذهاب إلى انتخابات مبكرة ، مما يعني بكل بساطة إجهاض هذه الفرصة الوحيدة أو على الأقل تجميدها إلى حين انتهاء الانتخابات الإسرائيلية واتضاح من سيفوز فيها . - استمرار شارون بالتصعيد العسكري لاعتبارات تتصل أولا باستراتيجيته التي دائب عليها والتي يسميها (ضرب البنية التحتية للإرهاب) مما قد يستدرج ردا فلسطينيا في العمق الإسرائيلي وبالتالي استمرار دوامة العنف المتبادل والمتصاعد بحيث تقضي على أي إمكانية لأي مبادرة سياسية في المدى المنظور . - ارتباطا بالعاملين السابقين فإن استمرار الرعاية المصرية قد يصبح مشكوكا في استمراره ، خاصة وانه لا يستطيع أن يثمر إلا في مناخ من التهدئة وهو يسعى أساسا للتهدئة كمدخل لمعالجة القضايا الأخرى ، وبالتالي فإن استمرار دوامة العنف وتصاعدها قد يؤدي بالقيادة المصرية إلى تجميد دورها أو الانسحاب من العملية.
لكن ورغم هذه التخوفات النابعة من القراءة الموضوعية للوضع القائم فإن الخطة الأوروبية التي تقوم من حيث المضمون على أربعة عناصر وهي الأمن ، والإصلاح السياسي ، والإصلاح الاقتصادي ، والانتخابات، وكما عبر عنها السيد خافير سولانا المفوض الأعلى للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي في مداخلته أمام البرلمان الأوروبي في ال13 من الشهر الماضي والتي اعتبرها الأساس لخطة العمل التي تبني عليها الخطة المتكاملة والتي عرضها أمام اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد في الخامس من نوفمبر الجاري وكذلك للمصادقة عليها من قبل المجلس في نهاية الشهر نفسه . إن هذه الخطة بعناصرها ومضمونها تواجه تحديا من قبل شارون الذي يضع تحفظات واشتراطات ترتبط أولا بالموقف الأوروبي من القيادة الفلسطينية وضرورة التخلي عنها حتى بعد غياب الرئيس عرفات ، وذلك كمقدمة لإيجاد قيادة بديلة مقبولة من جانبه ، وعدم الاستعداد للربط بين خطته للفصل الأحادي الجانب وبين خطة خارطة الطريق ارتباطا بعدم استعداه للوصول في عهده على الأقل لاستحقاق قيام الدولة الفلسطينية . هذه التحديات التي تواجه المبادرة أو التحرك الأوروبي القادم لا يمكن أن يكون مفاجئا أو غير متوقعا خاصة وان الزيارات الرسمية الأوروبية تتم وعلى أعلى المستويات وأخرها زيارة وزير خارجية فرنسا ، وكذلك التواصل مع إسرائيل عبر قنوات مختلفة تجعل هذه المواقف في عداد المعروفة سلفا ، وبالتالي فإن معرفتها المسبقة من جهة والإصرار على بقاء المبادرة التحرك قائمة يشير إلى انتظار عوامل أخرى مؤثرة قد تدخل لتليين أو تغيير الموقف الإسرائيلي لتخفف أو تزيل الاشتراطات المسبقة، وبما يؤدي إلى إفساح المجال أمام المبادرة لتشق طريقها للتحقيق في ظل رعاية ودعم أمريكي محسوب، لا يدخل فيه حسابات المنافسة والإقصاء السابقة . إن الترحيب الفلسطيني والعربي والاستعداد للتعاطي الايجابي مع التحرك المبادرة الأوروبية، انطلاقا من تفهم أبعاد وأهمية هذا الدور في إطار التوازن المفقود بالرعاية الدولية للعملية السياسية، يشكل احد عوامل نجاحه لكنه ليس شرطه الوحيد والمقرر. ولا يبدو في الأفق أن تحولا دراماتيكيا سيجعل من الموقف العربي والفلسطيني ذا مشروطية مقررة كما هو حال الموقف الإسرائيلي ، والى أن يحدث ذلك ستظل شروط التحرك السياسي محكومة بهذه الاعتبارات والمعايير .
رام الله 9.11.2004
#احمد_مجدلاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسؤليات سد فراغ الغياب المؤقت للرئيس
-
ثقافة التهميش والاقصاء
-
خيارالانتخابات المبكرة الاسرائيلية
-
مابعد الانتخابات الامريكية
-
اربع سنوات على الانتفاضة دروس وعبر 2-2
-
اربع سنوات على الانتفاضة دروس وعبر1-2
-
اوهام السلطة والحل الشاروني
-
ازمة سياسية ام ازمة النظام السياسي
-
الانتفاضة في عامها الثالث: الأهداف والمهام المباشرة
المزيد.....
-
أوكرانيا تعلن إسقاط 50 طائرة مسيرة من أصل 73 أطلقتها روسيا ل
...
-
الجيش اللبناني يعلن مقتل جندي في هجوم إسرائيلي على موقع عسكر
...
-
الحرب في يومها الـ415: إسرائيل تكثف هجماتها على لبنان وغزة
...
-
إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام تسفي كوغان في الإمارات ب
...
-
اتفاق الـ300 مليار للمناخ.. تفاصيله وأسباب الانقسام بشأنه
-
الجيش اللبناني: مقتل جندي وإصابة 18 في ضربة إسرائيلية
-
بوريل يطالب بوقف فوري لإطلاق النار وتطبيق مباشر للقرار 1701
...
-
فائزون بنوبل الآداب يدعون للإفراج الفوري عن الكاتب بوعلام صن
...
-
الجيش الأردني يعلن تصفية متسلل والقبض على 6 آخرين في المنطقة
...
-
مصر تبعد 3 سوريين وتحرم لبنانية من الجنسية لدواع أمنية
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|