|
مشاركة في انتخاب الرئيس الأميركي!
ياسين الحاج صالح
الحوار المتمدن-العدد: 1013 - 2004 / 11 / 10 - 11:08
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
قد ينبغي أخذ استطلاع رأي مواطنين من 23 دولة، أجرته مجموعة "غلوبال ماركت ريسيرش"، مؤخرا بعين الجد، والتفكير في مشاركة مواطني العالم في انتخاب الرئيس الأميركي. تسويغ هذه المطالبة بسيط جدا ومؤسس جيدا على المبادئ الديمقراطية: قرارات ساكن البيت الأبيض تؤثر على مصائر دول وشعوب وافراد في أرجاء العالم جميعا. فهو بمعنى ما رئيس العالم. ومن حق من يتأثرون بقرارات سلطة ما أن يبدوا رأيهم في عملها ويشاركوا في انتخابها.
ربما نتذكر أن بوش أخذ على كيري أنه يشترط اخذ راي فرنسا في القرارات التي تتخذها الولايات المتحدة! حسنا، لم لا؟ على الأقل بصدد السياسات الأميركية التي تتأثر بها فرنسا فوق حد معين. والأرجح أن الأوربيين، وبينهم فرنسيون، فضلوا كيري رئيسا لأنهم يأملون ان يشاورهم في سياسات بلاده التي قد تمس مصالحهم، خلافا لما فعل بوش. لكن اكثر من تأثر بسياسات إدارة بوش هم سكان "الشرق الأوسط" التعساء. وهذا يمنحنا الحق في أن نطالب بأن نشارك في انتخاب رئيس الأميركيين أو أن يكفوا عن التدخل في شؤوننا. لا يغير من ذلك أن هناك سلطات أخرى تؤثر قراراتها على مصائرنا بقوة أكبر من الولايات المتحدة دون أن ننتخبها: أنظمة الشرق الأوسط جميعا بما فيها "الديمقراطية" الوحيدة فيه. لكن الأنظمة العربية ليست ديمقراطيات، وإسرائيل لا تستشير غير اليهود حين تقرر قتل الفلسطينيين واحتلال اراضي العرب. قد تبدو الدعوة إلى مشاركة الشرق أوسطيين (لننس الفرنسيين) في الانتخابات الأميركية امرا غير عملي. إنها كذلك بالفعل. فنحن نعلم أن توسيع القاعدة البشرية للانتخابات الأميركية غير ممكنة في ظل هياكل الدولة القومية ونظام الدول العالمي القائم حاليا. لكننا نعلم كذلك أن هذه الهياكل تتسبب بتدهور متزايد للعملية الديمقراطية، داخل الديمقراطيات ذاتها، وفي سياساتها الدولية، فضلا عن تعثر استكمال التحول الديمقراطي في كثير من دول العالم، وبالخصوص في الشرق الأوسط. فالعالم يزداد تشابكا واختلاطا، بينما تستمر الحواجز السياسية على حالها. وهو ما يغلب أن يعني أن الدولة القومية لم تعد المقر الملائم والحصري للعملية الديمقراطية. فإذا استمر الحال هكذا فستزداد تناقضات الممارسة الديمقراطية في الدول القومية ذات السيادة، وربما نعود إلى عصر استعماري جديد لقطع الطريق على المطلب الديمقراطي العالمي. ولدى الموجة الاستعمارية الجديدة منذ الان إيديولوجية مشرعة: العقيدة الديمقراطية، ومذهبا عسكريا: مذهب بوش. وعلاقة العقيدة الديمقراطية بالديمقراطية مثل علاقة الإدارة الأميركية بشعوب العالم: العقيدة تعبر عن إدارة بوش والديمقراطية تمثل شعوب العالم. البديل الأنسب عن ذلك هو إطار عالمي للديمقراطية، مواز للاطر القومية القائمة وليس بديلا لها. اعني عملية ديمقراطية عالمية توازي العملية الديمقراطية المحلية، على ان يعاد النظر في توزيع السلطة والتفويض بينهما مع الزمن. وهذا شيء شبيه من حيث المبدأ بالعلاقة بين البرلمان الأوربي والبرلمانات المحلية.
امتناع هذا البديل سينعكس على الديمقراطية في الديمقراطيات العريقة ذاتها. ولعله في إطار العسر الديمقراطي العالمي استفادت النخبة الأميركية من 11 أيلول لإثارة الشعور القومي وتوحيد المجتمع الأميركي بطريقة بعثية، وتخوين المنشقين الأميركيين بطريقة بعثية ايضا، والتوجه نحو سياسات اقتصادية واجتماعية محافظة، وتقييد الحريات العامة. وفي الوقت نفسه أطلقت دينامية غزو عالمية لا يبدو أنها توشك أن تتوقف. وقد تجاوز عدد ضحاياها من العراقيين الذي لم يأخذ رأيهم في غزو بلادهم 100 ألفاً، ولم يعترف أحد بخطأ قرار شن الحرب رغم انكشاف زيف الحجج التي قدمت لتسويغها (اسلحة الدمار الشامل، العلاقة مع تنظيم القاعدة وهجمات 11 ايلول)، وانفضاح كذب العملاء العراقيين من أمثال السيد أحمد شلبي. إن الديمقراطية التي لا تعترف بأخطائها أو التي تعزل الشعب عن تفحص قراراتها تعزل نفسها وتجعل من ذاتها عرضة لتلاعب الأقوياء بها. وهكذا فإنه حين اخترعت الولايات المتحدة ذريعة نشر الديمقراطية لغزو العراق وإسقاط نظام صدام حسين كان نظامها أبعد عن الديمقراطية مما كانه منذ الحرب العالمية الثانية على الأقل. إن قرارات السيد بوش أو السيد كيري ستؤثر على مستقبل بلدي وعلى حياتي الشخصية كمعارض ديمقراطي سوري، وكعربي. وربما يكون تاثيرها هو الحاسم في الشهور المقبلة. وأجد هذه السياسات تصدر عن منطق القوة والهيمنة لا عن منطق التضامن مع الضعفاء والدفاع عن المضطهدين. ولا أحتاج إلا إلى النظر إلى القتل اليومي للفلسطينيين كي أتحرر من اي وهم بصدد المشروع الأميركي في منطقتنا. فالعادل في العراق أو في سوريا لا يمكن ان يساند قاتلا محترفا في فلسطين. لذلك أرى أن سياسة الولايات المتحدة حيال بلادي (وفي الشرق الأوسط بصورة عامة) هي الوجه الآخر لسياسات نخبة الحكم السوري التي لا تعترف بقدرة السوريين على اتخاذ قرارتهم وصنع مصيرهم. بل إن السياسات الأميركية تجمع بين الدكتاتورية والاحتقار الثقافي وفقا لما رأيناه في سجن أبو غريب قبل اشهر. ويبدو لي ان دمقرطة "الشرق الأوسط" تقتضي التحرر من سلطتين أو ثلاثا لا سلطة واحدة. سلطة الدكتاتوريات الحاكمة في المنطقة؛ سلطة الدولة المعفاة من القانون: إسرائيل؛ وسلطة السلطات جميعا: اميركا. ولا واحدة من هذه السلطات ديمقراطية، بقدر ما يتصل الأمر "بالشرق الوسط"(هذا المفهوم ينطوي على مركزية جيوسياسية غربية، تضمر ان مركز المنطقة ليس شعوبها: العرب والأتراك والإيرانيين والأكراد والافغان، بل هو خارجها). لقد كان لسياسات الولايات المتحدة على الدوام دور في صنع أوضاعنا أكثر بكثير مما يفضل الأميركيون ان يقروا. وهو دور لا يقل إلا عن دور الدكتاتوريات الحاكمة في بلادنا، والتي لطالما أظهر الأميركيون استعدادا لدعمها طالما هي تنفذ سياساتهم وتستجيب لمطالبهم. واليوم الأولون يريدون السيطرة علينا بذريعة تحريرنا من الدكتاتورية، والثانون يريدون إبقاء سيطرتهم علينا بذريعة الصمود في وجه التهديدات الخارجية. لكننا سنكون أحرارا بالفعل حين نتحرر من الاثنين. اي حين نستكمل عملية التحرر الوطني المجهضة في "الشرق الاوسط" التعيس بالتحول الديمقراطي.
#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اي مستقبل لبلادنا دون الخط الثالث؟ 2 من 2
-
أي مستقبل لبلادنا دون الخط الثالث؟ 1 من 2
-
إصلاح حزب البعث والإصلاح السياسي في سوريا
-
حول الطريق الثالث ... مرة ثالثة
-
اسحقوهم بتناسب، وحطموهم برفق، واقتلوهم بلطف!
-
الاستقطاب والاختيار: حول مفهوم السياسة 2 من 2
-
الاستقطاب والضعف : حول الخط الثالث مجددا 1 من 2
-
ماضي الخط الثالث ومستقبله في سوريا
-
مذهب الضربات الوقائية والعقلانية في النظام العالمي
-
فليستقل مدير عام مؤسسة الاتصالات!
-
الجامعات الأسيرة صورة عامة للحال الجامعية السورية
-
على أثر العاديين ...في شاتيلا
-
في ذكرى اعتقال رياض سيف: احتجاج على شركتي الخليوي
-
ما العمل إن لم يكن لمفاوضة الطالبان ومقاتلي الشيشان بديل؟
-
نظام الهيمنة وإصلاح العلاقة السورية اللبنانية
-
السوريون والمسالة اللبنانية: أسرار الصمت
-
الرغبة في تقديس حكامنا؟!
-
أدونيس يهدر فرصة أن يبقى ساكتا
-
الجفاف السياسي يجعل المجتمع سهل الاحتراق
-
حوار حول بعض قضايا الحاضر السوري
المزيد.....
-
روسيا أخطرت أمريكا -قبل 30 دقيقة- بإطلاق صاروخ MIRV على أوكر
...
-
تسبح فيه التماسيح.. شاهد مغامرًا سعوديًا يُجدّف في رابع أطول
...
-
ما هو الصاروخ الباليستي العابر للقارات وما هو أقصى مدى يمكن
...
-
ظل يصرخ طلبًا للمساعدة.. لحظة رصد وإنقاذ مروحية لرجل متشبث ب
...
-
-الغارديان-: استخدام روسيا صاروخ -أوريشنيك- تهديد مباشر من ب
...
-
أغلى موزة في العالم.. بيعت بأكثر من ستة ملايين دولار في مزاد
...
-
البنتاغون: صاروخ -أوريشنيك- صنف جديد من القدرات القاتلة التي
...
-
موسكو.. -رحلات في المترو- يطلق مسارات جديدة
-
-شجيرة البندق-.. ما مواصفات أحدث صاروخ باليستي روسي؟ (فيديو)
...
-
ماذا قال العرب في صاروخ بوتين الجديد؟
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|