أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - فيدل كاسترو - هايتي، التخلف والإبادة















المزيد.....


هايتي، التخلف والإبادة


فيدل كاسترو

الحوار المتمدن-العدد: 3399 - 2011 / 6 / 17 - 23:08
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


تأملات الرفيق فيدل

هايتي، التخلف والإبادة

قبل أشهر قليلة فقط، في السادس والعشرين من تموز/يوليو 2010، أثناء لقاء مع مثقّفين وفنّانين كوبيين، سألني قائد منظمة "رعاة من أجل السلام" الأمريكية، لوسيوس ووكر، عمّا يمكن أن يكون عليه الحل بالنسبة لمشكلات هايتي.

من دون أن أضيّع دقيقة واحدة، أجبته: "في عالم اليوم ليس هناك من حل يا لوسيوس، أما في المستقبل الذي أتحدث عنه، فنعم. الولايات المتحدة هي منتج كبير للمواد الغذائية، يمكنها أن تموّن ألفي مليون شخص، وربما تكون لديها القدرة على بناء منازل تقاوم الزلازل؛ المشكلة تكمن في الطريقة التي يتم بها توزيع الموارد؛ ولكن ليس هناك من حل في النظام الحالي السائد في العالم".

كان لوسيوس يقصد مشكلات هذا البلد الجبلي، ذي الكثافة السكانية العالية، الخالي من الأشجار والوَقود المنزلي، والمفتقِد للاتصالات والصناعات، وذي النسبة العالية من الأميّة وأمراض كالآيدز، وتحتله قوات الأمم المتحدة.

وأضفت له: "عندما تتغير هذه الظروف يا لوسيوس، يمكن حمل المواد الغذائية إلى هايتي من الولايات المتحدة".

قائد "رعاة من أجل السلام" النبيل والإنساني هذا توفي بعد ذلك الموعد بشهر ونصف، في السابع من أيلول/سبتمبر، عن عمر ناهز الثمانين، تاركاً وراءه بذرة مثاله لأمريكيين كثيرين.

لم تكن قد ظهرت بعد مأساة إضافية: وباء الكوليرا، الذي تحدثت تقارير الخامس والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر عن وجود ثلاثة آلاف حالة منه. يضاف إلى هذه الكارثة بالغة القسوة أن إعصاراً ضرب أراضيها في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر، متسبباً بسيلان وفيضان الأنهار.

مجموعة الظروف المأساوية تستحق أن تولى ما يلزم من اهتمام.

ظهر مرض الكوليرا للمرة الأولى في التاريخ المعاصر عام 1817، وهي السنة التي حدث فيها أكبر الأوبئة التي ضربت البشرية في القرن التاسع عشر، وأنزل عدداً كبيراً من حالات الوفاة، وخاصة في الهند. وفي عام 1826 ظهر الوباء مجدداً، فغزا أوروبا، بما فيها موسكو وبرلين ولندن، وامتد إلى نصفنا من العالم بين عامي 1832 و1839.

في عام 1846 ظهر وباء جديد أشد فتكاً بعد، حيث ضرب ثلاث قارات: آسيا وأفريقيا وأمريكا. وعلى مدار القرن، أخذت تتكرر الأوبئة التي تضرب هذه المناطق الثلاث. غير أنه على مدار أكثر من مائة سنة، تشمل كل القرن العشرين تقريباً، خلت بلدان أمريكا اللاتينية وحوض الكاريبي من هذا المرض، إلى أن ظهر مجدداً في السابع والعشرين من كانون الثاني/يناير 1991 في مرفأ شانكاي، شمال بيرو، فانتشر أولاً على ساحل المحيط الهادئ ثم انتقل إلى سواحل المحيط الأطلسي، وأصاب 16 بلداً. 650 ألف شخص أصيبوا بهذا المرض خلال فترة ستة أشهر.

مما لا شك فيه أن المرض يفتك أكثر ما يفتك بالبلدان الفقيرة، التي تتجمع في مدنها أحياء كثيفة السكّان تفتقد في كثير من الأحيان للمياه الصالحة للشرب، ويختلط ما توفّر من هذه بمياه الصرف الصحي، التي تحمل بكتيريا الكوليرا، فتتسبب بظهور المرض.

في حال هايتي بالذات، فإن الزلزال قد دمّر شبكتي المياه المذكورة المتوفرتين، ويعيش ملايين الأشخاص في خيم تفتقد في كثير من الأحيان حتى للمراحيض الأرضية، فيختلط كل شيء ببعضه البعض.

الوباء الذي ضرب نصفنا من العالم سنة 1991 جاء من بكتيريا الكوليرا 01، من النوع البيولوجي "التور"، والنمط المصليّ "أوغاوا"، وهو بالضبط ذات النوع الذي دخل عبر بيرو في تلك السنة.

المدير المساعد لمنظمة الصحة عبر الأمريكية، جون ك. أندروس، أبلغ أن البكتيريا الموجودة في هايتي هي هذه البكتيريا بالذات. تنبثق عن ذلك مجموعة من الظروف التي يتعيّن أخذها بعين الاعتبار، وفي حال فعل ذلك باللحظة المناسبة ينطوي على اعتبارات حاسمة.

كما هو معروف، منذ سنوات طويلة وبلدنا يقوم بتأهيل أطباء هايتيين رائعين ويقدّم خدمات صحية في هذا البلد الشقيق. كانت توجد مشكلات في هذا المجال كبيرة جداً، وأخذ الوضع يتحسن عاماً بعد عام. نظراً لعدم وجود سوابق، لم يكن أحد يتصور حدوث زلزال سيقتل أكثر من 250 ألف شخص وينزل عدداً كبيراً من الجرحى. أمام هذا الوضع المفاجئ، ضاعف أطباؤنا الأمميون جهودهم وتفانوا في عملهم بلا راحة.

في خضم الكارثة الطبيعية القاسية، نشأ قبل أقل من شهر من اليوم وباء الكوليرا بقوة كبيرة؛ وكما سبق وذكرنا، ضمن هذه الظروف المناوئة جاء الإعصار.

أمام خطورة الوضع، صرحت المديرة العامة المساعدة لمنظمة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، فاليري آموس، يوم أمس أن هناك حاجة لثلاثمائة وخمسين طبياً وألفي ممرضة إضافيين من أجل مواجهة هذا المرض.

ودعت الموظفة إلى إيصال المساعدة إلى ما هو أبعد من بورت برنس، وكشف بأن المؤن من الصابون والمياه النظيفة لا تصل إلا إلى عشرة بالمائة من العائلات المقيمة خارج العاصمة، من دون أن تذكر عددهم في هذه المدينة.

العديد من مسؤولي الأمم المتحدة عبّروا عن أسفهم في الأيام الأخيرة بسبب عدم تجاوز نسبة استجابة المجتمع الدولي لطلب المساعدة لمواجهة الوضع العشرة بالمائة من الـ 164 مليون دولار التي تم طلبها بشكل عاجل.

إحدى وكاللات الأنباء نقلت عن آموس دعوتها "إلى الاستجابة السريعة والعاجلة من أجل منع موت مزيد من الأشخاص بسبب الكوليرا".

وأبلغت وكالة أخرى اليوم أن عدد الهايتيين المتوفين قد وصل "إلى 1523، وتمت العناية بستة وستين ألفاً و593 شخصاً، بينما يواصل أكثر من مليون شخص النوم في الساحات العامة".

نحو أربعون بالمائة من المرضى تمت العناية بهم من قبل أعضاء الفرقة الطبية الكوبية، المكوّنة من 965 طبيب وممرض وفنّي، والذين تمكّنوا من خفض عدد حالات الوفاة إلى أقل من 1 بين كل مائة. بهذا المستوى من الرعاية، لا يمكن لعدد حالات الوفاة أن يصل إلى 700. الأشخاص المتوفّون، بشكل عام، كانوا على درجة حادة من الوهن بسبب سوء التغذية أو أسباب مشابهة. الأطفال الذين يتم كشف حالاتهم في الوقت المناسب، بالكاد يموتون.

إنه لأمر بالغ الأهمية منع الوباء من الانتقال إلى بلدان أخرى من أمريكا اللاتينية والكاريبي، لأن من شأنه أن ينزل ضمن الظروف الراهنة ضرراً ما فوق العاديّ ببلدان القارة.

تفرض نفسها الحاجة لإيجاد حلول فعّالة وسريعة لمكافحة هذا الوباء.

تم اليوم اتخاذ قرار من قبل الحزب والحكومة بتعزيز الفرقة الطبية الكوبية في هايتي بفصيلة من فرقة "هنري ريف"، مكوّنة من 300 طبيب وممرض وفنّي صحيّ، ليصل عددهم الكليّ هناك إلى أكثر من 1200 متعاون.

راؤول كان في زيارة لمناطق أخرى من البلاد، ومطلعاً على تفاصيل كل شيء.

إن شعب كوبا وحزبها وحكومتها سيكونون من جديد بمستوى تاريخهم المجيد والبطولي.

فيدل كاسترو روز

26 تشرين الثاني/نوفمبر 2010

الساعة: 9:58 مساءً


سبعة أيام بلا وفيات نتيجة الكوليرا


شرحتُ يوم أمس أنه قد توفي في هايتي 1523 شخصاً نتيجة الكوليرا، كما شرحتُ الإجراءات المتخذة من قبل الحزب والحكومة.

لم أكن أفكّر بكتابة كلمة واحدة اليوم عن هذه القضية. غير أنني تراجعت عن الفكرة، لكي أكتب تأملاً وجيزاً عن الموضوع.

الدكتورة ليا غيدو، ممثلة منظمة الصحة عبر الأمريكية-منظمة الصحة العالمية لدى كوبا، وهي في هذه اللحظة ممثلة المنظمتين لدى البلدين وتتمتع بخبرة واسعة-، صرّحت عصر اليوم أنه ضمن الظروف الحالية السائدة في هايتي، كان من المتوقّع إصابة 400 ألف بالوباء.

من ناحية أخرى، عقد كل من نائب وزير الصحة الكوبي ورئيس البعثة الطبية الكوبية وسفير بلدنا لدى هايتي وغيرهم من الرفاق في البعثة اجتماعاً على مدار هذا اليوم مع كل من الرئيس رينيه بريفال والدكتورة ليا غيدو ووزير الصحة الهايتي وغيرهم من المسؤولين الكوبيين والهايتيين، لبلورة الإجراءات التي سيتم اتخاذها بصورة طارئة.

تدير البعثة الكوبية 37 مركزاً يعكف على مكافحة الكوليرا، حيث وفر طاقمها العناية حتى هذا اليوم بستة وعشرين ألفاً وأربعين مصاباً بالكوليرا، وقد أضيف للبعثة فوراً، مع وصول فرقة "هنري ريف"، 12 مركزاً آخر (ليصل عددها الإجمالي إلى 49) مع 1100 سرير جديد، وذلك في خيم صُنعت وصُمّمت لهذه الغاية في النروج وبلدان أخرى، وتم شراؤها بالأموال المخصصة لمواجهة نتائج الزلزال، والتي قامت فنزويلا بتسليمها لكوبا من أجل إعادة بناء النظام الصحي في هايتي.

مع حلول ليل هذا اليوم وصل نبأ مشجّع من الدكتور سومارّيبا: خلال الأيام السبعة الأخيرة لم تحدث حالة وفاة واحدة بسبب الكوليرا في أي من المراكز التي تشرف عليها البعثة الطبية الكوبية. ربما يكون مستحيلاً المحافظة على هذا المؤشر، حيث يمكن لعوامل أخرى أن تؤثر على المحصلة النهائية، ولكنه يعطي فكرة تبعث الارتياح عن الخبرة المكتسبة والأساليب الملائمة ودرجة التفاني في العمل التي تم الوصول إليها.

يسعدنا جداً كذلك أن يكون الرئيس رينيه بريفال، الذي تنتهي ولايته في السادس عشر من كانون الثاني/يناير القادم، قد اتخذ قراره بجعل مكافحة الوباء أهم نشاط في حياته، وهو إرث سيتركه لشعب هايتي وللحكومة التي تخلفه.

فيدل كاسترو روز

27 تشرين الثاني/نوفمبر 2010

الساعة: 9:56 مساءً



أخبار الكوليرا في هايتي

هناك الكثير من الأمور التي يمكن الحديث عنها في الوقت الذي تغرق الولايات المتحدة بفضيحة مجلجلة نتيجة الوثائق المنشورة على موقع "ويكيليكس"، التي لا يشكك أحد بصحتها، بغض النظر عن أي دافع آخر عند هذا الموقع.

غير أن بلدنا منهمك في هذه اللحظة في معركةٍ لمكافحة الكوليرا، الذي تحوّل إلى تهديد لباقي شعوب أمريكا اللاتينية وغيرها من بلدان العالم الثالث.

في خضم عواقب زلزالٍ قتَل وجرح أكثر من نصف مليون شخص وأحدث دماراً هائلاً، نشأ وباء الكوليرا، الذي تفاقم عملياً فور نشوئه نتيجة عبور إعصار.

عدد الأشخاص المصابين بالمرض وصل يوم أمس، 29 تشرين الثاني/نوفمبر، إلى 75 ألفاً و888، وفّرت الفرقة الطبية الكوبية العناية لسبعة وعشرين ألفاً و15 منهم، وبلغ عدد الوفيّات 254، أي ما نسبته 0.94 بالمائة. باقي المنشآت الاستشفائية الرسمية والتابعة لمنظمات غير حكومية وللقطاع الخاص، وفّرت العناية لثمانية وأربعين ألفاً و875 مصاباً، توفي منهم 1467، أي ما نسبته 3.0015 بالمائة.

في هذا اليوم، 30 تشرين الثاني/نوفمبر، وفّرت الفرقة الطبية الكوبية، التي يوجد بين أعضائها 201 من خرّيجي المدرسة الأمريكية اللاتينية للطب، العناية لـ 521 مصاباً بالكوليرا، ليصل عددهم الكليّ إلى 27 ألفاً و536.

يوم الأحد الماضي، الموافق 28 تشرين الثاني/نوفمبر، وصل إلى مركز معالجة الكوليرا في المستشفى المجتمعي الواقع في كومونة "ليستيري"، في دائرة أرتيبونيت، 18 شخصاً بحالة حرجة جداً، قادمين من تجمع سكاني يدعى بلاتيو تابع للكومونة. تمت العناية بهم فوراً من قبل الأطباء الأحد عشر والممرضين الـ12 العاملين ضمن الفرقة الطبية الكوبية المتواجدة هناك. ولحسن الحظ، أمكن إنقاذ حياتهم جميعاً.

يوم الاثنين 29 وصلت أنباء من هذا التجمّع السكاني نفسه عن ظهور 11 حالة جديدة، من بينها حالة طفل في الخامسة من العمر كان والداه قد توفيّا بسبب الكوليرا. وتم التمكن أيضاً من إنقاذ أرواحهم.

أمام هذا الوضع، قرر رئيس البعثة الكوبية، د. سامرّيبا، إرسال سيارة تحمل خمسة أطباء وممرضتين وممرض واحد وأخصائي بالعلاج الطبيعي إلى التجمع السكاني الصغير وما يلزم من الموارد للعناية العاجلة بالحالات التي تظهر.

بين الأطباء الخمسة يوجد أربعة من خريجي المدرسة الأمريكية اللاتينية للطب: أوروغوائية وباراغوائي ونيكاراغوي وهايتي، ورئيس الفرقة الطبية في دائرة أرتيبونيت.

جالوا ستة كيلومترات عبر الأوتوستراد، ومشوا ستة أخرى في طريق ترابي، وأخيراً كيلومترين اثنين عبر حقل وعر حاملين كل المعدّات والموارد لكي يصلوا إلى التجمّع السكاني المذكور.

تقع قرية بلاتيو الصغيرة بين خمسة جبال وتتكون من منازل فقيرة موزعة على ثلاثة نقاط؛ يقدَّر عدد سكانها بخمسة آلاف. وحسب المعلومات الواردة، فإنه لا يوجد فيها شوارع، ولا كهرباء، ولا مراكز تجارية، وإنما فقط كنيسة بروتستانتية.

يعتني سكانها، شديدو الفقر، بشكل رئيسي بجناية الفول السوداني والذرة البيضاء والفاصوليا والقرع.

عندما وصلوا إلى بلاتيو عرض راعي الكنيسة جهده لينظّم مركز العلاج داخل الكنيسة، وذلك بتوفير ستّة أسرّة بدائية وأربعة مقاعد للمؤمنين، ما يسمح بدخول عدد من الحالات الطارئة يصل إلى عشرة.

دخل هذا المركز اليوم ثمانية أشخاص، منهم ثلاثة بحالة حرجة.

ذكر سكان القرية أن نحو عشرين من أبنائها قد توفّوا. هذه الأرقام لا تظهر ضمن الإحصاءات الرسمية لحالات الوفاة. وفي ساعات الليل سيعملون باستخدام المصابيح التي حملوها معهم.

قررت البعثة إقامة مركز للعناية بالمصابين بالكوليرا في هذا التجمع النائي، سيتمتع بأربعة وعشرين سريراً ويوم غد سيتم إرسال كل الموارد اللازمة، بما فيها مولّد كهرباء.

وعُلم أيضاً أن المصوّرين الصحافيين قد توجّهوا إلى الكومونة عندما بلغهم النبأ.

لم تحدث حالات وفاة اليوم، وتم فتح مركز آخر في الشمال، ليصل العدد الإجمالي لمراكز ووحدات معالجة الكوليرا إلى 38.

أروي هذه الحالة لكي أعطي فكرة عن الظروف والأساليب التي يتم بها خوض المعركة ضد الوباء، الذي، بعدد من الوفيات يبلغ العشرات يومياً، وصل العدد الإجمالي لضحاياه بالأرواح إلى حوالي ألفين.

عبر أساليب العمل التي يجري تطبيقها والجهد المبرمَج، سيكون من الصعب أن يتواصل عدد الوفيات بذات الوتيرة التي كان يجري عليها.

مع معرفتنا للشغف الذي تتم فيه العمليات الانتخابية التقليدية، إضافة إلى الامتناع التقليدي الذي يتميّز به الكثير منها، كنّا نشعر بالقلق ممّا يمكن حدوثه في هايتي وسط الدمار والوباء. هناك مبدأ أساسي ولم يتم انتهاكه أبداً، وهو احترام القوانين والأحزاب والمعتقدات الدينية في البلدان التي يقدّم أطباؤنا أو فرقة "هنري ريف" خدماتهم فيها.

غير أنها أثارت المخاوف عندنا الروايات التي نشرتها وسائل صحفية دولية بشكل واسع وتحدثت عن حالة من العنف تعمّ البلاد، وهي أنباء بعيدة عن الحقيقة. وقد استهجن المراقبون الدوليون تلك الأنباء التي تم نشرها في الخارج، بينما الأحداث التي بعثت على نشرها هي في الحقيقة أحداث منعزلة، لم تؤثر إلا على عدد محدود من الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم.

المسؤولون أنفسهم، الذين دعوا الشعب للخروج إلى الشوارع، أدركوا أنه لم يكن صحيحاً، في خضم الوضع المأساوي الذي تعيشه البلاد، القيام بأعمال يمكنها أن تحفز مواجهات عنيفة تجعل من السيطرة على الوباء وهزمه أمراً مستحيلاً. وإذا لم يتم تحقيق هذا الهدف، يمكن للوباء أن يستوطن ويؤدي إلى كارثة صحية في هايتي، وأن يشكل تهديداً دائماً لحوض الكاريبي، وكذلك لأمريكا اللاتينية، حيث يتكدّس ملايين الأشخاص الفقراء بأعداد متزايدة في المدن؛ وكذلك لبلدان فقيرة أخرى كثيرة من آسيا وأفريقيا.

علينا ألا ننسى أبداً أن هايتي يجب أن يعاد بناؤها أيضاً من أساسها، وذلك بمساعدة وتعاون الجميع. هذا هو ما نتمنّاه لشعبها النبيل والمتفاني.

فيدل كاسترو روز

30 تشرين الثاني/نوفمبر 2010

الساعة: 9:34 مساءً


الواجب والوباء في هايتي


قررت منظمة الأمم المتحدة يوم الجمعة الماضي، الثالث من الجاري، عقد جلسة للجمعية العامة مخصصة لبحث وباء الكوليرا في هذا البلد الشقيق. نبأ هذا القرار جاء ليبعث الأمل. من المؤكد أن هذه الجلسة ستفيد في لفت انتباه الرأي العام العالمي إلى خطورة الحدث، وحشد دعمه لشعب هايتي. ففي نهاية المطاف، الدافع لوجودها أصلاً هو مواجهة المشكلات وتشجيع السلام.

اللحظة التي تعيشها هايتي حالياً هي لحظة خطيرة، والمساعدة العاجلة التي تحتاجها قليلة. عالمنا المضطرم ينفق سنوياً بليوناً ونصف البليون دولار على الأسلحة والحروب؛ وما تحتاجه هايتي –البلد الذي تعرض قبل أقل من سنة من اليوم لزلزال همجي أنزل 250 ألف قتيل و300 ألف جريح وكماً هائلاً من الدمار-، لإعادة بنائها ونموّها، حسب تقديرات بعض الخبراء، هو عشرين مليار دولار، أي 13 بالمائة مما يتم إنفاقه سنوياً لهذه الأهداف.

لكن ليس هذه هي القضية الآن، والتي أصبحت تشكل مجرّد حلم. لا يقتصر نداء منظمة الأمم المتحدة على طلب مساعدة اقتصادية متواضعة يمكن الحصول عليها خلال دقائق قليلة، وإنما يشمل 350 طبيب وألفي ممرضة غير متوفّرين لدى البلدان الفقيرة، وعادة ما تسرقهم البلدان الغنية من الفقراء. كوبا استجابت على الفور بعرضها 300 طبيب وممرضة. بعثتنا الطبية الكوبية في هايتي تعتني بنحو 14 بالمائة من المصابين بالكوليرا. وفور توجيه المنظمة الدولية لندائها، شرعت هذه البعثة بالبحث عن الأسباب المحدّدة لمؤشر الوفيات المرتفع. النسبة المتدنية للمرضى التي يعتنون هم بها هي دون الواحد بالمائة –وهي نسبة تتقلّص وستواصل تقلّصها يوماً بعد يوم- مقابل الثلاثة بالمائة من الأشخاص الذين تجري العناية بهم في باقي المراكز الصحية العاملة في البلاد.

من الواضح أن عدد الموتى لا يقتصر فقط على الألف و800 شخص الذين تتحدث عنهم التقارير. فضمن هذا العدد لا يندرج أولئك الذين يموتون دون أن يتلقوا عناية الأطباء والمراكز الشفائية القائمة.

في معرض بحثهم لظروف أولئك الذين يرتادون بأشدّ حالات الخطورة إلى مراكز مكافحة الوباء التي يقوم عليها أطباؤنا، لاحظوا بأنهم يأتون من كومونات فرعية أبعد مسافة وتتمتع بمستوى أقل من الاتصال. جغرافية هايتي هي جغرافية جبلية، ولا يمكن الوصول إلى كثير من مناطقها النائية إلا مشياً على الأقدام عبر أراضٍ وعرة.

تنقسم البلاد إلى 140 كومونة، مدينية وريفية، في إحدى الكومونات الفرعية النائية، حيث يعيش نحو خمسة آلاف شخص –حسب تقديرات الراعي البروتستانتي فيها- كان قد توفي عشرون شخصاً بسبب المرض من دون أن يرتادوا إلى مركز شفائية.

واستناداً للدراسات العاجلة التي أجرتها البعثة الطبية الكوبية بالتنسيق مع السلطات الصحية، فقد تم التحقق من وجود 207 كومونات فرعية هايتية في أكثر المناطق عزلة لا تتوفر فيها مراكز مكافحة الكوليرا أو العناية الطبية.

في الاجتماع المذكور للأمم المتحدة، صادقت هذه على الحقيقة التي ذكرتها السيدة فاليري آموس، الأمينة العامة المساعدة لمنظمة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، التي زارت البلاد بصورة عاجلة على مدى يومين وقدّرت عدد الثلاثمائة وخمسين طبيباً وألفي ممرضة اللازمين. كان الأمر يحتاج لمعرفة الموارد البشرية المتوفّرة في البلاد من أجل تقدير عدد أفراد الطاقم اللازم. وسيعتمد هذا العامِل أيضاً على عدد الأيام المخصّصة من قبل الطاقم الذي يعكف على مكافحة الوباء. هناك واقع هام يجب أخذه بعين الاعتبار، وهو ليس فقط عامل الوقت الذي يكرَّس للعمل، وإنما مواعيد العمل. ففي معرض تحليل المؤشر المرتفع لنسبة الوفيّات، يلاحَظ أن أربعين بالمائة من هذه الحالات يحدث في ساعات الليل، مما يدلّل على أنه في هذه الساعات من اليوم لا يتلقى المرضى المصابون العناية نفسها بحالاتهم.

تقدّر بعثتنا أن الاستخدام الأمثل للطاقم الطبيّ من شأنه أن يقلّص عدد الوفيّات. ومن خلال حشد الموارد البشرية المتوفّرة لدى فرقة "هنري ريف" ولدى خريجي المدرسة الأمريكية اللاتينية للطب، تعبّر البعثة الطبية الكوبية عن ثقتها بأنه، حتى في خضم الصعوبات الهائلة الناجمة عمّا لحق من دمار بسبب الزلزال والإعصار والأمطار المفاجئة والفقر، يمكن السيطرة على الوباء وحماية أرواح آلاف الأشخاص الذين من شأنهم أن يموتوا بلا مفرّ ضمن الظروف الحالية.

يوم الأحد، الموافق 28، أجريت الانتخابات الرئاسيّة ولكامل أعضاء مجلس النوّاب ولجزء من مجلس الشيوخ، مما شكل حدثاً متوتراً ومعقداً بعث عندنا قلقاً شديداً في ما يتعلق بالوباء وبالوضع الحرج الذي تعيشه البلاد.

في التصريح الذي أدلى به في الثالث من كانون الأول/ديسمبر، أشار الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة حرفياً: "أحث جميع الأطراف السياسية، أياً كانت مآخذها أو تحفظاتها على العملية الانتخابية، على الامتناع عن اللجوء إلى العنف وعلى الشروع ببحث القضية فوراً وإيجاد حل قبل أن تحدث أزمة حادّة"، حسبما نقلت وكالة أنباء أوروبية هامّة.

واستناداً لما ذكرته هذه الوكالة فقد دعا الأمين العام المجتمع الدولي إلى تنفيذ التزامه بتسليم 164 مليون دولار التي لم يسلَّم منها إلا ما نسبته 20 بالمائة.

ليس صحيحاً التوجه إلى بلد كمن يؤنب طفلاً صغيراً. هايتي هي بلد كان أول بلدان هذا النصف من العالم في القضاء على العبوديّة. ذهبت ضحية كل نوع من الاعتداءات الاستعماريّة والإمبريالية. تعرض لاحتلال حكومة الولايات المتحدة قبل ست سنوات بالكاد، بعدما شجعت هذه على حرب أخوة فيه. إن وجود قوة احتلال فيها، باسم الأمم المتحدة، لا يحرم هذا البلد من حقه باحترام كرامته وتاريخه.

نرى بأنه صائبٌ موقف الأمين العام للأمم المتحدة في دعوته لمواطني هايتي لتفادي المواجهات فيما بينهم. يوم الثامن والعشرون، في ساعة مبكّرة نسبياً، وقّعت أحزاب المعارضة دعوة إلى الاحتجاج في الشارع، فخرجت مظاهرات وقامت حالة من الاضطراب الكبير داخل البلاد، وخاصة في بورت برنس؛ وعلى الأخص خارج البلاد. غير أن الحكومة والمعارضة على حد سواء تمكنتا من تفادي أعمال العنف. وفي اليوم التالي عمّت البلاد حالة من الهدوء.

وكالة الأنباء الأوروبية نقلت بأن بان كي-مون كان قد صرّح "بالنسبة لانتخابات يوم الأحد الماضي في هايتي [...] أن المسجّلة ".

من قرأ كل الأنباء الواردة من هايتي والتصريحات الصادرة لاحقاً عن المرشحين الرئيسيين للمعارضة، لا يمكنه أن يفهم دعوته إلى تفادي المواجهات بين الأخوة بعد حالة الاضطراب التي نشأت بين الناخبين، عشية نتائج الانتخابات التي ستحدّد المرشحَين المتنافسَين في انتخابات شهر كانون الثاني/يناير، ليصرّح اليوم أن المشكلات هي أكبر مما ساد الظن به في البداية، مما يعادل بفعله صبّ الزيت على نار الخصومات السياسية.

يوم أمس، الرابع من كانون الأول/ديسمبر، حلّت الذكرى الثانية عشرة لوصول البعثة الطبية الكوبية إلى جمهورية هايتي. منذ ذلك الحين وحتى الآن، قدّم آلاف الأطباء وفنيي الصحة الكوبيين خدماتهم في هايتي. لقد عايشنا شعبها في زمن السلام والحرب، والزلازل والأعاصير. وإلى جانبه سنكون في زمن التدخل والاحتلال والوباء هذا.

يعرف رئيس هايتي وسلطاتها المركزية والمحلية، أياً كانت أفكارهم الدينية أو السياسية، بأن كوبا إلى جانبهم.

فيدل كاسترو روز

5 كانون الأول/ديسمبر 2010

الساعة: 8:12 مساءً



#فيدل_كاسترو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في هايتي والوباء
- رسالة إلى المشاركين في المهرجان العالمي السابع عشر للشباب وا ...
- الإمبيراطرية في قفص الاتهام
- أكاذيب كلينتون
- معركة مكافحة الكوليرا
- الحافز الرئيسي لجهودنا
- عمل شنيع
- ماذا كان سيقول أينشتاين؟
- الجريمة المرتكبة بحق عضو الكونغرس الديمقراطية
- معركة خيرون [خليج الخنازير] الجزء الثاني
- نجمة أخرى من نجوم -حزب الشاي-
- خطاب أوباما في أريزونا
- آن الأوان لفعل شيء
- حال الاتحاد
- الأزمة الغذائية الحادة
- قدَر مبارَك محتوم
- التمرد الثوري للشعب المصري
- احتلال ليبيا هو مشروع حلف الناتو
- موقف الإمبراطورية الذي لا يمكن الدفاع عنه
- رقصة أموات الوقاحة


المزيد.....




- تحليل: رسالة وراء استخدام روسيا المحتمل لصاروخ باليستي عابر ...
- قرية في إيطاليا تعرض منازل بدولار واحد للأمريكيين الغاضبين م ...
- ضوء أخضر أمريكي لإسرائيل لمواصلة المجازر في غزة؟
- صحيفة الوطن : فرنسا تخسر سوق الجزائر لصادراتها من القمح اللي ...
- غارات إسرائيلية دامية تسفر عن عشرات القتلى في قطاع غزة
- فيديو يظهر اللحظات الأولى بعد قصف إسرائيلي على مدينة تدمر ال ...
- -ذا ناشيونال إنترست-: مناورة -أتاكمس- لبايدن يمكن أن تنفجر ف ...
- الكرملين: بوتين بحث هاتفيا مع رئيس الوزراء العراقي التوتر في ...
- صور جديدة للشمس بدقة عالية
- موسكو: قاعدة الدفاع الصاروخي الأمريكية في بولندا أصبحت على ق ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - فيدل كاسترو - هايتي، التخلف والإبادة