|
الفن الرقمي بين مطرقة الأصولية الفنية وسندان التطرف التكنولوجي
مرح البقاعي
الحوار المتمدن-العدد: 1013 - 2004 / 11 / 10 - 11:39
المحور:
الادب والفن
ماذا يحدث حين يلتحم الحلم التشكيلي الشفيف بأسلاك النظام الالكتروني الصارم؟ وهل يمكن لأعصاب الفنان الرهيفة أن تنقلب على نفسها، متواطئة مع تيار التكنولوجيا الجارف، في حركة مضادة للغة الحس بكل ما تمثله من تفرد ؟ و كيف يصنف" الفن الرقمي" Digital Art وهو الاسم الذي يطلق علىالحركة الفنية التشكيلية التي تستخدم تقنية الكمبيوتر و المؤثرات المتطورة لبرنامج آدوبي فوتوشوب Adobe Photoshop الالكتروني؟ وما هي آلية التفاعل بين رؤيا الفنان الذهنية و"الرؤية" الرقمية على شاشة الكومبيوتر في محاولة لإيجاد بعد رابع للصورة يمكن أن يطلق عليه "البعد الرقمي"Digital Dimension؟ و ما رأي أولئك المتعصبين للأصالة الفنية و تقليدية الأدوات، الذين لا يعيرون اهتماما بهذا الاتجاه ، و يمتنعون عن تصنيفه ضمن " الفنون الإنسانية الراقية" Fine Art؟ ولماذا تقوم كبرى المتاحف العالمية بالاحتفاء بهذا الفن، و تنظم معارض مستمرة للفن الرقمي أو ما يدعى أحيانا بالفن عبر الإنترنتOnline Art كما هو حال متاحف سان فرانسيسكو للفن الحديثSFMOMA ومركز ووكرWalker Center و متحف ويتنيWhitney museum، و ذلك على سبيل المثال لا الحصر؟ لإلقاء مزيد من الضوء على آلية الفن الرقمي و تاريخ نشأته حاورت الفنان روبرت بورغر أستاذ فن الغرافيك الكمبيوتري في جامعة"بينسيلفانيا"of Pennsylvania University و سألته عن تعريف الفن الرقمي فقال:" إنه ببساطة الفن الذي يستخدم الكمبيوتر كأداة" . أما عن تاريخ هذه الحركة الفنية فيقول:" لا يرتبط الفن الرقمي بتاريخ معين، بمعنى أنه باستطاعة أي فنان صاحب موهبة و لديه المعرفة باستخدامات الكمبيوتر و برنامج الفوتو شوب أن يطور تشكيلات لانهائية من اللوحات الفنية و التي تتحد فيها الرؤية الفنية التخييلية بالقدرات التقنية العالية للكمبيوتر ليحققان معا شطحات فنية في العمل التشكيلي لم تكن لتتحقق بدون توافر هذه التكنولوجيا. و أنا من أشد المتحمسين للفن الكمبيوتري و أبذل الوقت و الجهد اللازمين من أجل خلق لوحات و تشكيل بصري يحفذ الذهن البشري و يثير فيه الصور و الاسقاطات" . أما الفنانة ديبي روز ماير و الأستاذة المخضرمة في" معهد فورت لودورديل للفنون"Art Institute of Fort Lauderdale في ولاية فلوريدا ، والحائزة على العديد من الجوائز العالمية حيث أعمالها هي واحدة من مقتنيات متحف "لوو" للفن Lowe Art Museum في مدينة ميامي، فقد حدثتني عن تجربتها الثرية في هذا المجال قائلة:" عندما بدأت أرسم لوحاتي على الكمبيوتر وواجهت الكثير من النقد اللاذع من قبل زملائي من فنانين وأكادميين حول مصداقية هذا الفن وأهميته في رفد الحركة التشكيلية الحديثة . أغلبهم انتقص من قيمة هذا العمل على المستويين الفني والإبداعي ولاسيما الفنانين الكلاسيكيين، وقد استغرقتني سنوات عدة من المحاولات الدائبة لإقناعهم بأن الفن الرقمي هو فن ذو قيمة استثنائية و مميزة و أن الكمبيوتر كوسيلة فنية إنما هو بمثابة إضافة نوع إلى الإبداع الفني. وأنه يشابه تماما حال الكاميرا منذ مائة عام حين أتت كإضافة نوعية و ليس كمنافس سلبي للفن الذي تبدعه الذهنية الأنامل البشرية. و حين سألت الفنانة ديبي كيف تبدأ بصياغة لوحتها والمواضيع التي تعالجها من خلال أعمالها فأجابت:" قد لا تختلف عملية صياغة اللوحة على شاشة الكمبيوتر كثيرا عنها على القماش والورق. الفرق الوحيد هو الأداة. فأنا أبدأ عادة بتقرير الموضوع الذي أريد أن أطرحه من خلال العمل. أنا حاليا أشتغل بكثافة على موضوع المرأة و علاقتها المتبادلة مع المجتمع و ذلك من خلال إبراز صورة المرأة في مراحل زمنية متتالية ، ابتداء من الخمسينات حتى يومنا هذا. و نقض الصورة النمطية التي وضعتها في خانة "الأنثى" و هو التصنيف الجنسي القاصر الذي يضعها في مرتبة متدنية عن "الرجل" لجهة القدرة على الإنجاز و المساهمة في الحياة العامة، و بالتالي محاولة تقويم هذه الصورة المشوهة" . أما عن االخطوات التي تتبعها ديبي في بناء لوحتها فتفيد:" أبدأ عادة بتجميع أكبر عدد ممكن من الصور الفوتوغرافية التي تتعلق بالموضوع، وأقوم بنسخها الكترونيا Scanning) ) و طباعتهاعلى قرص كمبيوتري مدمج . ثم تاتي مرحلة استخدام برنامج "آدوبي فوتوشوب" لدمج الصور المقترحة، الكترونيا، ووضعها في المكان المناسب على الشاشة بما يخدم فكرة العمل . قد يبلغ عدد الصور المستخدمة في العمل الواحد حوالي 26-28 صورة و حجم الملف 120 ميغا بايت، و أنا استمر في تحريك الصور على الشاشة حتى أجد لكل واحدة الموقع الأمثل في اللوحة ككل.قد ألجأ بعض الأحيان إلى استعمال المؤثرات الضوئية الرقمية لتعميق الفكرة و تقويتها. قد يستغرقني إنجاز لوحة رقمية واحدة حوالي 30 ساعة عمل". حاورت أخيرا الفنان الشاب جيسون فيليكس وسألته عن الأسباب التي جذبته إلى عالم الفن الرقمي فقال:" أنا أكره الرياضة منذ صغري و هذا يعتبر في مدينتي غرين باي إثما لا يمكن اغتفاره.كنت منذ صغري مولعا بمشاهدة التلفزيون ، كنت أجلس لساعات أراقب افلام الصور المتحركة مثل باغز باني و سكوبي دوو و الكثير غيرها. و كانت الصعقة الفنية الأهم حين شاهدت فيلم الكائنات الفضائية Alien، أخذت يتقنيات هذا الفيلم و قررت أن أخوض تجربتي الفنية من خلال استخدام تكنولوجيا الكمبيوتر الذي كان ، و لحسن الحظ، في متناول يدي منذ عام 1984 عندما كان لا يزال نادرا و غير متوفر للكثير من الناس. بدأت على جهاز كومودور64 و تحديدا بالألعاب الالكترونية، و بدأت بالتعرف على آلية عمل برامج الكمبيوتر و طورت برنامجي الخاص حين كان عمري 14 عاما. التحق جيسون بجامعة ويسكنسون ستاوت University of Wisconsin- Stout للفنون الجميلة، و قبل أن ينهي دراسته هناك انتقل إلى ولاية كاليفورنيا و بدأ حياته العملية كفنان محترف في مجال الفن الرقمي للإنتاج السينمائي والتلفزيوني و ألعاب الفيديو مع شركات كبرى مثل "بروديرباند سوفتوير"Broderbund Software و شركة" نيهايليستك"Nihilistic. يقول جيسون في تقييم الفن الرقمي :"إن تاريخ الفن العالمي ليحفل بكثير من النزعات الفنية المتطرفة كالانطباعية، والتكعيبية، والدادائية، والسريالية؛ فلا ضيم إذا أتى الفن الرقمي ليكون الخطوة الأولى نحو نقلة معاصرة للفن الحديث. وأنا شديد الرغبة أن أكون جزءا من هذه الحركة التي تحاول إحداث رجة في الراكد من صفحة الفن".
السؤال الذي يطرح نفسه الآن ما هو موقع الفن الرقمي من خارطة الفنون الإنسانية. وما هو جوهر العلاقة بين الإبداع الفني واللعبة البصرية الالكترونية ؟ وهل يتفوق أحدهما على الآخر أم أن العلاقة بينهما هي علاقة تكامل. أسئلة مشروعة ومفتوحة لحركة النقد و التاريخ.
#مرح_البقاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفن : تكنولوجيا الروح
-
حوار مع رئيس معهد الشرق الأوسط في واشنطن السفير إدوارد ووكر
-
شعـر: مستجدات الوطن.. والحب
-
الحليب الأسود
-
مقامات التنوير في موسيقى الغرب
-
شعر: نحن الذين لا ينتظرنا أحد
-
كونشرتو الكلمات
-
بيان الثقافة
-
شعر: أنثــى الســــؤال
-
هاجس البيئة في سلطة الإبداع
-
الهنود الحمر بين وهم الأسطورة و فعل المعاصرة
-
تهجين الثقافات
-
شعر قصيدة كواليس
-
التعددية الثقافية
-
المرأة.. ومحظور الفن
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|