|
هاروت وماروت !!
شامل عبد العزيز
الحوار المتمدن-العدد: 3398 - 2011 / 6 / 16 - 13:08
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
كتاب الكسندر هايل / سفر التكوين البابلي / منشورات دار الجمل ط1 / 2007 / , ترجمة سعيد الغانمي . إن القراءة هي فضول معرفي قبل أن تكون تحديداً للحق والباطل ) من منطلق هذا القول :) سوف أختار لكم من مقدمة المترجم ما يلي : هايل تناول قصة الخليقة من خلال ملحمة / حينما في الأعالي / . بعد أن انتصر / مردوك / على / تئامت / وبدّد شمل زمرتها وأوقعهم في الأسر . شطر جسد / تئامت / نصفين فخلق السماء والأرض من جسدها , ثم قام بتنظيم الطرق فيهما . الأسرى أتباع / تئامت / وهم طبعاً من الالهة أصبحوا خدم لآلهة / الأنوناكي / الكبار . لكن هذه الالهة توسلوا إلى / مردوك / أن ينقذهم من الخدمة الشاقة , ( طبعاً الالهة تحتاج للكثير من التعب والشقاء من قِبل الذين يخدمونهم , في ذلك الوقت لم يكن قد وجد الإنسان بعد ) ؟ قلب مردوك وليس الوحي أشار عليه ان يخلق الإنسان / للّو / لكي يكون خادماً بدلاً من الالهة أتباع / تئامت / والذين انضموا إليها قبل خلق العالم . ( يبدو أنّ الوحي لازال حاضراً بيننا في العصر الحديث فهناك من يقول بأن الوحي قد أوعز إليه لتخليص العالم من الشرور , المهم ) ؟ فكرة حلوة وممتعة وجديرة بالقراءة هذه الأساطير , ولا بأس من استعادتها بين فترة وآخرى . ماذا فعل مردوك بعد ان أشفق على الالهة ؟ قام بنقل فكرته عن خلق الإنسان من دم أحد الآلهة إلى ( إيا ) وتم اختيار ( كنغو ) الإله الذي تسبب في إيقاد الصراع بين الآلهة , طبعاً من أجل أن يكون الإله الذبيح الذي يُخلق الإنسان من دمه . في ملحمة / حينما في الأعالي / لم يرد ذكر العنصر الثاني الذي خُلق منه الإنسان ولكن في ملحمة / إتراخاسس / تقول : خُلق الإنسان من دم إله ممزوجاً بالطين , أي هناك عنصران يشتركان في تكوين الإنسان : إلهي خالد – طيني فانِِ . كما هو معلوم العنصر الأول سوف يُشاطر الآلهة بالخلود كما قال / بيروسس / حكيم بابل في زمن الاسكندر . لكن العنصر الثاني سوف يحرم الإنسان من الخلود ؟ كنتُ أتمنى ان نبقى من الخالدين ولكن الآلهة هي التي قررت ونحنُ عبيدها ؟ والأمر يومئذ لها ؟ الآلهة لاتُريد ان يشاطرها أحد فهي تُحب أن تستأثر بالحياة كما ورد في ملحمة كلكامش ؟ فقررت الآلهة أن يكون الموت من نصيب الإنسان ؟ يا حرام ؟ هذه الفكرة الفلسفية هي نفسها التي ستعبّر عنها الفلسفة المشرقية بعد ذلك بالآف السنين . ( جسمانية الحدوث روحانية البقاء ) . المستشرقون الذين فكّوا رموز اللغات الشرقية يقولون أن الطبيعة السردية للنصوص البابلية حالت دون رؤية حكمة بابل الدفينة , أيّ حكيم شرقي يعرف أنّ هذه اللغة الأسطورية والسردية سوى غلاف خارجي لإيصال رسالة ضمنية . حين احتك / بيروسس / باليونانيين وأراد شرح فكرة الخليقة البابلية لهم ميّز بين المحتوى الواقعي للأساطير والغلاف السردي فأشار : ان صراع – مردوك – و – تئامت – لم يكن سوى وصف امثولي لعناصر الطبيعة . يرجّح – هايل – أن ألواح ملحمة – إنوما إيلش – قد أكتسبت شكلها النهائي في مطلع الألف الثاني قبل الميلاد , حين صار – مردوك – يتصدر مجمع الآلهة البابلية بوصفه إلهاً قومياً في عهد الملك – حمورابي – ( 1792 – 1750 ) ق . م . في رأي – هايل – من الصعب القول بوجود تأثير مباشر للملحمة في – سفر التكوين – ولكن في نفس الوقت من الصعب نكران أثر الثقافة العراقية القديمة ككل فيه . الثقافة العراقية القديمة اكتسحت العالم القديم بأسره منذ الألف الثالث قبل الميلاد . يقول – هايل – يجب أن تظل القضية مفتوحة وموضع دراسة وتحليل ومقارنات . لم يتطرق المؤلف إلى قصص الطوفان – وأسطورة مولد سرجون الأكدي ( 2370 – 2316 ) والتي هي قصة النبي موسى . ولم يتناول هايل حكايات الرجل الصالح أو المعذب ومقارنتها بسفرأيوب وكذلك لم يقارن / نشيد الأناشيد / بقصائد الغزل في زواج تموز المقدس . بعض الكتب تُسمي – مردوك – مردوخ – فهل هذه التسمية دقيقة ؟ ثوركيلد جاكوبسن هو من تعرض للأصل الأشتقاقي لاسم – مردوك – وقال : هذا الاسم يتكوّن في السومرية من مقطعين هما : مار ( الأصل هي أمار ) و : أُوتو ( ك ) وتعني : مار في السومرية : ابن . أمّا ( أُوتو ) فتعني : الشمس أو العاصفة أو النهار , الكاف هي علامة إعرابية ينتهي المقطع بها في السومرية . هذا الاسم يُكتب بصيغة : مارأُوتو(ك) أو مار أودو (ك) . البابليون كانوا ينوّعون في نطق اسمه فهو : ماريتو – مارِتُ – مارِدُ – مارأوتو .. ماذا تُلاحظون ؟ ( مار – أُودو – أُوتو ) هل هناك تأثير بالثقافة العربية ؟ كلمة – مارد – العربية والتي تعني العملاق والجبار والقادر على التخفي والظهور هي تنويع على كلمة ( مار – أودو ) وتنويعاتها في السومرية والأكدية وهي صفة فعلية ولغوية من صفات ( مردوك ) . من المحتمل أن العرب قبل الإسلام قد تعرفوا على أسم ( مردوك ) بصيغة – مار – أوتو – أي ماروت الذي ذكره القرآن وأنه احد الملكين الذين يعذّبان في بابل . هناك نقص فادح للوثائق لأي باحث يريد أن يتفحص هذه المسألة لأن العرب المسلمين في عصر التدوين كانوا يجهلون كل شيء عن هاروت وماروت , فلم تكن لديهم أية فكرة عنهما , لماذا يُعذّب ملكان ولماذا في بابل , إذن هي قصة سردية . يقول بشار بن بُرد ( الزنديق ) : دينار آل سليمان ودرهمهم كالبابليين حُفّا بالعفاريتِ لا يوجدان ولا تلقاهما أبداً كما سمعتَ بهاروتِِ وماروتِِ بيئة الإخباريين والقصاصين أخذت كلمة ( ملكين ) بمعناها الحرفي فزاوجت بين الأسطورة والتاريخ وجعلتاهما ملكين كانا من أصلح الملائكة وأعبدهم . طبعاً تقول الأسطورة أنهم كانوا في زمن إدريس وأن الله اهبطهما إلى الأرض ليجربا بنفسيهما إنحراف البشر ( هل كان بإمكان الإله أن يفعل شيئاً آخراً أم لا ) ؟ تقول الأسطورة لكنّ امرأة أرضية اسمها – الزهرة – تغريهما أي هاروت وماروت فيراودانها عن نفسها ( يبدو أن الجنس الثلاثي كان موجوداً منذ قديم الزمان ) ؟ تشترط الزهرة عليهما عبادة الأصنام وقتل النفس وشرب الخمر ( كل ذلك من اجل المتعة مع الزهرة ويبدو انها كانت ملكة جمال ذلك الزمان ) ؟ إنها الأساطير التي لعبت دوراً كبيراً في تكوين العقول . قرّر الله أن يوقع بهما العذاب في بابل وسوف يمسخ المرأة المسكينة إلى كوكب وهي الزهرة ؟ الزُّهرة في هذه الحكاية والتي وردت في القرآن الذي اعتمد في نصوصه على ما سبق هي ( عشتار ) , هذه الأسطورة طوّعها السابقين لتتماشى مع الثالوث الإلهي في عبادة الشمس والقمر والزهرة . ماروت هو إله الشمس وعشتار هي الزهرة , ولكن من أين نأتي بالقمر لكي يكتمل الثالوث ؟ ( فينك أنت يا قمر يا جميل ) ؟ إنه هاروت لكي يكون رمزاً للقمر . الصيغة اللغوية لإسمي هاروت وماروت على وزن فاعول والذي هو مترجم عن الآرامية في العراق . جميع الاسماء التي وردت هي إما أسماء معربة عن الآرامية مثل قابوس – هارون – فاروق أو أسماء الآت مثل فانوس وشاقول وقادوم . إذن مصدر الأسطورة هو بابل الآرامية أو ما جاورها وأن تاريخها لا يرقى إلى أبعد من الفترة الآشورية عندما انزل الآشوريون ( مردوك ) عن صدارة المجمع الإلهي وأحلّوا بدله إلههم ( آشور ) وبذلك انحطت مكانة ( مردوك ) وتحوّل إلى إله ثانوي . هناك احتمال تأثر العرب الثموديين في شمال الحجاز بملحمة ( إنوما إيليش ) , هذا التأثر حصل نتيجة فتح الملك البابلي ( نبونيد ) 556 – 530 ق . م , لمناطق شمال الحجاز واتخاذ تيماء عاصمة له بدلاً من بابل لما يقرب من عشر سنوات . هناك دراسة للمترجم بعنوان ( شعرية النقوش الثمودية ) أنّ العرب الثموديين كانوا يطلقون على الجمل صفة – أقدس – لأنه عندهم حيوان طوطمي محرّم وقد ظلّ العرب يعتقدون بأنّ حية الفردوس كان لها في الجنة أقدام جمل ؟ يقول شاعر الحيرة عدي بن زيد العبادي في قصيدته عن ملحمة الخليقة : فكانت الحية الرقشاء مذ خلقت كما ترى ناقة في الأرض او جملا . هذه الفكرة بعينها في لوح تعليمي عن ملحمة ( حينما في الأعالي ) جاء فيه : أن الجمل كان روح نئامت الراحلة وتئامت ينظر إليها بوصفها تنيناً ذا طبيعة أفعوانية ؟ هل هناك صلة بين أسماء الله وأسماء مردوك الخمسين ؟ من المعروف أن القرآن نقد نقداً لاذعاً فكرة تعدد الأسماء حيث قال : إن هي إلا أسماء سميتموها انتم وآباؤكم ما انزل الله بها من سلطان / سورة النجم / . قريش انتبهت إلى ان سور القرآن تبدا ب / بسم الله الرحمن الرحيم / . والرحمن هو إله اليمن واليمن تعبده كما يدّل على ذلك نقش أبرهة , ولذلك قالت قريش ( ما نعرف إلا رحمن اليمامة ) , جا ء رد القرآن عليهم ( قل أدعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعو فله الاسماء الحسنى ) . وهذا يُسمى ( وحدة الذات الإلهية وتعدد صفاتها ) . هل جاء في القرآن أو السنّة الصحيحة حصراّ لأسماء الله ب 99 ؟ لا ,, لم يرد تحديد أو حصر . انتشار الإسلام في مناطق ذات موروث قديم هو الذي اعاد فكرة 99 أسماً ولذلك نجد من يستخدمه في مصطلحات إسلامية خصوصاً في اوساط الصوفيين والعرفانيين . دائماً تمتزج الأساطير بالتاريخ . / ألقاكم على خير / .
#شامل_عبد_العزيز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تشابه الأديان ؟
-
القرآن والتاريخ ؟
-
برتقالة تشاوشيسكو , تموينيّة عدي وتحرير فلسطين - محطات - !!
-
أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا لله لله ,, هل تعني
...
-
الغرب يسرق فضل القيمة , الشرق يسرق القيمة وفضلها !!
-
الفرد في الغرب ديك وفي الشرق دودة ! !
-
الحرية وليس الجوع سبب الثورات ( عاشت الحرية ) !!
-
جيل النت ,, هو جيل الثورات !!
-
التظاهرات في العراق ( لا بدّ من ثورة في ذات الشعب ) !!
-
من حوارات الأصدقاء حول الأديان !!
-
يجب تجاوز سؤال لينين ( ما العمل ) ؟ إلى ( لماذا وكيف ) ؟
-
مسيحي ومِنَ الإخوان المسلمين ؟
-
أعداء الحرية !!
-
تعقيباً على مقالتي ( أمريكا وديمقراطية التظاهرات ) ؟
-
أمريكا وديمقراطية التظاهرات ؟
-
هل هي فوضى خلاّقة ؟
-
يسوع وعيسى والقرآن ؟
-
رياح التغيير إلى أين ؟
-
لا .. للدولة الدينية .
-
77 % مقابل 22 % , لماذا ؟
المزيد.....
-
إليكم العائق الأساسي أمام التوصل لاتفاق بين أمريكا وإيران بش
...
-
تحذيرات -بابا فانغا اليابان- تثير الرعب في آسيا وأوروبا
-
ترامب يحظر على الطلاب الأجانب الدراسة في جامعة هارفارد لمدة
...
-
ألزهايمر ليس مرضا دماغيا فقط!.. اكتشاف صادم يغير مفاهيمنا عن
...
-
علماء: تعديل جينوم الخلايا الجذعية يسرع شيخوختها
-
اكتشاف كوكب عملاق صالح للحياة!
-
جوكوفيتش يهزم زفيريف ويتأهل إلى نصف نهائي رولان غاروس
-
-القلم الآلي- يثير-معركة قانونية- بين ترامب وبايدن.. ومطالبة
...
-
ما رد بايدن على مطالبة ترامب بالتحقيق في القرارات الرئاسية؟
...
-
ترامب يوقع أمراً تنفيذياً جديداً يحظر دخول مواطني 12 دولة إل
...
المزيد.....
-
كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي
/ تاج السر عثمان
-
كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي
/ تاج السر عثمان
-
برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية
/ رحيم فرحان صدام
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
المزيد.....
|