|
قصة قصيرة
يوسف عبدي
الحوار المتمدن-العدد: 3397 - 2011 / 6 / 15 - 03:44
المحور:
الادب والفن
حكايا تكتبها الغربة حكاية الديمقراطية والكلاب يوسف عبدي صَعَدَ سلّمَ الطائرة يرافقه شعوره المعتاد... كرهه للكلاب، وعشقه للديمقراطية..!!... لم يكن هذا العشق متلازماً مع تلك الكراهية، كما أن الزمن يفصل بين مولدهما..!!؟. حكايته مع الكلاب قديمة...!!.. بدأت في قريته الشرقية النائية بين أحضان البرد وفي ربوع الطين الذي انتشر في كل مكان... الأكواخ والبيوت والمسجد والمدرسة والطرقات، كلها من الطين وبه..!!. القصةُ ذاتها كانت تتكرر كل صباح... كلبٌ أسودٌ ضخم يعترض طريقه إلى المدرسة، والوحلُ الأحمر يثبِّتُ رجليه، فيرتجف برداً وخوفاً...!!.. قضى طفولته وصباه يعاني أوحالَ قريته وخوفَ كلابها الذي تحوّلَ كرهاً وحقداً على كل كلاب الدنيا..!. أما حكايته مع الديمقراطية فقد جاءت متأخرة، دراسته الجامعية في الحقوق ولّدت عقدته الثانية... حيث كل الكتب والمحاضرات تدور حول القوانين والعدالة وديمقراطية تطبيقها، أما هو فلم يجد حوله شيئاً مما يدرسه... نظرياً كانت الديمقراطية لها نكهة الحلم الجميل الذي يأخذه إلى عالم حضاري متقدم، أما في واقعه اليومي فكانت الديمقراطية وهماً من نسج الخيال.. إنه عاجزٌ حتى عن قول ما يرغب فما بالك عما يريد ممارسته أو تطبيقه..! في مكتبه المتواضع امتهن المحاماة بعد تخرجه المتأخر.. و بكل قضية أوكلت إليه كانت ديمقراطية القانون ونزاهته شيئاً استثنائياً, بل أنَّ أحكاماً سرية مدفوعة الأجر تُجهّز مسبقاً... وبسبب كل ذلك صارت الديمقراطية حلمه الوحيد وعشقه الأبدي..!!!. "وأخيراً سيطير إلى بلاد الديمقراطية حيث يقول الإنسان ويفعل ما يشاء دون قمع أو ترهيب.. ينال حقه دون محسوبية أو رشوة...". في المطار الجديد أول ما لفت انتباهه كثرة الكلاب فيه، لم يؤسفه ذلك لعلمه بأنها لا تتعدى سوى كلابٍ بوليسية وهو منظر مكرر في الموانئ والمطارات.. استقرَّ بعد كرٍّ وفرٍّ في إحدى المدن... انتشى بما رآه... جميع الناس تعبر عن آرائها بحرية، ولا عوائق في الدوائر الرسمية لتحدّ من مجرى القانون.. حقق حلمه في رؤية الديمقراطية ولمسها، ولكن شبح الكلاب لا زال يطارده ويبعث فيه مآسي الذاكرة من جديد. دخل مكتب الموظف المسؤول عنه في دائرة الأجانب... امتعض من الصور المعلقة في أنحاء مكتبه،ً فقد صَوّر كلبه في عدة وضعيات وتصوّر معه في مواقع سياحية عديدة... فكانت الجدران تعج بصور ذاك الكلب السمين، ولم ينسَ أن يضع صورة صغيرة لعزيزه على طاولته أيضاً...!. رغم حقده الدفين على الكلاب إلا أنه اعتبرها حريةً شخصية وإحدى مزايا الديمقراطية، فالموظف يعلق بمكتبه صور مَن يشاء ولا تُفرض عليه فرضاً..!!؟. أولى صديقاته التي آنـَستَه في وحدته كانت غربـية المنبت كلبية العشق... أصرّت أن ينام كلبها في السرير مناصفاً لهما، فرفض بشدة وخيّرها بينه وبين الكلب، فاختارت الكلب دون تردد.. لم ينزعج واعتبرها حريةً للرأي، وتحرراً للمرأة طالما كان يدعو إليه..!!.
اكتمل النصاب القانوني لسنوات غربته فقدّم أوراق اكتساب الجنسية، لأن القانون يمنحه هذا الحق في بلد لم يكن فيما مضى وطنه...!!.. وعليه أن يجتاز اختباراً أوجدوه مؤخراً...!!. موظف البلدية المسؤول عن منح الجنسية استقبله بكل حفاوة، وهنأه مسبقاً باكتمال أوراقـه... وبدأ الاختبار..... كان عليه أن يثبت أنه يليق بمواطَنة هذا البلد، فيكون ملماً بتاريخه وسياسته.. اجتاز كل ذلك، وكانت أجوبته عن الأسئلة المتعلقة بالحرية في بعضها قطعية، وفي بعضها دبلوماسية كالتي تتعلق بالمرأة وبالدين وبالزواج المثلي ... أراد بكل السبل أن تكون أفكاره متطابقة مع المجتمع الجديد الذي أضحى مجتمعه، وقد أحسَ بأنه اجتاز الامتحان بنجاح، حتى جاء السؤال الأخير: ـ هل تحب الحيوانات، وأيها أكثر؟ ـ أحب الحيوانات كلها ما عدا الكلاب؟ اعتبر أنه يمارس حريته بكل ديمقراطية، فلا ضير أن يعبر المواطن عن شعوره تجاه أي حيوان حتى وإن كان ينمُّ عن كراهية... ونسي (إلا الكلاب).. غاب عن باله أنه يعادي فصيلة كاملة، ويبرز حقده الشرقي الذي لا يتوافق مع برودة الغرب..!..فتأجل حصوله على المواطَنة سنة كاملة... وفي الموعد الجديد وإجابةً لنفس السؤال أوضح حبه اللامتناهي للكلاب وصار يذكر أنواعها وأجناسها التي أمضى سنة من البحث والتمحيص فيها.. خرج من مبنى البلدية منتشياً بجنسية البلد الجديد، ومحملاً بشعورٍ جديد... كرهَـهُ للديمقراطية التي أحبـبته بالكلاب..!!.
#يوسف_عبدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|