|
غابت صباح
شذى احمد
الحوار المتمدن-العدد: 3396 - 2011 / 6 / 14 - 23:21
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
صور من المعركة غابت صباح
(( عندما كنا مواطنين بدرجة مرعوب كنا نعيش زمن الحرب. يعرضون لنا على شاشات التلفاز صورا لقتلى .كانت الصور صامتة . لا تقل لنا ولا نقل عنها شيئا كنا نحدق بها وهي تحمل عنوان صور من المعركة .. كانت معركة طويلة واحدة تدور في جبهات بعيدة.تحرقنا بشظاياها، وتخطف خيرة رجالنا... مضى زمانها وانتهت . كبرنا صرنا بدرجة مذهول ولم يعد التلفاز يعرض علينا صورا صامتة لقتلى فحسب بل صارت تصاحبها كل الوسائل المساعدة من صراخ وعويل وتصريحات تعددت جبهاتها لكن غايتها ظلت واحدة تريد حياتنا. لتلقي بجثث أيامنا على قارعة العبث كل يوم ))
صباح عراقية. مثلها مثل كل نساء العراق.لكن حياتها لم تشبه حياة الكثير منهن. يتقاسمن المآسي نعم مع هذا تبقى مأساتها متفردة.لم يعرف لها زوج. أولاد . أسرة . ولا أقدام حفيت للتنقل بين المعتقلات بحثا عن الأحباب بل تقرحت أقدامها هي في السجون. لم تكن تبكي خيارات الرجال كانت هي خيارا أذاقوها من اجله مر العذاب قبل وبعد سقوط بغداد.
*أتتوارى البسمات خلف جدار الهم تصدح في مستودعاتنا أغاني رطبة تحثنا لحصاد حقولها المتتالية كل سنة فيطحن الفلاحون قمح السأم مرة بعد مرة
الصورة الاولى: صباح قبل سقوط بغداد
المرأة التي لف غيابها الكثير من الغموض . في زمن لا يحق لأحد به السؤال عن الغائب كي لا يغيب. عادت لكنها لم تعد كما كانت. سرت شائعات بأنها كانت نزيلة في سجون عدي صدام حسين . وسجون هذا لا تعرف الرحمة. فله متعتان لا يملهما النساء والتعذيب.
*البيت منهك و طابوقه عتيق البيت متهاوي وأسسه عرجاء البيت متهالك .. يتداعى كلما زجره القادم بمشاجرة
الصورة الثانية: بغداد قبل السقوط
كل الصفحات امتلأت بانجازات حافلة. وظلت تلوك البطولات للقائد ورفاقه. وأخفيت بالمستودعات العتيقة سجلات التنكيل بالخصوم ، والأحزاب المعارضة ـ لم يعرف العراق مثل هذه التسمية ـ والمناوئين للنظام.
* المقاهي توزع شايا باردا يتجرعه الباهتون بحرارة بينما يجمع النادل الوشاية من جيوبهم المثقوبة
الصورة الثالثة: صباح قبل سقوط بغداد
لم تقوى سجون عدي على إخراس صباح الشيوعية كما كان يحلو للبعض تسميتها. لم تفلح غرف التعذيب في قطع لسانها بل شحذته بالتحدي. فلم يبقى لها إلا قتلها بالشائعة .. فلاحقوها واصمين إياها بالجنون كي لا يحمل احد ما كلامها محمل الجد. وليخرسوا بها كل صوت بتململ من قيوده. نافرا من أسره.
*صدى الحلم يغفو على أرصفة الخائبين وثيابه بخزائن المترفين معطرة لكنه يختفي دوما تاركا في حياتنا قصصا مؤثرة.
فاصل إعلاني: هناك في روسيا قبل ما يزيد عن قرن اختارت امرأة مثلها الطريق الطويل. ولملمت مسراتها ودستها في صندوقها الخشبي العتيق. استبدلت الزوج بالنضال . والبيت بالطريق الصعب والمحاضرات. وظل الرجل بلهيب المطالبة بحقوق كل النساء . كويت بنيران مطالبها، وكم كلفتها رحلتها غاليا قبل صعودها لسجل الخالدات.
*على وسادتنا تَركت الندى فوق الأسرة الخشبية طويت الأغطية بعت ثياب الدانتيلا في مزاد العجلة التي لا تتوقف ....
قايضت بالقبلات عرق المجادلة فنبتت على الشفاه أحاجي معقدة تعجبت معي المسافات والمساحات العريضة لطرقات أخليت لمزاحمتي في كل خطوة
الصورة الرابعة: صباح قبل سقوط بغداد
من أين أتت صباح بكل هذا العناد. هل أدمنت الكساندرا كولونتاي . ألهمتها بعض حظها لتورثها بعد ذلك قدرا قريبا من قدرها... كوكب من الوحدة يعارك كوكبا من التحدي. ظلت صباح تدين كل ما يجري بالعراق. ولسانها السليط لا يسكت. وظلوا يمرغون اسمها وسمعتها في وحل الاتهامات والشائعات التي تنبت كالفطر في الشرق .
الصورة الخامسة: بغداد بعد السقوط
يعم الهرج والمرج . أقوام تأتي وأخرى تختفي. وعود. وصور ووجوه تتبدل. ملامح عهد يختفي وأخر يظهر. خطب وشعارات جديدة. تتنحى صباح بصديق لها جانبا ثم تروي له حكاية من ألف ليلة وليلة تشعر أن بغداد تستعيدها هذه الأيام. فتخبره.. بلغني بان احد السجناء ظل يطلب من الوالي تغيير سجنه بين الحين والأخر . حتى ضاق الوالي به ذرعا وتملكه الشك منه. فاستدعاه ليستطلع منه حقيقة الأمر. فرد عليه السجين . إنني استمتع يا مولاي بالرحلة ما بين السجنين. صمت الصديق .. لكن صباح لم تعتد على الصمت تابعت... إن العراق ليس كما يقولون قد دخل العالم الديمقراطي لكنه سيمر برحلة ذلك السجين بين السجنين ليدخل سجن دكتاتورية أخرى بعد مدة. فهل يتركونها ؟.
الصورة السادسة: الاستعارة
ينصح رجال الأعمال بتقليد الناجحين بالمشاريع . وهذا ما فعلوه. فلقد استعاروا من النظام السابق وسائله في محاربة منتقديه وخصومه. وأعلنوا الحرب على صباح التي كانت وظلت تخوض معاركها بلسانها. وتوعدها بفضح الفساد والمفسدين.
الصورة السابعة: ساعة قتلها
لم يعد في العراق الديمقراطي الجديد مكان لصباح في صباحات مرسومة الملامح. أطلقوا عليها أسراب الجراد فهرجت أمامها. سخروا منها. استعدوا عليها. بعضهم يؤدي عمله كواجب وطني تماما مثل سابقيهم. ليدافعوا عن أسيادهم. وليحموا انجازات قيادتهم في العراق الجديد.لكن كل هذا لم يكن كافيا. قالت ذات يوم متوعدة : بلغ السيل الزبى. ولم تدري بأنها تستعدي وحوش الغاب للانقضاض عليها. فمن أين لها بأذان تسمع وأصوات الطبول والصخب في كل مكان. بدم بارد قتلوها. ولم يطرف لقاتلها جفن. اخرسوا صوتها. ظنا منهم بأنهم سيلملمون من سماء مدينتها، كل لوحاتها. لكن صباح نثرت حياتها قصة من قصص بغداد. سجلت في دائرة المعارف التاريخية لبلد اسمه العراق ما لا تقوى سكين او رصاص على تمزيق كبده. روت حقيقة ما يجري في العراق. ووثقت شهادة موتها ووزعت صور قاتليها. معلنة براءتها من كل ما نسب إليها في الزمنين الأغبرين. وفي رحلتها بين السجنين.
*للأرض قطبين .قطرين. احدهما يدور باتجاه عقرب الساعة والأخر لا يدور وإذ دار يدور حول نفسه رأسه رمح يطعن عين الحلم المولود لتوه للأرض قطبين رمحين الأول يدور باتجاه الساعة والأخر يدور باتجاه نهايتنا يدلنا على قبور خيباتنا لنبكيها
* الكساندرا كولونتاي: مفكرة وكاتبة وسياسية شيوعية روسية. أول امرأة تشغل منصب وزيرة في التاريخ. وصاحبة الانجازات العديدة التي ساهمت في تحرير المرأة و حصولها على الكثير من الحقوق والمساواة. هي المرأة التي يعود لها الفضل في الاحتفال بعيد المرأة العالمي في 8أذار من كل عام .وفي تغيير واقع المرأة في كل العالم .
• صباح عراقية . كانت تعمل في إحدى الجامعات العراقية. وتم قتلها مؤخرا بدم بارد. لاحقتها الإشاعات والاتهامات لما كانت تمثل من خطر على النظامين الحاكمين بالعراق قبل وبعد سقوط بغداد. • النصوص للكاتبة.
#شذى_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صور من المعركة العازفتان
-
صور من المعركة مذكرات زوجة الريس
-
صور من المعركة بين صفتي جدة
-
صور من المعركة الما
-
صور من المعركة. الخط الساخن
-
صور من المعركة .. سيدتا اللوحة والحزن
-
صور من المعركة رجالهن
-
أكلي لما تشبعين
-
ما طاب من عذب المزاج
-
لا تترك جريدتك
-
طائرات الريس بغداد قاهرة
-
وظيفة بعنوان كلب
-
كلنا بالموت سواسية
-
ليلة رأس السنة
-
المجد للحب
-
بين رجل و أخر الفضائية قيد الإنشاء
-
فضائية يسارية علمانية
-
جعفر صديق اوباما
-
شوية عليه وشويه عليك
-
رضعوا وما خلوه يرضع
المزيد.....
-
سن التقاعد للنساء في الجزائر 2024 الجريدة الرسمية بعد أخر ال
...
-
المجلس الوطني يدين جرائم الاحتلال ضد المرأة الفلسطينية ويطال
...
-
وزارة المالية : تعديل سن التقاعد للنساء في الجزائر 2024.. تع
...
-
المرأة السعودية في سوق العمل.. تطور كبير ولكن
-
#لا_عذر: كيف يبدو وضع المرأة العربية في اليوم العالمي للقضاء
...
-
المؤتمر الختامي لمكاتب مساندة المرأة الجديدة “فرص وتحديات تف
...
-
جز رؤوس واغتصاب وتعذيب.. خبير أممي يتهم سلطات ميانمار باقترا
...
-
في ظل حادثة مروعة.. مئات الجمعيات بفرنسا تدعو للتظاهر ضد تعن
...
-
الوكالة الوطنية بالجزائر توضح شروط منحة المرأة الماكثة في ال
...
-
فرحة عارمة.. هل سيتم زيادة منحة المرأة الماكثة في البيت الى
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|