|
قراءة في رواية الحب في زمن الكوليرا
غازي سلمان
الحوار المتمدن-العدد: 3395 - 2011 / 6 / 13 - 21:23
المحور:
الادب والفن
وجه للحب.. وجه للحرب قراءة في رواية” الحب في زمن الكوليرا
يقول " خوسيه كارثيا نيثيو الشاعر وعضو الأكاديمية الملكية الاسبانية : ( ربما يكون أهم ما في رواية الحب في زمن الكوليرا هو تلك الحيرة التي نجد أنفسنا غارقين فيها منذ بداية الرواية حتى آخرها ، وان الدهشة التي أصابتنا في رواية مائة عام من العزلة لكفاءتها العالية تصيبنا عند قراءة هذه الرواية غير إنها قادمة من طرق أخرى ، هنا كل شيء ممكن ، كل شيء يتحرك الى الممكن ، ويظهر بعد معرفة الأحداث بأنه لم يكن بالإمكان حدوثها بشكل آخر ) يكشف لنا ماركيز في ( عشت لأروي )إن قصة الحب التي ألهمته رواية الحب في زمن الكوليرا - هي قصة حب أبيه لأمه ، ليكون فعل الكتابة لديه هو مغادرة الخاص إلى شمولية اللغة وفاعليتها في جمع متناقضات زمن أحداث الرواية بمثابرة المبدع باللغة الساحرة والشاعرية فيحرك فينا شجن المتابعة كقراء ، من خلال حشد من المهرجانات والكرنفالات : وصف الناس في مختلف الأعمار ، والمهن ، موظفون ومارة وأمهات وغانيات ، عاملات تنظيف ، عربات النقل وحجر النوم ، كل هذا الحشد بتفاصيله المتشابكة ، نسايرها متطفلين " مثلما اراد الكاتب " كي نتبين عمق ذلك الكم من التشابك وتعقيداته و لنمسك بلحظات حاول المؤلف ان تكون مستترة ليغذي رغبتنا في المتابعة حتى النهاية .
ليوغل ماركيز وهو يحكي” قصة الحب “ في نهاية قرن مضى وبداية القرن العشرين، يتخطى فيتواصل، يحكي فيدهش، يكذب ويصدق، فيسحر. والروائي لا يغربنا ولا يتركنا في طيات سنين غبرت، بل يضعنا في مسار الواقع، واقع مجتمعه، وفي خضم تفاصيل حياتنا نحن الان كذلك، نتعايش مع شخوصه” ومواضيه “ ومعه في زمن الحروب والاوبئة في زمن يصحو فيه مجتمعه من غفوة القرون الوسطى ليفتح عيونه مندهشا امام بواكير وانجازات وتقدمية القرن العشرين، ويكشف آثارها المتسارعة على العلاقات الاجتماعية وعلى الوعي الإنساني، وتطلعاته. وماركيز اذ يتناول هذا الحب المحاصر بالحروب الاهلية والاوبئة يعلن عن ان” الحب اشبه بالكوليرا “ والكوليرا هي الحرب كلاهما يعلنان حربا، يعلنان عن قسوتهما وفتكهما لينعكس ذلك على امزجة ومواقف الافراد وسلوكهم اليومي، على آمالهم، حبهم وكراهيتهم لنمطية حياتهم، فمن وجهة نظر والدة” فلورينتو اريثا “ بطل الرواية، ان” الحب شبيه بالكوليرا “ ويؤكد (اريثا) ذلك في نهاية الرواية بعد بلوغه الخمسين عاما يؤكد اصابته بالوباء بعد انتزاعه” عشقه الذي فقده “ ليأمر قبطان السفينة برفع العلم الاصفر كأشارة على اصابته من على السفينة بالوباء ـ الكوليرا.الحب يعلن الحرب، كما يعلنها الوباء، لكن حرب الحب ـ تطهيرية ـ داخل النفس البشرية العاشقة، ضد تيارات الزيف والرياء، الحقد والانانية، الخيانة والتردي، الجبن والموت، وعلى جفاف الروح وتصحرها، ليمتد خارجها” النفس البشرية “. منقيا التمسك بالحياة، يحيي جيلا من الصدق والجرأة على التجاوز، نكران الذات واخضرار الروح، الحب بالتالي حربا ضد الموت، لكنه لن يكون للحب معنى الموت.. ابدا..!
" إن هذا الحب في كل زمان ،وفي كل مكان ، لكنه يشتد كثافة كلما اقترب من الموت " ماركيز
شخصية” اريثا “ كما ارادها ماركيز تمتلك وستمتلك رصيدا هائلا من القدرة على الصبر والتصميم، والكفاح لكي يبقى حيا، مارس انواع المهن وشتى السبل بغية ان لا يهزم وذكرى الحب لصيقة بذاكرته، عشقه لـ” فرمينا داثا “ التي تزوجت من الطبيب” حزفينال اوربيتو “ اصبح يشاغل واقعه ومفاصل حياته للانقضاض على حلمه واستعادة حقه وامله الذي استلب، ان كل علاقاته الجنسية مع عاهرات وفتيات وارامل وزوجات خؤونات وكدّه في ان يمتلك كما ماديا ومركزا اجتماعيا مهما انما هو للبحث عن سبل للارتقاء بشخصيته وتقويتها.. وتكاملها.. كل ذاك ليس هروبا اذن ولا شعور باليأس وبالعجز..ان موت الطبيب” حزفينال اوربيتو “ ذو المركز الاجتماعي المرموق في حادثة سقوطه من شجرة اذ كان يبغي الامساك ببغاء يفجر في الرواية احداثا كلها تتعلق بحياة” العاشق اريثا “ ويؤجج في نفسه الامل للامساك بحلمه الذي اصبح بامكان رجل مثله ان يستعيده حتى بعد الخمسين عاما من عمره..وسوف لن يشعر القارئ بموته في احداث الرواية المتتالية بل سيراه حيا من خلال تاريخ حياته المبثوث والمتداخل مع حياة بطل الرواية” اريثا “ ومع زوجته” داثا “.ان ماركيز خلق ابطال روايته لا لكي يموتوا بل لكي يبقوا احياء، طالما ان اكسير الحب يسري في الاجساد، فماركيز يُبقي بحرص ٍ في كل روايته الشخوص احياءا رافضا الموت لهم .. يؤكد الطبيب لزوجته حين احتضاره: يعلم الله كم احببتك.الا ان تفاصيل حياته المشتركة مع زوجته، يبقى لديها ذكرى مريرة ـ ذكرى العبودية والتبعية، المشاعر الخليطة من العطف ، اللاحب واللاكراهية، هو الماضي المنفلت من سنين عمرها، مضافا، الى انه اذكى بعد موته نار التمرد والانفلات من دوامته ليولد لديها الصحوة بعد ما تعتقد ان هذا التاريخ الممل بطوله قد طمر ماضيها مع عاشقها” اريثا “ الذي تعتقد انها نسته بفعل تراكمات حياتها الرتيبة مع الزوج، وها هي الان مستعدة لان تميته” الزوج ـ الماضي “.مرة اخرى، لتلغي ارتباطها بالمشاعر الهجينة، من اللاحب واللاكراهية، لتقرر اخيرا الهروب مع عاشقها الكبير بسفينة في بحر ـ بعد عقد الخمسين من العمر.. يهرب اريثا، يهربان من ارض ولد حبهم عليها ونما محاصرا بالحروب والاوبئة .يهربان من ارض تعاني من الحرب ـ الكوليرا والكوليرا ـ الحرب، يهربان في سفر دائم، الى دوامة الجنس والعشق التي ستحول خريف عمرهما الى ربيع شبقي آخر. للحرب وجه واحد هو الكوليرا.. وللحب وجه واحد هو الربيع الدائم. يسأله قبطان سفينته ـ: الى متى سنظل في رحلة الذهاب والاياب؟ ـ يجيبه اريثا الممتلئ بالحب و..” الطاقة “ :- مدى الحياة." !!! "
#غازي_سلمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
واقعية النموذج .. قراءة في رواية السمان والخريف لنجيب محفوظ
-
في حضرة الفن البدائي
-
الشعوب العربية وتحقيق الذات المستقلة
-
قصيدة
-
لبيا ضنا رؤى
المزيد.....
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|