أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد دلباني - الكتاب الأسود















المزيد.....


الكتاب الأسود


أحمد دلباني

الحوار المتمدن-العدد: 3394 - 2011 / 6 / 12 - 23:31
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


1

ما معنى أن يوضعَ كتابٌ في العصر الحاضر يُحاولُ أن يُؤسِّسَ الأشياء على معنى وحيدٍ وأن يُقدّمَ قراءة ً نهائية للعالم والتاريخ؟ ما معنى أن يحبلَ العصرُ الحديثُ والراهنُ الحضاريُّ بأنظمةٍ سياسيَّةٍ تستعيدُ الزمنَ النبويَّ ورمزيَّة الكتاب الواحد الذي يحملُ في ثناياهُ الحقَّ ويَهدي إلى سُبل الخلاص؟ ثم هل يكفي أن يُصبحَ الخلاصُ دنيويّا / تاريخيا كي نقولَ إن الثقافة السياسيَّة الراهنة أصبحت حديثة ً وأنها قطعت مع البنية اللاهوتيَّة للفكر القائم على واحدية المعنى ومرجعيَّته المُتعالية؟ هل يُمكنُ، فعلا، أن تتعلمنَ الثقافة والرؤية الفكريَّة مع بقائها لاهوتا جديدًا يلبسُ قناعَ العلم والإيديولوجية؟ ألا يُمكنُنا أن نرى في ذلك أثرَ انتقام الإكليروس الذي انبعث في جبَّةٍ علمانية خادعة شكَّلت ينبوعا ثرًّا للنبذ والاستبعادِ والأحادية الفكرية والسياسيَّة؟ ألا نرى في الكتاب – الذي من المُفترض أن يكونَ أفقا للمعرفة ومُحاولةِ اكتناه المجهول – مجهودًا مُنظما للزج بالعالم في قمقم سيادة الفكر الواحدِ وزنزانة القراءة المُتوَّجة بسيفِ القمع؟

رُبما كان ذلك الأمرُ أكبرَ مأزق واجهتهُ الحداثة السياسيَّة بوصفها وجهًا من أوجُهِ زمن حضاريّ جديدٍ دشنَ عهدَ استقلال العقل عن اللاهوت، واستقلالَ الذات العارفة عن سلطة المرجعيات التقليدية. كانت الحداثة، بالأساس، ثورة تحريريَّة وحلما بالانعتاق من نظام المرجع المُتعالي في كل مناحي الحياة؛ ولكنها أيضا كانت تأسيسًا لسلطة العقل الذي أصبحَ تكنولوجيا سيطرةٍ وإخضاع. وربَّما لم يكن الفكرُ الحديث – في ذراهُ الأكثر عُمقا وجذرية - إلا نقدًا للعقل وتجلياته السياسيّة والاجتماعية كما نعرفُ. أصبح النقدُ السمة الأساس لثقافةٍ أدركت، باكرًا، الوجهَ السلطويَّ القمعي للعقلانية المُتصاعدة في أوروبا وهي تتسترُ بالحرية من أجل إحكام السيطرة على البشر عبر التقنية ومفعولاتها السياسية والاقتصاديَّة والاجتماعية. لا داعيَ، هنا، للتذكير بإنجاز تلك الأرُومة الفلسفيَّة النقدية الهائلة المُمتدة من لحظة مدرسةِ فرانكفورت إلى لحظة فوكو وديريدا. لقد كانت الشمولية ظاهرة حديثة ارتبطت بالدولة التي جسَّدت تحققَ العقل بوصفه نظاما بعدَ أن كان مطيَّة للتحرُّر من سطوة الإكليروس كما هو معروف.

ولكن ما معنى أن يقومَ نظامٌ سياسيٌّ على كتابٍ؟ ما معنى أن تُستعادَ الواحدية في شكل علمانيّ يتمحورُ حول كتابٍ / مرجع يحتكرُ الحقيقة ويغلقُ منافذ البحث والسؤال والمُراجعة النقدية؟ هل يُمكنُ أن يعلوَ كتابٌ ما على التاريخ وصيرُوراتِه ومآزقه ومُفاجآته؟ إن المُشكلة لا تكمنُ – بالطبع – في وجودِ كتابٍ يدَّعي امتلاك مفاتيح الحقيقة النهائية للعالم والأشياء، فجلُّ الفلاسفة المذهبيين الكبار – من أفلاطون إلى هيغل - زعمُوا ذلك؛ ولكن المُشكلة، بالأساس، تقومُ على ارتباط النظام السياسيِّ بكتابٍ يتحوَّلُ إلى سلطة مرجعيّة وتتأسَّسُ عليه الرؤية الواحدية التي تحبلُ – حتما – بأشكال الاستبعاد والنبذ والتخوين وإدانة الاختلاف. إن الرؤية الواحدية هي، جوهريا، رؤية غيرُ ديمقراطية. وليست الشمولية إلا نظامًا جعلَ الإيديولوجية في مركز العالم وجعل الإنسانَ جرمًا صغيرا يدورُ في فلكها.

من نافل القول، هنا، أن نُذكِّرَ أن الشمولياتِ كلها كانت تقومُ على فلسفةٍ للمعنى تعتبرهُ أرضا موعودة ً للطائعين والمؤمنين. لقد كانت الشموليات، بذلك، منظوماتِ إخضاع وكانت ضدَّ العقل والحرية. لم يُتح لها أن تعتبرَ المعنى أرضا بكرًا أو سفرًا في مجهول العالم. هذا ما شهدهُ القرنُ العشرون في صورة أنظمةٍ ادَّعت أنها تعملُ من أجل خلاص الإنسان التاريخيّ من الاستلاب فيما كانت تسحقهُ وتملأ لهُ الأرضَ بمُعسكراتِ الاعتقال وتخنقُ الفضاءَ المدنيّ بأجهزة المُراقبة. والغريبُ في الأمر أن أبرز الأنظمة الشمولية كانت تقومُ على ادِّعاء الثورة وتستندُ إلى فلسفةٍ تقرأ التاريخ من منظور التقدم والتطور الجدليّ عبر الصِّراع المُفضي – حتما – إلى مُجتمع حُرّ وبلا طبقات كما ظلت تزعُم. هذه هي الماركسيَّة مثلا. ولسنا في حاجةٍ إلى الحديث عن نماذج الحكم الأحاديّ المعروفة التي أزفَ خريفها نهاية القرن المُنصرم.

أعتقدُ أن مُشكلة الشمولية والرؤية الواحدية تكمنُ في مأسسة الحقيقة وفي اغتصاب السلطة باسم مرجعية وحيدةٍ وكتابٍ مقدَّس يتمُّ تتويجهُ بسيف السلطان السياسيّ. وهل كان " الكتابُ الأحمر " الشهير للزعيم الصّينيّ الراحل ماو تسي تونغ، مثلا، غير ذلك؟ ألم يُكرِّس استبدادَ الحزب الواحد والفكر الواحد؟ ألم يجعل من الشعب الصّينيِّ قطيعا كبيرًا من المُسبِّحين باسم النظرية الجاهزة ومقولات الزعيم الأوحد؟ ألم يتمَّ تكريسُ الأبوية تحت جبة الثورة المزعومة وخنقُ كل تطلع إلى الحرية، سياسيَّة كانت أو فكرية؟ رُبما كانت الصينُ، اليوم، بلدًا اقتصاديا عظيما ويشهدُ نمُوًّا كبيرًا ولكنَّ هذا الأمر لا يرجعُ إلى وُعودِ " الكتاب الأحمر " وإنما – تحديدًا – إلى عملية الخروج الضروريّ منهُ والانفتاح على الليبرالية وتحرير المُبادرة واقتصادِ المُنافسة. والدَّليلُ هُو أنَّ تأثيرَ " الكتاب الأحمر " ما زالَ موجودًا ولكن في حُضور الأحادية الحزبية التي تسجنُ الناشطين في مجال حقوق الإنسان وتسحقهُم بالدبابات في الشوارع. وأعتقدُ أنَّ صورة المقعد الشاغر أثناءَ تسليم جائزة نوبل للسلام العام الماضي ذاتُ دلالة بليغة: لقد منعت السُّلطات الصينيّة الفائز بالجائزة من السَّفر لتسلمها لأنهُ يقضي فترة سجن طويلة مُقابلَ دعوته إلى إصلاح سياسيّ واحترام للحريات الديمقراطية للكائن البشريّ في بلده!

2

إنَّ الكتابَ الدينيَّ - رغم انتماءه إلى دائرة المُقدَّس والمُتعالي – لم يكن ليحبلَ تاريخيا بمعنى واحدٍ إلا بعدَ تدخل السلطة السياسيَّة التي ظلت تستندُ في شرعيتها إلى قراءةٍ تبرِّرُ هيمنتها على الفضاء السوسيو- سياسي. لقد كان الكتابُ الدينيُّ المقدَّس – والقرآنُ الكريمُ بخاصَّة – مدار قراءاتٍ واستقصاءاتٍ وصلت إلى حدِّ التناقض أحيانا بوصفه يُنبوعا للمعنى النهائي وبوصفهِ كتابا قال حقيقة الأشياء والعالم وكشفَ عن المآل والمصير. إنَّ كلماتِ الله لا تنفدُ كما جاء في القرآن، وبالتالي تكمنُ المُشكلة في السلطة السياسية والإيديولوجية التي تفرضُ قراءتها للعالم والأشياء، وتبني معقولية العالم على رمزانية تبتكرُها من أجل تسويغ هيمنتها التاريخية. كلامُ الله الذي لا ينفدُ كانَ دائما مُستنفدًا سلطويا استنادًا إلى التاريخ السياسيِّ المعروف للتأويل. هذا يعني أن الكتابَ المُقدَّس ظل نهبًا لكل القراءات والتأويلات ضمن الصِّراع الدائم على السلطة وبحثا عن مشروعيَّة لم يكن يضمنها إلا خطابُ التعالي الدّينيّ. والجديرُ بالذكر، هنا، أن هذا الأمرَ لم يتمَّ بمعزل عن التطور المعرفيّ الهائل في حقول الفكر الأصوليِّ والفلسفيِّ واللغويِّ والصُّوفي. كان النصُّ الأول عاملا دافعا للثقافة العربية إلى الانخراط في تاريخ الخلاص – السَّائد مع الوحدانيات في العالم المُتوسِّطي آنذاك- وإلى ابتكار العالم في أفق التعالي والدخول في تجربةٍ غنيَّةٍ مع الإلهيِّ.

نستطيعُ أن ندركَ بسهولةٍ ويُسر – انطلاقا من ذلك – أن المُشكلة تكمنُ في اغتصابِ الحقيقة وفي التأسيس للواحدية، دينيَّة كانت أو علمانية؛ وهُو الأمر الذي لم تتخلص منهُ الحداثة الكلاسيكية ذاتها باعتبارها غزوًا هدمَ قلعة العوالم القديمة وحساسيَّاتها ولكنهُ لم يجتثَّ جذورَ مركزية المعنى، وإنما اكتفى بالتهليل لأفول شمس التعالي والمُقدَّس لتحُلَّ محلَّها شمسُ الإنسان. أصبحت الإيديولوجياتُ المُختلفة " أديانا علمانية " كما يُعبِّرُ ريمون آرون بحق. هذا يعني أن البنية الدينية / اللاهوتية العميقة ما زالت ترفدُ كلَّ محاولات الإنسان في التأسيس لنظام سياسيّ يقومُ على الكتاب الواحد والفكر الواحد الذي يدَّعي امتلاك المعنى ويحتكرُ مشروعية العمل التاريخيّ. إنَّ سرديَّات الحداثة الكبرى – من منظور نقديّ / تفكيكيّ – لم تسلَمْ من القيام على مُضمراتٍ أسَّست للاستبعاد والواحدية وكانت مهدًا لأفكار الكتاب الواحد. رُبما اعتقدنا، طويلا، أن اللوغوس اختفى وتلاشى في عتمة التاريخ الذي أصبح يُكتبُ إنسانيا بالثورة، ولكننا لم ننتبه إلى لوغوس المركزيات الجديدة الناهضة على إرادة القوة والعنفِ المُصاحب لإرادة المعرفة وهي تغتصبُ الدلالة في الفضاء التاريخيّ للتجربة البشرية. لم ننتبه إلى ميلادِ المعنى مُتلفعا بلبوس الأنظمة المعرفية التي لم تتخلَّص من بنيتها القمعية. لقد كان القرنُ العشرون – أو ما يُسمَّى بعصر الإيديولوجيات – عصرَ أفول لرمزانية الكتاب وانفتاحهِ على لانهائية المعنى ليُصبحَ مهدًا لتحنيط المعنى في الدولة البوليسيَّة أو دولة الرَّعايا الجُدد.

أستغربُ، شخصيا، كيفَ هُوجمَ كتابٌ تصدَّى لمعقولية التأسيس الفلسفيِّ للعنف في القرن العشرين مثل كتاب " الإنسان المتمرِّد " للكاتب الفرنسيِّ ألبير كامي. أستغربُ كيف كانت الثورة التاريخية مدارَ تبرير فلسفيّ وأخلاقيّ عند المُثقفين اليساريين الدوغماتيين وهُم يرون كيف تحوَّلت إلى شمولية مذهبية وسياسية، وإلى " غولاغ " يسحقُ الإنسانَ كالحشرة. أستغربُ كيف تصوَّروا التاريخ، بوحي من ماركس، مطهرًا يقودُ إلى فردوس "الصباحات التي تغني "، والتي ندركُ اليوم جيِّدا كيف أدركها الخرس. لقد كان المطهرُ فظيعًا كالجحيم ولا يعدُ بأيِّ فردوس كما نعلم. فقد كانت الشموليات التي استندت إلى الكتابِ المُقدَّس الجديد وإلى النظريات الثورية المعرُوفة تأسيسًا للجريمة باسم الحقيقة. ونعتقدُ، مع كامي، أن مُجرمي العصر الحديث بلغوا النضج الذي جعلهُم يرفعونَ الجريمة من هاوية الأهواء والضعف الإنسانيّ إلى أفق الفلسفة ومنطق التاريخ والأشياء. لقد كانت الجريمة " وحيدة ً كالصَّرخة، وها هي اليوم كونية ٌ كالعلم " كما يقول كامي.

رُبما كانت المُشكلة في عُمقها تكمنُ في أنَّ السياسة لا يمكنُ أن تقومَ على اليُوتوبيا. الكتابُ الواحد يوتوبيا وتبشيرٌ بعهدٍ يتجاوز التاريخ ومآزقه ومُفاجآتِه. اليوتوبيا اعتقادٌ بنهاية التاريخ ورغبة ٌ مضمرة في خنق المُستقبل واحتمالاته انطلاقا من أشواق الحاضر المكبوتة. اليوتوبيا هي غرورُ طفل الحاضر الذي يتطاولُ مُدَّعيًا إحكام القبضة على عصافير المُستقبل. من هُنا ارتباط اليوتوبيا بالشمولية التي مثلت نزوعًا دائما إلى تحنيط الحياة في النظرية واعتبار التاريخ نشيدًا هجرَ فضيلة البدايات لينامَ في حضن الحكمة. إنَّ الحلم بالمدينة الفاضلة كان دومًا في أساس كل البشاعات وكل أصناف الجرائم التي وقع الإنسانُ تحت سنابكها مَسحُوقا باسم المُثل والأحلام الخلاصيَّة وأوهام الحلول النهائية. رُبما أتيح للفنانين العظام كالمتنبي أو مايكل أنجلو أو بيتهوفن أن يُعانوا تجربة البحث عن المُطلق والفشلَ المُقدَّس في حُرقة مُحاولاتهم الإفلاتَ من الزمنية والمحدوديّة، ولكنَّ السياسيَّ لن يكونَ إلا ديكتاتورًا وطاغية إن جعلَ السياسة فنا في البحث عن المُطلق كما لاحظ ألبرتو مورافيا بحق. السياسة ليست فنا في البحث عن النهايات وإنما هي فن إدارة الشأن العام والتأسيسُ لصيغ العيش المُشترك في ظل قيم تتمحورُ حول الإنسان بوصفه قيمة ً عليا. من حق الإنسان أن يحلمَ ولكن ليس من حقه أن يجعلَ لأحلامه مخالب. من حقه أن يحلمَ ولكن ليس من حقه أن يمنحَ أحلامهُ سوطا أو حرابًا ويجعلها سجَّانا يمنعُ طائرَ المعنى من التحليق خارج قفص الأحادية الفكرية. وإذا التفتنا إلى عالمنا العربيّ ألا يُمكننا أن نرى في " الكتاب الأخضر " للزعيم الليبيِّ غير ذلك؟ رُبما كان هذا الكتابُ المُصنفَ العربيَّ الوحيد الذي يجهرُ بكونهِ يقترحُ – بنوع من الصلافة - نظرية عالميَّة تتجاوز كلَّ المُشكلات التي طرحها تاريخ السلطة على البشر. ولكن ما هي النتيجة؟ هل تمَّ فعلا تجاوز مُشكلات الاستلاب والقمع والاستبداد في هذا البلد العربيّ؟ هل تمَّ التأسيسُ للحريات المدنية والسياسية والفكريَّة وهل تمَّ ترسيخ قيم العدالة والمُساواة؟ ما مكانة الإنسان في ليبيا اليوم؟ ما هُو وضعُ حُقوق الإنسان في هذا البلد؟ هل للمُعارضة الفكرية والسياسية مكانٌ؟ هل السلطة في ليبيا نتيجة لعقدٍ اجتماعيّ واختيار شعبي حُرّ أم هي ملكٌ للزعيم الأوحد؟ أليس الشعبُ الليبيُّ طاقة ً مخنوقة ً ومُراقبة بوليسيا؟ ألم يُرد الزعيمُ أن يجعل من شعبهِ قطيعًا يُردّدُ ابتهالاتٍ مبتذلة ً ولا تنتهي حول حكمتهِ وإبداعهِ وانتصاراتهِ الوهمية؟ أليست ليبيا بلدًا يخضعُ منذ عقودٍ طويلةٍ لأهواء الزعيم وفانتاسما العظمة ولا مكانَ فيه للقانون والمُؤسَّسات؟ إنَّ " الكتاب " الواحد في السياسة لا يتأسَّسُ إلا على الرغبة العميقة في التطهير: تطهير العالم من التعدُّد، وتطهير الذات من حضور الآخر، وتطهير التاريخ من الصيرورة والإمكان والاحتمال.

3

لا يختلفُ اثنان حول البنية القمعيَّة الملازمة للمُجتمعات العربيَّة – اجتماعيا وثقافيا وسياسيا. إنها مُجتمعاتٌ لا تجهرُ بمكبوتها التاريخيّ الهائل ولا تفصحُ عنهُ إلا في شكل انفجاراتٍ وهزات؛ وهي مجتمعاتٌ ينطمسُ فيها الإنسانيّ أمام جبروت الماضي المُعاد إنتاجه بوصفه هُوية أمام قيم العولمة الليبرالية، وبوصفه طوقَ نجاةٍ في مُحيط التاريخ الأهوج. ونعتقدُ أنَّ هذا الأمرَ يجبُ أن يُشكل مدارَ التفكير النقدي الذي يرومُ الخروجَ من الزمن الثقافيِّ العربيّ الرَّاكد إلى آفاق الحداثة الفعليَّة. إنَّ هناك عوائق ثقافية وسوسيولوجية كثيرة تلجمُ كلَّ حراك عربيّ، وتكبحُ إرادة التغيير وتحوِّلُ هاجسَ الثورة إلى تصعيد للمكبوت التاريخيِّ الهائل في صُورة حلم بالبطولة الغائبة وفي صورة تعلُّق بوعُود الخلاص من مَحبس الوجود المُفرغ من المعنى والجدارة. طبعًا لا يُمكننا أن نرى في وضع مُماثل إلا يأسًا واغترابا عن الواقع الفعليّ غير المُسيطر عليه معرفيا وفكريا. فنحنُ نعيشُ في مُجتمعات الاستيهام والإيديولوجيَّة في أكثر أشكالها تصلُّبا ويباسا، وليس لنا حظ يذكرُ في معرفة الذات أو معرفة الآخر. إنَّ المجتمعَ العربيَّ ظل يقتاتُ على تاريخه الباطنيِّ الألفيِّ وعلى قِيمهِ المُرتبطة بالبنية البطريركية منذ عقودٍ طويلة – رغم الارتطام الإشكاليّ بزمن الحداثة - ولا يعيشُ التغيير إلا سطحيا وفي مُستوى الاستهلاك. يشهدُ على ذلك سيطرة الوعي الدينيّ في أكثر أشكاله تقليدية وغياب ثقافة السؤال والعلم والمراجعة النقدية. يشهدُ على ذلك بقاء مُجتمعاتنا خاضعة لهيمنةِ البنيات السوسيو- سياسية ذاتِ الأساس الطائفي والقبَليّ. يشهدُ على ذلك دونيَّة وضع المرأة وغيابُ المُساواة وقيم المُواطنة الفعليَّة.

انطلاقا من ذلك يحقُّ لنا أن نتساءل: هل يُمكنُ أن نفهمَ العنف المُؤسَّس في العالم العربيّ دون فهم بنية العلاقات الاجتماعية السائدة والرَّاسخة فيه تاريخيا؟ هل يُمكنُ أن نفهمَ ثقافة الإخضاع والترويض والتدجين ومُعاداة الحرية والفردانية دون فهم علاقات القوة في المُجتمع الأبويّ التقليديّ؟ ثم هل يُمكنُ نقد هذه الثقافة وتفكيكها دون مُقاربتها من زوايا عديدة تضيءُ رهاناتِها واستراتيجياتها وأشكال مُقاومتها للتغيير؟ ألا يُمكنُ اعتبار التحديث الشكلي بأقنعتهِ الإيديولوجيَّة المعروفة استمرارًا للهيمنة القديمة وحيلة ً للتاريخ العربيِّ في إعادة إنتاج نفسه؟ إن التحديث العربيَّ لم يُحدث النقلة المرجوَّة من زمن الخضوع إلى زمن التحرير وإنما خلعَ الجبة العلمانية الحديثة على علاقات الإخضاع، وزحزح المقدَّس من السَّماء إلى السياسة وقد أصبحت إنقاذا بيد الآلهة الأرضية لا شأنا مدنيّا يتمثلُ في إدارة الشأن العام استنادًا إلى الإرادة العامة. ويبدو لي، من هذه الزاوية، أن العُنف المُلازم للمُجتمع العربيّ - والذي تتأسَّسُ عليه العلاقات المُختلفة - ليس عُنفا سياسيًّا فحسب وإنما هُو، بالأساس، عُنفٌ اجتماعيٌّ وثقافيّ راسخ ظلَّ يرفدُ السياسة والفكر والأخلاق، وظلَّ يشكل مرجعًا لدائرة قيم يُهيمنُ عليها التحريمُ والمُقدَّس ومُمانعة قلعة البنية الأبوية التقليدية أمام مُناوشات التغيير التي تقودُها نُخبٌ قليلة العدد سوسيولوجيا. لذا أعتقدُ، شخصيا، أن الأحرى بالنقد الجذريِّ الشامل ليس الطاغية العربيّ فحسب بل المجتمع العربيّ التقليدي وثقافته أوَّلا. لقد ظلت ثقافتنا – في شكلها التاريخيّ والمُؤسَّسي السَّائد - تشكلُ حِصنا أمام التقدم وأمام احتضان وجيب العصر والتأسيس لقيم الحداثة الحقوقية والسياسية عندنا. إنَّ لشجرة الزقوم جحيمًا تطلعُ فيه: هذا ما يجعلنا نؤكد على أننا لم ننتج في تاريخنا إلا المُستبدّ والطاغية نظرًا لكون ثقافتنا السَّائدة ظلت تمثل ينبوعًا ثرّا يغرقُ حياتنا بالآلهة الفانية ويَحرمنا من الدخول في عصر الإنسان بوصفه مرجعًا للمشروعيات جميعها.

لا يتأسَّسُ العنفُ، برأينا، إلا انطلاقا من نواةٍ مركزية وجذر أساس: المُجتمع المكبُوت. إنَّ مُجتمعا تسودُ فيه بنية العلاقات التقليدية وغياب الحرية والذاتية الفردية، ولا يعرفُ العلاقات الديمقراطية وإنما علاقات الإخضاع الهرمية في كل مناحي الحياة، ولم يُتح لهُ أن يجتاز المسافة الحضارية الضرورية من أجل ترسيخ قيم الحداثة وإنما عرفَ تحديثا شكليا لم يكن إلا صورة ً تفتقرُ إلى المعنى وإلى المضمون الثقافي والإنسانيّ – هذا المجتمع لا يُمكنه أن يحبلَ إلا بكلّ أشكال الارتداد وردُودِ الفعل الهوجاء إزاء كلّ مُحاولات زحزحة الذات التقليدية عن المركز. هذا هُو مُجتمعنا العربيّ في كلمة. ورُبما لم تكن الأصولية عندنا إلا إجابة ثقافتنا الرَّاسخة عن الأسئلة التي طرحتها المدنيَّة الحديثة، ولم تمثل إلا مُمانعتها الشديدة أمام الحداثة التي ظلت تمثل خطرًا فعليا على الذات السوسيو- ثقافية التقليدية – يُهدّدُ بزحزحتها عن مركز الهيمنة وقد يُعيقُ مُحاولاتها الدائمة في إعادة إنتاج نفسها.

لقد علَّمنا تاريخ الفكر السياسيّ الحديث كيف أنَّ النظرَ في غايات الدولة والمُجتمع السياسيّ ظلَّ يتأرجحُ بين التفسيرين الشهيريْن: الأمن والحرية. النظام والحُقوق. مكيافيللي وهوبز من جهةٍ ولوك واسبينوزا وروسّو من جهةٍ أخرى. كان هذا الفكرُ محكومًا بالتأسيس للشرعيَّة السياسيَّة وللسلطة بعد تآكل المرجعيات التقليدية وبداية أفول العصور الوسطى والفكر اللاهوتيّ. فهل على المُجتمع السياسيّ أن يضمن الأمن في ظل " حرب الجميع ضد الجميع "؟ أم عليه أن يصُون الحقوق الطبيعية ضدَّ انحرافات المدنيَّة وشهوة التسلط؟ هذا ما شكلَ مدارَ المُشكلة السياسيَّة وهي تعيدُ تأسيس أفقِها على قاعدة العقلانيَّة الظافرة بداية العصر الحديث. من هُنا يحقُّ لنا أن نتساءل: ما الأساسُ الذي قامت عليه الدولة الوطنية العربية؟ هل حققت الأمن والسّلم المدنيَّ أم مارست القمع وتكميمَ الأفواه وتخوين المُعارضين؟ هل صانت الحقوق المدنيَّة والسياسيَّة أم سيَّجت الحياة العامة والخاصة بالممنوعات وبأشكال الوصاية والرَّقابة؟ هل أسَّست لفضاءٍ مدنيّ ديمقراطيّ يتساوى فيه الجميع وتترسَّخُ فيه قيم المُواطنة؟ أم كرَّست بقاءَ الشعوب العربية طوائفَ ورعايا يجودُ عليها السلطانُ من فيض الرَّيع العام؟ وعلى افتراض أنَّ هذه الدولة قامت على حُلم التحرّر والانعتاق من الهيمنة الكولونيالية الخارجيَّة والخروج من عباءةِ تاريخ راكدٍ وجب طرحهُ، نستطيعُ أن نسألَ مُجدَّدًا: أين هي الحريَّة بمفهومها الواسع والشامل في بلداننا العربية؟ ألسنا من البلدان القليلةِ في العالم التي تسجنُ أصحاب الرأي المُخالف في الشأن السياسيِّ وغيره؟ ألسنا البلدان الوحيدة التي تدينُ الفكر النقديّ باسم ضرورةِ احترام المُقدَّسات؟ ألسنا البلدان الوحيدة التي ما زالت تمنعُ المرأة حقوقا بسيطة بطريقةٍ فجةٍ قد تصلُ إلى حرمانها من قيادة السيارة؟ هذا كلُّهُ يؤكدُ ما رأى فيه البعض – بحق - اختلالا فاضحًا في استضافة الحداثة في تاريخنا المُعاصر. إنَّ الحداثة – التي هي بالأساس أنسنة ٌ وخروجٌ من زمن الوصاية – لم يتمَّ تلقيها في عالمنا العربيِّ إلا باعتبارها وصفة بليغة في فن الإخضاع وتشريع الشموليَّة المذهبية. فلم تكن الدولة الوطنيَّة عندنا عقلا جديدًا وإنما وصاية ً جديدة تستثمرُ تكنولوجيا السيطرة وتتفننُ في مُمارسة الرَّقابة والضبط الاجتماعي بأجهزتها المُختلفة وبكلّ الوسائل. لقد انتصر مكيافيللي عندنا على رُوسّو.

مأساة السياسة العربية أنها بقيت تراوحُ – طيلة نصف القرن الماضي – بين قطبيْ الخوذةِ والعَمامة. هذا يُشيرُ إلى أنها لم تخرج، بعدُ، إلى فضاءات العمل المدنيِّ والديمقراطي. بقيت هذه السياسة – من المُحيط إلى المُحيط - لعبة قمع واستلاب فكري وثقافي جعلَ العربيَّ الكائن المُتحفيَّ الوحيد في العالم، وجعلَ من وجودنا آلة استهلاكٍ عملاقة بعيدًا عن الحُضور الثقافيّ والإبداعيّ والتقني الذي هُو في أساس علاقات القوة ولعبة الهيمنة السَّائدة اليوم. أصبحَ العالمُ العربيّ ماهرًا في تضييع مواعيدهِ مع التاريخ والسَّببُ يكمنُ في عدم انسلاخنا من وجُودٍ تأسَّس على الذاكرة وعلى خطابات الهوية والخصوصية. السَّببُ يكمنُ في الاحتفاء الذي لا ينتهي بمُؤسَّسة التاريخ الرَّسمي وبنشيد البدايات الآسرة التي يضمحلُّ أمامها الحاضرُ وتخمدُ إرادة النقد والتجاوز. السَّببُ يكمنُ في بنيةٍ ثقافية وسوسيولوجية تقفُ حائلا أمام انبثاق الفرد العربيّ المُبدع وتشلُّ فيه طاقة التطلع إلى الأجمل والأبهى بعيدًا عن سيادة التقاليد والمرجعيات الرَّاسخة. السَّببُ يكمنُ في حضور الأب الثقافيّ / الرمزيّ الدَّائم عندنا في زمن أحيلَ فيه على التقاعُد تحت سماواتٍ أخر. السَّببُ يكمنُ في الثقافة العربية الموروثة والمُكرَّسة – تلك التي ظلت رمادًا لم يخرج منهُ أي فينيق يُحرّرُ الذات العربية ويُعتقُ طاقاتها المكبوتة.
4

إنَّ " الكتاب " الواحد لا يمكنُ أن يتأسَّسَ عليه فضاءٌ مدنيّ وسياسيّ تعدُّدي ولا يُمكنُ أن يحبلَ باحترام الاختلاف ولا بالوعي الديمقراطيِّ لأنهُ يمثلُ اغتصابَ الدلالة في الفضاء السوسيو- سياسي، ويجسِّدُ الواحدية الفكرية التي هي الوجهُ الثقافي المُضمرُ لإرادة النبذ والاستبعاد والاستئثار بالسلطة. ونستطيعُ أن نقولَ، انطلاقا من ذلك، إنَّ " الكتاب " الحديث، أخضرَ كان أو أحمرَ، هو في نهاية الأمر عسكرة ٌ للسياسة وترويضٌ للمجتمع من خلال تأثيث قبَّة العالم الرمزية بحضور المُتعالي والمُقدَّس والوَاحد الذي يفرضُ الولاء. " الكتاب "، هنا، تأسيسٌ للوجود الاجتماعي / السياسيّ والثقافي / الرمزيّ على المعنى الواحد الذي يضمنُ استمرارَ بنية الهيمنة السائدة. لا يُمكنُ لهذا " الكتاب " أن يحظى، اليوم، بأيَّة شرعيَّةٍ في زمن تتأسَّسُ ثقافتهُ على تفكيك أنظمة المعنى القائم على الواحدية وعلى اغتصاب دلالة الكينونة في فضاء التجربة البشريَّة.

" الكتاب " الواحدُ في السياسة هو دومًا كتابٌ أسود. إنه ما يخنقُ تطلّعَ فاوست إلى لانهائية المعرفة وابتكار الحياة في أفق المجهول. إنه هبوط إلى جحيم الاستبداد والواحدية: حيث الحياة طائرٌ يتخبط في شرك القمع، ومُومياء يابسة الأوصال تنامُ عابسة ً في حضن المُطلق بعيدًا عن مأدبة التاريخ.



#أحمد_دلباني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشرعية السياسية والزمن الثقافي
- في الطوطمية السياسية وحضور الوصاية: الحقيقة والسياسة
- رسالة إلى مستبد عربي
- في مشكلة السلطة العربية واللاشعور السياسي الجمعي: خريف البطر ...
- عن الثورة العربية وأسئلة العقد الاجتماعي الجديد: قد يعود الب ...
- قداس السقوط
- احتفاءً بالكوجيتو العربي الجديد: - أنا أثور، إذن أنا موجود -
- المفكر الراحل نصر حامد أبو زيد: التفكير بوصفه قطفا للثمرة ال ...


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد دلباني - الكتاب الأسود