حميدة العربي
الحوار المتمدن-العدد: 3394 - 2011 / 6 / 12 - 16:11
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
دائما, وعلى مدى التاريخ, كانت النهضات التي حدثت في العراق اما مرتبطة بالسياسة او تفرزها حركة سياسية, تهيمن على السلطة. وبذا يحدد النظام السياسي معالم المجتمع والثقافة والاقتصاد.. الخ. فيصبح كل شي تابع للنظام او موجه من قبله او خاضع له.. ومتى ما انهار النظام انتهت النهضة وبدأت مرحلة جديدة مع نظام جديد ينسف كل ما بناه النظام الذي سبقه. لذلك فأن تلك النهضات, على قلتها, لم تطور المجتمع ولم تغيره!
بعكس ما حدث في الغرب, اوربا مثلا, حيث كانت النهضة فيها علمية, صناعية, وهي التي حددت معالم المجتمع وفرضت عليه افكار جديدة وعلاقات جديدة, وبالتالي قوانين جديدة, تناسب تلك النهضة. ومهما تغيرت الانظمة السياسية فأن النهضة باقية تتقدم في مساراتها التي تفرضها متطلبات العصر وليس النظام الحاكم. ولهذا تغيرت العقلية الاوربية تغيرا جذريا.
ولأن القوانين هي انعكاس لعقلية المجتمع ونتاج تفكيره, فأن كان متحضرا جاءت قوانينه متحضرة لصالح ابناءه بالتساوي, وأن كان متخلفا ظهرت قوانين تسودها التفرقة والتعسف والظلم بحق جزء من ذلك المجتمع ( اكثرها بحق النساء ).
والقوانين والاعراف الاجتماعية في المجتمع العراقي ( ما يخص النساء تحديدا ) قوانين جاهلية, لا تمت الى الحضارة او العصر بأية صلة! وابرز معالمها التفرقة الصارخة بين الجنسين, في كل شيء!
وبسبب تفشي الجهل والامية في المجتمع فأن التفرقة ترسخت, وتترسخ باضطراد, بين ظلم الرجل واستسلام المرأة له!
والتفرقة بين الجنسين تبدأ قبل ولادة الطفل. حين تتمنى العائلة للمرأة الحامل ان يكون وليدها ذكرا. ويستمر شحن النفوس بتلك الفكرة حتى ولادة الطفل, فأن جاء ذكرا انهالت التبريكات والافراح والتهاني.. وان كان انثى يسود الجو صمت لا يخلو من كآبة, تتردد فيه عبارات, يطيبون بها خواطرهم, مثل ( هذه هي القسمة) او ( كل شيء من الله نعمة )
وتبدأ العائلة بتكوين الفتاة لتصبح ضعيفة, اتكالية, غير قادرة. معتمدة على الرجل ( ابوها او اخوها ) في كل شيء! لكي تقمع فيها حب الحياة والحرية.. ابتداءً من التحدث بصوت منخفض وخنق الضحك وتجنب الالتفات ( او النظر بحرية ) منع التدخل او المشاركة بشيء, عدم ابداء الرأي او تحمل مسؤولية ( قبل الزواج ), حجب الثقة عنها وعن امكانياتها. يتركز دورها في البيت على خدمة الذكور وتنفيذ الاوامر!.. وفي المدرسة لا يختلف التعامل مع الفتاة كثيرا, بل ربما يعمق ما تعلمته واكتسبته في البيت من ضعف شخصية واتكالية, وقد يزيدها انكسارا وتخاذلا ( بسبب الاساليب المتبعة في المدارس من قمع واضطهاد للفتيات )..
والاساليب المتخلفة في التعامل والتربية, تبلورت بمرور الزمن وتحولت الى عادات وتقاليد واعراف راسخة, اهم من الدستور المكتوب, والالتزام بها اشد واقوى!
وفي حين لا يجد الذكر, امامه, من عقبات او موانع في طريق حياته وتفرعاتها. لا في البيت ولا في المجتمع ولا في العلاقة مع المرأة.. تجد الفتاة امامها, وفي كل خطوة تخطوها, كل انواع العقبات والموانع, فقط لكونها انثى, وهذا هو لب التفرقة بين الجنسين!
فهم ( المجتمع ) قد ربطوا ( اهم شيء لديهم ) شرف العائلة بالمرأة, فكبلوا يديها وعينيها وشفتيها وعقلها وجسدها كله بسلاسل الشرف والسمعة, فهي ان ابتسمت او التفتت ينهار شرف العائلة! وبذا تستحق العقاب, واذا احبت رجلا فعقابها اشد. اما الجنس ( وان كان اغتصابا ) فعقوبته الموت. في حين يمارس الرجل كل ما يحلو له دون التفكير بعقاب او حساب!
ومفهوم الزواج, عندهم, يعني الجنس, لذا من العيب ان تعلن الفتاة رغبتها بالزواج, ومن العار ان تصرح بمشاعرها تجاه رجل ما. ولأن الجنس عندهم شيء معيب ومهين, لهذا فأن الاب والاخوة ( الذكور) يختفون ليلة زفاف ابنتهم خجلا من الآخرين.. لأن ابنتهم, حسب اعتقادهم, ستمارس الجنس في تلك الليلة ( ليلة زفافها ).
اما الزواج بمفهومه الاصلي وهو الشراكة بين اثنين ( لهما نفس الحقوق وعليهما نفس الواجبات ) فهو غير موجود في الواقع. فالرجل حين يدفع مهر المرأة لولي امرها, فكأن الولي منح هذا الرجل حق التصرف بالمرأة كما يشاء.. يحق له ان يستخدمها ويضربها ويهجرها ( او يطلقها ) وحتى يقتلها, متى ما يشاء! فأذن ليس هناك من شراكة على ارض الواقع, بل تبعية واستغلال ( استغلال الرجل للمرأة )
ومنذ بدء الحياة كانت المرأة, ولا تزال, ضحية الرجل في حروبه ونزاعاته ومغامراته ورغباته, ففي الحروب تكون المرأة اول المستهدفين بالاعتداء او الاغتصاب او التهجير او السبي. وعندما تتخاصم القبائل او العشائر فيما بينها, تستعمل المرأة كفدية او منحة او تعويض بدل ( او مع ) الاموال والسلع الاخرى. وحين يقتل الرجل احدا, تعطى اخته او ابنته لعائلة القتيل تتصرف بها كما تشاء. وحتى عندما يعشق الرجل فأن المرأة تدفع ثمن ذلك, حيث يبادلها ويزوجها ( رغما عنها ) لشقيق محبوبته! في قوانين ابعد ما تكون عن التحضر والمدنية.. ولم يسأل احد او يتساءل ( حتى المرأة نفسها ) لماذا يتصرف الرجل بحياة المرأة ومصيرها بهذا الشكل اللاانساني وبكامل حريته؟!
والتفرقة واضحة وموجودة في كل تفاصيل الحياة وتتجلى في مواقف وامور عديدة, الكثير منها اصبح امرا عاديا لا يفكر به احد.. بل يمارسه الجميع كفعل طبيعي مفروغ منه!
مثلا عندما تتوفى الزوجة فأن الرجل ( مهما كان سنه ) يفكر بالزواج ثانية منذ الايام الاولى لوفاتها ( اثناء مجلس عزائها ) ويتعاطف معه الناس ويشكون وحدته.. وحتى النساء من حوله يبحثن له عن عروس, وما ان تمر فترة قصيرة حتى يدخل عش الزوجية ثانية, وكأن تلك المرأة ( المتوافاة ) لم يكن لها وجود في حياته!.. في حين لو توفى الرجل ( الزوج ) فأن المرأة ( وان كانت شابة ) يجب ان تهلك نفسها بكاءا وعويلا وحزنا, وتعتكف في بيتها مجللة بالسواد لسنوات, ولو فكرت بالزواج قبل سنة فسوف ترمى بالوقاحة وتلوكها الالسن وتتهم بأنها فرحة لوفاة زوجها وبأنها كانت على علاقة بذلك الشخص ( الزوج الجديد ) وتفقد احترامها بن الناس!.. وحين تصاب الزوجة بمرض او عجز معين يمنعها من ممارسة الجنس, فأن الرجل يسرع ( ربما قبل هذا ) للبحث عن امرأة اخرى, لسد الحاجة الجسدية, والمجتمع والناس من حولهما يؤيدونه ويتعاطفون معه!.. ولو حدث العكس ومرض الرجل واصبح عاجزا ( جنسيا ) فان المرأة تبقى الى جانبه تعاينه وتهتم به, مهما طال الزمن.. ولا يخطر ببالها, ابدا, ان تتخلى عنه بسبب ذلك الموضوع ( الجنس ) ولو فعلت, فأن الناس ستهاجمها وتتهمها بخيانة العشرة ونكران الجميل وبأنها تخلت عن زوجها وهو في ظرف صعب! ما يعني ان الحاجة الجسدية من حق الرجل فقط!
وتبقى المرأة متهمة في كل الاحوال والظروف فأن قامت بعمل الخير فسيقال انه صدفة, وان قامت بعمل الشر فهذا لأنها امرأة ( وليس لأن البشر عرضة للخطأ, رجالا كانوا ام نساء) وان نحجت بأمر ما, يشكك فيه ويقال انه الحظ او الواسطة.. الخ.
والرجل اتهم المرأة بكل ما هو سيء ورديء, فهي الضعيفة وهي النكدية وهي المبذرة. ( والرجال, طبعا, لايبذرون ولا ينكدون! ) وهي الثرثارة , رغم ان ذلك جزء من الطبع والنشأة ( فقد يكون بعض الرجال ثرثارين وبعض النساء ايضا! )
وهي التي تمر بسن اليأس وحدها, في حين ثبت ان الرجل يمر بنفس الحالة وفي نفس السن, وكأن ما يسمى بسن اليأس عيب او عار ( والرجل هو الذي اختلق هذه التسمية لغرس اليأس بنفسية المرأة وجعلها تشعر ان لا حياة لها بعد هذه السن ).. وحتى ارادة الله في ان تتوقف المرأة عن الانجاب في سن معينة يعتبره الرجل نقصا في المرأة, يعيرها به دائما. والغريب ان المتدينين اكثر من يفعل ذلك, والمفروض ان المؤمن يعرف ان تلك ارادة الله ومشيئته, ولعلها رحمته ورأفته بالمرأة ان تتوقف عن تلك العملية الهائلة والخطيرة ( الحمل والولادة ) عند التقدم بالسن, لأنه سيكون من الصعب على الجسد الضعيف تحمل ذلك ( اضافة الى صعوبة العناية بالطفل ).. ولو كان الرجل يحمل ويلد لتوقف عنده ذلك في نفس السن ايضا, والدليل ان القدرة الجنسية عند الرجل تبدأ بالضعف في نفس السن الذي تتوقف به المرأة عن الانجاب.. في حين تستمر تلك القدرة عند المرأة حتى في سن متقدمة جدا. وهذا ما يخفيه الرجال ويعتمون عليه!
وتتحمل المرأة مسؤولية اخطائها واخطاء الرجل معا, فأن اخطأت فأنها تتحمل مسؤولية ذلك الخطأ لوحدها وتعاقب عقوبة شديدة, تصل الى حد الموت ( في بعض الحالات ).. ولو ارتكب الرجل نفس الخطأ فأنهم يبحثون له عن تبريرات واعذار تبرئه او تخفف من شدة خطأه وتبعده عن المحاسبة والعقاب!
ولو اخطأ الرجل ( الزوج ) فأن المرأة ( الزوجة ) هي الملامة او المتهمة. فحين يمارس نزوة يقال ان المرأة قد اهملته.. ولو تزوج بأمرأة اخرى, فأن الزوجة قد قصرت في حقه.. ولو هجر البيت, لأي سبب, فالمرأة لم تؤد واجبها كما يجب.. وهكذا!.. ولا يتعرض الرجل لنفس الاتهامات واللوم حين يقصر ويهمل واجبه كزوج واب! وكأن الرجل طفل ما ان تهمله المرأة فأنه يرتكب الاخطاء.. والحقيقة ان هذه الامور اختلقها الرجل لكي يبرر افعاله, ويلقي باللوم والمسؤولية على المرأة ويحصرها في زاوية الاتهام دائما, لكي لا تحتج او تتمرد او تثور عليه ولا تطالب بشيء من حقوقها.. وبنفس الوقت لا يناله اي عقاب او لوم او اتهام!
وقد وصلت التفرقة الى الاحلام وتفسيرها, فمن رأى انثى في الحلم, ستحل به مصيبة او كارثة. ومن رأى ذكرا سينزل عليه الخير والثروة!.. وقد اعتبرت الاعمال المنزلية من اختصاص المرأة, ويعاب على الرجل القيام بها.. ترى من قرر ذلك؟ ولصالح من؟.. الرجل طبعا!.. منذ البداية, ربما من ايام الكهوف, حشر المرأة داخل الكهف تهيأ له اسباب الراحة واطلق لنفسه عنان الحرية في الطبيعة.. يسرح ويمرح كما يشاء, ولحد الآن ما زالت المرأة تعاني, من نفس الاسباب, داخل ذلك الكهف.. الذي يسمى حاليا, البيت!
وبسبب انانية الرجل وكون مفاتيح المجتمع بيده والاديان معه والقوانين صيغت لصالحه والاعراف والتقاليد وضعت لخدمته وتعظيمه.. لذا فهو يستغل هذا كله ويتمادى في استعباد المرأة وقهرها.. لكن اخطر ما في الامر ان المرأة ( نفسها ) تؤمن بعبوديتها وتدافع عنها, واسوأ ما فيه ان المرأة لا تحترم نفسها وتقلل من شأنها ارضاءا للرجل او خوفا منه, والرجل لا يقابل ذلك بالتقدير او الامتنان وانما بالجحود والاستبداد!
وسيستمر هذا الوضع الى الابد, ما لم تتعلم المرأة وتكتسب الوعي الكافي لتعرف حقوقها ومكانتها ودورها بشكل صحيح, في ظل قوانين انسانية, عادلة ومتحضرة!
#حميدة_العربي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟