|
إعادة انتخاب بوش دالة شؤم وخطر على الامن المنطقي والعالمي
احمد سعد
الحوار المتمدن-العدد: 1011 - 2004 / 11 / 8 - 08:28
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
اسفرت نتائج الانتخابات الامريكية عن اعادة انتخاب جورج دبليو بوش الجمهوري الى "البيت الابيض" لدورة ثانية في رئاسة الولايات المتحدة الامريكية. ومن تابع سير المنافسة الانتخابية الامريكية فان استطلاعات الرأي في الغالبية الساحقة من بلدان العالم في الاتحاد الاوروبي وبين الشعوب العربية كانت تتمنى سقوط بوش وعدم اعادة انتخابه لادارة دفة الحكم في "البيت الابيض". والتمنيات بسقوط بوش لم تنطلق من موقف التأييد لجون كيري بقدر الانطلاق من رؤية المخاطر الجدية والمآسي الانسانية التي تنطوي عليها استراتيجية عولمة ارهاب الدولة الامريكية المنظم كونيا، واللجوء الى استخدام الجبروت العسكري الامريكي في ممارسة البلطجة العدوانية العربيدة لفرض الهيمنة الامريكية المباشرة كونيا وفي العديد من المناطق خدمة للمصالح الامبريالية الامريكية وللاحتكارات الامريكية عابرة القارات. هذه الاستراتيجية المغامرة التي احتضنتها ادارة بوش في الدورة الاولى من رئاسته المنتهية وغرزت انيابها المفترسة في افغانستان والعراق وعملت على بلورة نمط جديد من "المبادىء" لتنظيم العلاقات الدولية، مبادىء شريعة الغاب، قانون الغاب كبديل للقانون الدولي ولمبادىء الشرعية الدولية، وذلك تحت الغطاء التضليلي "محاربة الارهاب كونيا". ليس من وليد الصدفة انه لم يبد فرحته وحماسه وتأييده لنجاح جورج دبليو بوش في الانتخاب سوى نظامين، نظام بوتين في روسيا وحكومة الكوارث اليمينية الشارونية في اسرائيل. فهذان النظامان يلتقيان مع ادارة بوش في استباحة ارادة الشعوب وحريتها وممارسة ارهاب الدولة المنظم ضدها وشرعنة الدوس على حق الشعوب بالحرية والاستقلال القومي. فادارة فلاديمير بوتين تمارس الحرب الدموية الارهابية ضد شعب الشيشان وتطلعاته للحرية، ولهذا ليس من وليد الصدفة ان يصرح بوتين في مؤتمر صحفي بعد محادثاته مع رئيس الحكومة الايطالية، سيلفيو برلوسكوني "اذا فاز بوش فسأكون مسرورا لان الشعب الامريكي لم يستسلم للخوف ويكون قد اتخذ القرار الصحيح. ففي مجال مكافحة الارهاب اظهر بوش انه رجل سياسي حازم وشريك قوي ومنسجم"!! اما حكومة الاحتلال والمجازر والدماء اليمينية الشارونية التي تمارس الارهاب الدموي وما يشبه حرب الابادة ضد شعب الانتفاضة الفلسطينية فان ابتهاجها لنجاح بوش منبعه ليس فقط الانسجام في الموقف الارهابي ضد ارادة الشعوب، بل كذلك، وقبل ذلك، وجود القواسم المشتركة الكثيرة في الهوية الطبقية والايديولوجية والسياسية بين اليمين الحاكم في اسرائيل واليمين الحاكم في الولايات المتحدة الامريكية. وهذا ما تعكسه العوامل الاساسية التي ادت الى نجاح بوش واليمين المغامر في الانتخابات الامريكية الاخيرة، والتي يمكن اعتبارها نفس العوامل الاساسية تقريبا لهيمنة اليمين المغامر والمتطرف في اسرائيل. لقد راهن الكثيرون على سقوط بوش والاحتمال الكبير بفوز جون كيري. وبنوا رهانهم على عدة عوامل واقعية، مثل فشل ادارة بوش في ضمان الامن والاستقرار في العراق والخسائر الفادحة التي يتكبدها المحتل الامريكي، المادية والبشرية، اكثر من الف قتيل وآلاف الجرحى في العراق، نسف الذرائع التي بموجبها شنت ادارة بوش الحرب الاستراتيجية العدوانية على العراق (عدم وجود اسلحة دمار شامل في العراق وعدم وجود علاقة بين نظام صدام حسين والقاعدة). ومن العوامل التي راهنوا عليها ايضا فشل ادارة بوش في معالجة العديد من القضايا الداخلية التي يعاني منها الشعب الامريكي مثل البطالة الواسعة المزمنة التي تبلغ نسبتها 5,6% من مجموع القوة العاملة الامريكية ووجود ثمانية واربعين مليون امريكي بدون اية ضمانة صحية، التمييز ضد المرأة، مظاهر افتراس الحقوق الدمقراطية وحرية الفرد منذ احداث 11 سبتمبر الفين وواحد وغير ذلك. رغم وجود مثل هذه العوامل الجدية فانها لم تسعف جون كيري بالنجاح وفاز بوش والحزب الجمهوري في الانتخابات. ما السبب؟ ما هي العوامل الاساسية لنجاح طغمة اليمين المغامر برئاسة جورج دبليو بوش؟ هنالك العديد والكثير من العوامل والاسباب، ولكنني سأركز على عاملين اساسيين، مترابطين عضويا وجدليا، اعتبرهما مركزيين، وهما: * اولا: الهاجس الامني: لم تمض على احداث سبتمبر الارهابية الفين وواحد في واشنطن ونيويورك سوى ثلاث سنوات فقط، وقد نجح بوش وطواقمه الدعائية طيلة المعركة الانتخابية التركيز على مخاطر الارهاب على امن الامريكيين وانه "المسيح المنتظر" الذي يحارب بحزم الارهاب والارهابيين كونيا وداخل الولايات المتحدة الامريكية. وفي صفوف شعب كالشعب الامريكي، الذي غالبيته الساحقة غير مسيّسة اصبح الهاجس الامني المطارد المداوم لعقول الامريكيين. والانكى من ذلك الاستعلاء الامريكي، وان امريكا نهاية العالم وعلى شعوب الدنيا السجود لمشيئتها وارادتها. وتحت هذه اليافطة نجح بوش وطغمته في كسب المصداقية بين اوساط واسعة من الشعب الامريكي لاستراتيجيته العدوانية للهيمنة كونيا وشرعنة قانون الغاب وممارسة ارهاب الدولة المنظم على حلبة العلاقات الدولية. لقد نجح بوش اكثر من كيري في تضليل الرأي العام الامريكي انه الافضل بسياسته البلطجية العدوانية كونيا في صيانة الامن الامريكي العام والشخصي، الافضل في اخفاء الهدف الاستراتيجي المركزي من سياسته الارهابية المنتهجة التي تتخذ من شعار محاربة الارهاب وسيلة للهيمنة الامريكية كونيا، خاصة في المناطق الاستراتيجية الهامة، الغنية بالنفط والثروات والموارد الطبيعية مثل العراق وافغانستان ومنطقة بحر قزوين وغيرها. الهاجس الامني الذي يطارد الاسرائيليين كان ولا يزال الوسيلة الديماغوغية، الوتر الذي يضرب عليه غلاة اليمين والفاشية العنصرية في بلادنا للوصول الى السلطة وممارسة سياستهم العدوانية الهاجس الامني كان من العوامل التي اوصلت جنرال المجازر والاستيطان، ارئيل شارون وقوى اليمين وغلاة التطرف اليميني والفاشية العنصرية الى سدة الحكم في اسرائيل. * ثانيا: العامل الديني: من الظواهر البارزة على ساحة التطور في الولايات المتحدة الامريكية تعزز كافة وانتشار الاصولية المسيحية اليمينية المحافظة بين اوساط الشعب الامريكي وفي سدة الحكم. فهذه القوى الاصولية المسيحية المحافظة والمتطرفة مثل كل اصولية دينية تلجأ الى الغيبيات لتأكيد ان مهمتها نشر رسالتها كونيا بمختلف الوسائل غير الشرعية. والطغمة المالية الامريكية الناشطة في مجال النفط والسلاح التي ينتمي اليها بوش وتشيني ورامسفيلد وغيرهم من قادة الحزب الجمهوري تنتمي عمليا الى الاصولية المسيحية المحافظة، ومن استمع الى خطابات بوش في المعركة الانتخابية الاخيرة، فانه كثيرا ما كان يركز على تعابير دينية وعلى تقاليد امريكية محافظة مثل رباط الاسرة وغيرها. وعمليا الفئات الاصولية والمحافظة رأت في بوش كأنه "المسيح المنتظر" الذي مهمته عولمة النمط الامريكي، كما ان الاصولية المسيحية المحافظة تنظر الى اسرائيل، وكأنها من ناحية دينية من نعم الرب على الارض ولا مفر من دعمها حتى لو ان حكامها يرتكبون جميع موبقات الدنيا. وفي هذه النقطة تلتقي الاصولية المسيحية المحافظة مع اللوبي الصهيوني في امريكا الداعم لبوش، ومع قناعتنا التامة بان الحرب الاستراتيجية الكونية التي يشنها بوش ضد "الارهاب" ليست حربا صليبية وليست حربا ضد الارهاب بل هي حروب طبقية امبريالية للهيمنة على شعوب وثروات العالم، خاصة الثالث منه، الا ان تصريح بوش ابان حرب افغانستان بانها حرب صليبية لم تكن زلة لسان، بل تجسد خلفيته الاصولية الدينية التي حاول لبس قناعها لاخفاء هدفه الامبريالي. رغم تركيزي على هذين العاملين الا ان نتائج الانتخابات قد عكست حقيقة انقسام الشعب الامريكي الى قسمين بارزين، حتى ان المرشح المهزوم جون كيري في تهنئته لبوش اكد على هذا الانقسام وطلب العمل سوية لرأب الصدع، فالحزب الدمقراطي ورئيسه كيري ليسا قوة معارضة لبوش، وهذا مدلول تهنئة كيري له، ولكن لا تنعدم بين اوساط الشعب الامريكي القوى السياسية والاجتماعية والجماهيرية المعارضة لمنهج ونهج بوش الكارثي ان كان في السياسة الداخلية او الخارجية. بنجاح بوش بدأت المضاربات السياسية حول ما هو متوقع من بوش في الدورة الثانية لرئاسته. يرددون مقولة ان كل رئيس امريكي يحاول في الدورة الثانية "ان يدخل التاريخ" ويسجل اسمه كمن قام بعمل جلل تذكره الاجيال القادمة. وحسب رأيي، وانطلاقا من عدم ثقتي ببوش ممثل الشريحة اليمينية الرجعية المتطرفة في الطغمة المالية الامريكية، فاعادة انتخابه للرئاسة قد تشجعه على مواصلة تجسيد استراتيجية عولمة الارهاب والجرائم العدوانية ولا نستبعد ان "يدخل التاريخ" من خلال عمل اجرامي دموي عدواني وذلك باجتياح كوبا الثورة التي تؤلف شوكة في خاصرة الامبريالية الامريكية. وقد نوّه الى ذلك في احدى خطبه الانتخابية، وعلينا ان نذكر انه على جدول خارطة العدوان وفقا لاستراتيجية عولمة الارهاب الامريكي مطروحة تحت الضرب كل من ايران وكوريا الشمالية وسوريا وغيرها. لست متفائلا كالبعض الذي يرى بان بوش في دورته الثانية سيكون اكثر حرية في التخلص من تأثير اللوبي الصهيوني الامريكي وسيمارس الضغط على حكومة اسرائيل لانجاز الحل الدائم للقضية الفلسطينية. فادارة بوش تربطها بحكومة الكوارث اليمينية الشارونية ليس فقط حبال التحالف الاستراتيجي العدواني، بل كذلك طابع الهوية الايديولوجية والسياسية اليمينية العدوانية. وما هو محتمل، حسب رأيي – التنسيق الامريكي – الاسرائيلي لانجاز تسوية جزئية مرحلية للصراع الاسرائيلي – الفلسطيني يخدم في نهاية المطاف اهداف استراتيجية العدوان الامريكية – الاسرائيلية في المنطقة. ان اعادة انتخاب بوش دالة شؤم وخطر على الامن المنطقي والعالمي، تستدعي من جميع انصار السلام العادل وحق الشعوب في السيادة والاستقلال الوطني الاستعداد لمواجهة ما هو آت.
#احمد_سعد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ميزانية العام 2005: الانياب مشحوذة لزيادة الفقر والبطالة وال
...
-
شعب ذاق مآسي النكبة -لن يُلدغ من جحر مرتين-
-
وتبقى الراية مرفوعة
-
في الذكرى الـ-48 لمجزرة كفرقاسم: لا مفر من استخلاص العبر لمو
...
-
مدلول التصويت على خطة شارون: على أية مساحة تكون أرض اسرائيل
...
-
هل يمكن التصويت دعما لخطة دفن الحق الفلسطيني المشروع؟
-
التفجيرات في منتجعات طابا: ديناميت الشياطين في خدمة استراتيج
...
-
ماذا وراء هذا التزامن؟!
-
هل تستهدف مجازر حكومة شارون تحويل شمال القطاع الى منطقة عازل
...
-
عبد رضا الشيوعي الذي كان بيننا
-
لمواجهة مخطط الاستيطان والتصفية الاسرا–امريكي
-
صباح الخير صباحك منوّر يا أبا حنظلة
-
المعيار الاجتماعي لسياسة تُعيد انتاج المآسي
-
التفاعلات الجارية في الخارطة السياسية الحزبية الاسرائيلية
-
حتى لا نكون وقضايانا صفرًا على الشمال!
-
جون كيري يسجد أيضًا في بيت الطاعة الصهيوني
-
حتى لو انفلق الكارهون!- زيّاد أهل للتكريم
-
التطورات المأساوية على ساحة الصراع الأسرائيلي – الفلسطيني
-
القاضية دوريت بينيش تفضح عرض وعار تحالف -الشاباك- والحكومة
-
المدلولات الكارثية للسياسة الليبرالية الجديدة
المزيد.....
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|