طلال سعيد يادكار
الحوار المتمدن-العدد: 3391 - 2011 / 6 / 9 - 22:38
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
ان التوتر الدائم والعداء المستمر بين ايران وجيرانها من الدول العربية , لها ماضي طويل وقديم قدم الحضارات التي قامت على اراضي الطرفين. فلو تتبعنا التاريخ الماضي البعيد لوجدنا ان العلاقة بين بلاد فارس وبين جيرانها على حدودها الغربية وخاصة بلاد وادي الرافدين اتسمت بالعداوة أكثر مما اتسمت بالصداقة ! واتسمت بعلاقة القوي على حساب الضعيف ! وكان الحرب سجالا بين الطرفين. وكانت أرض العراق , وبسبب حدوده البرية الطويلة مع بلاد فارس , مسرحا لذلك الصراع الذي أتخذ طابعا مختلفا في كل فترة كالصراع السياسي والذي تمثل في عمليات الغزو للسيطرة على النفوذ وموارد الثروة . والصراع العرقي (القومي) , الفارسي - العربي , فكل طرف يرى في نفسه العنصر المتفوق والعنصر الأسمى . ثم الصراع الديني - المذهبي . لقد كان استعمال القوة العسكرية حاضرا في كل تلك الصراعات .
1- الصراع السياسي- العسكري:
كانت الحضارة العيلامية أحد أقدم الحضارات التي قامت وازدهرت اقتصاديا ووسعت نفوذها في المنطقة على حساب جيرانها. حيث قامت الحضارة العيلامية في الألف الرابع قبل الميلاد في المنطقة المعروفة الان بالاهواز وعاصمتها ( سوسة ) والتي توسعت وشملت أجزاء من بعض المناطق الجنوبية من العراق . وبعد مجيء سرجون الأكدي ( 2371- 2316 ق.م. ) الى الحكم استطاع أن يتوسع بنفوذ دولته واستطاع أن يسيطر على أجزاء من بلاد عيلام وأن يضمها الى مملكته.
ثم جاءت نهاية الحكم الأكدي على يد الكوتيين وهم من القبائل التي كانت تستوطن أواسط زاكروس في منطقة همدان. وبقي هؤلاء في الحكم حوالي قرنا من الزمن مابين ( 2211 - 2120 ق.م.) . وكانت فترة حكمهم من الوجهة التاريخية من اولى الفترات المظلمة في تاريخ وادي الرافدين .
وفي سنة ( 539 ق.م. ) سقطت بابل بعد أن ضعفت تحت الاحتلال الفارسي بقيادة ( كورش ) حيث استطاع أن يدخل بابل بمساعدة اليهود الذين تم سبيهم من قبل نبوخذنصر في سنة ( 597 ق.م. ) , ومقابل تلك المساعدة سمح لهم ( كورش ) أن يعودوا الى فلسطين وأن يبنوا هيكلهم. ويعتبر( كورش) مؤسس الامبراطورية الفارسية سنة (559 ق.م.) والتي توسعت وشملت العراق وبلاد الشام ومصر وليبيا وأجزاء من دول الخليج واليمن.
وتوالت عصور الاحتلال لبلاد النهرين من قبل الاسر الفارسية: الأخمينية , السلوقية , الفرثية , الساسانية الى أن جاء الفتح الاسلامي حيث تم تحرير البلاد من الحكم الفارسي الساساني بعد عدة معارك ابتداءا من معركة القادسية ( 636 م. ) وانتهاءا بمعركة نهاوند ( 642 م.) والتي سميت بفتح الفتوح حيت تم القضاء على حكم الدولة الساسانية في بلاد فارس والتي دام حكمها أكثر من أربعة قرون. وبعد الانتصار في تلك المعركة وتطهير بلاد النهرين من الفرس قال الخليفة عمر بن الخطاب ( ليت الله لو جعل بيننا وبين فارس جبلا من النار ) ! وبالرغم من ذلك فان العرب المسلمين هم الذين تخطوا حدود بلاد فارس باسم الفتوحات ونشر الدين الجديد!
2- الصراع العرقي ( القومي ):
وبعد الفتح الاسلامي لبلاد فارس ودخول معظم الفرس ( المجوس ) للدين الجديد سواء رغبة أو رهبة , بدأ صراع من نوع جديد بين العرب والفرس ! أنه الصراع الفكري الحضاري بين قوميتين ! صحيح أن العرب المسلمون أنتصروا على الفرس المجوس عسكريا ولكنهم أنهزموا فكريا وحضاريا أمامهم ! لقد تأثر العرب بالفرس أكثر من تأثر الفرس بالعرب هذا لو استثنينا التاثير الديني والذي تم عن طريق القوة العسكرية ! لأن الفرس كانوا أصحاب حضارة عريقة ممتدة لآلاف السنين بينما العرب لم يكونوا سوى قبائل متفرقة في صحراء الجزيرة العربية. ولم يكن لهم أي وزن في ميزان القوى قبل الاسلام !ولم يكن لهم دور ملموس في التراث الانساني ! وصل ذلك الصراع ذروته في العصر الأموي , فقد كانت الدولة الأموية ( عربية اعرابية ) كما وصفها الجاحظ ! لقد تصاعد الصراع حتى اقترب من العصبية الجاهلية وأطلق على من ليس عربيا اسم ( الموالي ) وخاصة الفرس حتى وان دخلوا في الاسلام وذلك لتمييزهم عن العرب !
فلقد تبلورت على ساحة الصراع في الدولة العربية الاسلامية في تلك الفترة تياران رئيسيان :
الأول : تيار العصبية العربية : وكان بنو امية قادة هذا التيار وضربوا عرض الحائط حديث ( لافضل لعربي على اعجمي الا بالتقوى) ! وقد تمادوا في عصبيتهم الى درجة أنهم خالفوا تعاليم الاسلام في ذلك ! فمثلا منع الحجاج أن تزوج المرأة العربية المسلمة من مسلم غير عربي ! ومنع غير العربي أن يصلي أماما وخلفه عربي ! وقد أدت تلك السياسة ( التمييز على أساس القومية )الى الاحتقان القومي بين العرب والفرس ! وأطلقوا على غير العرب الذين دخلوا الاسلام وخاصة الفرس تسمية ( الموالي ) تمييزا لهم عن العرب !وكرد فعل على تلك الممارسات ظهر تيار (الشعوبية).
الثاني : تيار التعصب الفارسي ( الشعوبي ) : وهؤلاء طبعا من الموالي الفرس الذين تاثروا من العرب لاحتلال دولتهم , فكرهوا واحتقروا كل ماهو عربي لغة وفكرا وملبسا وعادة. فلم يكن من السهل على الفرس أن يتخلوا عن مجوسيتهم ولم يكن من السهل عليهم أن يخسروا امبراطوريتهم , وبالتأكيد كان أمرا مؤلما لهم أن تسلب أموالهم وأن تهان كرامتهم وأن تسبى نساءهم وأن تباع بناتهم في سوق النخاسة العربية وأن تهدى أميراتهم لابناء العرب حتى لو كانوا احفاد نبي الاسلام أو أبناء أصحابه وحتى لو كان ذلك باسم الله ! انها الطبيعة البشرية ! فأدى ذلك الى نشوء حركة سميت فيما بعد بــ ( الشعوبية ) ! وبالتالي أدى الى قيام الدولة العباسية وبسواعد فارسية وخاصة ساعد أبي مسلم الخراساني !
ومفردة الشعوبية وردت في القران (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم) الحجرات 13 . والمراد بالشعوب بطون العَجَم، وبالقبائل بطون العرب وحسب تفسير ابن كثير. ويعتبر الجاحظ أول من صاغ ( الشعوبية ) بمعنى معاداة العرب والحط من شأنهم وذلك في كتابه ( البيان والتبيين). وجاء في القاموس المحيط (الشعوبي بالضم محتقر أمر العرب وهم الشعوب). وعرفت الموسوعة البريطانية الشعوبية ( anti-arabism) أي حركة مناوئة للعروبة !
ويعتبر الشاعر الفارسي أبو القاسم الفردوسي مؤلف ملحمة ( الشاهنامه ) أو ( كتاب الملوك ) من أكثر الشعراء شعوبية من حيث تمجيده للفرس واحتقاره للعرب ! وتعد الشاهنامه الملحمة الوطنية للفرس..
وبعد قيام الدولة العباسية كان تأثير الفرس واضحا وجليا فيها حتى أن الجاحظ وصفها بـ ( عجمية خراسانية ) , أي على عكس الدولة الاموية والتي كانت ( عربية اعرابية) ! فقد كان أغلب خلفاء بني العباس من أمهات جواري أغلبهن فارسيات اضافة الى الروميات والتركيات والحبشيات !! لقد تأثر بني العباس بالفرس الى درجة أن الخليفة ابو جعفر المنصرور أختار اسما فارسيا لمدينته المدورة ( باغ داد أو بغ داذويه ) وكما جاء في معجم البلدان لياقوت الحموي.
لقد كان للفرس حضور قوي داخل القصور العباسية وذلك بفضل نسائهم , خاصة البرامكة الذين سيطروا على كثير من المناصب في عهد هارون الرشيد الذي أرضعته زوجة يحيى بن خالد البرمكي ! وبعد الرشيد بدأ صراع الأخوة الأعداء الأمين : ابن( زبيدة) العربية الحرة , والمأمون : ابن( مراجل) الجارية الفارسية . فمحمد الأمين كان مساندا من قبل العرب و عبدالله المأمون كان مدعوما من قبل الفرس وخاصة من اهالي خراسان ! وكان الصراع بين الأخوين يمثل صراعا بين العرب والفرس, والذي انتصر فيه الفرس على العرب بانتصار المأمون على اخيه !
وبتوسع الدولة العباسية في أعماق بلاد فارس ومن ثم وصولا الى بلاد السند والهند اعتنق معظم سكان تلك البلاد الاسلام ايمانا بالدين الجديد أو خوفا من السيف أو ربما رغبة في الغنائم التي كانت تزداد بتوسع دولة الاسلام ! وبالتأكيد كان من بين المعتنقين للدين الجديد العلماء والمفكرين والفلكيين والنحويين وأصحاب العلوم الاخرى اضافة الى العلماء الذين ولدوا من أصول فارسية ونشأوا تحت السيادة العربية الاسلامية , ومن هؤلاء : الامام الأعظم أبو حنيفة وعبد القادر الكيلاني والخوارزمي والرازي وابن سينا وسيبويه والامام البخاري ومسلم والغزالي والنسائي والسجستاني وابن المقفع وبديع الزمان الهمداني والأصبهاني والطبري والثعالبي والنيسابوري والبيروني وعمر الخيام والفردوسي ( مؤلف الشاهنامه ) وأسدي الطوسي ... وغيرهم كثيرون.
وبعد أن ضعفت الدولة العباسية نشأت اسر قبلية فارسية تولت السلطة في اقاليم بلاد فارس ثم ازدادت قوة وتوسعت الى ان سيطرت على مركز الخلافة الاسلامية وأصبح الخلفاء مجرد حكام رمزيين ! ومن تلك الاسر الفارسية : بنو بويه , وهم سلالة نشأت جنوب بحر قزوين ( بحر الخرز ) سيطرت على غرب بلاد فارس والعراق من 932 الى 1056 م. ثم بعد ذلك جاء السلاجقة , وهم وان كانوا من سلالة تركية إلا انهم حكموا أفغانستان وبلاد فارس ثم توسع نفوذهم وسيطروا على العراق وسوريا وأجزاء من الاناضول والجزيرة العربية وكان حكمهم بين 1038 و 1157 م.
3- الصراع الديني - المذهبي:
لقد كانت السيطرة البويهية ومن ثم السلجوقية على العراق تمثل بداية الصراع ( الديني - المذهبي ), فقد كان البويهيون من المذهب الشيعي والسلاجقة من المذهب السني ! وحاول كل أن يفرض مذهبه على الساحة العراقية . وأصبح الأناس العاديين أداة المواجهة بين القوى المغتصبة بأسم الطائفة والمذهب واصبح ذلك الصراع المذهبي الحجر الأساس للصراع المذهبي على الساحة العراقية فيما بعد بين الصفويين والعثمانيين وعلى نطاق أوسع وبشكل اعنف !
فمنذ أوائل القرن السادس عشر وأواخر القرن العشرين أصبح العراق مسرحا للصراع الصفوي - العثماني. فتارة وقع تحت الاحتلال الصفوي ( الشيعي ) وتارة تحت الاحتلال العثماني ( السني )!
ومن الجدير بالذكرعندما جاء الصفيون الى الحكم كانت بلاد فارس , بصورة عامة على المذهب السني , ماعدا بعض المناطق , وبعد أن طردوا القبائل التركمانية وأخضعوا معظم بلاد فارس تحت سيطرتهم أعلنوا المذهب الشيعي مذهب الدولة الرسمي , واستعانوا بعلماء شيعة من العرب وخاصة من لبنان لنشر المذهب الشيعي من خلال تأسيس الحوزات الدينية وتأليف كتب الفقه. وكان ذلك التحول كرد فعل عن مافعله القبائل التركمانية الغازية والذين كان أغلبهم على المذهب السني كقبائل ( الآق قويونلو والقرة قويونلو ) الخراف البيض والخراف السود الذين حكموا أجزاء من بلاد فارس والعراق اضافة الى الاناضول والقوقاز واذربيجان!
وأدى ذلك التحول الى المذهب الشيعي من قبل الصفويين الى مضاعفة العداء بينهم وبين العثمانيين , فاضافة الى العداء القومي والصراع على النفوذ أصبح العداء بين الطرفين عداءا مذهبيا أيضا !
وكان الصراع بينهما عنيفا الى درجة أن السلطان العثماني أمر بقتل جميع الاسرى من الصفويين بعد الانتصار عليهم في معركة جالديران سنة 1514 م , وأمر بعمل نصب على شكل هرم من جماجم القتلى في ساحة المعركة !
وعندما دخلت القوات العثمانية بغداد واحتلتها سنة 1534 م , كانت الورقة الطائفية حاضرة على الساحة , ففي الوقت الذي أدعت فيها بأنها حامية للطائفة السنية , عملت على التنكيل بالطائفة الشيعية ! وهذا انطبق على الاحتلال الصفوي مرة أخرى عندما استعان الشاه عباس بالبريطانيين وخبراتهم واحتلوا بغداد سنة 1623 م وأعلنت نفسها ايضا حامية للطائفة الشيعية ونكلت بالطائفة السنية! وبعد أكثر من عقد من الزمن استطاع السلطان العثماني مراد الرابع ان يهزم الصفويين وأن يحتل بغداد سنة 1637 م ووقعت مذبحة كبيرة حيث قتل فيها عشرات الالاف من الجنود الصفويين اضافة الى عشرات الالاف من المدنيين الشيعة ! وفي النهاية تم عقد معاهدة وصلح بين العثمانيين والصفويين سنة 1638 م لانهاء الصراع بينهما حيث احتفظ العثمانيين بالعراق بموجب تلك الاتفاقية حتى أوائل القرن العشرين عندما احتلت بريطانيا العراق خلال الحرب العالمية الاولى 1914 - 1918 . وما فعله المحتلين العثمانيين في العراق وفي باقي الدول العربية لم يقل بشاعة عن ما فعله الصفويون الأمر الذي أدى بالعرب الى أن يتحالفوا مع المحتلين البرطانيين ضد العثمانيين المسلمين ( السنة ) أصحاب الخلافة وأن يستبدلوهم بالمحتلين الجدد !
وفي العصر الحديث وامتدادا لتلك الانواع من الصراعات ولتراكمات الماضي وما أفرزه الاحتلال الاجنبي من العداء والكراهية بين بلاد العرب وبلاد فارس والتي تم تغييرها الى ايران ( بلاد الاريين) سنة 1934 من قبل رضا شاه بهلوي بعد أن قام بضم الاقاليم التي كانت تتمتع بحكم ذاتي , استمرت العداوة والبغضاء بين الفرس والعرب وخاصة بعد أن انسحبت بريطانيا من المنطقة مخلفة وراءها مشاكل حدودية ومناطق نفوذ متنازع عليها من قبل الطرفين وكل يدعي بانه صاحب الحق وصاحب السيادة عليها ! وتفاقم الامر أكثر وازداد العداء بين العرب والفرس بعد الثورة الاسلامية التي أطاحت بالشاه سنة 1979 , وعادت الى الواجهة الصراع القومي - المذهبي من خلال تلك المشاكل الحدودية والمناطق المختلف على سيادتها كمشكلة شط العرب والتي لم تؤدي ثمان سنوات من الحرب الى حلها ! وهناك مشكلة الجزر الثلاث ومعضلة تسمية الخليج , هل هو خليج عربي أم خليج فارسي ؟ بالرغم من أن المضيق الموجود في الخليج هو مضيق ( هرمز ) نسبة الى جزيرة هرمز الواقعة في المضيق , وهرمز اسم فارسي وكما جاء في ( القاموس المحيط ولسان العرب) : هرمز وهرمزان ( بضم الهاء والميم) هو الكبير من ملوك العجم ! ومنها جاءت تسمية مملكة هرمز ! حيث نشات وازدهرت تلك المملكة مابين القرن العاشر والسادس عشر ميلادي على جزيرة هرمز . وذكرها الرحالة الايطالي ماركو بولو ( بأنها مدينة عظيمة ونبيلة على البحر) وذكرها أيضا جون ملتون في رائعته ( الفردوس المفقود ) ! ومن المفارقات التاريخية , أن المملكة حكمها أمراء من العرب أيضا ! وكان شعبها خليطا من الفرس والعرب وقاوموا معا الاحتلال البرتغالي سنة 1515 في الوقت الذي كان الصراع بين الصفويين والعثمانيين على أشده !
يبدو أن تاريخ الصراع العربي - الفارسي يعيد نفسه مرارا وتكرارا ويدور في دائرة الصراع السياسي -القومي - المذهبي - العسكري ولكن الاختلاف الوحيد في هذا العصر هو تواجد المحتلين الامريكيين بدلا من المحتلين العثمانيين ! وساحة الصراع ليس فقط العراق , بل دول الخليج أيضا!
#طلال_سعيد_يادكار (هاشتاغ)