أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - أحمد الخميسي - ليلة القبض على العريش














المزيد.....

ليلة القبض على العريش


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 1011 - 2004 / 11 / 8 - 08:26
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


العريش مدينة صغيرة ، ترقد كالعروس الشابة بين البحر والصحراء ، مثل نقطة ضوء تتلألأ في الجو ، مشبعة برائحة البحر ولفح الشمس القوية . ويشق العريش شارع واحد رئيسي هو شارع 26 يوليو ، يمتد متعامدا مع شاطئ البحر إلي عمق المدينة حيث السوق القديمة ، وموقف الباصات ، ومنه تتفرع الشوارع الأخرى ، ومنه تترامى بيوت أحياء أربعة رئيسية . ولا يتجاوز تعداد سكان العريش الربع مليون نسمة ، نصفهم قادم من أقاليم مصر الأخرى للعمل والحياة هناك . بعض القادمين يفضل الاستقرار النهائي في العريش بعيدا عن ازدحام وضوضاء مدنهم الأصلية ، وبعضهم يرجع إلي بلده . وحين تقول العريش ، يعتقد الناس – لأنها على الحدود – أنها بعيدة جدا ، ونائية . لكن الحقيقة غير ذلك ، إذ يمكن للشخص أن يركب سيارة أفراد بخمسة عشر جنيها من عند مترو المرج ، ليجد نفسه بعد ثلاث ساعات فقط في أحضان البحر . هل هذه دعاية للعريش ؟ فليكن ، فهي تستحق وهي مجهولة لا يدري الكثيرون شيئا عن أسرار جمالها ، والسبب أنها ليست مدينة صاخبة حافلة بدور العرض ، وحركة الترفيه المتعددة الأشكال ، ولهذا ينفر منها عادة الشباب ، فتظل صامتة لا تعلن عن نفسها في انتظار من يقدرون جمالها وهدوءها وهم عادة ممن تخطت أعمارهم الثلاثين . والعريش أيضا مدينة غير مكلفة ، إذ يمكنك بربع جنيه فقط أن تنتقل فيها من أية نقطة لأية نقطة أخرى ، بهدوء ويسر . والشوارع هناك فسيحة ، ونظيفة جدا ، وربما تكون العريش هي المدينة الوحيدة في مصر التي يترك فيها أصحاب البيوت شققهم ونوافذهم مفتوحة دون خشية من سرقة أو لصوص ، لأن للكبرياء البدوي تاريخا عريقا يستنكف تلك الصغائر . وفي العريش تتم المعاملات – من أي نوع – كشراء شقة أو محل أو التعاقد على صفقة بمجرد كلمة من الشخص ، فإذا خالفها عقدوا له " مجلس عرب" يلزمه بما اتفق عليه ، وهو ما يسمى بالقضاء الشعبي .
تنام العريش مبكرا ، وتطوي معها أسرار جمالها ، وأحلامها ، وفتنة البحر الذي يمتد نظيفا أخضر كالحصيرة من عند شاطئ يخلو من الصخور . وفي فترة الشتاء يمكنك أن تسبح وحدك تقريبا في ذلك البحر ، بينما تحلق أعلى منك بقليل طيور النورس البيضاء . والعريش هو اسم المسكن الذي يتخذه البدوي لنفسه من جريد النخل المرصوص ، ومنه جاء اسم المدينة التي يعبق هواؤها بصور التاريخ المصري الطويل . فقد مد الفراعنة طريقا عسكريا عبر العريش يسمى طريق حورس ، كان أهم طريق عسكري وتجاري في زمنه ، ومر الفتح العربي عبر العريش ، ومنها خرجت قوات صلاح الدين الأيوبي لتواجه الحملة الصليبية وتحرر القدس ، وخلال الحملة الفرنسية على مصر تولى كليبر ( الذي قتله سليمان الحلبي فيما بعد ) قيادة الفرقة التي اتجهت لإخضاع العريش في فبراير 1798 ، ولكنه فوجئ هناك بقلعة العريش وقد تحصن فيها لمواجهته فرسان العرب والمماليك ، وفيما بعد مر عليها نابليون بونابرت شخصيا وهو في طريقه إلي عكا . وعام 1810 أصدر محمد على – ضمن أول تنظيم إداري في سيناء – قرارا بإنشاء محافظة العريش ، وأثناء ثورة البطل أحمد عرابي شاركت النخبة المتعلمة والأهالي هناك في الثورة ، وفتح محمود عبيد محافظ العريش باب التطوع لمقاومة الاحتلال الإنجليزي ونصرة عرابي باشا . واندفع أهالي العريش بلا تردد للتطوع ، ومؤازرة الثورة . وفي أكتوبر 1902 تقدم هرتزل زعيم الحركة الصهيونية بمشروع لتشمبرلين – سكرتير وزير المستعمرات البريطانية حينذاك – لاحتلال قبرص وسيناء حتى العريش ، وعرف المشروع باسم " مشروع العريش " . وخلال العدوان الثلاثي عام 1956 تعرضت العريش للقصف الوحشي ، وتعرضت لهجوم مماثل عام 67 ، ولم يتردد الأهالي هناك ولم يقعدهم شئ عن المقاومة والدفاع عن بلادهم ، ولم يختلف موقفهم هذا في حرب أكتوبر التي سجلوا فيها صفحة بطولات شعبية جديرة بالقراءة . وعام 1982 تسلمت مصر سيناء كاملة ، وأخذت البلدة الصغيرة الواقعة بين البحر والصحراء تتطور شيئا فشيئا ، فالبلدة التي لم تكن تعرف سوى أكواخ الصفيح صارت مقرا لنحو ربع مليون مصري ، وارتفعت فيها المباني ، ونهض في قلبها مبنى المحافظة الضخم ، ومبنى قصر الثقافة الذي يقوم بجهد مستمر لإشاعة النور هناك ، ثم صارت العريش عامرة بالمدارس ، ومقاهي الانترنت ، والمحلات ، والمساجد والكنائس ، والأسواق ، وانتشرت فيها كل اللهجات بدءا من المنصورة إلي الصعيد .
وعلى امتداد الطريق من القنطرة شرق ( أي فور أن تنتقل من أفريقيا إلي آسيا)
إلي العريش تطبق الصحراء والرمال عليك من الجهتين ، ويصيبك الحزن العميق لأن مساحات شاسعة فارغة كهذه لا تستخدم في الزراعة والسكن والتعليم ، رغم أن متر الأرض هناك يباع بخمسة جنيهات لا أكثر . وتحس بأزمة المياه ، وأزمة النهر العظيم الذي انقطع خلفك في الإسماعيلية وتركك وحدك ، ثم تفكر : لكن أليست سيناء كلها تسبح فوق مياه الآبار الجوفية ؟ ألم تكن سيناء عهد الرومان مزرعة للزيتون وغيره ؟ .
تصادف أنني كنت في العريش بعد الأحداث الأخيرة ، وذهبت كعادتي إلي محل الشعراوي ( شارع 26 يوليو ) ، وهو المحل الوحيد الذي تباع فيه كل الصحف ، وسألت عن جريدة التجمع ، فقال لي البائع : نفدت كل أعدادها بعد وصولها بنصف الساعة ! . وسألت : كيف ؟ قال : بفضل ما كتبته الجريدة عن موضوع العريش وعملية الاعتقال العشوائي التي جرت فيها . رجوته أن يجد لي نسخة واحدة فاعتذر متأسفا . وخلال الأيام القليلة التي قضيتها هناك ، كان في جو العريش وجوم ، وحيرة ، وسكون ، مؤلم . ما الذي جرى ؟ أحداث طابا ؟ وانتقام المصريين لأخوتهم في فلسطين ؟ فهل تبرر تلك الأحداث عملية اعتقال عشوائي لكل من هب ودب ؟ وهل تبرر اقتحام البيوت وانتزاع البنات المحجبات منها ؟
أطرقت العريش في صمت ، ورفرف في الأفق نورس أبيض ، وأصابني من إطراقها حزن ، وسألت نفسي : يا ربي .. لماذا أكره الاعتقال هكذا ؟

***



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبد الحليم قنديل .. اختطاف الحقيقة
- محطة الضبعة ومستقبل مصر
- العالم يحتفل بمئوية تشيخوف
- صفحة الحوادث والأدب الروائي
- القمة والقمامة في مصر
- ثورة يوليو .. بهجة التاريخ
- نموذج بولاق .. لسيادة العراق
- طانيوس أفندي عبده .. الكاتب المجيد
- بط أبيض صغير
- أدب سياسي
- مجموعة - نيران صديقة - لعلاء الأسواني
- ترجمة الروح
- فاطمة زكي ونساء الثورة
- كلما رأيت بنتا حلوة أقول يا سعاد
- وجهة نظر روسية في الاستراتيجية الأمريكية لعالمنا
- الشيخ أحمد يـاسـيـن ما الذي اغتالوه .. ؟
- القاهرة تهتف للعراق
- راشـيـل كـوري ضـميـر الـزهرة
- الدكتور أبو الغار وكتابه إهدار استقلال الجامعات
- الصحافة المصرية لحظـات مضيـئـــة


المزيد.....




- في ظل حكم طالبان..مراهقات أفغانيات تحتفلن بأعياد ميلادهن سرً ...
- مرشحة ترامب لوزارة التعليم تواجه دعوى قضائية تزعم أنها -مكّن ...
- مقتل 87 شخصا على الأقل بـ24 ساعة شمال ووسط غزة لتتجاوز حصيلة ...
- ترامب يرشح بام بوندي لتولي وزارة العدل بعد انسحاب غايتس من ا ...
- كان محليا وأضحى أجنبيا.. الأرز في سيراليون أصبح عملة نادرة.. ...
- لو كنت تعانين من تقصف الشعر ـ فهذا كل ما تحتاجين لمعرفته!
- صحيفة أمريكية: الجيش الأمريكي يختبر صاروخا باليستيا سيحل محل ...
- الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان مدينة صور في جنوب لبنا ...
- العمل السري: سجلنا قصفا صاروخيا على ميدان تدريب عسكري في منط ...
- الكويت تسحب الجنسية من ملياردير عربي شهير


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - أحمد الخميسي - ليلة القبض على العريش