|
حرب صاروخية جميلة
صالح حبيب
الحوار المتمدن-العدد: 3390 - 2011 / 6 / 8 - 11:43
المحور:
الادب والفن
حرب صاروخية جميلة هل حصل و ان قام أحدكم بإشعال حرب صاروخية؟ في الحقيقة أنا قمت بذلك و كانت حرب صاروخية حقيقة جميلة، و لكن بدون خسائر تذكر، فهي ليست من تلك الحروب التي تدور رحاها بين الدول أو في الأفلام الخيالية، ولكنها حرب اشتعلت في جو من الضحك و البهجة و لقتل الضجر. كان مسرح الأحداث هو نادي الجامعة المستنصرية عندما كانت الجامعة المستنصرية تشعر الدارس فيها بأنه في جامعة فعلا و ليس في ضريح إمام أو مسجد أو حسينية ، كانت مكانا تشعر به بالحرية و بالجو الدراسي الرحب و باحة مفتوحة تشعر فيها بكل معاني التلمذة و تحصيل العلم و الزمالة و الصداقة و الحب و كنا أيضا و مثل كل طلاب العالم نحب أحيانا العبث والتغيير و الترفيه عن انفسنا نتيجة الشد النفسي الذي تسببه الدراسة. فأنا شخصيا كمثال كنت ومازلت مولعا بالطيران حتى أنني درسته و هو من هواياتي المحببة ، و من بقايا ألعاب الطفولة كنت أتفنن بصناعة الطائرات الورقية التي تصنع بطي الورق الى ما يشبه الطائرة الصاروخية أو الصاروخ و نطلقها في الهواء لتطير لمسافة من الأمتار لا بأس بها، وطبعا هذه العملية الفنية لست أنا وحدي من يتقنها او يحب اللعب بها بل معظم اقراني منذ أيام الدراسة الابتدائية والثانوية. في ذلك اليوم كنت اجلس في نادي الجامعة والضجر يتآكلني لكون ذلك اليوم كان مناسبة من المناسبات الحزبية المفروضة علينا حيث استبدلت إدارة النادي أغاني فيروز التي تعودت آذاننا على التمتع بها والتي كانت تصدح كل صباح في نادي المستنصرية ذو الطابقين المفتوحين على بعضهما و الذي كان حجم فضائه يستوعب اكثر من الفي طالب و طالبة كانت ذلك الصباح تقرقع بأناشيد تمجد الحزب الحاكم والقائد الضرورة وأناشيد الحرب التي كانت قد بدأت توا. وبسبب ذلك الشعور ولكي ابدد الضجر القاتل لحظتها، أخذت ورقة من " الليفكس" الذي استعمله لتدوين المحاضرات و عملت منها طائرة صاروخية متقنه ، و أخذت اتفحص بدقة توازنها و هندسيتها ومدى ملائمتها للدايناميكية الهوائية ، ولكن في تلك اللحظة، خطرت في ذهني فكرة شيطانية، وهي التحرش بالآخرين، فطالما انني امتلكت قوة السلاح فعلي استخدامه للتحرش بالآخرين، فأنا لا أصدق أن من يمتلك القوة سيبقى ساكنا و لن يستعملها للتحرش أوالتدخل في شؤون الغير و استعباد الآخرين فكذبة الأمن القومي و الدفاعي عن النفس ما عادت تنطلي على أحد، ولكنني و لما كانت أسلحتي ورقية وليست حقيقية؛ فلا بد ان يكون أسلوبي مبتكرا، فقمت بالتهديف على منضدة تبعد عني بضعة أمتار و يجلس حولها طلاب وطالبات لا اعرفهم في الحقيقة، فاطلقت طائرتي و راحت تشق الهواء بصمت لتصل إلى هدفها الذي برمج لها كما كان يبرمج صاروخ كروز لضرب المنشآت الحيوية، وكانت إصابتي موفقة فسقطت بينهم و حولت حديثهم إلى أشلاء متناثرة نازفة فتدمر الهدف وتاهت الكلمات و تبدد الضجر وأنجزت المهمة. و يبدو أن فكرتي العدوانية المشاكسة قد أعجبتهم فاستولوا على طائرتي و حاولوا بدورهم أن يردوا الضربة للمعتدي فأستهدفوا نفس الاتجاه الذي جاءت منه كنوع من القصف المقابل ولكن ضربتهم طاشت فسقطت الطائرة على منضدة أخرى، وفي تلك الإثناء كنت قد أتممت وبعجالة تصنيع خمسة صواريخ جديدة و قد تحمست أكثر لفكرة إشعال الحرب والانتقال بها لمرحلة جديدة أكثر خطورة، فأخذت صواريخي الخمسة و صعدت الى الطابق الثاني من النادي الذي يحيط بفضاء الطابق الأسفل و رميت بصواريخي الخمسة باتجاهات مختلفة ، وماهي إلا لحظات حتى انتقلت العدوى بين الجميع الذين لم يكن شعورهم بالضجر بأقل مني، واشتعلت الحرب الصاروخية الورقية فصار جو النادي في تلك الساعة يمتلئ بما لا يقل عن خمسمائة صاروخ ورقي أبيض تتطاير فوق الرؤوس في كل الاتجاهات في جو تملؤه البهجة والضحك و الحركة و الصياح والغبطة. وكان منظرا جميلا لن أنساه أبدا ما حييت. وما لن أنساه أيضا ان تلك الاحتفالية العفوية التي خلقت جوا من الضحك يشبه أجواء الاضطرابات و التمرد قد أثارت حفيظة اللجنة الاتحادية و المنظمة الحزبية و الأمنية في الجامعة، فتراكضوا إلى النادي لاستطلاع الأمر بعد أن أوشى لهم جواسيسهم أخبار تلك الحرب الصغيرة التي لا يجهلون من أشعلها فجاؤوا مهرولين مرعوبين وأخمدوا تلك الحرب السلمية الصغيرة خوفا من ان تتطور الى نوع من التظاهرات المضادة للسلطة و التي قد تهدد أمن العراق و القائد. وما لن أنساه أيضا أنه بعد مرور سنة بالضبط على تلك الحرب الصاروخية السلمية التي أشعلتها في نادي الجامعة المستنصرية، كانت المفارقة الكبيرة إنني وجدت نفسي – كأي خريج جامعي - وسط حرب صاروخية حقيقية فتاكة و بكل الأسلحة المتاحة الأخرى أشعلها القائد الضرورة و جارة السوء ايران و كانت هي هدية تلك الأنظمة المتخلفة لشعوبها ، حرب إبادة استمرت فيها الصواريخ تتطاير فوق رأس العراقيين و الإيرانيين لثماني سنوات ، صواريخ و قنابل حقيقة وليست ورقية.
#صالح_حبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فنتازيا حب
-
رحلة في ذاكرة بغدادية - سبعينات القرن العشرين 1970 - 1979
-
أخلاق إسلامية بلا إسلام
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|