|
زيت مرجانة وهو فصل من كتاب حول العراق إسمه (رحلة إلى أصلنا) مترجم من اللغة السويدية للكاتب السويدي ( تورة سيترهولم)
مهدي صالح المالكي
الحوار المتمدن-العدد: 3389 - 2011 / 6 / 7 - 00:36
المحور:
الادب والفن
زيـت مـرجــــــانة
جميع بيـوت الفلاحين العراقيين ملونة بنفس اللون البني، حتى زرائب حيواناتهم ملونة بذات اللون، الذي هو بالأحرى لـون الطيـن اليابس..... جميع البيوت من نفس الطراز، وكل بيت مـُحـاط بسيـاج إرتفاعه بقدر قامة أحـد الرجال، وكل السياجـات مصنـوعة من نفس المـادة ونفس اللون، وكأن شخصا ما قد ربـَط هذه البيوت مع بعضها باليدين... هكذا كانت بيوت الريف العراقي منذ آلاف السنين! وهكذا ظـَلـَت هذه البيوت الى يومنـا هذا مـُحـافظة على هذا الطراز على الرغـم من كل التطورات المـُكثـَفة الي حصلت على أساليـب البنـاء في العالم، وكأن أن الريف العراقي لازال يعيش في الزمن الماضي!! ولا يـُريد أن يخرج منه، على الرغم من جلـوس ( أنتين التلفزيون - Anten ) على سقـوف أغلـَب البيوت، وربما وقوف سيارة ( هوندا ) اليابانية الصـُنع- زرقـاء أو بيضاء اللون خارج أغلـَب السياجات الطينية.
في أحـد المرّات وأثناء إحدى سفراتنا على طريق المـرور السريع شاهدت إمرأة ترتدي ملابس سوداء وتـَرعى أغنـامـَها بصُحبة أحـد الأطفـال، وتضع على رأسها وعأءا كبيرا من الماء وتسير بشكل متوازن. الغريب أن ذلك الوعاء يحمل نفس شكل، وربما نفس حجم الأواني التي كانت نساء بابل يضعنها على رؤوسهن ويسرن بنفس الطريقة المتوازنة!! وفي مرة أخرى سـافـَرنـا من البصـرة الى بغـداد، وفي الطريق مـَررنـا على حـادثة مرورية كانت مـُرَوّعـة، مـات فيها أربعـة أشخـاص. شاهدت حينها الجثث، وكيف قام رجال الشرطة بحـَجـَز نصف الطريق، وفي أثناء وقوفنا حضرت للمكان سيارة إسعـاف. في تلك السفرة شاهدت أيضا خمسة من الحميـر مـَدهـوسيـن ومـَرميّين على جـانب الطريق!! كانت سفراتنا تلك مليئة بالمشاهد المؤلمـة التي عكست إسلوب الحياة الرخيص الذي يعيش فيه الناس وأرواحهم غير محمية حواث الطرق!!
العـراق اليـوم بلــَدا يعرض بشدة كل التناقضات الحضـارية العنيفة.... والعراق اليوم أكثر بلدان منطقة الشرق الأوسط تـَخـَلـُفـا! وبشكل مـُذهـل... لكنه- أي العراق يـُحـاول أن يستعين بالدول الغربية لمعـالجة نقاط تخلـّفـه وعجزه... فلا عجبَ أن يـُدهَس يوميا شخصا أو إثنين تحت إحدى المركبات... السيارات في العراق غـالية جدا، وسوقها في تصـاعد وبشكل حــاد. أمــا البنزين فهو على العكس رخيص وسعره في عام 1979م حوالي 40 أورة- لتر *.
يعتبر النفط هو المحرك والعمود الأساسي لإقتصـاد هذا البلد، الذي يواجه صعوبات جمـّة في حـركتـة نحـو المستقبل.... بدأ إستخـراج النفط في العـراق عـام 1920م، لكن الارباح كانت كلها تذهـب الى الإنكليـز والأمريكان. لأنهم كانوا يستثمرون في مجـالات حفر الآبـار، النقـل، والمصـافي، وقد تضـاعفـَت هذه الأربـاح خلال فترة قصيرة. ففي عـام 1932م إستطـاعوا تشغيل حوالي ستة وعشرين بئـرا بشكل فعلي. وفي عـام 1934 م نـُقـِل النفط العراقي بواسطة خط أنابيب الى مينائي حيـفـا وطرابلس على البحـر المتوسط. .............................................................................................. * الأورة : اصغر عملة سويدية ( الكرون السويدي = 100 أورة ).. أمـا سعر البنزين الآن في السويد فهو بحدود ( 10 -12 كرون/ لتر = 1200 اورة/ لتـر ). .... المترجم ُألغيّ خط أنابيب حيفا ودخل للخدمة بدلا عنه خط ( بانياس ) في سوريا، بعد حـرب 1948 مع اسرائيل. أكبر الاستكشافـات النفطية كانت في مدينة ( كركـوك )- أو منطقة ( الفـرن الأزلي )*. بعدها ُأكتشفت آبـار كبيرة وكثيرة في منطقة الرميلـة- شمال البصرة التي هي الآن ميناء العراق الوحيد على الخلـج الفارسي ( أو الخليــج العربي كمـا يـُسـَمـّوه في العراق ).
إختار العراقيون مثل بقية البلدان النفطيـة القبـول بجزء من عائدات النفط، وصـار التاريخ السياسي للعراق يتمحـوَر على هذه القضيـة. وبالرغم من الحركة القومية القوية في العراق، الاّ أن شركـات النفط وجدت التعـامل مع هذا البلد سهـلا في مطلع القـرن. حصل العراق على نوع من الإستقلال الذاتي في عـام 1021. تحت إشراف إلإنكليــز الذين نـَصـَبوا الملـك ( فيصل الأول ) عليه، وحافـظَوا على إستقرار البلـد عن طريق عقـد عدة معـاهدات إنكليزية- عراقية كانت كلهـا تقريبـا تهدف لتأميـن سيطرة شركات النفط الإنكليزية والأمريكية على إنتـاج النفط العراقي.
غيـر أن العراق لم يكن من البلدان التي من السهل ترويضها سياسيا...... ففي عـام 1932م إنضـَمّ العراق كبلد مستقل في عصبـة الامم المتحدة. وفي عـام 1947م تأسـَس حزب البعث الاشتراكي الذي تـَبـَنـى في برنامجه السياسي تأميم النفط . وفي عـام 1958 م قام ( الزعيم عبد الكريم قـاسم ) بثـورة حوّلت العراق من النظـام الملكي الى النظـام الجمهـوري. في عـام 1963م حـانت ساعـة – عبد الكريم قاسم، فُأعـدِمَ من قبل ( حزب البعث ) في زمن ( عبد السلام عـارف )، الذي مـات بدوره بحـادث تـَحـَطـّم طائرة، وأخلفه على عرش العراق أخــوه ( عبد الرحمن عارف ). ........................................................................................... * مدينة الفـرن الأزلي: هي التـّسمية التي أطلقـها (الاسكندر المقدوني ) على مدينة – كركوك.. ............. المترجـم في 17 تمـوز من عـام 1968م قـامـَت ثورة سـُمـيـَت حينهـا بـ ( البيضـاء ) حيث ُأبعـِدَ رئيس الجمهـورية، وإستلم السلطـة مجمـوعة من الضبـاط البعثيون كان على رأسهم ( أحمـد حسن البكر )، ومعه شخص مدني أصغر منه بالعمر بحدود ثلاث وعشرون سنه هو( صدام حسين التكريتي )، الذي إستلم السلطة في عام 1979م من البكر بعد أن تظاهـَر الأخير بالتنازل له مـُتحَجـّجا بسوء حالته الصحية... وخلال فترة حكم صدام صار في البلد حكـومة مؤلفة من حوالي عشرين وزيرا كلهم من الرجـال. وصارت أعلى سلـطـة في البلد بيد ما يـُسمى بـ ( مجلس قيادة الثورة ) الذي كان مؤلـَفا من خمسة رجـال من البعثيين الكبـار.
وجد العراقيـون أنفسهم وتحت سقف الثورات التي مرّت على البلد مـُضطرّين للتفكيــر بإستغلال ثرواتهم النفطية التي لـَم يـَحصـَلوا على شيئا منها منذ تأسيس دولتهم في عـام 1931 م. لكن عقد الاتفاقية الثانية التي تم توقيعها عـام 1952م تضـَمـَنـَت تسليم العراق 50% من عـائداته من النفط . ففي عــام 1961م حـَدَدَ الزّعـيم – عبد الكريم قـاسم من صلاحيـات شركـات النفط الأجنبية في إستكشاف المزيد من الآبار النفطية. وفي عـام (1972- 73)م بدأ العراق بتأميـم كل حقوله النفطية، وإستمرت العملية لغـاية عـام 1975م. وجنى العراق من ذلك مبالغ طائلة لم تكن بالحسبان.... يمكننا هنا تصـّور الطـّفرات التي حصلت في واردات النفط التي دخـَلـَت العراق على النحو التالي:
* من 15 مليون دولار في السنة في عـام 1950م.... * الى 110 مليون دولار في السنة عام 1952م..( بفضل الاتفاقية الثانية). * الى 1900 مليون دولار في السنة عـام 1973م، الى الرقـم الخيـالي الذي تحقق قبل الحرب ( العراقية- الايرانية), والذي وصل الى سبعة مليارات في السنة. تقـع مدينة كركـوك خـارج نطـاق المنطقـة التي يـُطـالب بها الأكـراد لبناء بناء بلد كـردي مستقل ذاتيا. تلك المطالبة التي خلـّفَت صـداعـا متواصلا عند الحكومـات العراقية المـُتعاقبة في هذا القرن... يمكننا أن نُسمـي كفـاح الأكراد بـ ( الحـرب المـَنسية )!! لأنها إستمرّت طويلا من دون أن تـَحظى بأدنى حد من الإهتمـام العالمي، على الرغم من كـِبَر حجم الخسـائر البشرية التي وقـَعـَت فيها، وكـِبَر التواجد البشري من الأكـراد فيها.
ينتشر الأكراد في ( العراق، ايران، تركيـا، والاتحـاد السوفيتي )... تقـَدّر نفوس الأكراد في كل هذه البلدان بالعشر ملايين ( أما الأكراد أنفسهم فيقولون أن نفوسهم عشرون مليونا )- منهم حواي مليوني نسمة موجودون في شمال العراق.
باشر الأكراد بالمطالبة بالاستقلال بعد الحرب العالمية الأولى، عندما خسر الأتراك الحرب. وأقرب مطالبة فعلية لهم في هذا الخصوص كان قبل الحرب العالمية الثانية بقليل. تأسست أول دولة كردية في شمـال ايران وإتخذوا من مدينة ( مهابـاد ) عاصمة لهم. لكن هذا الدولة لم تستمر أكثر من سنة واحدة، حيث ُأمسـِك برئيسها وتم شنقه وتعليقه في نفس السـاحة التي حصلت فيها الإضطرابات قبل عـام من قيامها. بدأ كفاح الأكراد المـًسلـّح في العراق عـام 1961 م، حيث هـاجـَمَ الأكراد مخفـرا للجيش العراقي خـارج مدينة الموصل، وقتاـوا عشرين جنديا. ردت على إثرهـا حكـومة – عبد الكريم قـاسم حينهـا بضربة عسكرية ساحقة.
أهم مطـالب الأكراد في العـراق هي: 1- استقلال المنطقة الكـردية وادارتها من قبل الأكراد. 2 - أن يكون التعليم في المناطق الكردية من العراق باللغة الكردية. 3- أن تكون كركوك عاصمتهم, وأن يحصلوا على الجزء الأكبر من عائداتها النفطية. توالت بعدهـا ضربات الأكراد على الحكومات العراقية.. وكان أشدّها عـام 1974-1975 ) )م عندما حصـَل الأكراد على دعــم قوي ومباشر من إيران، ودعم سـري من الـ ( CIA ). لكن هذه الحروب إنتهـَت بهزيمة الأكراد بعد أ ن خانهم شـاه إيران، وأوقف تزويدهم بالسلاح والعتـاد بعد عقدهِ معاهدة 1975 مع العراق. ُأجبر بعدهـا قـائدهم ( ملا مصطفى البرزاني ) باللجـوء الى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث توفي هناك بعد فترة قصيرة.
حصل الأكراد على وعدا من الحكومة العراقية بالإستقلال الذاتي في عـام 1970. بعدها تجاهلت الحكومة المركزية في بغداد مطاليب الأكراد شيئا فشيئا. فأندلعت الحرب في المناطق الشمالية، لأن الاكراد لم يقتنعوا حينها بالنتائج: فلم يحصلوا على كركوك، ولا على أدنى شيء من عائداتها النفطية التي طالما حلموا وطالبوا بها. دخل قرار الحكم الذاتي حيز التنفيذ وفي عام 1974 ..... لكن الأكراد حصلوا في عام 1978 على السلاح من الاتحـاد السوفيتي بعد أن تضامنوا مع الحزب الشيوعي العراقي. غير أن بغداد ردت على ذلك بضربة جوية، وعدمـَت العديد من الشيوعيين العراقيين الهاربين الذين لجؤوا إلى شمال البلاد*. إدّعـَت حينها الجمعية الكردية في السويد بأن حكومة بغداد قد هـَجـّرَت آلاف العوائل الكردية من مناطقهم ليعيشوا مـُشـَرّدين في المناطق الصحراوية من جنوب العراق. غير أن الأوسـاط الرسمية في الحكومة نفت هذا الادعـاء. ............................................................................................ * عقد نظام البعث معاهدة مصالحة مع الحزب الشيوعي العراقي تمخضّت عنه ما سمي حينها بـ: ( الجبهة الوطنية )، غير أن النظام العراقي ألغى تلك الجبهة في عام 1978 وإعتقل وأعدم أغلب قيادات الحزب الشوعي، ولم ينج منهم إلاّ الذين لجؤوا الى شمال العراق الذين بدورهم لم ينجو من التآمر والإبتزاز. .... المترجم والذي إدركته أنـا شخصـيـا أن الحكومة العراقية لديها رغبـة حقيقية لحل قضية الأكراد. قامت بعدها منظمة السجناء العالمية في آب – 1979 ، بدراسة واقع العوائل المـُهجــّرة وساهمت في إعـادتهم الى مناطقهم، وُأعطيت لهم حقوقهم بالكامل، بعد أن شـُكلـَت هيئة قانونية خاصة بهم، كما عـُيـنَ في الحكومة المركزية خمسة وزراء – أكراد الأصل، ونائبا كرديا لرئيس الجمهورية..
أما حال الأكراد في الدول المجـاورة للعراق فكان سيئا جـدا. ففي الإتحـاد السوفيتي مثلا يـُقبض على المرء ويودَع في السجـن لمـُجـرد أن يدّعي أو يقول علنا بأنه كـُرديــا.
مثل بقية الحروب فإن صراع الأكراد مع الحكومة خلـّفَ سلسلة من الشهادات والثبوتية على الخروقـات والمظـالم من كلا الجانبين! واذا ما كنت في موقف لم أحترم فيه تلك الشهـادات، فهذا لا يعني بأني موافقا على حصول مثل هذه الخروقـات، وإنمـا لأن موقفي الشخصي لايساعدني على نكران أو تصديق أي منها!! فعند الجمعيـات الكردية في أغلب دول العالم ومنها السويد، المئـات من الوثـائق الثبوتية من هذا النوع، ولكن بالمقابل يوجد لدى الحكـومة العراقية مئـات الوثائق التي تعكس كيفية النظر للحرب. قبل سـَفـَري آخـر مرة للعراق، وبعدة أسابيع، ألقـَت السلطـات السويدية في ستوكهولم القبض على أحـد مفتشي الشرطة السويدية بتهمة التجـَسس لصالح السفارة العراقية على معسكرات اللاجئين الأكراد وبقية المعارضين؟ وبالنتيجة طَرَدت الحكومة السويدية حينها جميع كادر السفارة العراقية في ستوكهولم. ردّ العراق حينها وتحت مبدأ المعـاملة بالمثل بطرد ثلاث دوبلوماسيين من سفارة السويد في بغداد. وكان أولئك الدبلوماسيون من الذين طالما ساعدونا في تسهيل سفراتنـا السابقة إلى لعراق... حينهـا خـفـتُ كثيرا بأن لا يـُكتـَب لمشروعي النجـاح؟ غير أن الأزمة لَم تستمر فقد رحّب السويديون كالعادة بالقرار العراقي وإمتصوا الأزمة. ولم يحصل بعدها أي تغيير على السفارة العراقية في ستوكهولم... وإكتفى الجانبان بالطـّرد المـُتبادل للدوبلوماسيين، وإعتذر بعدهـا الجانبان لبعضهما البعض و ُأعيد الشرف الدوبلوماسي,،وهذه مسـألة مهمة بالنسبة للعـرب! فقد قرأت في أحـد المرات عن الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين بأنه:
" لا يتعلق بالمـال، وإنمـا هو شيئا ما .. صار يسري بالدم"
وعند سفري طلب مني السفير العراقي أن أكتـُب الحقيقة... لكن مـاذا تنفع مساندتي الضعيفة للحقيقة؟
فأنـا أقف أمام نفس الورطـة التي كنتُ فيها... عندمـا طـُلبَ مني ذات يوم أن أكتب تقريرا عن الصراع بين الصينيون وسكـان منطقة التـّبـت، أو عن الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين...
لكننا نحن السويديون، تعـَلـَمنـا من طبيعتـُنـا الجميلة، أن يكون هناك حلاّ عـادلا لكل النزاعـات في الحياة! ففي الطبيعة يوجد دائما الطـّيب والخبيث متجاوران، أو ربما متلاصقـان!! وما على الإنسان إلاّ أن يـُميّـِز بتفكيرهِ فقط :
مـَن هو الطـيّب ؟...... ومـَن هو الخبيث؟
وحول هذا المحور تدور دعـايـتـُنا لجميع فعّلياتـُنا نحن البشر، وحول هذا المحور نقوم بتجميل مــا نـُريده من فعالياتنا أن يكون جميلا.....
في الواقع أن في كل النزاعات يوجد هناك وبشكل دائم وحشا للمآسي متربصا بتوثّب، وقـادرا على تطوير الأحداث التي تحصل بين أي طرفين متنازعين، لذا برأيي أن على الأطراف المتنازعة بكل الأحوال أن تتقارب من بعضها، وتتفاهم كي تـُزيل التوترات وأسباب النزاع بينها بأسرع وقت، والاّ فإن وحش المآسي المُتستر بارعا في إستغلال الفرصة لمواصلة النزاع وتطويره نحو الكــارثــة! وشخصيــا لـو كـُنت أحــد هؤلاء المليوني كردي.... لكـُنت بلا شك مـُتحمسا لـوحدة شعبي من أجل تحقيق حلمهم القومي في أن يكون لهم وطنا خاصا بهم.. ولو كنت كرديا لأعطيت الحق لشعبي أن يحسبوا حساباتهم للمطالبة بنفط كركوك!! ولـو كنت كرديا لـَحـَمـَلتُ نفس الكـُره لهؤلاء اللذين تحـَمـّلوا مسؤولية قتل أقربائي الأكراد في الحرب.. أو بقصف ديارهم في القـرى والمدن بالطائرات، أو بالسجون أو بالإعدامـات الجمـاعية أو التهجير القسري لهم.
ولكن بالمقـابل لـو كنت عربيـا، لنظرتُ لكل هذه الصراعات الدموية من زاوية أخرى، ولإعتبرتُ أن أفضل حل لهذا الصراع هو: ماجـاء في قوانين حزب البعث بشأن الاسقلال الذاتي!!
لكن لو أجبرتُ نفسي كشخص سويدي مُحايـد لأُجيب على مثل هذا السؤال الذي يتعلق بحق شعب في تقرير مصيره، لإخترت الإجـابة بسؤال مـُعاكس: مـاذا سيكون رد فعل السويديون، والحكومة السويدية تجـاه الـ ( سومرنا- Somerna )* فيما لو طـالبوا بإستقلال شمال السويد وجباله الغنية بالمنـاجم التي تشكل قـرن الإقتصـاد السويدي؟ وأن ينفردوا هم بهذه الثروة؟ وأن تكـون مدينة. ( كيرونـا- Kirona ) عـاصمة لهم؟ .......................................................................... *سومرنا : هم سكان شمال السويد، يقـال أنهم من إصول آسيوية، يمتهنون الصيد والعيش البدائي حتى يومنا هذا، يتكلمون بلغة خاصة تسعى الحكومة السويدية الى حمايتها من الانقراض.! ...... المترجم ثم راحـوا يطلقـون الرصاص الي على المسافرين عبر مناطقهم ليـُجبروا الحكومة على قبول مطـاليبهم؟ هل هنـاك مـَن يعتقد بأننا سنستسلم لهم؟ ونـُسلـّم إقليم (لابلاند)* لأكرادنــا؟
لقد زرنـا كل من أربيـل وكركوك، وأوقفتنا هناك أحـد السيطرات الكردية لأن التصوير بالقرب من " نــارها الأزليــة" غير مسموحـا به! نصّت إتفاقية الحكم الذاتي على أن: بغداد لاتمنح أي موافقة رسمية للأجـانب الوافدين على التصوير في المناطق الشمالية، بل يتم الحصول على ذلك من قبل السلطات المحلية هنـاك. فدخلنا حينها في مكتب مؤثث بشكل إرستقراطي وكان الموظفين فيه- الذين كانوا جميعا من الأكراد - فرحون لقيامهم بإجراتنا ليـَرونا بأن لديهم ما يـُقرّرون عليه... في أحـد رحلاتـُنا كان دليلنا امرأة كـرديـة زودتنا بالتعليمات الرسمية، وتحدثت لنا:
- بأن الأكراد يُشكلون 85% من سكان المناطق الشمالية، وأن اللغة الكردية هي أحـد اللغـات ( الهندو- أوربية )، وهي تختلف إختلافا كبيرا عن اللغة العربية، وأن الأطفـال الآن في المدارس لهم الحق في أي لغة يرغبون التعلم بها، وأن الأكراد الآن عندهم برلمانا خاصا ووزارة خارجية خاصة بهم! ولديهم حركة نسوية ناشطة لدرجة وجود أربعة نساء ضمن تشكيلتهم البرلمانية، وإن هذه تـُعتبر خطوة متقدمة في بلدانهم.
عندما توغـّلنـا شمالا باتجـاه ( سد دوكـان ) وشلالات ( كلى على بيك)، مررنـا على سيطرة عسكرية آمنـة مؤلفـة من عشر جنـود، وقفت بجانب موقعهم سيارة جيـب عسكرية... ............................................................................................ * لابلاند : الاقليم الشمالي للسويد، وعاصمته مدينة كيرونا. حيث أن السويد مؤلف من 24 اقليم مستقل اقتصاديا واداريا، وجميع هذه الأقـاليم تخضع للقانون السويدي وسلطات العاصمة ستوكهولم. ....المترجم لم يسألـونا حينها عن سبب قدومنـا! لأن التوجيهات التي كانت عنهم تنص بأن السلطـات الكرديـة المحلية هي المسؤولة عن مثل هذه الأمـور! كانت جميع الطرق تحت المراقبة المشددة، وعلى إمتدادها كان العديد من المدرعـات والمواقع العسكرية المؤلفة من آلاف الجنود، أمـا في الفندق فكان الحراس مسلحين بالرشاشات طوال الليل.
صارت الحالة غير مستقرة على الحدود الشمالية للعراق بعـد الثـورة الايرانية، وبدأ الأكراد يتحركون من جديد!! شعرنـا بالترحيب في كل مكان تجولنا فيه داخل المنطقة الكردية.. على العكس من بقية المناطق الأخرى التي زرناها في العراق، والتي غالبا ما يُدير الناس بوجوههم عنّا عندما نـُحييّهم. وصلنـا حتى الى جبال مدينة ( سليمانية )، التي بناها الحاكم التركي ( سليمـان باشـا )، والتي تقع على إرتفاع تسعمائة متر عن مستوى البحر.. بدت المدينة وكأن النظـام العراقي حينها قد بنى جسورا للثقة والإستقرار فيها... غير أن السليمانية، وحسب ما ذكره الأكراد هناك قد تعرضت للعديد من الكوارث العسكرية في التاريخ القريب، فقد حصلت فيها مجـازر كثيرة راح ضحيتها العديد من المواطنين الأبرياء في حزيران من عـام 1963 ، وفي آذار من عـام 1966. إلاّ أننا بالطبع لم نعثر على أثر لتلك المجازر؟ بدت المدينة مُرتبة الآن.. تجولنـا لوحدنـا في أسواق السليمـانية التي يرتدي فيها الرجـال ( سراويل فضفـاضة )، ولم تواجهنـا أي مـُضـايقة... كانت الحكومة المركزية جـادة في رفع المستوى المعاشي للمواطنين في هذه المنطقة، وإهتموا بجـامعة السليمانية لتصبح مركزا علميا متطورا.
هنــاك أقليــة أخـرى هـم: اليهـــود؟ تأثـّرَ الموقف السياسي العراقي تجـاه اليهـود بمواقف اسرائيـل... لأن إسرائيل كانت من بين الدول التي جهـّزت الكـُرد بالسلاح؟ إضافة الى أن العراق ساند الفلسطينيين بلا حدود، وبشكل متواصل ومتميـّز عن بقية الدول العربية في صراعهم ضد اسرائيل... ففي عـام 1948 أرسل العراق حوالي ثمانية آلاف جندي في حرب الفلسطينيين ضد دولة إسرائيل الفتية حينها، واليوم يعتبر العراق أعلى الأصوات التي تـُندد بإسرائيل، والتي لم توافق على المعـاهدة ( المصرية- الاسرائيلية ).
تعرّضَ اليهود العراقيين للتهجيـر... وحسب الإحصـائيـات الإسرائيلية كان في العراق ( (135 000يهودي في العراق عـام 1948، في حين لم يتجـاوز عددهم ( ( 300شخص في عـام 1978.
العراقيون من جانبهم إدّعوا بأن الصهيـونية هي التي كانت وراء ترتيب هجـرة اليهـود العراقيون من العراق الذي عـاشوا فيه سنينا طويلة بمحبة وتآلف مع المسلمين؟ في كتاب ( الأقلية اليهـودية في العراق ) للكاتب ( خلدون معروف ) جاء تفصيلا واضحا للكيفية التي كان فيها المسلمون وفي كل الأزمـان متسامحون مع بقية الأديـان. الذي حصل بالنسبية ليهود العراق، حسب ماجاء في الإدعاءات الرسمية العراقية: أن حركة الصهيـونية العالمية أرادت أن تـُجهـِز دولة إسرائيل بالأيدي العاملة الرخيصـة. فبدأوا في عـام 1950 بإلقاء قنبلـة (تخويفية) على أحد معابد اليهود الواقع على ساحل نهر دجلـة في بغداد، بينما كانوا محتفلـون بمناسبة: ( عبـور البحـر الأحمـر )، ولـَم يـُصـَب حينها أحـدا بأذى؟ لكن بعد ذلك تتابعـَت الفعلليت المـُشابهة لتنـال نفس المكانات والمعـابد اليهـودية ولتوقع حالات موت وضحـايا!! ولتُشعر اليهود في العراق بالتهديد! ألقى العراقيـون حينها القبض على حوالي خمسة عشر متهم، ُأجبـِروا على الإعتـراف بأن حركة الصهيونية العالمية هي التي كانت وراء هذه الإعتداءات على أصدقـاؤهم في الايمـان. وتم إعدام العديد منهم شنقا.
ربمـا هنـا من الأفضل أن نناقش ما ذهب اليه الكاتب الصحفي الـدانمـاركي ( لارس مـولر- راسموسن ) عندمـا كتب موضوعين حلـّل فيهما تلك الأحداث ليكـونا وسطا بين عدد المظـالم التي تعـَرّض لهـا اليهـود وتجميـل العراقيين لحـالة اليهـود في العـراق... وأشار مولـر الى أن اليهـود كانوا مـُعرّضون بشكل دائـم الى التمييز العنصري في عموم العـالم العربي، لكنهم – أي اليهـود أحيـانا يتعرّضون الى ضغـط المـُتـشـدّدين اليهود الموجـودين في العالم الغربي منذ القرون الوسطى، وبذلك يشترك الكاتب في الإعتقـاد الى ما ذهبت اليه الأوساط الرسمية العراقية بخصوص الإعتداءات التي تعرضت لها الجالية اليهودية في العراق:
" في الواقع هنـاك نوعا من الصحة بين الصورة التي رسمها العراقيون وبين الوجـه المـُخيـف للصهيـونية العالمية "
أمـا من جهة اليهـود فأنهم بالطبع يدعـون شيئا مـُغـايرا تماما...... على المرء أن لا ينظـر كثيرا للمـُسـامحـة التي يـُبديها الاسلام تجـاه الأديان الأخرى، لا سيمـا اليهـودية في الوقت الحـالي أو في الأزمـان الماضـية. فاليهـود ينظرون للعراق نظـرة عـداء مـَوروثة منذ أيـام سبي نبوخذ نصر والبابليون لهم!! يمكن أيضـا للمرء أن يقول بأن المـظـالم التي ُأرتكبـَت تجـاه اليهود العراقيين بدأت في الواقع منذ عـام 1941 وضمن سلسلة من الإجـراءات نفذتها العديد من الدول العربية كـَرَد فعـل ضد قيام دولة اسرائيل. وبالتالي فمن المنطقي جـدا بالنسبة لليهود في العراق أن يغلقوا مصالحهم وبيوتهم ويبحثوا عن مكان آخر آمـِن؟ بعد أن شاهـدوا معـابدهم ومحـالهم التجـارية تتعرّض للحرائق والنهب من قبل الجـَهـَلة والمتعصبين...
أمـا رأيي الشخصي: فأعتقد بأن الكثير من المتعلـميـن والمثقـّفين العراقيين يميلـون الى ما ذهبت الية الأوساط الرسمية العراقية.
صـار الصراع مع اسرائيل أشـَد وطأة، ومصـحـوبا بتعـاطف شعبي شديد ضد كل أعمـدة الوجـود اليهودي في العراق بعـد أن قـَصـَفـَت اسرائيل عام 1981 المفـاعل الذري العراقي الموجود في أحـد ضواحي بغداد.
غير أننا لـَم نـُقـابل خلال سفراتنا أي شخص يهـودي في العراق، ولـَم نحـاول في ذلك أيضـا!! غير أننا قـابلنـا أشخـاصا مسيحيين وزرنا أحد الكنائس، التي كانت مبنية حديثا في عـام 1977، والتي كان اسمها: ( كنيسة رحـلة مريم للسمـاء ) وكانت تابعـة الى: ( الكلـدان الأرثودوكس )، اللذين كان تعدادهم 30 000 مواطن في بغداد. إلى جـوار هذه الكنيسة كانت هناك 21 كنيسة أخـرى في بغداد، وحـوالي أربعـون قـِسـا.
هناك إشارات الى أن الأقلية المسيحيية قد تعرضـَت الى عدة هجمـات ... ففي زمن الملك فيصل وفي عـام 1933 حصـَلت مجزرة للمسيحيين الآثوريين، وقف خلفها سلسلة معقـّدة من المسببات! فقد كان للآثوريين قطعـات عسكرية أثناء الوجـود الانكليزي.. لذا عندمـا إنسحـَب الإنكليز مـُرغـَمين من العراق إستخدمـوا الآثوريين لتنفيذ مآربهم.. وحتى لو لم يكن ذلك مـُبررا لتلك المجـزرة.. لكنه يعطي تفسيرا ما!
أما في الوقت الحـالي، فإن المسيحيين في العـراق يتمتعون مثل بقية الأديان بحقوق واسعة من ضمنها تأسيس جمعياتهم الخاصة.
#مهدي_صالح_المالكي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
افتتاح مهرجان -أوراسيا- السينمائي الدولي في كازاخستان
-
“مالهون تنقذ بالا ونهاية كونجا“.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة
...
-
دانيال كريغ يبهر الجمهور بفيلم -كوير-.. اختبار لحدود الحب وا
...
-
الأديب المغربي ياسين كني.. مغامرة الانتقال من الدراسات العلم
...
-
“عيش الاثارة والرعب في بيتك” نزل تردد قناة mbc 2 علي القمر ا
...
-
وفاة الفنان المصري خالد جمال الدين بشكل مفاجئ
-
ميليسا باريرا: عروض التمثيل توقفت 10 أشهر بعد دعمي لغزة
-
-بانيبال- الإسبانية تسلط الضوء على الأدب الفلسطيني وكوارث غز
...
-
كي لا يكون مصيرها سلة المهملات.. فنان يحوّل حبال الصيد إلى ل
...
-
هل يكتب الذكاء الاصطناعي نهاية صناعة النشر؟
المزيد.....
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
المزيد.....
|