|
عن التفكير الناقد
عبدالله أبو شرخ
(Abdallah M Abusharekh)
الحوار المتمدن-العدد: 3388 - 2011 / 6 / 6 - 18:53
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
كتبت مقالة تحمل هذا العنوان قبل حوالي عشر سنوات. مع انتشار التخلف وازدياد وتيرته بين العامة بل وحتى الخاصة من الناس، وكذلك لأهمية هذا النوع من التفكير وما له من قيمة في تطور المجتمعات، فقد قررت كتابة مقالة جديدة بنفس العنوان آملاً أن أتمكن من إدراج ملاحظات جديدة ذات مغزى.
كان من الممكن اعتماد ما نشرته ويكيبيديا وكفى الله المؤمنين القتال، ولكن عند البحث عن التفكير الناقد ستظهر لكم ويكيبيديا ومعها ثلاث أو أربع مقالات لا تعرف من نقل عن الآخر ولا يضعون قائمة مراجع تمت الاستعانة بها.
كنت منذ زمن بعيد أتساءل، ما علاقة " النقد " الفكري والأدبي، بالنقد بمعنى المال. دعونا نبحث عن العلاقة بين الأمرين. يقول الفيروز آبادي صاحب القاموس المحيط أن كلمة " نقَدَ " تعني تمييز الدراهم الذهبية عن تلك المزيفة. بمرور الزمن تمت استعارة الفعل نقد من تمييز الدراهم الذهبية عن سواها إلى مجال الفكر والأدب فلا يعود النقد مقصوراً على تمييز الدراهم بل يتعداه إلى تمييز الأفكار الخاطئة عن تلك الزائفة.
أهم ما يميز التفكير الناقد هو قدرته على إطلاق الأحكام على الأفكار والمواقف والحلول المطروحة. وفي ويكيبيديا نجد التعريفات التالية: يعرفه ديوي في كتابه (كيف نفكر ) بالقول :"إنه التمهل في إعطاء الأحكام وتعليقها لحين التحقق من الأمر " ويعرفه حبيب (2003م، 238 ) بأنه " نوع من التفكير المسؤول الذي ييسر عمليات الوصول للقرار ويعتمد على معايير ومحكات خاصة ،وكذلك على التقويم الذاتي والحساسية للمواقف المتنوعة. ويرى البعض ( والكلام لويكيبيديا ) أن التفكير الناقد يقابل التفكير المجرد عند بياجيه ويتألف من عدة مكونات هي: • صياغة التعميمات • النظر والتفكر في الاحتمالات والبدائل • تعليق الحكم على الشيء أو الموقف لحين توافر معلومات وأدلة كافية • ونضيف: الكشف عن العيوب والأخطاء • الشك في كل شيء • التفكير التحليلي • حل المشكلات أو التحقق من الشيء وتقييمه بالاستناد إلى معايير متفق عليها مسبقاً • هو التفكير الذي يتطلب استخدام كل المستويات العليا في تصنيف بلوم وهي : التحليل والتركيب والقويم . وهو" تفكير تأملي ومعقول ،مركز على اتخاذ قرار بشأن ما نصدقه ونؤمن به أو نفعله ،وما يتطلبه ذلك من وضع فرضيات وأسئلة وبدائل وخطط للتجريب "( جروان :1999 ،61) انتهى ) ------------------------------------- دعونا نتأمل ما قاله بياجيه لنفهم لماذا يكون تعليم التفكير الناقد مشكلة حقيقية لدى العقل الإيماني الديني، فالشك محرم ومحظور إذا ما تعلق الأمر بالمسلمات الدينية. هنا يجب الانتباه إلى أن مواد دراسية مثل الرياضيات والعلوم تعمل بصورة رائعة على تنمية وتطوير مهارات التفكير الناقد، ولكن تأتي المنظومة الفكرية الدينية وما تحتويه من عشرات المسلمات التي يجب قبولها وتصديقها حتى لو كانت تتعارض مع أسس البداهة الفطرية – لكي تهدم وتشوه ما تم بناؤه.
يقول ديكارت: " على المرء ألا يسلم بصحة أمر ما ما لم يكن هذا الأمر هو كذلك بالبداهة ". نتساءل: هل من البداهة أن يأكل خمسة آلاف شخص رغيفي خبز وسمكتين، أم أن من البداهة أن تتكلم النملة والهدهد أو هل من البداهة والفطرة أن يشق البحر بعصا ؟ ماذا عن مشي إنسان على سطح الماء ؟ جميع ما ورد في العقائد الدينية بلا استثناء يتعارض مع البداهة والفطرة والحس السليم، وليس هذا فقط، بل إن ما يتم حقيقة هو عملية إقحام الأمور الخارقة لقوانين الطبيعة في عقول الأطفال في سن مبكرة من قبل أن تصبح لديهم فطرة سليمة يمكنها الشك والفحص والارتياب. العقل الإيماني يبنى على التصديق والتسليم المطلق دون مناقشة وهنا تبدو قدرة الأديان الهائلة على اغتيال التفكير الناقد لدى الناشئة، بل إن قيام الإنسان بترديد نصوص دون قدرة على إخضاعها لموازين العقل والبداهة يمثل بداية ترسيخ الشعور بالقهر والخنوع !
وعلى وقع خطى التفكير التأملي لنشاهد معاً هذه الجملة والمطلوب إطلاق حكم بصوابها أو بخطئها:
" إذا كانت القاهرة عاصمة مصر فإن باريس هي عاصمة فرنسا ". لاحظوا أنه وعلى الرغم من صواب جزيئات الجملة غير أنها خاطئة بالحكم النهائي، ذلك أن عاصمة فرنسا هي باريس بصرف النظر عن كون القاهرة عاصمة مصر أم لم تكن. نسبة هائلة من الطلبة تعتقد لأول وهلة أن العبارة صحيحة !
في مادة كالتربية الدينية نشاهد أنها تقوم بالمجمل على حفظ النصوص دون أي قدرة على إخضاعها لشروط النقد أو المساءلة المنطقية. هنا يتم اغتيال قدرة المتعلم على التفاعل الخلاق مع المعلومة، كما يتم الإجهاز على عملية التفكير الناقد كنشاط ذهني في المقام الأول. هنا يجب أن نورد ملاحظة مفادها أن ضرورة حفظ القرآن والنصوص الدينية كان له ما يبرره قبل 1400 سنة حيث لا مطبعة ولا نسخ ورقية ولم يكن لديهم السي دي، بل ورد في كتب التراث إن الخليفة عمر بن الخطاب لم يحفظ من القرآن سوى سورة البقرة. نتساءل: ما ضرورة التحفيظ في ظل توفر التقنيات الحديثة التي تخزن نسخة كاملة من أي كتاب مقدس على الهاتف الجوال ومع محرك بحث ؟!
الخلاصة:
1- التفكير الناقد عبارة عن نشاط ذهني يقوم المتعلم من خلاله بإطلاق أحكام على صواب أو خطأ أفكار أو مواقف أو رؤى أو حلول لمشكلات. 2- جميع المسائل التي يطلب من المتعلم من خلالها اكتشاف الصواب أو الخطأ تعمل على تنمية العقل الناقد، وهنا يتم الاعتماد على مبدأ الشك الديكارتي، لأن مبدأ إطلاق الحكم يفترض أساساً أننا لا نعرف صواب أو خطأ الجملة أو الموقف. 3- جميع المعلومات التي يطلب من المتعلم حفظها بالتلقين ومن ثم استرجاعها هي منافية ومعطلة للتفكير الناقد كما أنها ترسخ الشعور بالقهر. 4- ينبغي تخفيف الجرعة الدينية في مناهج الطلبة بما في ذلك التخفيف من مطلوب الحفظ والاسترجاع، ذلك لكي نترك مساحة كافية لتخزين المباديء العلمية اللازمة لتنمية التفكير الناقد.
دمتم بخير
#عبدالله_أبو_شرخ (هاشتاغ)
Abdallah_M_Abusharekh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
متى نعترف بالتخلف وأسبابه ؟!
-
عن أوهام الإعجاز العلمي مجدداً
-
يهودية الدولة هي المشكلة الحقيقية !!
-
لماذا تقدم المسلمون في العصر العباسي الأول ؟!
-
النكبة: عذاب يستمر وجذوة تشتعل !
-
جرائم الفكر السلفي قتلت أمة بأسرها !
-
الدماغ Brain والعقل Mind .. ما الفرق ؟!
-
أي مستقبل للسلفية الجهادية ؟!
-
مصر الجديدة وغزة ومجرد سؤال
-
في الأول من أيار: الحركة العمالية والربيع العربي
-
سيف التفكير وسيف التخوين
-
على إسرائيل أيضاً أن تتغير !
-
العرب بعيون يابانية: متدينون جداً .. فاسدون جداً !!
-
إسرائيل ليست علمانية ولا ديمقراطية !
-
تاريخ الإسلام لم يعرف التداول السلمي للسلطة
-
عارٌ في غزة !!
-
ملاحظات انتقادية لحكومة حماس
-
نفس التفاهة الإسرائيلية
-
أسلمة القضية الفلسطينية ويهودية الدولة العبرية
-
مدينة الرماد - قصة قصيرة
المزيد.....
-
حاول الهرب فعلق أسفل جسر.. شاهد ما حدث لسارق تطارده الشرطة
-
الكويت.. فيديو -سري للغاية- ومداهمة أشخاص بمؤسسات ودوائر يثي
...
-
-بطائرة سعودية خاصة-.. أحمد الشرع يثير تكهنات بصورة توجهه إل
...
-
مسيّرات إسرائيلية تستهدف مخيم النصيرات
-
الرئيس الصومالي يهنّئ الشرع بتوليه رئاسة سوريا
-
نتنياهو يفاخر بأنه أول زعيم يلتقي ترامب بعد انتخابه (فيديو)
...
-
بزشكيان: قدراتنا العسكرية هي للدفاع وليست من أجل الهجوم على
...
-
الولايات المتحدة.. انفجار وحريق هائل في مصفاة نفطية (فديديوه
...
-
توسيع العملية العسكرية بالضفة والأزمة الإنسانية تتفاقم بغزة
...
-
الكرياتين: مكمل رياضي يعزز الصحة النفسية ويخفف أعراض الاكتئا
...
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|