أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناصر عطا الله - رسالة من أم فلسطينية إلى أم يهودية














المزيد.....

رسالة من أم فلسطينية إلى أم يهودية


ناصر عطا الله

الحوار المتمدن-العدد: 3387 - 2011 / 6 / 5 - 03:27
المحور: الادب والفن
    


رسالة من أم فلسطينية إلى أم يهودية
ناصر عطاالله : أوجه رسالتي هذه عبر جسرٍ كان يوماً فوق نهرٍ صغيرٍ ، كنت ألعب بجواره دون أن أهرب خلفه ، كان أمامي أجمل ، كان البيت الصغير ، والباحة الخضراء ، والبئر المباركة ، وكثير من أحلام طفلة خبأت أسرارها تحت وسادتها اليافاوية البسيطة ، وكلما غادرني يومٌ استقبلت أخاه بكثير من الابتسام والفرح ، حتى ما قبل أن أجد نفسي خلف النهر بعد أن أوصلني الجسر من فوقه إلى المنفى .
رسالتي للتي سكنت بيتي من بعدي ولا أعرف لها اسم أو وصف ، وقيل لي أنها أمٌ لأولاد أربع ، ولدتهم في مستشفى جديد قريب من البيت / بيتي ، ولكنها لا تجيد لغة البئر ولا الطير فوق الشجرة الكبيرة ، وقال لي أحد العابرين على المكان مسقط رأسي أن العائلة يهودية جاءت من بولونيا الباردة ، ووجدت في البيت دفء غيّر حياتها ، وأخرج ثلج الحياة من تحت جلدها ، لتمارس العيش بشكل أفضل .
أنا قضيت عمري بعد طفولتي في منفى بعيدٍ عن بيتي ، وغريبة أخذت أغراضي وألعابي وظلال أشجاري ، وحذائي الصغير، ومربط حبل البئر ، والشمس التي كانت تطردني عن البيدر القريب وتمسك بيدي الناعمة إلى تحت الدالية ، وتلبس قبعة الظل ، وأنا الصغيرة هناك كان لي قلب طاهر يحبّ الدنيا ، وأنا الكبيرة هنا في المنفى لي قلب مجروح ومتعب من كثرة الألم ، وللغريبة كان يوماً قلب طاهر مثلي ، ولكن قلبها بعد أن سكنت بيتي أصبح ذئب مفترس ، ولو أنها تعرفني وأعرفها لقلت لها عن وجعي بعد بيتي الصغير الذي حولته إلى بيت كبير لا يشبه رغبتي يوم أن كنت صغيرة .
إلى من سكنت بيتي من بعدي ، بعد أربعٍ وأربعين سنة من المنفى أدعوها إلى أن تعرفني من خلال كلماتي البسيطة هذه لعلها تدرك أنها عذبتني من حيث لا تدري ، وأن من أتى بها إلى بيتي كانوا قد ذبحوني وسفكوا دمي على مدخل البيت ولكنني لم أمت يومها ، وصرت أماً في المنفى ، وهي أم ولكنها اغتصبت حقي ، وأنا أم يعذبني ما اشتهيته يوماً ،أن أكبر وأتزوج وأنجب أولادي في بيتي لكي أحدثهم عني وأنا صغيرة ، وأفضح أسراري البريئة قرب التلة القريبة من القمر ، ولكنك و الغرباء أحبطتم حلمي ورميتم بي في العذاب من بلدٍ إلى بلد ، وأنت أيتها الغريبة السبب ، وما كان عذابي لولا أن بقيت في بيتي ، وبقيتي أنتِ في بيتك البارد هناك في البعيد ، لولا لم تتحولين إلى كابوس في حياتي ، وأتحول إلى شبح يخيفك عند كل مخاض .
إليكِ وبعد أربعٍ وأربعين سنة ، عشتها بالألم والمعاناة ،وعشتيها أنت بالعدوان والقسوة ، أقول لك أنني دخلت قبري قبل أشهر في المنفى ، وربما دخلتي قبرك قبلي قرب بيتي ، وأنت وأنا رحلنا عن الدنيا ، ولكنك غيري في العذاب وأنا غيرك بالقسوة ، تركت من بعدي أولادي العشرة ، ولا أعرف كم تركتي من بعدك من أولاد في بيتي ، والأولاد سيكبرون قرب الحدود بعد أن شربوا حليب الصبر ، وقد يواجهون أولادك يوماً من أجل أن يستعيدوا بيتي الصغير ، ولأنني وأنك خرجنا من الدنيا ، لن نشعر بالألم على فراق أولادنا ، ولكن أرواحنا ستتألم ، وهناك حيث المجهول سأعرفك وتعرفينني ، وسأطلب من الربِّ / ربّنا أن يعينني ليعذبك لأنك أخذتي بيتي وكنتِ قاسية القلب مثل من جاؤوا بك من خلف البحار البعيدة ، وكسرتي قلبي في المنافي الصعبة ، ولأنني غيرك سأطلب من الربِّ أن يعيد لي بيتي ويعطيه لأولادي أو من تبقى منهم ، ويطرد أولادك في الشارع لكي يعودا إلى بيتك الخشبي البارد قرب غابة علمتك القسوة .
قبل أن أنهِ رسالتي إليكِ لا بد أن أسألك ماذا فعلت لكِ لكي أستحق أن أموت في قبرٍ بعيدٍ عن بيتي.. ماذا ؟



#ناصر_عطا_الله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حطّم بقدميك أضلعيِّ..
- عندما يذهب الأموات إلى حياتنا
- أنا سوايّ
- صوتها
- ذنب غيري


المزيد.....




- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...
- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
- -المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية ...
- أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد ...
- الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناصر عطا الله - رسالة من أم فلسطينية إلى أم يهودية