|
حرية المرأة
حسقيل قوجمان
الحوار المتمدن-العدد: 1010 - 2004 / 11 / 7 - 07:17
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
في الندوة التي جرت في الدانمارك التقينا بالاخت بيان صالح احدى الكوادر الهامة في ادارة الحوار المتمدن فانتقدتني لاني لم اكتب عن المرأة فوعدت ان اكتب شيئا عنها. ان مفهوم الحرية مفهوم متغير ومتطور شأنه في ذلك شأن الكثير من المفاهيم التي تتخذ معناها من الظروف التي يمر بها المجتمع. لذلك لا يمكن التحدث عن الحرية عموما وكانها مفهوم ثابت لا يتغير على مدى التاريخ. ومفهوم حرية المرأة هو الاخر مفهوم متغير ومتطور حسب تطور المجتمعات الانسانية ولا يمكن بحث حرية المرأة في ايامنا بنفس الصورة التي نبحث فيها حرية المرأة في العصور السابقة او العصور اللاحقة. هناك صفة واحدة على الاقل تشترك فيها حرية المرأة في جميع العصور هي ان حريتها مرتبطة بحرية الرجل. فحرية الرجل والمرأة مرتبطان دائما. ولذلك استخدم هنا عبارة حرية الانسان بمعنى حرية الاغلبية الساحقة من المجتمع الذي نبحثه نساء ورجالا. واقول الاغلبية الساحقة من المجتمع لان الاقلية من المجتمع، الطبقات الحاكمة، كانت لها حريتها القائمة على استغلال الانسان والبذخ والترف والعربدة والفساد وهذا ليس موضوع بحثي هذا عن حرية المرأة. ان بحثي يتناول حرية المرأة البسيطة التي تكافح طوال حياتها لمساعدة زوجها وتربية اطفالها. لذا جاء مفهوم الانسان ليعبر عن ملايين الرجال والنساء الذين يؤلفون الاغلبية الساحقة من المجتمع في جميع ظروف تطور المجتمعات الانسانية. كانت حرية المرأة في جميع الظروف التي مرت بها البشرية جزءا من حرية الانسان. فحرية الانسان تختلف باختلاف الظروف الاجتماعية التي اجتازها الانسان. وحرية المرأة لا يمكن ان تتجاوز حرية الانسان. ولكن التاريخ يعلمنا ان المرأة في جميع ظروف المجتمع السابقة كانت مضطهدة اضطهادا مضاعفا. ففي جميع الظروف كانت تنال من الحرية مستوى اقل من حرية الانسان اي ان الرجل كان ينال من الحرية ما لا تناله المرأة ولذلك تجد المرأة نفسها مضطرة الى ان تخوض نضالا مضاعفا ايضا لكي تنال من الحرية ما يتمتع نصفها الذكر به وتحرم هي منه. ولكن المرأة لا تستطيع في اي حال من الاحوال تجاوز حرية الانسان اي انها لا تتجاوز تلك الحرية التي يتمتع بها الرجل وتحرم منها المرأة. ففي المجتمع العبودي مثلا لم يكن لكلمة الحرية معنى حقيقي. فالانسان ذكرا وانثى كان عبدا يمتلكه سيد العبيد. لم يعتبر الانسان في المجتمع العبودي بشرا وانما حيوانا ناطقا. كان الانسان عبدا يستطيع سيده ان يقتله او يبيعه او يشتريه او يستخدمه لخدمته او يرسله الى الحرب. ومجمل حرية الانسان في هذا المجتمع هو ان يتفضل السيد بالمحافظة على حياته ومنحه حق الزواج وانجاب العبيد. وفي مثل هذا المجتمع لم يكن بالامكان التمييز بين حرية المراة وحرية الرجل. وكل ما كانت تستطيعه المرأة للتخلص من حياة العبودية هو ان تستغل انوثتها لكي تصبح جارية او خادمة او راقصة او مغنية وعندئذ تصبح هذه المرأة جزءا من الطبقة الحاكمة ولا تدخل ضمن تعريفنا للانسان باعتباره الاغلبية الساحقة من المجتمع. ولكن عدد النساء اللواتي تستطعن الخروج عن نطاق العبودية بهذه الطريقة محدود ولا يشكل جزءا كبيرا من نساء المجتمع. شاركت المرأة في هذا المجتمع العبودي نصفها الذكر في النضال من اجل الحصول على شيء من الحرية. فكانت الى جانبه في ثورات العبيد التي اطاحت بالنظام العبودي لتتحول الى ما كان يمكن التحول اليه وفقا لظروف قوى الانتاج السائدة في حينه، الى المجتمع الاقطاعي. فنال الانسان بنصفيه الانثى والذكر حرية التحول من وضع العبد الى وضع القن في النظام الاقطاعي. وتطور معنى الحرية في النظام الاقطاعي فاصبح يعني ان الانسان ليس عبدا بل قنا. فالسيد الاقطاعي يمتلك القن ويستطيع بيعه وشراءه كما يبيع الارض والماشية ويشتريها ولكنه لا يحق له قتله. فكانت حرية الانسان في هذا المجتمع حصوله على حق حياته التي كانت متاحة لسيد العبيد. واصبح من حق الفلاح ان يحصل على قطعة ارض يزرعها مع او بدون حيوان يساعده على ذلك. ولكن هذا المستوى من الحرية لم يكن متاحا للفلاح بدون مقابل. كان على الفلاح ان يعمل في حقول السيد الاقطاعي مدة معينة وان يقوم باعمال السخرة التي يكلفه بها السيد الاقطاعي وكان على الفلاح ان يقدم للاقطاعي ولرجل الدين المرتبط به الجزء الاكبر من انتاجه بحيث لا يبقى للفلاح وعائلته ما يسد به رمق العائلة. وفي العراق مثلا كانوا يقولون ان الفلاح يزرع الشلب ويعيش على الدنان. وكانت حرية المرأة مقصورة على حرية نصفها الاخر هذا ولا يمكنها تجاوز هذه الحرية. والانكى من ذلك كانت المراة تعاني من تقييدات حتى في هذه الحريات الضيقة التي يتمتع بها نصفها الاخر اذ يكون عملها مضاعفا في مشاركة الرجل في عمله والقيام بمهام العائلة وتربية الاطفال والقيام ببعض المهام كالغزل والحياكة والخياطة اضافة الى عمل الرجل. في هذا المجتمع ايضا كان على المرأة ان تخوض غمار نضالين، الاول هو ان تشارك الرجل في نضاله من اجل تخفيف وطأة استغلال السيد الاقطاعي كتقليص مدة عمل الفلاح في ارض الاقطاعي والامتناع عن اعمال السخرة وزيادة حصة الفلاح من انتاجه على حساب حصة الاقطاعي. ومن الناحية الثانية كان على المرأة ان تناضل من اجل تخفيف واجباتها الاخرى الاضافية التي لا يساهم نصفها الثاني بها. وساهمت المرأة الرجل في النضال من اجل الخلاص من النظام الاقطاعي ذاته في الثورات البرجوازية لتحويل نظام الحكم الى نظام برجوازي. في هذا المجتمع نال الانسان حريته بمعنى انه لم يبق عبدا او قنا بل اصبح انسانا حرا لا يملكه انسان اخر يستطيع بيعه او شراءه. نشأت في هذا المجتمع طبقة جديدة اسمها الطبقة العاملة او البروليتاريا، طبقة حرة لها الحق في التصرف بحياتها كما تشاء، طبقة لا تملك سوى سلعة واحدة، قوة عملها، تستطيع بيعها للحصول على لقمة العيش. وسلعة قوة العمل تختلف عن جميع السلع الاخرى المتوفرة في السوق. هناك صفتان جوهريتان على الاقل تختلف فيهما سلعة قوة العمل عن سائر السلع: الصفة الاولى هي ان سلعة قوة العمل هي السلعة الوحيدة التي تنتج ارباح الطبقة الراسمالية كلها بما اسماه كارل ماركس فائض القيمة. فليس في المجتمع سلعة اخرى يؤدي استعمالها الى خلق ارباح لمشتريها؛ والصفة الثانية هي ان هذه السلعة هي الوحيدة التي لا يمكن فصلها عن بائعها. فكل السلع في العالم تنفصل عن بائعها عند بيعها لتنتقل الى مشتريها بعد ان يدفع ثمنها ليعمل بها ما يشاء. في هاتين الصفتين تناقض يؤلف جوهر الصراع الطبقي في المجتمع الراسمالي. فبالنسبة للراسمالي الذي يشتري السلعة يجد ان من حقه استخدامها بحرية كما يستخدم جميع السلع الاخرى التي يشتريها. والحد الاقصى لاستخدام سلعة قوة العمل هو ٢٤ساعة لان الراسمالي يدفع ثمنها لمدة يوم. ولكن العامل من الجهة الثانية يجد من الضرورة ان تتاح له فرصة اعادة انتاج سلعته لكي يستطيع بيعها في اليوم التالي. ولكي يعيد انتاجها يجب ان يتاح له بعض الوقت للراحة والتغذية الضرورتين لاعادة انتاجها وانتاج سلعة جديدة بانجاب الاطفال. فكان هذا صراعا بين مشتري السلعة الذي يريد استعمالها ٢٤ ساعة وبين بائع السلعة الذي يريد الحصول على فرصة اعادة انتاجها. انه صراع طبقي بين الراسمالي والعامل. اذا اخذنا بريطانيا مثلا باعتبارها النموذج الكلاسيكي لتطور الراسمالية نجد ان هذا الصراع كان محتدما ودمويا طيلة حياة الراسمالية البريطانية. ففي البداية لم يكن هناك حدود ليوم العمل. كان العامل يعمل ١٦ او ٢٠ ساعة في اليوم او حتى ٢٤ ساعة احيانا. كانت حياة العامل كلها عمل وحتى ساعات الراحة المتاحة له كان يقضيها احيانا على سطح المعمل لانه لا يستطيع الوصول الى مسكنه اذا كان له مسكن والعودة الى العمل في الساعات القليلة المتاحة له للراحة. كانت المرأة في هذا الصراع شريكا للرجل بكل معنى الكلمة. فكل تقدم في حرية الرجل كان يعني في الوقت ذاته حرية للمراة ايضا. فجرى خلال قرون من الصراع تحديد يوم العمل ب ١٤ ثم ١٢، يم ١٠ واخيرا الى ٨ ساعات والى اربعين ساعة عمل في الاسبوع. ان العامل والعاملة في بريطانيا يرون اليوم اسبوع العمل ٤٠ ساعة كانه حق طبيعي ولكن الواقع انه كان نتيجة صراع مرير دام عدة قرون. ونفس الشيء يمكن قوله عن الحريات او الحقوق الاخرى التي اكتسبها العمال كضمان الشروط الصحية في المعامل وزيادة الاجور وحق التنظيم النقابي والسياسي وحقوق الانتخاب وحق عدم تشغيل الاحداث وحق التعليم الالزامي وغيرها. لم ينل العمال ايا من هذه الحريات او الحقوق الا بالنضال المتواصل والتضحيات. وفي كل هذه النضالات كانت المرأة شريكة الرجل رافقته في صراعه للحصول على هذه الحقوق. ولكن حريات المرأة او حقوقها هذه مهما تعددت لم تتجاوز حقوق العامل في العيش واعادة انتاج سلعته قوة العمل وادامة وجود سلعته بانجاب عمال يملكون نفس السلعة. فما زالت العائلة العمالية تعاني من مشاكل السكن التي تستغرق الجزء الكبير من دخلها طوال حياتها ومشاكل الحضانة للاطفال وما يرافقها من حرمان العائلة من امكانية التمتع بالحياة وغير ذلك الكثير. ومع ذلك كان على المرأة ان تناضل في سبيل الحصول حتى على الحقوق التي نالها الرجل لقاء نضالهما المشترك. فما زالت المراة حتى يومنا هذا تعاني من التحيز للرجل في كثير من المجتمعات وحتى في المجتمعات المتمدنة المتطورة. ففي العديد من البلدان ما زالت المراة محرومة من حق الاشتراك في الانتخابات. وقبل ايام سمعنا عن سبع بطلات سعوديات تجرأن وطالبن بحق الاشتراك في الانتخابات البلدية المزمع اجراؤها. وفي بعض مجتمعاتنا الشرق اوسطية ما زال موضوع السماح للمراة بالعمل وبالخروج مع الرجل وبسياقة السيارة وبممارسة بعض الاعمال موضوع نقاش. ومشكلة الحجاب وسجن المرأة في سجنين بيتها بحرمانها من العمل واعتبار دورها هو المطبخ وتربية الاطفال وسجن جسمها باعتبار انها يجب ان تكون سجينة داخل الحجاب وعدم كشف اي بقعة من جسمها لان ذلك مصدر اغراء للرجل. وما زالت المرأة حتى في اكثر البلدان تقدما تعاني من التمييز في اجور عملها وهي تطالب بمساواة الاجور مع الرجل. ليس في هذا بحث موضوع هذه التمايزات التي تعاني منها المرأة في جميع المجتمعات على الاطلاق، وانما هي امثلة قليلة تشير الى صراع المراة المزدوج الدائم. صراع من اجل توسيع حرية الانسان بالحصول على حقوق جديدة وفي هذا تقف المرأة الى جانب نصفها الثاني في كل نضالاته وصراعاته. ونضال اخر من اجل التمتع بنفس الحقوق التي نالها الرجل بفضل الصراع المشترك والتي حرمت منها لانها امرأة. وفي هذا الصراع قد يقف الرجل الى جانب المرأة وقد يقف ضدها فيه حسب الظروف وحسب عقلية الرجل. فالمرآة في هذا المجال تعاني اضطهادا مضاعفا من الطبقة الحاكمة التي تضطهد الانسان بنصفيه ومن قسم على الاقل من نصفها الذكر عند نضالها من اجل مساواتها به. اود في هذا المجال ان اورد مثلا واحدا كانت به المراة دائما ضحية المجتمع الاساسية. وهذا المثل هو العائلة والزواح وما يتشعب عنه من مآس في النظام الراسمالي والانظمة التي سبقتها. كان الزواج وتكوين العائلة في كافة المجتمعات الطبقية عبارة عن صفقات تجارية تكون المرأة فيها هي السلعة وهي موضوع الصفقة. فالزواج عند يهود العراق مثلا كان عبارة عن صفقة شراء يقوم بها ذوو الفتاة بشراء زوج لها. وكان الشاب الذي يختارونه لابنتهم يتحدد بالسعر الذي يدفعونه لشرائه. والصفقة في المجتمع الاسلامي تتحدد في المهر والشبكة ومؤخر الطلاق الخ.. ان اغلب الافلام المصرية حتى اليوم تعالج مشكلة الشابين المتحابين اللذين يبقيان في مرحلة الخطبة سنوات لعدم امكانهما الحصول على الشقة مما يضطر الفتاة ان تبيع جسمها لرجل لا تحبه مقابل توفير الشقة او لقاء فوائد مادية اخرى. ولكن بيع الفتاة لنفسها بهذه الطريقة يعتبر شرعيا لانه مغلف بغلاف الزواج الشرعي رغم ان الزواج ليس له اي اساس عاطفي وليس الا عبارة عن بيع الفتاة لجسمها مقابل النقود او الثروة. وهناك صور اخرى لبيع النفس في المجتمعات الطبقية المتعاقبة. هذا النوع هو ما نسميه الدعارة حيث تضطر الفتاة لاسباب مادية واجتماعية ان تبيع نفسها ليس مدى الحياة كالفتاة المتزوجة من رجل لا تربطه معها عاطفة حب بل لمدة قصيرة تسمح فيها للرجل بالتمتع بجسمها لحظة مقابل ثمن يدفعه لها او للمسؤول عنها. ورغم ان العملية هي عملية بيع وشراء في الحالتين فاننا نسمي هذه الفتاة التي تبيع نفسها بدون اطار الزواج مومسا. والمومسات في مختلف العصور كن من اشد النساء اضطهادا. فالمومس محتقرة من قبل عائلتها ومحتقرة حتى من قبل النساء القريبات منها. والمجتمع كله لا يدين المومس الرجل الذي يمارس نفس عملية البيع والشراء مع المومس الانثى وانما يدين المومس الانثى وحدها. ومن المألوف حق الانتقام للشرف بقتل المومس من قبل ابيها او اخيها او اي فرد من اقريائها حيث يعتبر القاتل بطلا وحاميا للشرف. وحتى القوانين تحمي هذا القاتل ولا تعتبر قتله المومس جريمة قتل بل تشجع الاخرين على القتل بحكمه حكما صوريا لا يتناسب مع جريمته. ونضال المومسات حاليا في البلدان المتقدمة راسماليا معروف حيث يناضلن في سبيل معاملتهن كانسان واعتبار مهنتهن عملا من اجل كسب العيش. ولكن هناك نوع اخر من المومسات لا يعتبرن مومسات. اورد مثلا على ذلك زواج المتعة المعروف في العراق. يقوم المسؤول عن الفتاة بتزويجها زواجا مؤقتا على سنة الله ورسوله ليوم او يومين او اسبوع وفقا لمقدار الاجر او "المهر" الذي يدفعه المومس الذكر او العريس السعيد الذي يتمتع بجسم هذه الفتاة الممنوح له بزواج المتعة. ويحدد موعد الطلاق في عقد الزواج اذ تتطلق الفتاة لكي تتزوج زواج متعة اخر لقاء "مهر" جديد يتقاضاه المؤمن المسؤول عنها. ويعلن مفسرو ارادة الله ان الله ورسوله راضيان عن هذا النوع من العهارة لانه يجري حسب قواعد الزواج الشرعي ويعمر جيب المومن بالنقود. وقضية المحلل حالة اخرى من حالات العهارة الشرعية. فالزوجة المطلقة ثلاثا لا يجوز لها بامر الله ان تعود الى زوجها الذي عاشت معه طوال السنين الا اذا اصبحت مومسا لليلة واحدة ووجد لها مومس ذكر يقبل ان يبيع لها جسمه ليلة واحدة لقاء اجور يتلقاها مقدما او مؤخرا. وهنا ايضا لا يعتبر هذا العمل مخلا بالشرف لانه مغلف بغلاف الزواج الشرعي. اوردت هذين المثلين لانهما المثلان الشائعان والمعروفان في مجتمعنا. ولا شك ان لكل مجتمع وسائله في تحويل الدعارة الى عملية شرعية تدر الارباح لرجال الدين بايجاد الحلول التي تكون في اكثر الاحيان مصحوبة بدفع النقود بالضبط كما يقوم المومس الرجل بدفع ثمن تمتعه بجسم المومس الانثى بدفع الثمن. تناضل المرأة سوية مع نصفها الرجل من اجل تطوير حريتهما حتى بلوغ مرحلة الثورة على النظام الراسمالي وتحقيق المجتمع الاشتراكي. وليس لدينا مثل على حرية المرأة في المجتمع الاشتراكي اوضح من حريتها في الاتحاد السوفييتي في الفترة التي كان فيها مجتمعا اشتراكيا حقيقيا اي منذ ثورة اكتوبر وحتى نقض الاشتراكية يوم وفاة ستالين سنة ١٩٥٣. ان الاشتراكية لا تنزل جاهزة من السماء وانما تنشأ من المجتمع الراسمالي بعد الثورة بصورة تدريجية يتحول فيها المجتمع من مجتمع راسمالي بكل ايجابياته وسلبياته الى مجتمع اشتراكي. ولكن الاتحاد السوفييتي نشأ في مجتمع راسمالي متأخر صناعيا وزراعيا دمرته الحرب العالمية وحرب التدخل الامبريالي بحيث كان على المجتمع الاشتراكي ان يبدأ من الصفر. فبدأ المجتمع الاشتراكي من مستوى تخصيص ٥٠ غراما من الخبز في اليوم لكل فرد اي شبه الموت جوعا لكي يتطور الى مجتمع اشتراكي حقيقي في الثلاثينات من القرن الماضي. لذلك علينا ان نبحث موضوع الحرية وموضوع حرية المرأة في هذا المجتمع في تطوره ولا نتوقع منه ان يوفر كل شيء منذ اليوم الاول من نشوئه. ولكن مفهوم الحرية تغير منذ اليوم الاول تغيرا جوهريا. في النظام الراسمالي كانت الحرية تعني الحصول على بعض الحقوق من الطبقة الحاكمة الراسمالية كما شاهدناه في الفقرات السابقة. اما في المجتمع الجديد فاصبحت الحرية تعني ان الطبقة العاملة وسائر الكادحين اصبحوا المالكين لكي شيء، وخصوصا ادوات الانتاج اهم عامل تطور اقتصادي في البلاد. لذلك فان ما كان يعتبر حرية في النظام الراسمالي اصبح شيئا تافها بالقياس للمجتمع الجديد حتى في وضعه الاولي المتميز بالفقر والمجاعات وانخفاض مستوى الانتاج الصناعي والزراعي. اصبح العامل والفلاح يعمل لنفسه لا للراسمالي ولذلك تغير مفهوم الطبقة العاملة من طبقة لا تملك سوى قوة عملها للبيع الى الراسمالي المالك الوحيد لوسائل الانتاج الى طبقة عاملة تملك جميع وسائل الانتاج وتعمل على تطويرها وتوسيعها. اصبح اي تطوير للانتاج الاجتماعي في الصناعة والزراعة والمواصلات وفي جميع ميادين الحياة يعني تحسينا لحياة الشعب وتطويرا لحرياته. ان المقايس انقلبت عما كانت عليه سابقا حتى في الظروف القاسية التي كان يمر بها الاتحاد السوفييتي في العشرينات من القرن الماضي. ففي حين ان تطور النظام الراسمالي كان يعني زيادة فقر ومعاناة الطبقة العاملة والكادحين اصبح التطور الاقتصادي عونا للعمال والكادحين ومنقذا لهم من الفقر والجوع والبطالة والعوز. كان من اهم التطورات في حياة المجتمع الروسي في اوائل عهد المجتمع الاشتراكي في مجال الحرية هو تحرير المرأة الروسية من الدعارة ومن الزواج التجاري. فقد قضت دكتاتورية البروليتاريا على الدعارة ليس باصدار قانون لمنعها كما تجري الامور في المجتمع الراسمالي وانما بخلق فرص العيش الشريف والمثمر امام جميع المومسات وحتى تغيير محلات سكناهن لكي يبعدوهن عن المحيط الذي كن فيه معروفات كمومسات. وقد ظهر نتيجة لذلك ان هؤلاء النساء اللواتي كن يمارسن بيع اجسادهن من اجل نيل لقمة العيش اصبحن عضوات شريفات وفاعلات في المجتمع الجديد بحيث نشأت من بينهن المربيات والعالمات والمهندسات وبطلات في الانتاج وحتى كوادر قيادية في الحزب والدولة السوفييتية. كان القضاء على الدعارة من مفاخر الاتحاد السوفييتي في اول عهده في التطور. والتدبير الاخر في تطوير حرية المرأة كان تحريرها من الزواجات التجارية. فمنحت المرأة حرية الطلاق. وهذا منح المرأة امكانية التحرر من الزواج التجاري او القسري الذي عانت منه في النظام الراسمالي الاقطاعي المتخلف. وبهذا تحول مفهوم العائلة الى اتفاق حر بين شخصين متحابين لا اكراه فيه. وفي هذا المجتمع الجديد اصبحت مفاهيم الحرية التي تناضل المرأة من اجل تحقيقها في المجتمعات الراسمالية مفاهيم لا معنى لها في النظام الاشتراكي. فلا معنى لنضال المرأة مثلا من اجل مساواتها مع الرجل في اجور العمل المتساوي ولا حرية المرأة في ممارسة جميع الاعمال التي يمارسها الرجل. ان مفهوم الحرية نفسه تغير تغيرا جوهريا وفقا لظروف حياة المجتمع الجديد رغم ان حياة المجتمع الراسمالي في سائر بلدان اوروبا المتقدمة كان افضل اقتصاديا من ظروف حياة هذا المجتمع الذي بدأ من الصفر. كان النضال في سبيل تحرر المرأة في النظام الراسمالي كما شاهدنا يعني نضالا مزدوجا تناضل فيه المرأة الى جانب الرجل من اجل توسيع الحريات التي يغتصبانها من الراسماليين ونضالا تكافح فيه المراة للحصول على الحريات التي يتمتع بها الرجل وتحرم المرأة منها. ولكن هذا النضال المزدوج انتفى في المجتمع الاشتراكي. فالرجل والمرأة يكافحان من اجل تطوير المجتمع وزيادة رفاهه وهما يتمتعان معا بكل الحريات التي ينالانها نتيجة نضالهما. فلم يعد ثمة تمييز بين المرأة والرجل في ممارسة الحقوق التي يحصل عليها المجتمع. ولكن كل هذا لا يعني ان المجتمع الاشتراكي تطور منذ اليوم الاول الى مجتمع اشتراكي حقيقي. فلم يعلن عن اكتمال المجتمع الاشتراكي الا في الثلاثينات حين تم القضاء على كل الفئات الراسمالية كطبقة وقطع الاتحاد السوفييتي شوطا في طريق التطور الصناعي والزراعي والتطور الاجتماعي عموما. اصبح حق العمل مضمونا للمرأة والرجل بحكم القانون ولم يعد للبطالة وجود. وانتفت حاجة الشابين المحبين في الحصول على السكن والانفاق عليه طيلة حياتهما اذ اصبح من حق الشابين ان يحصلا على السكن مقابل نسبة طفيفة من دخلهما. اصبح التعليم متاحا للجميع على مختلف الاعمار ويعتبر الطالب الجامعي انه يقدم بدراسته خدمة للمجتمع يتلقى اجورا عليها. اصبحت وسائل اللهو من سينما الى مسرح الى اوبرا او باليه او موسيقى باثمان رخيصة يستطيع كل عامل ان يتردد عليها. ولم تعد مشكلة الحضانة مشكلة عويصة كما كانت عليه في النظام الراسمالي اذ اوجدت الاشتراكية حلولا مناسبة لها. فلدى انتهاء عطلة الولادة المدفوعة الاجر تأخذ الام طفلها الى محل عملها حيث توجد حضانة صحية متخصصة للاطفال تعتني بهم اثناء عمل الام ويسمح للام ان تستريح نصف ساعة قبل موعد ارضاع طفلها لكي لا تكون متعبة عند ارضاعه. وكانت قصور الاطفال اعظم ملاذ للاطفال بعد المدرسة يقضي فيها الاطفال احلى ساعات فراغهم يتعلمون فيها الموسقى والرقص والغناء ولعبة الشطرنج على ايدي احسن المختصين. وحلت الاشتراكية مشكلة حضانة الاطفال مساء حين يرغب الزوجان في الخروج للتمتع بوسائل اللهو المختلفة فاوجدت دور الحضانة المحلية في كل مكان. وحلت الاشتراكية الى درجة كبيرة مسألة ارتباط الزوجة بالمطبخ لتقضي فيه معظم اوقات فراغها بايجاد المطاعم الشعبية في كل مكان وفي كل معمل ودائرة بحيث ان من الافضل والارخص للانسان ان يتناول الطعام في هذه المطاعم من ان يطبخ الطعام في داره. وخلاصة القول ان حرية المرأة في النظام الاشتراكي كانت تعني نضالها المتعادل مع الرجل في سبيل تحقيق مستلزمات القانون الاقتصادي الاساسي للاشتراكية "تلبية حاجات المجتمع المادية والثقافية المتعاظمة باستمرار ,,," ولكي يعيد الخروشوفيون الراسمالية الى الدولة الاشتراكية كان عليهم ان يسلبوا كل هذه الحقوق التي حصل عليها المجتمع لكي يصبح الشعب طبقة عاملة لا تملك سوى قوة عملها لبيعها من اجل الحصول على لقمة العيش. واصبح المجتمع السوفييتي شعوبا فقيرة جائعة متفسخة كما نراه اليوم في جميع الدول التي نشأت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. حسقيل قوجمان ٦ تشرين الثاني ٢٠٠٤
#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التاريخ الحقيقي لانهيار الاتحاد السوفييتي
-
كلمة شكر
-
من اين والى اين تسير الصين؟
-
الاممية البروليتارية
-
جواب على رسالة
-
الماركسية والدين
-
رجوع عجلة التاريخ الى الوراء
-
دروس من ثورة تموز
-
وأد ثورة تموز
-
من وحي كتاب فهد (حلقة اخيرة) شخصية فهد
-
من وحي كتاب فهد (الحلقة السادسة عشرة) سياسة فهد الاقتصادية
-
من وحي كتاب فهد (الحلقة الخامسة عشرة) الاممية الشيوعية
-
استشهاد وحيد منصور
-
وجاء الفرج
-
كيف يصبح الانسان ماركسيا
-
من وحي كتاب فهد (الحلقة الرابعة عشرة) مزورو التاريخ
-
من وحي كتاب فهد (الحلقة الثالثة عشرة) التطور العقلاني في الص
...
-
النقابات العمالية، مصادر قوتها واسباب ضعفها
-
من وحي كتاب فهد (الحلقة الثانية عشرة) سياسة لينين الاقتصادية
...
-
ِتحية اجلال واكرام للفيلق السادس
المزيد.....
-
الوكالة الوطنية توضح حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في المن
...
-
ما حقيقة اعتقال 5 متهمين باغتصاب موظف تعداد في بابل؟
-
مركز حقوقي: نسبة العنف الاسري على الفتيات 73% والذكور 27%
-
بعد أكثر من عام على قبلة روبياليس -المسيئة-.. الآثار السلبية
...
-
استشهاد الصحافية الفلسطينية فاطمة الكريري بعد منعها من العلا
...
-
الطفولة في لبنان تحت رعب العدوان
-
ما هي شروط التقديم على منحة المرأة الماكثة في البيت + كيفية
...
-
الوكالة الوطنية تكشف حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في البي
...
-
تحديد عيب وراثي رئيسي مرتبط بالعقم عند النساء
-
فوز ترامب يهيمن على نقاشات قمة المرأة العالمية بواشنطن
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|