|
الوسائط المعلوماتية بين الرفض والتأييد
يامنة كريمي
كاتبة وباحثة
(Yamna Karimi)
الحوار المتمدن-العدد: 3386 - 2011 / 6 / 4 - 16:01
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
نفيا لقاعدة الإجماع، وتبعا لما جرت عليه العادة حيث تختلف المواقف والآراء وينقسم الناس إلى مؤيدين ومعارضين كلما تواجدوا أمام أمر جديد. وينتاب الخوف فئة واسعة منهم لعدم الارتياح لكل ما هو مجهول ولما يمكن أن يحمله من مفاجآت ....وذلك ما حدث بالضبط بالنسبة للثورة التكنولوجية وتوسع استعمال أدوات وتقنيات الاتصال الحديثة خاصة المحمول والأنترنيت... انقسم الناس أمام الظاهرة إلى ثلاث تيارات متباينة بتباين المنطلقات والانتماءات الفكرية. يرى التيار المؤيد على أن وسائل الاتصال الحديثة قد قدمت للبشرية خدمات لم يسبق لها مثيل، فقد عملت على توفير الوقت والتكاليف مع تنوع وجودة الخدمات وذلك على مختلف المستويات وفي جميع القطاعات. فقصرت المسافات ورفعت الحواجز بين الأفراد والجماعات. وحولت العالم بأطرافه المترامية إلى قرية صغيرة يتواصل أهلها بكل سهولة وبأقصى سرعة. ويتبادلون المعارف والخبرات والتجارب في المجالات الاقتصادية والتجارية والمالية...مما غير طبيعة العمل والتعامل وسرع من وثيرة الإنتاج والتنمية والتطور...أما على المستوى الفكري والعلمي والاجتماعي والسياسي ...فبفضل التقدم الذي عرفه التواصل ، نشطت الأبحاث العلمية والأدبية والفنية... وعم الحوار وزادت حرية التعبير، فانتشرت عمليات التحسيس والتوعية وتم الحد من بعض مظاهر التخلف كالأمية والجهل وساد التعاون والتكافل وتبادل الثقافات... وباختصار يرى مريدو هذا التيار أن انفتاح الفرد على المجتمعات الأخرى، وتفعيل تقديم الخدمات عن بعد في مجال التسيير والتدبير والطب والتعليم والتكوين جعل حياة الإنسان تعرف قفزة نوعية نحو التطور والنماء. أما أتباع التيار المعارض، فيعتبرون وسائل الاتصال مصدرا لمجموعة من المشاكل مثل: - التفكك الأسري والعائلي، فحسب وجهة نظرهم، قد تباعدت العائلة وتشتت الأسرة داخل البيت الواحد للإنعكاف على وسيلة من وسائل التواصل. فلم يعد أفراد الأسرة الواحدة ينعمون بتلك الاجتماعات المطولة وما يتخللها من تبادل الآراء والتشاور والتخطيط والاحتفال والمرح. - انشغال الأطفال والشباب عن الدراسة ، مما أدى إلى تراجع مستوى التحصيل وتدني العلامات المدرسية وانتشار الغش. - التخلي عن المطالعة والبحث على الورق من أجل السفر والغوص بين المواقع. - الإدمان على مشاهدة المواقع الإباحية مما أثر سلبا على مجموعة من القيم والأخلاق وتسبب في تزايد الصراعات بين الأزواج و انتشار أفكار جديدة عن طريقة وطبيعة الزواج والأسرة. - الآثار السلبية للانفتاح على ثقافة الشعوب الأخرى (دار الكفر) والتأسي بها...وكذلك بعض المواقع المشجعة على الإرهاب والعنف. - قلة فرص الشغل جراء الانتشار الواسع للوسائط الإعلامية في جميع المجالات مما يعرض الناس للعطالة والفقر. - الأجهزة تشكل خطورة كبيرة على صحة وسلامة مستعملها وتساهم في تلويث البيئة بشكل كبير لسرعة التجديد في الإنتاج وما يرافقه من التخلي عن الأجهزة السابقة التي تصبح عبارة عن نفايات مشعة وصلبة. أما الاتجاه الثالث أو الموضوعيون، فإنهم يتميزون عن سابقيهم في كونهم ينظرون للمسالة من زوايا متعددة. ففي الوقت الذي يقرون بأهمية ثورة الوسائط الإعلامية والتواصلية لا يغيب عنهم وجود مجموعة من السلبيات التي لا يتطلعون إليها بنفس منظار المعارضين وإنما يعتبرونها من المسلمات، ويشبهونها بأعراض أو مضاعفات الأدوية. فكل دواء يمكن أن تكون له مضاعفات لكن هذا لا ينفي عنه صفة العلاج والشفاء. وهذا حال الوسائط الإعلامية فإنها تبقى من الأمور المهمة التي حدثت للإنسان ومن المخترعات العظيمة التي حققتها البشرية على مر التاريخ. فجزئ كبير مما يعتبر سلبيات الثورة الإعلامية لا يعدو أن يكون مجرد سوء الاستغلال الذي يرافق كل بداية، وكذلك نوع من الاضطراب والتوتر والاهتياج الذي يصيب الإنسان كلما واجه أمرا جديدا وغريبا إلا أنه لا يلبث أن يستعيد عافيته وتوازنه. وهو أمر بدأ يظهر على أرض الواقع حيث أن تعامل الناس مع المحمول والكوبيوتر والانترنيت بدأ يتعقلن ويتكيف ويسير في الاتجاه السليم. أما عن العائلة أو الأسرة، فعلى من يتخوفون من "التفكك الأسري" أن يعلموا بأن الأسرة لم تكن لها معايير قارة وثابتة على مستوى الزمان والمكان. فالأسرة كنسق اجتماعي عرفت مجموعة من التطورات والتغيرات على مستوى البنية والوظائف. فمثلا كانت الأسرة في البداية أميسية وتحولت إلى أبيسية. كما كانت أسرة ممتدة في شكل عشيرة أو قبيلة وتحولت إلى الأسرة المحصورة أو النواتية. أما فيما يتعلق بالزواج، كجوهر الأسرة، فقد عرف بدوره مجموعة من التحولات فحسب أنجلز ومن أخذ عنهم كباهوفن، فقد انتقل الزواج من زواج مشاعي إلى الزواج الجماعي إلى الثنائي إلى الأحادي وذلك بحكم تغير طبيعة وملكية وسائل الإنتاج. ورافق هذا التغير تغير في منظومة القيم والأخلاق. لأن تلك المنظومة بدورها ليست مطلقة وثابتة وإنما تتبدل بتبدل الأنساق الاجتماعية. فمثلا في مرحلة الزواج المشاعي كان الزواج بين الآباء والأبناء أمرا عاديا. وفي فجر الإسلام كانت هناك أنواع مختلفة من الزواج كنكاح المقت والاستبضاع والسفاح والبغايا والشغار والمتعة وكان الرق والوأد، أمور أصبحت جرائم في منظومة القيم المعاصرة. وإلى وقت قريب كان تعدد الزوجات وعزل النساء وتعنيفهن من الأمور الطبيعية وتدخل حتى في باب الشهامة والرجولة، لكن حاليا هي في طريق الانقراض جراء محاربة النخبة لها... وبالتالي فإن تغير بنية الأسرة أو وظائفها إن كانت ستساهم فيه الإنفوميديا وهذا وارد، فإنه ليس أمرا جديدا ولا هو بالشكل الذي يتخيله المعارضون. وإنما هو حلقة ضمن سلسلة. وانحلال الأسرة بمفهومها الحالي سيفسح المجال لنموذج اسري جديد من المحتمل أن يحمل قيمة مضافة للحياة الإنسانية. المهم هو أن الإنسان ليس في موقع خطر. ولن يكون عرضة للعزلة والوحدانية وإن لم يكن بمفهوم العزلة والوحدانية سابقا. أي أنه إن حصل وبقي منفردا في بيته أو غرفته فإنه لن يكون وحيدا لأنه سيكون على اتصال بما لا يحصى من الأفراد والهيئات ومؤسسات الخدمات...مما سيحقق حاجياته ويعوضه عن الأسرة بالمفهوم التقليدي. ومن باب العلم بالشيء فهناك دراسات وأبحاث مكثفة من أجل تهيئة الجو المناسب للعيش في ظل الأنفوميديا. فمثلا هناك سعي لخلق بيت ذكي يقدم الخدمات لصاحبه ويسهر على راحته. و تفعيل العمل عن بعد مما سيحل مجموعة من المشاكل مثل مشاكل التنقل والمواصلات اليومية وتربية ومراقبة الأبناء. والرفع من جودة التعليم وفعاليته بعد أن يتكون المعلمون والمتعلمون على تقنيات الوسائط الإعلامية. وفتح فرص عمل جديدة تتماشى مع التكنولوجيات الحديثة. لكن ما يمكن أن يكون موضع نقاش هو الجانب الإنساني من المسألة.
#يامنة_كريمي (هاشتاغ)
Yamna_Karimi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سماء السلفية تمطر وعيدا
-
قداسة الفقهاء بين الحرمان والقهر وتضخم الآمال البعدية
-
المداخل الإسلامية لدسترة المساواة بين الذكر والأنثى
-
لغز الاختمار في ضوء القراءة السياقية
-
تهنئة بمناسبة فوز الحوار المتمدن بجائزة ابن رشد للفكر الحر و
...
-
الساعات الإضافية بالمغرب وممارسة العنف
-
تاريخ المرأة على مقاس الذكر
-
إرث المرأة بين مقاصد الإسلام وغلو الفقهاء
-
المؤسسة التربوية والسلوك المدني
-
السيدة خديجة الإسوة الحسنة
-
سيداو تاج على رأس المرأة مرصع بكل مبادئ الحرية والكرامة
-
التراث الإسلا مي,اتساع دائرة التفديس و السقوط في المحذور
المزيد.....
-
بعد أن فرضتها أمريكا على الصين وكندا والمكسيك.. ما هي الرسوم
...
-
بسبب بطة.. رجل يتعرض لموقف مرعب بينما كان يحاول اللحاق بكلبه
...
-
ظهور الشرع في -سدايا- للاطلاع على أهم الجهود ضمن -رؤية السعو
...
-
الرئيس الألماني يزور الشرق الأوسط لبحث الوضع في سوريا
-
قائد عربي جديد ينضم إلى قائمة مهنئي الشرع بتنصيبه رئيسا لسور
...
-
ستارمر يضغط لإحلال السلام في فلسطين بصيغة السلام في إيرلندا
...
-
أمريكا.. مظاهرات ضد خطط الترحيل الجماعي (فيديو)
-
إصابة عشرات الأشخاص على الأرض في حادث طائرة فيلادلفيا
-
قمة للاتحاد الأوروبي والناتو وبريطانيا حول الإنفاق الدفاعي ي
...
-
قلق صالات الـ-جيم-.. لماذا يخشى البعض الذهاب إلى النادي الري
...
المزيد.....
-
Express To Impress عبر لتؤثر
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
المزيد.....
|