|
تحرير الشعوب لا بد وأن يمر بتحرير المرأة
سامي البحيري
الحوار المتمدن-العدد: 1009 - 2004 / 11 / 6 - 09:30
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
عندما كنا أولادا صغارا نلعب فى حوارى الأحياء الشعبية بالقاهرة، كان من أكبر الفضائح أن يعرف أحد الأولاد أسم أمى، لأنه كان من شأنه أن يحولنى الى أضحوكة بين أقرانى، وبدلا من أن ينادونى بأسمى "سامى"، فسوف ينادونى "ياأبن فلانة!!"، وأذكر أن حظى العاثرقد مكن أحد الأولاد من معرفة أسم أمى عن طريق والدته، وبدأ حملة شريرة لأبتزازى فكان يقتسم معى سندويتش المدرسة، وأحيانا كان يقتسم معى مصروفى اليومى المتواضع، وظل على هذا الحال حوالى سنة كاملة، حتى أستجاب الله لدعائى وتم نقل والده للعمل خارج القاهرة، وقد سافر مع أسرته ومعه السر المصون ألا وهو "أسم أمى"، وأنا حتى الآن لاأجرؤ على ذكر أسم أمى (رحمها الله) فى هذه المقالة خشية أن تغضب علّى فى الآخرة.
وبين عامى 1994 & 1995 كنت فى معسكر جباليا بقطاع غزة أقوم ببناء مساكن للمواطنين الفلسطينيين وكانت ممولة من الحكومة الأمريكية كباكورة للمشروعات التى كان من المفترض أن تستمر بعد أتفاقية أوسلو، وكان هناك كثير من التفاؤل فى أوساط الفلسطينيين والأسرائيليين، وكان علينا الأستعانة بالعمال والمقاولين المحليين بغزة، وتعرفت بمقاول أسمه "أبو حمدى"، وجاءنى "أبو حمدى" يوما يسألنى: ما هو أسم أبوك؟، فقلت له: أسمه أحمد، فقال لى: من هنا ورايح سوف نناديك يأبو "أحمد"، فقلت له: لماذا ؟ فقال: أنا أعرف أنه ليس لديك أولاد، لذلك جرت العادة بين الفلسطينيين وأهل بلاد الشام أن ينادون الشخص الذى لم ينجب أولاد بكنية أبيه. فأعترضت قائلا: أنا أفضل أن تنادينى بأسمى المجرد "سامى". فقال لى: مايصحش" ياباشمهندس"، لا بد أن نناديك يأبو أحمد. فقلت له: ان كان ولا بد أن تنادينى بأبو" حاجة" فأنا أفضل أن تنادينى بأسم أبنتى الكبرى "سارة"، فتغير وجه" أبو حمدى" فجأة وقال: يعنى" ياباشمهندس" عاوزنى أناديك "يأبو سارة" ؟ فقلت له: أيوه ولى الفخر كمان. (رغم أننى لم أتخلص من عقدة أسم أمى بعد!!)، فقال: ياباشمهندس ما يصحش أحنا عمرنا ماننادى أحد بأسم بنته، البنات دول حرمة. فقلت له: ياسيدى أنا موافق، أنت مالك، قل لى يأبو سارة. فقال لى: أنت حر أنا سأناديك يأبو سارة فى وسط المشروع وفى وسط العمال. فقلت له: ولا يهمك. وطبعا" أبو حمدى" ما كذبش خبر، وبدأ على الفور بمناداتى:"يأبو سارة" فى وسط موقع العمل، وما أن نادى على بصوت عال "أبو سارة" حتى توقف العمل فى الموقع وبدأ الكل ينظر بأستنكار تجاه المنادى والمنادى عليه، فشخط فيهم "أبو حمدى" قائلا: "كل واحد يرجع شغله، الباشمهندس مبسوط من لقب" أبو سارة"!!
وأنا أعرف أيضا أن فى بعض بلاد الخليج عندما يريد الرجل أن يتكلم عن زوجته يبدأ الحديث قائلا: " الله يعزك الأولاد فى البيت.... كذا.....كذا " تماما مثلما يتكلم عن حذائه قائلا: "الله يعزك أعطنى المداس " !! وفى بلاد الشام عندما يتكلم الرجل عن زوجته يقول: "المرة" بدون ألف الهمزة وبفتح الميم والراء، أما فى مصر فقد حدث تطور كبير فبعد أن كان يطلق على الزوجة لقب "الجماعة" أخذت لقب "المدام" بدون ذكر أسمها صراحة.
وخلال قرائتى للسيرة النبوية فأننى أقرأ كثيرا عن نساء العرب والصحابة فيقال: "فلانة بنت فلان وكانت تحت عبادة بن الصامت" أى أنها زوجته (يعنى تحته بالمفهوم الجنسى) !!
وكل هذه المظاهر المثيرة للضحك والرثاء، أنما هى مظاهر جاهلية وتعتبر بمثابة وأد نفسى للبنات، لأن الرجال العرب لايطيقون أن يكون لبناتهم أو لزوجاتهم وجود خارج البيت. وقد كنت مرة أصلى الجمعة فى أحد مساجد الوهابيين، وكانت خطبة الجمعة كلها مركزة على أن: المرأة لا تخرج من باب البيت الا مرتان: مرة من بيت أبوها الى بيت زوجها والأخرى من بيت زوجها الى القبر !! ومرة قال لى أحد المتمسحين بالدين:" أن المرأة ما هى الا وعاء يفرغ الرجل فيه شهوته "!! وطبعا قد تقززت من التعبير، وكنت أعرف أسرته، فأجبته قائلا: "أيه رأيك لو أنقل الرأى ده للسيدة والدتك وللآنسة أختك ؟" فصمت ولم ينبس بشفة.
ورغم حدوث تطور كبير فى النصف الثانى من القرن العشرين فى النظرة الى المرأة العربية، الا أن جحافل الجاهلية ما زالت ترغب فى أن تعود المرأة الى البيت كخادمة ومربية ووعاء للشهوة. ومازالت بعض البلدان لاتسمح بسفر النساء بدون "محرم" حتى لو كان ولدها الصغير، وفى هذا أبلغ الأهانة للمرأة، فقديما كان السفر من مكة الى المدينة على ظهر الجمال يأخذ أياما، وكانت القوافل تتعرض للنهب والأغتصاب والقتل من قطاع الطريق، لذلك كان من الطبيعى أن يرافق المرأة رجلا من محارمها حماية لها من أشرار الطريق المرهق والطويل، أما اليوم فتسافر المرأة من بلاد العرب الى بلاد الأنجليز على متن طائرة بها ما لايقل عن مئتى مسافر، ثم تهبط فى مطار به آلاف من المسافرين ورجال الشرطة، فمم نخاف عليها ؟ هل من الممكن أن يغتصبها شخص على متن الطائرة ؟ أم على أرضية المطار ؟!!
وما زالت المرأة ممنوعة من قيادة السيارة بالسعودية، وفى نفس الوقت يسمح للسائق "غير المحرم" بأن يقودها الى الأسواق وخلافه، بدون خشية "أن يكون الشيطان ثالثهما".
كما أن كثيرا من البلاد العربية لا تسمح بسفر الزوجة بدون موافقة خطية من زوجها، وكأنها جارية قد أشتراها من أبوها.
حتى مهر المرأة ما هو الا رمز للجاهلية والعبودية والجوارى. وكلما بولغ فى المهر فان هذا يؤكد أن المرأة جارية تباع وتشترى، حتى أنها اذا أرادت أن تخلع من زوجها فلا بد عليها أن تشترى حريتها برد المهر والهدايا لزوجها مرة أخرى.
وما زلنا نرى التفرقة البغيضة بين تربية الولد وتربية البنت، فالولد مصرح له بأن يفعل ما يشاء، ولو عرف والده أن له علاقات نسائية حتى لو كانت علاقات مع بائعات الهوى، فأنه يبتسم موبخا:" ما يصحش كده ياولد، أنتظر حتى الزواج " ، بينما يقول لأصحابه فى المقهى بفحر: "الولد طالع عفريت وخلبوص زى أبوه، داير على حل شعره ". أما اذا عرف أن أبنته قد تعرفت الى شاب فى الدراسة، فأنها سوف تتعرض لأقصى العقوبات الجسدية والنفسية، أبتداءا بتهديدها بحرمانها من أستكمال تعليمها، وأنتهاءا بالقتل كما يحدث فى بعض الأماكن البدوية والقرى النائية، ولم لا فالبرلمان الأردنى مرر قانونا يخفف العقوبة على قتل ما أسماه "بقتل الشرف". وكأن للبنت شرف، ولا شرف للولد.
وسواء أردنا أو لم نرد فالمرأة أكثر من نصف المجتمع، وهذا ليس كلاما سياسيا وأنما أحصائيات، ففى معظم دول العالم يبلغ تعداد النساء حوالى %51 من السكان. فتجاهل نصف المجتمع أو معاملته بمعايير مزدوجة لا يجلب الا الفشل على تلك المجتمعات.
المرأة هى أمك وأختك وأبنتك وزوجتك وحبيبتك، والمرأة هى الحياة لأنها تحمل فى داخلها كل حياة لطفل وليد ، وهى العذوبة والرقة والحب والشاعرية، معظم الشعر الذى كتب عبر التاريخ كتب فى المرأة.
وبدون الحرية الكاملة للمرأة فلا يوجد هناك أمل حقيقى للتقدم أو القضاء على الفقر والجهل والمرض والبطالة، فالمجتمع الذى لا يعطى الحرية الحقيقية للمرأة والمساواة الكاملة بالرجل، سيظل مجتمعا أعرج يمشى على ساق واحدة.
نريد للمرأة حرية حقيقية بدون قيود، الا قيود القانون مثلها مثل الرجل، لا نريد حرية تليفزيونية شكلية، يجب أن نحارب الأفكار الجاهلية التى ما زالت تبيح "وأد البنات " وأدا نفسيا وأحيانا جسديا.
المرأة الحرة سوف تعلم أولادها الحرية، والمرأة الجارية لا تستطيع لأن فاقد الشئ لا يعطيه، ان أعتبار المرأة عورة: اسمها عورة، صوتها عورة، جسدها عورة، لا يتأتى الا من مجتمع الذكور المهوسين بالجنس، ومجتمع رجال لا يمارس الجنس الا فى خياله ولا يعرف من الحب الا القليل، حتى بعد الزواج يمارس معظم رجال الهوس الجنسى الجنس بدون حب حقيقى.
واذا أضفنا الى موضوع العورة أنهن "ناقصات عقل ودين"، فان القضاء على المرأة قد تم بمقتضى النصوص والتفاسير العتيقة.
وأحمد الله أننى قد أنجبت البنات، وبأننى قد نجيت بهن فى سفينة نوح فى بلاد الفرنجة، حتى يبعدون عن مجتمع الذكور المهووسين جنسيا فى بلادنا الجميلة !!
#سامي_البحيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وزارة المالية : تعديل سن التقاعد للنساء في الجزائر 2024.. تع
...
-
المرأة السعودية في سوق العمل.. تطور كبير ولكن
-
#لا_عذر: كيف يبدو وضع المرأة العربية في اليوم العالمي للقضاء
...
-
المؤتمر الختامي لمكاتب مساندة المرأة الجديدة “فرص وتحديات تف
...
-
جز رؤوس واغتصاب وتعذيب.. خبير أممي يتهم سلطات ميانمار باقترا
...
-
في ظل حادثة مروعة.. مئات الجمعيات بفرنسا تدعو للتظاهر ضد تعن
...
-
الوكالة الوطنية بالجزائر توضح شروط منحة المرأة الماكثة في ال
...
-
فرحة عارمة.. هل سيتم زيادة منحة المرأة الماكثة في البيت الى
...
-
مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %
...
-
نيويورك تلغي تجريم الخيانة الزوجية
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|