أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جعفر كمال - الشعر النسائي العربي بين -التسفيط- الكلامي وجمالية الاحتراف نازك الملائكة















المزيد.....



الشعر النسائي العربي بين -التسفيط- الكلامي وجمالية الاحتراف نازك الملائكة


جعفر كمال
شاعر وقاص وناقد

(تôôèô‏ ؤôéôم)


الحوار المتمدن-العدد: 3385 - 2011 / 6 / 3 - 02:24
المحور: الادب والفن
    


جمالية الاحتراف:
نازك الملائكة شاعرة العرب
آمال عواد رضوان
فاتن نور
فاطمة الفلاحي

ما أود أن استظهره، ما يفيد بوضع اسماء الشواعر في المقدمة، إنما الداعي موجب لفعل الشعر وجودته، ومثل هذا لا يبطل الاختيار، وفي الوقت ذاته ستجدني لا انحاز إلى شاعرة دون سواها، كما عبر عن هذا بعضهم، إنما الغاية أن أقلب مراتب ما يليق بالمباحث الكلامية، ومقاصدها الإبداعية، فيما يختص بتميز أدوات النص الشعري، من حيث مركباته اللغوية، وأبعاده الفنيةً.


مما يزيد من وجاهة الشاعرة الفذة نازك الملائكة، إنها تنوعت فأبدعت، وعاصرت الكبار فحازت على مكانة في الصف الأول من شعراء جيلها، وهذا بشهادة الشاعر الناقد جبرا أبراهيم جبرا، ونقاد عرب آخرين، سوف نأتي إلى تقديم آرائهم وحواراتهم، وما توصلوا إليه من سبر أغوار شعر الملائكة وعالمه التنويعي. أيضاً مما أثر شعرها في وجدانية الشاعر بدر شاكر السياب، ولهذا تجدني محاوراً ألق اللغة في بنائها الشعري، الذي ميزته إصالتها النحوية. باعتباره خلق تكويناً للاشتغال بالجدل من خلال تطورات المختلف في أسلوبها الشعري، وذلك الإرث البياني في البعد الدلالي الذي حقق لها تشذيباً دقيقاً وَسَّعَ من آفاق جديدها، الذي اشتغل على أسلوب الأستبدال في نسق بناء الخليل، في القصيدة العربية القديمة ذات الشطرين، إلى بنية متحركة، وهو ما أتفق على تسميته بقانون الحداثة، "قصيدة التفعيلة" و "القصيدة الحرة" أي التحرر من العمودي، الذي يعمل على قانون الشطرين والقافية اللازمة، إلى الشطر الواحد المتحرك، حيث تنهض فيه البنية فتنتج نسقها عبر علاقات النظم الداخلية.
كان الشعراء ما قبل الحداثة يتقيدون بالقافية كقانون لا خلاف عليه، حتى وأن كانت تلك القافية خالية من وحيّها الروحي الذي ينشده المعنى، وهذا فاسد، لأنه يضعف من المعطيات اللغوية والفنية في النظام الجدلي بين الداخل والشكل في بنية النسق، لذلك يجب أن تحصل الجملة الشعرية على توليد دقيق النسق، عبر جناس ألفاظ تمنح النص جرساً يحرص على تداعيات معانيه، كما فعل أبو القاسم الشابي، وبدر شاكر السياب، وجبران خليل جبران. تقول د. حكمت صباغ الحكيم: "أن ما هو داخل في النص الأدبي، هو، وفي معنى من معانيه خارج، كما أن ما هو خارج هو ايضاً وفي معنى من معانيه داخل*". وهذا ما اسميه بالجناس الانتقالي، الذي يقيم للنص حضوره الدائم والمميز. وفي هذا المجال نستمع إلى رأي تشومسكي في ما يختص بالتكنيك التوليدي المشتمل على ما تمنحه اللفظة من تلاقح يغذي مدار التعاقب خصوصيته في قوله: "أن المهمات التكنيكية في حقل النظرية اللغوية وما تبوح به من مجسات فنية تحرك العمق التأويلي لما تنتجه فسحة النص بأتساعها المعرفي."* وللوصول إلى انجاز النص غاياته يجب تنقيح أنساق اللغة التي تحكم هذه العلاقات، وهنا نتلمس مهارة البنى المتحركة في قصيدة التفعلية. واتساع تجديد الألفاظ من حيث مفاهيمها التحويلية في قانون الشطر الواحد، عبر براعة توصيل محاكاة التأمل إلى أوسع مناغاة الحداثة.

حقق الجيل الستيني هرباً واسعاً من بوابة قصيدة التفعيلة، إلى متاهة قصيدة النثر، هو أول تراجع إيقاعي للشعر، خاصة إذا كان الشاعر غير ملمٍ بقوانين الشعر واحكامه، لذا نجد قصيدة النثر في أماكن معينة، أصبحت مطية يركبها كل من هب ودب، خاصة في الشعر النسائي، في حين نجد هذا الانتقال الجديد، أي قصيدة النثر، قد أثمر منجزها خصوبة عند محدثيها من الشعراء الذين اشتغلوا على منهج البلاغة في كل جديد أمثال: فوزي كريم، أدونيس، عباس بيضون، محمود درويش، محمد بنيس، مي زيادة، آدم حاتم، وآخرين.
استلهمت الملائكة قوانين التغيير في روح القصيدة الحديثة، من ثقافات تحقق حاجة العصر إلى تسهيل قراءة الشعر، وذلك بكسب أكثر عدد ممكن من القراء، وخاصة التجديد الحاصل في مفهوم النسق، فأصبح لديها فكرة شاملة عن طبيعة التجديد، وهاجساً يروم إلى حداثوية ناجحة لا تبخس القارىء، في هذا:

لاحت الظلمةُ في الأفق السحيق
وانتهى اليومُ الغريب
ومضت أصداؤه نحو كهوف الذكريات
وغداً تمضي كما كانت حياتي
شفةٌ ظمأى وكوب
عكست أعماقهُ لونَ الرحيق
من قصيدة يوم تافه المكتوبة في 1948 حيث الملامح والأصداء في هذه القصيدة، نلمسها من حيث جوانية التعبير الحسي المبثوث في اللفظة، المعبر عن التشوق المنصب في البلاغات الشعرية وغاياتها، تناصاً مع القيم الأدبية المثالية، معتمدة على نمط شعري أشاع تأثيره: فتوضح إنه خال من التكرار، والسكون، والحيز، والاستسقاء من الآخر، وأن باطنه مساقاة لظاهره، وأن صورها الصوتية تتمايز وحال شعراء آخرين كالشابي، خاصة في جانبه الفسيولوجي، وبحال آخر نجدها تعيش مخاض ولادة شعرية، تجاوزت بها الكثير من معاصريها. فهي تؤمن أن كل شيء يمكن معرفته والوصول إليه، عبر تشاكل الحوارات النفسية، من منظور فلسفي يؤسس لبنية تبتعد عن الهيمنة التفسيرية في النص. ولذلك نجد أثرها الصوتي يتردد في أماكن الذهنية الحسية، أي القراءة الايحائية في ولادتها الشعورية، ولهذا عدت الملائكة منذ ظهورها الأول إنها شاعرة الدراما الموسيقية، تتلاقح فيها فنون الصوت والصورة، وخاصة في قصائدها الطويلة، كونها عطفت الفلسفة على الشعر، لما بينهما من وصل ثقافي تنويعي في قولها: "لماذا نعود؟ أليس هناك مكان وراء الوجود" وفي مكان آخر تقول: "نحدق في أي شيء نراه - نحدق، لا رغبة في النظر - ولكن لأن لنا أعينا *"، لهذا اعتبرها النقاد العرب واحدة من أهم الشواعر العربيات قدرة على صناعة نص يعتمد بنى وعلائق دلالية تقوم بوظيفتها على أحسن وجه، وقد أكد هذا النحو الشاعر والناقد الفيلسوف عبدالآله الصايغ. الذي اعتبرها إحدى مكونات الأقباس البلاغية، وهي تعلن عن التوهج المحسوس في شعاب أدواتها المحكمة بالابتكار النوعي، الذي يكسب المعنى تدفقات الاحساس إيحاؤه النوعي، من حيث مخاض بلاغة البنية الداخلية، في إثارة تحكم مجرى الإيماءات المبتكرة في علانية التفاعلات الحسية في الصوت. وقد أصبح هذا الأتجاه يحقق لها أسلوباً مستقلاً، تبعها الكثير من الشواعر العربيات وتأثرن بها، وسوف أكشف لاحقاً عن مدى تأثير شاعرية نازك في نصوص الكثير من الشواعر العراقيات خاصة، والعربيات عامة، هذا كون شعر الملائكة كالعسل النقي، منزهة من التلاعب بنصوصها من هذا أو ذاك، فهي لا تقول: "لك الحرية المطلقة في التغير والتصحيح". فإذا قام البرهان النقدي على كشف حقيقة تلك النصوص، حينذاك لا تنفع المدائح الذكورية في نقودات فرغت من الحقيقة المعبرة عن المصداقية الشرفية النقدية.
وتناصاً مع ما تقدم وتأخر في الشعر العربي والأوروبي على السواء، نجد ملامح الشاعرة تطوف باجنحة قصائدها، فتتناص مع أصوات جيلها المجدد للقصيدة العربية، باعتبارها واحدة ممن وضعوا أسس هذا التجديد، كراع لتطور بنية القصيدة الحديثة، واحكام ديمومة تأملها نحو تطورية أكثر تنوعاً في شغلانية التجديد، التي ولدت على الساحة الأدبية العربية، بين مؤيد لهذا الفيض الشعري، ومعارض له، فجاءت قصيدتها تقترب من بلاغات تلك المرحلة، أو تبعتد عنها قليلاً بعوامل مهمة وهي:
أولاً: الملامح التراثية: التقمص والقابلية للتكيف في دائرة ظبط النزاعات والأمزجة، ضمن حدود الكيفية الإلهامية، أي خصوبة الوعي المتصل بمنبهات الذات الحسية لأنه باحث فيها.
ثانياً: تتردد في قصيدتها أصداء الشعر القديم. خاصة في القصيدة العمودية.
ثالثاً: شعر الحماسة. المعبر عن المثابرة والتعاطف والبحث وتناص قيمة الرمز المحاط بالسياقات التاريخية.
رابعاً: تشجر الرثاء العميق في معانيها.

هذا التنوع بين القديم والحديث، جعل شعرها يحتكم إلى تقنية المقايسة بدراية ودقة عالية في مفاهيم المساقات الإبداعية، فهي وفي الشعر الحديث شاركت شعراء الرعيل الأول المجددين لبنية القصيدة العربية، وخاصة جماعة الأدب الرمزي شديد الغنى والتنوع، أمثال: السياب، البريكان، الحصري، عاتكة الخزرجي، علي السبتي، وصلاح عبدالصبور. ولهذا نجد الأقباس التصويرية عندها تومض وتتوهج في شاعريتها، ذات الحساسية الأميبية التي تسقي شعاب المعاني رشاقة، وهي تلامس الواقع سواء كان عاطفياً، أو تراجيدياً، أو سياسياً، أو اجتماعياًً، فتجدنا نحن المتلقين من أدباء وعامة، نحس بها إحساساً عميقاً، تتفاعل وتحترق بعذابات الصورة الشعرية، من واقع رهافة إحساسها وقيمة تجانسها وتلاقحها مع الصورة، وتلاقيها تلاقياً موضوعياً يحقق للنص سحره وجماليته، تجمع فيه على وجه التحديد يقين الكمال الشعري واصالته. النابع من تلاقح: الموهوب العاطفي - بالتنوير الثقافي. المعلن في سياق التعبير ذي التجانس التصويري المشاعي، حيث ينزل فيها الإحساس منزلة الخمرة من النفس، حتى لا يدانيها شغف آخر.
من الممكن أن نذكر في هذا المجال العوامل المؤثرة في جوانبها الحياتية، سواء كانت في المجال الأدبي أو السياسي، حيث كانت نازك مفكرة ليبرالية يسارية، من عائلة متوسطة الدخل، شديدة الأنضباط الأجتماعي، وهي تتلخص في:

أولا: من داخل العراق بلدها الأصلي: جماعة رواد الحداثة المجايلون لحركة النهضة الأدبية العربية، الذين تبوأت اعمالهم صدور صفحات الصحافة العربية، وخاصة مجلة: "شعر اللبنانية"، ومجلة "الآداب اللبنانية" والمتأثرة هي الأخرى بشخصيات أدبية غربية تحلت بكاريزمات خاصة، تمثلت وتأثرت بالفلسفة التي ابتدأها فولتير مروراً بكانط وانتهاء بسارتر.

ثانياً: النهضة السياسية الأدبية التحويلية في مسار الأدب العربي، تتلخص في تأثير النزعة الأدبية الجديدة الملحقة بعصر النهضة الغربية، التي كانت حينها تجتاح الثقافة العربية، وتمثلت بأسماء عديدة منها: دانتي، وجوته، وملتون، وجون دون، وبايرون، ورامبو، ومالارميه، وبودلير، وإليوت، وعزراباوند، وكيتس. وإلى غير ذلك من الشعراء الأوروبين الذين ذاع صيتهم، فتأثر بهم الكثير من الشاعرات والشعراء العرب. هذا ناهيك عن الروائيين والقصاصين، فالغرب خزين اسماء كبيرة على درجة عالية من الأهمية.

كانت الملائكة التي ذاع صيتها أوائل الأربعينات حققت قصائد مهمة: خاصة قصيدتها المطولة المتشائمة حسب رأي الشاعرة نفسها. "مأساة الحياة 1945" من الوزن الخفيف، وبعد التنقيح والتهذيب سمتها "أغنية للإنسان" عام 1965 وقد ظهر وضوح تأثر الشاعرة بالأدب الأنكليزي بعد ثورة التجديد، وكان هذا قبل ظهور ديوانها: "عاشقة الليل"، وهو واحد من أجمل دواوينها الذي ما انفك صالحا للقراءة حتى يومنا هذا، فشعرها رغم نزعته التجريدية العميقة، وغموضه الحاد، لكننا نقرؤه يعبر عن لون خاص من ألوان التجديد الشعري، المبهر في ثنايا ملامحها المغذية لبنية الصورة الشعرية. فقد تركت مغازي ذات سمات واضحة وعميقة على سير الحركة النقدية العربية آنذاك، ولغاية يومنا.
مع أنني أجد بعض من جوانب أعمالها إنها شاعرة عميقة التأمل، كمتصوفة تخاطب سلطة الغيب شديد التأويل في بنية اللاملموس واللامرئي، وهنا أخال فيها فلسفة الذات التي تبحث في التضاد بين الظاهر والباطن، وقد تجلى هذا التأثير الفلسفي واضحا عليها خلال مراحل دراستها الجامعية الأولى، وفي هذه الفترة تعددت قراءتها في الآداب الأوروبية والعربية فقرأت ابن سبعين، وابن عربي، وابن رشيق وآخرين، وقد أروت مناهلها ايضاً من المتصوفة العباسيين، وما عاصر تلك الفترة من شعراء وفلاسفة، ومن خلال قراءتي المكثفة لشاعرية نازك وجدتها تلك الشاعرة الأنثى المكيفة بالطافها الخفية ذات اللمسة العاطفية الحنونة، التي تتذوق الصوتي الإيقاعي في ثنايا اللفظة التي تكيّف شفافية المعنى داخل سياق النص، بالقياس إلى ثقافتها الأستاذية الموزونة وزناً محصناً، فهي تشتغل على نسق يجعل من وحدة القصيدة مبدءاً اساسياً. وبهذا المعنى نستمع إلى باكتين يقول:" كلُّ كلمة أدبية تشد إليها بدرجة قوية مستمعها أو قارئها أو ناقدها، وتعكس في متنها اعتراضاته أو أحكامه أو وجهات نظره المسبقة فهي ناجحة "*. ومع هذا الانطباع الذي يلامس نازك في جانبها الرومانسي، إلا أنها ايضاً تروم الوصل التشذيبي عبر قدرتها الهائلة بالتفنن التقني، من وازع معطياتها التحويلية، أو بما نسميه هيمنة الإبداع التوليدي المؤسس للأنتقالية الأسلوبية في فن اسمته "التعديل". الذي تبنته ودافعت عنه، ولكنها في المقام ذاته بقيت محافظة على القواعد المألوفة في ترتيب مدرسة الخليل، في قصائد مثل" "جامعة الظلال، لنكن أصدقاء، مرثية يوم تافه، أغنية الهاوية" هذ حسب ما جاء في مقدمة أعمالها الكاملة الجزء الثاني، حيث اعتبرت نفسها صاحبة التنظير في بناء القصيدة التي تجاوزت بناء الخليل، وذلك بتعديله من نظام الشطرين إلى نظام الشطر الواحد، ومن خلال هذا المنهج التحويلي، نجدها وعبر تحولاتها التجديدية أثرت في جيل من الشعراء صاحب زمنها، واجيال ولدت بعدها، واصلت ذات السياق الذي من الممكن أن نسميه: الاستبدال، أو استنطاق الجديد، الذي اعتبرته الشاعرة حالة تجديدية تميز حداثوية لغة الأديب، وفي ذاك يطلق الشعر جناحيه كي ينعش الحيوية، والسهولة، والإيجاز، في نظم المناظرة بين الشعر العمودي، وتقنيات شعر التفعيلة، لما حققته هذه الأسلوبية من معطيات نجاح هذا التحويل، وخاصة في الوزن "المتقارب" و"الطويل". وبناءً عليه فالأسلوب عند نازك ليس مجرد تقنية وحسب، إنما هو رؤيا تحتكم إلى تفاعل المعاصرة، والتكيّف مع معطياتها التجديدية، لذا نجدها اوجزت ولادات ألفاظ تفيض معان واسعة التشكيل في بنيتها الخاصة، تنم عن انسجام تظافر العناصر المشتركة بين المضمون ودلالاته، كما هو الحال في الطويل، عندما اوصلت زاوية الرؤيا إلى عمق نفاذ صورتها للآخر.
أحبُّ .. أحبُّ.. فقلبي جنون
وسورة حب عميق المدى
أحبُّ فروحي حسٌ غريبٌ
يضيع لديه جمودي سُدى
هذه الأبيات من قصيدة "صراع" من الشعر العمودي، وهنا وظفت الذهن أن يطلق رومانسيته الإيحائيه غير التفاعلية، فيما يجب أن تطلق الاستعارة بلاغتها، ولهذ فهو مجرد تلوين إضافي، لأنها جعلت من الجنون يصيب القلب، وهذا فاسد بالمنطق، فلو وظفت العقل بدل القلب لاستوى المعنى أكمله، من جهة أخرى لاقحت "القلب" ب"السورة" وجعلت من الحب مشبه بالسورة، فجاء الضعف أشمل، لأن العقل هو المفكر وليس القلب، حتى وأن استعارت القلب كصيغة تلاقح العاطفة، فهذا لا يصح في النحو، ولا يستوي في المعنى، حتى وأن أرادت للمجاز أن يحقق فعله، لكن الضعف هنا كونه مستقراً داخل بنية التحويل، وهنا لا يحق اسبدال لفظة بأخرى لأن الوزن لا يستوي على إيقاع معين، فالشاعرة اشتغلت هذه القصيدة بأسلوب الحامل والمحمول عند ريتشاردز. ومن هنا نطرق بوابة الخلاف بينها وبين السياب، فيما يختص بالبلاغة التجديدية في أسلوبية: التشبيه إلى مشبه ومشبه به، الذي يخضع لقانون الحداثة الذي يتسم بأهم أسس الاستعارة، فقصيدة نازك تمتلك كل مقومات فلسفة الحداثة، لكنها لا تتصف بالعمق التأويلي الذي تتمتع به قصيدة السياب، فلو تأملنا مهارة سلطة بنية النص عند نازك، لوجدنا مقاصد الدلالات الموجبة لا تتحكم في توجيه التأويل بل تميعه، المفترض أن يؤسس بنيات المعاني المتلازمة التي تعكس القيم المادية والمعنوية، من مبدأ توليف الملائمة الحسية على مستوى اللفظية الموسيقية، وجعلها تتكيف في مضامين بنية متماسكة، تبث مفهوم تحررها وتبرأتها من الغموض والاسهاب، لأن قيمة كل إبداع تنطلق من ملاء خصوبته الأصيلة، فيكون الخيال اللاعب التوصيلي الذي يجب أن يخترق الواقعي بتأملاته الحيوية، حتى تتواصل عملية لقاح النواة مع إرهاصات مداراتها التوليدية، التي يجب أن تستفز المتلقي.
في حين نجد السياب شاعراً عميقَ الإيحاء والصورة، فقصيدته "هل كان حباً" واسلوبها الطارف الذي لم يألفه الشعر العربي حينها، اذاعت التجديد المكثف، والإيقاع السلس، محققاً أبعاداً غنية في موضوعة دلالات بعدها الذهني الميتافيزيقي، وكأن الشعر عنده حال بوح تساقى فيض الأسلوبية المحلقة بقوامها الرشيق، مؤكدة إعلان حلاوة فيض رؤيتها الداخلية، كما عبر عن هذا فرنسيس بيكون في الأورغنون الجديد وقوله: "فأنها تزود العقل بالإيحاءات الخاصة بالفهم، وتزوده كذلك بالدهشة الضرورية."* وهنا تجدني مختلفاً مع الشاعر والناقد عبدالإله الصايغ فيما يروم إليه من حجة: "أن نازك هي التي ادخلت الحداثة الشعرية على القصيدة العربية"، لكنني أرى أن لا نازك ولا بدر لهما الفضل في هذا، بل هو الشاعر بلند الحيدري في قصيدته: "خفقة الطين" المنشورة في أوائل عام 1943. وقد اجاب على اسألتي في مقابلة معه منشورة عام 1993 عندما كنت وقتها مستشاراً لرئيس التحرير وصاحب الامتياز في مجلة النافذة. لكن بلند مثله مثل نازك كان شاعرا شكلياً يهتم بالشكل التصويري، أكثر مما يتعمق بدوائر الإيماءات والإشارات والتأمل في وجدانية الصوت اللفظي المكثف، الذي يبزغ من جوانية عميقة في بنية القصيدة، ذو البنيات المتحركة في محاورها، المفترض أن تنقي مصبات التكثيف اللغوي والفني في النص. ومن أجل هذا ولد بدر شاعراً عظيماً، له الفضل الأول بالكشف عن مواطن جمالية وفنية التكثيف النوعي في الشعر العربي عامة، كون الشعر عنده تآزر وتفاعل بأثر وعيّه الميتافيزيقي الخصب، المشاع على مستوى نفاذ الإيقاع الدلالي، كروح للمعنى الإدراكي المتحول إلى معنى عاطفي، المغزول طوعاً من تلقائية خالصة في الذهن السيابي المستفز دوماً. ويسميه تشومسكي: "الفن التوليدي" وللسياب الأولوية في إرساء وتنشيط الأدوات أو الآلآت المنشطة والمغرية في أسلوبية التحديث، وذلك ببث الشفافية والحيوية في اللفظة الحديثة في سياقها التنويري السلس، فربات الشعر عند السياب روض خصب يتملاه ويتمثله بعشق، ألق يفيض فيه مخاض الحس الخيالي، بحساب وعي تلقائي يلوب في أعماق الذات الشاعرة.
تقول نازك الملائكة عن قصيدتها "مأساة الحياة" وعن طبيعة تأثرها بالشعر الأنكليزي: "كنت إذ ذاك أَكثرُ من قراءةِ الشعر الأنكليزي، فأعجبت بالمطوّلات الشعرية التي نظمها الشعراء، وأحببت أن يكون لنا في الوطن العربي مطوّلات مثلهم. وسرعان ما بدأت قصيدتي وسمّيتها: "ماساة الحياة" وهو عنوان يدل على تشاؤمي المطلق، وشعوري بأن الحياة كلها ألم وإبهام وتعقيد."* بهذه القصيدة كانت الملائكة مغرمة جدا بالكتابات النقدية للناقد الألماني المتشائم: "شوبنهاور" ونازك تعرف جيدا أن الشعراء يعتذرون للقارىء إذا جاء في شعرهم لغة حادة أو منفعلة. فكيف إذا كانت القصيدة مطوّلة بكل هذا التعقيد. ترى هل القارىء يطلب كل هذا الصخب الذي يبوح لإمراض النفس البشرية، بدل أن ينعش روحها، ويعالج مأساتها؟ أما عن الأولوية أو الأفضلية لمن أدخل الحداثة على الشعر العربي نقرأ نازك وهي تعترف بهذا: "وكنت في عام 1946 أنوي أن أقدم المطولة للقراء بعد مجموعتي الشعرية الأولى "عاشقة الليل" وعندما طبع هذا الديوان كان في آخره إعلان صغير عن "مأساة الحياة" ولكن الظروف حالت دون ذلك. فأصدرت مجموعتي الشعرية الثانية: "شظايا ورماد" عام 1949 وهي المجموعة التي دعوت فيها إلى الشعر الحر."* هذا يقين قاطع أن الشاعرة تعترف بنفسها أن أول قصائدها التي تدعو بها إلى التجديد كانت عام 1948 "مر القطار" بعد قصائدها التي تقدمت مجموعتها "شظايا ورماد" وهي: كبرياء، من الشعر العمودي 1948 - يوتوبيا الضائعة، من الشعر العمودي 1948- تواريخ قديمة وجديدة، من الشعر العمودي 1948 - صراع، من الشعر العمودي 1947- عندما انبعث الماضي، من الشعر الكلاسيكي أوالاتباعي، وهي غير مؤرخة. والقطار قصيدة جميلة جداً، سوف نأتي إلى دراستها.
في عام 1950 أخذ أسلوب الملائكة بالتطور الملحوظ، فقد بدأت حياة شعرية جديدة، خاصة بعد إعادة النظر في القصيدة المطوّلة الكلاسيكية، بعد أن عدلت من مسيرتها التشاؤمية، تبدلت تلك القصيدة "مأساة الحياة" إلى فسحة تفاؤل ووضوح. فجاء ديوان: "عاشقة الليل" الذي من شأنه أن يدشن الملائكة كشاعرة محترفة، ومنذ ذلك الحين أخذ مجموعة من الشعراء ينحون منحى تجربة الملائكة إلى حد بعيد، نظراً لاستقلاليتها الشعرية، وجودة شخصيتها الثقافية المؤثرة، وخاصية أسلوبها النقدي الذي أخذ يلوح تأثيره على الشاعر والناقد والمتلقي المثقف بآن،.وبهذا تكون قد حققت قفزة أدبية نوعية بسياق البناء الصوتي المعنوي. وبداهة فإن طرق الملائكة أبواب النقد في هذا الطور المبكر من حياتها، بتصوري هو أهم خبر يجب أن يعرفه القارىء عن حياة هذه الشاعرة القديرة، فكانت نزعتها التجريدية منذ وعيها الشعري الأول قد طغت على نتاجها الشعري الناضج في مساحات إيقاعاتها المتجانسة، كونه خرج عن الأنماط الثابتة في الشعر العمودي، وقوالبه الجامدة. فجاء شغلها التجديدي يقوم على مفارقة بنية المحصل النوعي في مكونات النهج التعبيري، كونه إحدى الطرائق التي تعمل على تنشيط المخيلة المبدعة، يدعمها الوعي النقدي المتمم لمسارات قراءة الحس في صوّر المخيلة.
وفي غضون هذه الفترة الأولى من تبنيها الشعر الحر، تعرفت الشاعرة على فلسفة البروفسير الهيغلي: "برادلي" والمعروف عن هيغل هو صاحب المدرسة الجدلية المهتمة بصراع الأضداد. ولسوف يكون لهذه الثقافة المادية الجديدة أثرها الواضح على أعمال الشاعرة في قصائد مثل: "الكوليرا" و"الراقصة المذبوحة" و "اسطورة عينين" و " انشودة الرياح" في أجزائها الخمسة.
كذلك أغرمت الشاعرة بالشعراء الأوروبين وخاصة الشاعر الأنكليزي كيتس، فكتبت له قصيدة جميلة حملت ذات العنوان لقصيدته: "Ode to Nightingale" وترجمتها للعربية: "مسلك العندليب" خاصة وأن كيتس كان شاعراً ميتافيزيقيا، ميالاً في حالاته الاجتماعية إلى التناقض، عبر مسلكه المنطوي على جعل الروح مكتأبة ومطيعة للوحدة "Depressed"، وبهذا نجده احياناً الرومانسي الحاد، وفي احايين أخرى: نجده الواقعي الذي يعيش تصوراته الإدراكية كما يتملاها ويتمثلها بعفوية، ثم يمضي على نحو خاص يستكمل بحثه، متخذاً من الأساليب المعاصرة التي كثرت فيها المقابلات، بين ما يرشح له السياق وما يدل عليه. أما في الجانب الفني تجده: تارة متصالحاً مع الرمزيين الفرنسيين، وتارة أخرى نجده مختلفاً معهم، لا سيما لافروغ، وكوربير، وبودلير، ورامبو، ومالارميه.
وعلى واقع المنهج ذاته نجد علاقات الملائكة مع الشعراء المحدثين ليس على وفاق، وخاصة مع جماعة الحركة الرمزية من الشعراء العراقيين، وكأنها تطبق مسلكية كيتس على حياتها الخاصة مع الآخر، وخاصة ما يتعلق في خلافاتها مع البياتي صاحب نظرية المؤامرة على شعراء جيله، كما أكد ووضح هذا الشاعر والناقد عبدالاله الصايغ في إحدى دراساته. لكنها في الوقت ذاته كانت متفقة ومتصالحة مع النقاد العرب أمثال: الناقد جبرا أبراهيم جبرا، والناقد المهم عباس محمود العقاد وآخرين،
في خضم هذا الصراع لم تجد الملائكة بداً من أن تتوج ثقافتها المنوعة، أن تتجه ببحثها عن اكتشاف الفضاءات المتحولة عبر آفاق المعرفة، القديم منها والجديد، ومن القديم لامست الفلسفة الأفلاطونية، القائلة، ما معناه أن الروح تشبه القصيدة، وقد نجحت في هذا التفكير الذكي، لأنها رسمت من الروح كلماتها، وأذاعت فيها نبض الحياة لاسيما في قصائدها: "خصام - لحن للنسيان - مرثية يوم تافه". وما كان عند نازك لم يزل من جمهورية أفلاطون عالقاً ومصاحباً تمنيات البحث في موضوعة الجناس والمقابلة، باقامة الجمهورية المشاعية الجديدة، على أن تطلق الحريات تنوعها على أوسع مدى، كما افضل أن اسميها من منوال مجالي المنظور الناطق بتمثلات معرفة الذات، التي تنشد للحريات مصباتها الإنسانية كوني مؤمناً بها.
ولسقراط رأي في هذه الجمهورية، أي جمهورية أفلاطون وقوله: "تكون الصورة بالنسبة إلى الأصل بمنزلة موضوع الظن بالنسبة إلى موضوع المعرفة*". وما المدينة الفاضلة عند نازك إنما هي اللغة، ندخل إليها من منظور الألفاظ التي تمنح المعاني خصوبتها، وأما بلاغة الأدوات فهذا تابع لبلاغة أفكار الشاعرة نفسها، فتكون هذه الأدوات عبارة عن وحدات تصنع نصاً يقوم على منح صاحبه المنبر الذي يناسبه، وما المنبر المناسب لنازك: إنما هي المهارة المعنوية التي نشأت عليها شخصية الشاعرة. وهنا نقتطف من قصيدة "غرباء" هذا المقطع الذي يدلنا على صحة شرحنا في هذه المحور وقولها:
أطفىء الشمعةَ واتركنا غريبينِ هنا
نحن جزءان من الليل فما معنى السنا؟
يسقطُ الضوءُ على وهمين في جفن المساء
يسقطُ الضوءُ على بعض شضايا من رجاء
سُمّيت نحن، وأدعوها أنا
مللاً نحن هنا مثل الضياء
غرباء

ومن أجل هذا يحق لنا أن نسلط الضوء أكثر إمعاناً وتركيزاً، بدءاً من حل مفاتيح رموز فلسفة الملائكة، وذلك بالنزول إلى عميق أغوار الطاقة الإيحائية التي وسعت طاقات إنتاجها، فما من شيء يرعش الشعر الثري، إلا أطر الرؤى المسحورة في تمثلاتها المعراجية، المؤهلة بحصانة أجوائها الخاصة. التي ما انفكت تسقي الذهني عندها كمال رعشة الصورة، التي تحقق نمو الإخصاب الوجداني في حقلها، المؤثر إيجاباً على إنتاج المحصول الخصب، المهيء دائماً على محاسنة صوّر الإدراك الحسية، المعكوسة بكياستها على الآخر كمرآة تعكس حقيقة التكوين، من منظور يعبر عن إنطباع التمثلات البينية العاكسة لحقيقة الاستبدلال في أسلوبها، المنبسط في عالم مرئي يثير الإحساس في جوهر المنحنى التجديدي في مملكة لغتها الفاضلة. كما عبر ابن رشيق في هذا قائلاً: "وإنما الشعر ما أطرب ، وهز النفوس، وحرك الطباع، فهذا هو باب الشعر الذي وضع له، وبني عليه، لا ما سواه"*
تمتعت الملائكة بموهبة فطرية فذة، على اعتبارها امتلكت تجربة كبيرة على مستوى التركيز، من حيث الأنسجام الروحي في بناء القصيدة، وليس على أعتبار البناء التقني الاكاديمي. لأن التقنية في أرقى حالاتها تصاحب التأليف، وجماعة هذا الأتجاه "التأليف" قد يمتلكون ناصية اللغة، لكنهم لا يتمتعون بالفطرة الحسية في مجالها التخيلي، الموحي بتماثل وتناسق التصورات بالمكان الجزئي في العقل حيث بلوغ غاياته الإبداعية القصوى، إلهام لا يتماشى مع مثنوية الرفض والقبول، لأن العقل في هذه الحالة يكون مؤهلاً لوظيفته الانتباهية القصوى. ولذلك نجد الشاعرة قد امتعت صورتها الشعرية بموضوعات أقرب إلى مفاهيم تحوي نواتج الخيال الإيحائي المولدة لتكنيك لا نهائية المعنى، مع مشترك الإدراك الثقافي، والذاكرة الحسية، من مقياس أدوات متصلة بالموهبة الإدراكية، التي تخصب النشاط الوسيط للخزين الثقافي في الذاكرة، "Working Memory".
ولو أننا مددنا بساط التنوع الإبداعي في حقل رياض الحركة الأدبية، واجلسنا عليه الأغنى شاعرية التي تخصنا في هذه الدراسة، لوجدنا شواعر على مشوار نازك، أو ممن مشين على طريق الإبداع الصافي، أو اللآتي اقتربن منها، وقد تطول القائمة، لكنني أذكر في هذا الفصل، ما أراه محصنناً بإبداعه النقي، لا على اساس الفكرة القائلة: "فاسمع وعِ القول كما سمعت". ومنهن:
* آمال عواد رضوان الشاعرة: التي حققت الأبعاد البلاغية في محسنات اللفظة، ونقحت اللغة إلى مسارات يستقيم فيها الخلق بأرقى غاياته.
* دكتورة هناء القاضي: الشاعرة التي تعني أن الشعر معنى حاصل في الروح، يستقيم كونه أداة لملاقاة المعنى بالوتر الصوتي في محاكاة الدلالة.
* الشاعرة التي عثرت عليها حديثا في مساراتي البحثية هي: فاطمة الفلاحي، التي دلقت في مصب الشعر وجدانا مثالياً يداعب الروح الهائمة، سواء كان في شعرها، أو في قصصها الأكثر حداثة، وهي تتواصل في النشاط الخلاق، بجمالية مهارة لغتها.
* خالدة خليل الشاعرة التي لازمت بين الحرف والصوت، وهما إضافتان نوعيتان للشعر، فإذا كان الحرف جوهر الكلمة، فالكلمة تكون جوهر الجملة، والجملة جوهر النص، وهذا جناس يؤسس لطباق فني مميز الرفعة، أما الإضافة الثانية فالصوت عند خالدة أشبه بالانسياح اللوني حين يلامس العاطفي، فيثور الشعر في روحه، وكما يقول ابن رشيق الشعر لا يكون شعراً إلا إذا أحدث انفعالاً خاصاًعند المتلقي، هذا إذا اتفقنا على مبدأ قول لنين "إذا استطعت إقناع شخص، فأنا ناجح" .
فما من مشترك ثقافي يمتلك حقيقة البديل النوعي، ويحترم مشروعية إنتاجه، يجب أن يذكر أو يتناول هذه الأسماء المهمة على الساحة الأدبية الشعرية. لأنه ما من كتابة تحترم سدنة هويتها، يجب أن تنحاز إلى الإبداع بنكران للذات الخالصة في هذا الاختيار، وأن لا تتماشى مع طريق آخر يتمثل بالإنحطاط الإغرائي على أن يصحح هذا الشاعر أو ذاك لهذه الشاعرة أو تلك، فتكون تلك "الشاعرة" اعظم "واحدة" في التاريخ. فتنهال عليها كتابات لا تعد ولا تحصى من "الحرشة" بواجهة غزلية، وما بهذا المديح من الحشو عديم اللون والطعم والذوق.
خارج هذا السياق يمكن لنا أن نتصور قصيدة الملائكة يحققها النسق الإبداعي عبر المنجز التخيلي من رؤية وجهين:
أوّلاً: المحصل الثقافي الذاتي، والمضاف إليه من مدركات الوعي الخارجي، أي الاحتذاء بالنظار والفصحاء، أمثال مصطفى جواد، وطه حسين، ومهدي عامل صاحب البنيوية التي اسهمت في بنية حداثوية مميزة.
ثانياً: تأثرها بالوعي المجتمعي المحيط بالدائرة الضيقة حولها، من أدباء، ونقاد، ومثقفين ثوريين، والملازم النوعي الأخر هو المنجز الثقافي العربي والغربي وتلاقحه مع وعي الشاعرة، وقدرة تأثيره عليها.
من وعي هذه الصفحات الفاعلة، أخذ التأسيس النوعي عند الملائكة يطلق حرية الانتقال في الصورة الشعرية المضيئة في نصوصها، الموحية لمعطيات قد لا تكون ملهمة لمشاعر المتلقي العادي في صعوبتها، كما سبقها دانتي في فلسفته الأحادية، والمتأثر به إليوت، وأستطيع القول إن الشاعر الإلهي دانتي بان تأثيره واضحا في بعض قصائدها مثل: "الأفعوان" "الكوليرا" "ثلج ونار" وبعض آخر من نتاجها الأدبي، كما هو الحال تأثرها بالشاعر الأنكليزي جون كيتس، خاصة في قصيدته "سقوط هايبيريون" "The Fall of Hyperion"، ومن ثم تأثرها بالشاعر الهندي المعجزة طاغور، والفرنسي أدغار آلان بو، والشاعر الأنكليزي روبرت بروك. وكأننا نقرأ الملائكة إنعكاساً يصبح تفكيراً ناطقاً بالصور المحاكية لمركبات الصورة الغربية بدقتها كخيال الظلمة، والموت، والقنوط، والنهايات المغلقة، والحلول الملحقة بالتشاؤم، وهذه الأدوات اصبحت السمة المؤثرة في بعض بنيتها الصعبة، هذه المفردات وأخرى نجدها واردة في النصوص الشعرية الغربية، التي نتبينها واضحة الصفحات المعنية بالاحلام، والمرايا، والاشباح. ومع هذا نجد المراحل الأربعة المؤثرة في اضطرابات العامل النفسي المؤسس لبنى النمو والارتقاء، في عالمها الذي تتحكم به التراجيديا المعكوسة في جواب الصوت الحاكي في ثقافتها الطردية وهي:
1- العقل الانفعالي ومصباته الإدراكية الأصيلة.
2- الفهم الموسوعي ومنابعه المتعددة.
3- الاعتقاد الإيهامي وبواعث مؤثرات الأساطير.
4- موسوعة التخيل التشكيلي النفسي.
من خلال بنية تأثير هذه العوامل، تتلاقى مرتبات التفاعل الإيحائي، من قرار تنشيط فاعلية التأمل، الذي هو النواة لتوليد الطاقة التوليفية التي تمنح الشعر حيوية وفيض دلالة. وهو ما يمنحنا اليقين الناجع أن نقبل المختلف في شعرها، وهو ما يدعونا إلى الاجتهاد في الكشف عن أسراره وابعاده التوليدية، وذلك بتأكيد الإحاطة أن نكون ملمين بسبر أغواره اللامنتهية، ذات الشأن المتجلي في استرخاء العمق التعبيري في النص، فيما تطلقه بلاغة الملائكة من شجن، وذلك بقدرتها على محاكاة الدقة في طابع اللغة الانزياحي، عبر صور قل نظيرها عند شاعرات جيلها، الأعمق والأكثر كثافة في النوعية، وصفاء تجليات خيال التوحد الروحي الميتافيزيقي، المؤكد على صفاء معادن أدواتها الواضح فعلها في محسنها الشعري. فقد تأسست حياتها منذ ولادتها الشعرية وحتى موتها عبارة عن قصيدة لا تنتهي، وإن تراجعت شعريتها في الآونة الأخيرة، وربما نكصت نكوصا واضحاً. لكننا وجدنا الملائكة دائمة التقرب والتواصل والتعاطي المميز مع المنجز الشعري العربي والعالمي، خاصة ما تمايزت ثقافات شخصيتها السحرية، بتناص مع قامات عالمية مهمة، وارتباطها بفلسفات تعبر عن القيمة النوعية كالفلسفة الدانتية، والكانطية، كذلك الحال عند بلويلر ويونج، مع اختلاف الزمن، عبر منهجية قوانينهم الخاصة التي انعكست على التنوع الثقافي.
كل ما تقدم من شرح، هو إلقاء نظرة على حياة وأسلوب وثقافة ومميزات الملائكة، التي اوضحنا فيها عن نتائج تخصنا في هذا البحث عن الفترة التي تلت شعرها الكلاسيكي، ولكن حين نقرأ الاختتامات، أي تمام الغرض في شعرها، عند ذاك نفهم الملائكة على حقيقة إبداعها الصعب والغني بآن. وهي تطبق عبارة برنادشو: " اللاقاعدة هي القاعدة الذهبية." وتدافع عن هذه الفلسفة قائلة: " لسبب هام، هو أن الشعر وليد أحداث الحياة، وليس للحياة قاعدة معينة تتبعها في ترتيب أحداثها."*
اعلنت الملائكة على أن قصيدتها "مر القطار" من القصائد المهمة، الفاعل أثرها في الحركة الشعرية العربية والعالمية، فقالت عنها: "غرضي االأساسي من كتابتها أن أعبر عن الشعور الغامض الذي يحسه المسافر ليلاً على الدرجة الثالثة بالقطار." إذن دعونا نسافر مع الملائكة في قطارها:

مر القطار
الليل ممتدُّ السكونِ إلى المدَى
لا شيءَ يقطعُهُ سوى صوتٍ بليدْ
لحمامةٍ حَيْرى وكلبٍ ينبَحُ النجمَ البعيدْ،
والساعةُ البلهاءُ تلتهمُ الغدا

إذن: القطار، الحمامة، الكلب، الساعة أو الزمن، الركاب، الغبار، العجلات، النجوم، التلال، المصباح، الظلام، الحقائب وغيرها من أدوات عمقت الألطاف في بنية المعاني، حيث نجد في أغلب قصائد الملائكة غياب الواقعي التقريري المباشر، والابتعاد عنه بما يحتويه، فقد هيأت للقطار افعالاً تشابه ثقل زمنها، ضمن سياق مرتبط بالمحور النظري الملازم للحوار شديد الاتفاق، لما تتحسسه الذات الفاعلة المرتبطة ارتباطا نوعياً بالوعي المتفاعل مع حالة الزمن، كل هذا يتمثل في البنية الفلسفية للفكرة، ما عدا الجانب الفني في النص فهو يرتقي إلى حدود النمو الصوتي الإبلاغي، الذي يمكن النفاذ إليه عبر قراءة مرنة، تكشف عن فضاءات تحدد قيمة المعنى، حتى تحدث إشباعاً نوعياً يرضي الذائقة غايتها، بأستثناء صوت الحمامة، ونباح الكلب. فقد جاءت هذه الملاقحة ضعيفة مع ما يتم من توافق في تنظيم تحول التجاذب الصوتي شديد الحيوية، بما يطلقه ألق الذكاء التنظيمي. مع أنه شديد الاختلاف في المعنى، خاصة في المقطع الأخير من جملتها الشعرية: "وكلبٌ ينبحُ النجمَ البعيد" والشاعرة هنا تقصد: الكلب المسعور، وهو نوع من أنواع الأمراض التي تصيب الكلاب خاصة، فيتحول الصوت عند الكلب من النباح إلى العوي، فتجده يرفع رأسه إلى السماء وكأنه يشتكي نجمه من أثر وشدة هذا المرض عليه. أما الحمامة المعروف عنها إنها تسكت في الليل ولا تطلق هديلها، هذا ناهيك عن قول الشاعرة على نحو غير واع في ضعف إنسياب البنى الفنية وتأثيراتها السلبية على مجمل البناء التقني في قولها: "لا شيء يقطعه سوى صوت بليد - لحمامة حيرى..." واللام التي تتقدم الأسم "الحمامة" هي لام الانتساب "ضمن حروف المباني" أو توكيد الرابطة الفنية، وقد أصبحت اللام وكأنها تعمل على انتساب المعنى لعدمية المعنى، يقول باستير: "الأفكار الإبداعية لا تزود إلا العقل المهيأ لها، ما ينبغي أن تقوم به هو ألا ترددها على نحو ببغائي، بل أن تضيف إليها من ذاتك وخبراتك وانفعالاتك"*. وتأكيداً لهذا الرأي نجد أن الموصول الدلالي: "الحمامة" التيمة التي لاقحت الملازمة المتمثلة بوعي الرمز، نجدها قد اضعفت تطابق نسقها في المقابلة وأشكالها، فأصبحت الحمامة النقيض التقني لطبيعة النسق الفني، هذا إذا احتكمنا إلى مشروعية التأويل، فيكون التأويل مانعاً الدلالة قوة اكتساب المعنى لمشروعيته، فإذا كانت الشاعرة تشتكي من عثرات الراحة في القطار، فهديل الحمامة شكوى روحية دائمة تنادي من يخلصها من حزنها الأزلي، ويعيد لها ابنها التائه، كما تحدثت بهذا الأسطورة. *

وهناك في بعضِ الجهاتْ
مرَّ القطارْ
عجلاتُهُ غزلتْ رجاءً بتُّ أنتظرُ النهارْ
من أجلِهِ .. مرَّ القطارْ
وخبا بعيداً في السكونْ
خلفَ التلال النائياتْ
لم يبقَ في نفسي سوى رجْعٍ وَهُونْ
وأنا أحدّقُ في النجومِ الحالماتْ
أتخيلُ العرباتِ والصفَّ الطويلْ
من ساهرينَ ومتعبينْ
أتخيلُ الليلَ الثقيلْ
في أعينٍ سئمتْ وجوهَ الراكبينْ
في ضوءِ مصباحِ القطارِ الباهتِ
سَئمتْ مراقبةَ الظلامِ الصامتِ
أتصوّرُ الضجَرَ المريرْ
في أنفس ملّت وأتعبها الصفيرْ
هي والحقائبُ في انتظارْ
هي والحقائبُ تحت أكداسِ الغبارْ
تغفو دقائقَ ثم يوقظها القطارْ
وُيطِلُّ بعضُ الراكبينْ
متثائباً، نعسانَ، في كسلٍ يحدّق في القِفارْ

"وهناك في بعض الجهات مر القطار"
وهنا اجلستنا الشاعرة على مقاعد القطار المتربة، وادخلتنا في المناخ التخيلي، القائم على التمثلات، أو غرابة الإحساس، وقد نسميها المنازعات النفسية، عبر أدوات تحاول من خلالها معالجة ما ينتج من تصورات وآلام تنتجها الانفعالات والألغاز، وهي صوّر رؤيوية إشارية تعتمد على المشابهة والتوقعات، تاركة الفرد يعيش في دوامة من الغرائب، والأحكام، وفقدان طاقة التركيز على ما ينتج من الجو الانفعالي من حوله، في قولها: "مرَّ القطارْ - عجلاتهُ غزلت رجاءً بت أنتظرُ النهارْ - وخبأ بعيداً في السكون - خلف التلال النائيات."، إذا اجتهدنا في غربلة هذه الأفكار وفك رموزها، نجدها قد مرت بمصفاة كيتس واستلهمت آثاره، كونه مجرباً مميزاً على مستوى الايقاع، بيد أن نازك اخضعت المسافر لسلطة الرتابة الصورية الواقعة في البنية التشاؤمية، بسبب قياسات النبض الداخلي المرتبك الذي لم تعتده نازك، خاصة الجانب المختص بالرمزية السياسية في جوانبها الشعرية، وهذا تعبير آخر يأخذنا إلى الخصوصية النوعية فائضة القيمة الحسية، والمُبَسْطةِ في واقعيتها، كونها اذاعت تجلي صورها من باطنية محاكاة الموهبة النافعة في اليقين الشعري، وإن تعثرت قليلاً فيما يختص بما يعارض المباني الفنية على المناقضة. لكنها وفي سياق آخر ذكي اعادتنا رمزيتها إلى المراحل الأولى لعصر التمدن، وحال لسان شعرها يقول:
كلما زاد العالم تمدنا، كلما زاد العراق تخلفاً، رغم خصوبة تربته البشرية، وذلك بفضل حكامه الأشرار، كأنهم يعيدوننا إلى المراحل البدائية للتطور البشري، فتجدنا نحاول أن نشرع بإعادة قراءة إمكانات جديدة لأكتشاف الذات الحرة، وهذا ما تعنيه الشاعرة في قولها: "بتُ أنتظرُ النهار" أي ما تربو إليه النفس من متعة إشراق التمدن ومفرداته التنويرية، وحال القطار يشق الظلام عبر تلال نائيات خاليات من البشر، ومما يزيد من عزلة الراكب في هذه الثلاثية ذو القوائم الحادة: الآلة المتخلفة - الزمان - المسافر، تنتج احتمالية طرائق الخوف الترجيحية على مداها المعقد، حيث تصبح الحلول المرنة مستحيلة، غير وارد فيها ما يمتع نفسية المسافر على الدرجة الثالثة، وهذا يشير إلى أسباب الملل والارهاق، مع افتقار هذا القطار إلى وسائل الراحة، فيصبح السكون الذي يحيط بالقطار شبحاً مهيمناً يتفاعل سلباً مع النوازع النفسية المستعينة على التركيز العقلي وفواعله، التي يجب أن تقودها المسلكية الإنسانية إلى التحلي بالحكمة في مراحل السفر.
ولذا فقد عملت نازك بهذا الاتجاه الذي يحتكم إلى جملة من التباينات، أن تشتغل على منهج التسوير والحصانة في أحادية قانون منهجها الخاص، في نقاط قابلة ومطروحة لنقد النقد، نضعها في منطقة الجدل والحوار وهي:
1- ما يؤهل إلى قطع التوازي بين: الصوت والمعنى في النظم البنائية.
2- ما يتفاعل مع بوح جمالية الترتيب الذي يصاحب فعله.
3- ما يتضاد بين الوظيفة المرجعية، والوظيفة الانفعالية، فينتج النص المعجمي مختصاً بالناقد أو الشاعر، والمثقف الثوري.
وكأنها تحاول أن تدلنا على بلاغة مهاراتها الخاصة. لأن البلاغة قد تكون في كل النص، وقد تكون في مكان ما في النص، أو قد لا تكون كلياً، كما فعل ماركيز الروائي عندما قدم في أعماله الرائعة ما يكون مُعْجِزاً، جعله حاصلاً في النظم الإحصائية، عبر تخصيب بلاغة السرد المنعش للتلقي الذي يشد القارىء عبر بلاغة كل النص. وهذا ينطبق أيضاً على ما تبناه بورخيس البروفسيور. وبودي أن أشير إلى أن وجوب قيمة كل إبداع إنما ينحصر في مساحة قدرة الأدوات النوعية، التي تعمل باتجاه تبلور بناءات مفاهيمية تحاكي أحلام الإنسان وتمنياته العاطفية. معطيات اعتبرتها الشاعرة إنجازاً: يرفع من مستوى الاستبدال إلى مستوى استنباط يؤسس ويفعل أحكام النسق إلى رؤية جديدة، حتى يمنح التمثيل الفني بلوغ سطوته على القارىء، عبر ايماءات وليدة الإبداع في تخيلها العميق، تكشف عن علانية ديمومتها التفاعلية، وذلك باطلاق ثقافة المعنى إلى رحاب أوسع، لكي تكسب ثقة القراءة بجديدها. يقول الشاعر الناقد الانكليزي ستيفن سبندر مع قليل في نقد الأنوية: "المطلوب من الشاعر أن يجد انسجاماً بين ذاته وذات المجتمع. ولكنه أبى لنفسه أن يكون من زمرة الطبيعيين".
وكأن ليلة القطار لم تنته: "ليلة من ألف ليلة وليلة" ليلة أشَدّ قسوة على الراكب وقولها: "في أنفس ملت وأتعبها الصفير". وهذا ظاهرٌ معناه لمن يتأمله، فشدة السهر على الإنسان بان بوضوح في قولها: "تغفو دقائق ثم يوقظها القطار". في هذا المقطع أجادت تنزيل المحتمل أن لا يكون محتملا. وهو تصرف في التأويل لما تقيمه من تنشيط دقيق للبراهين عبر سعة مدلولاتها، وهذا الأسلوب أصبح قانونا للملائكة، ومن جاء بعدها من شاعرات، لم يخضعن التقنية لمفهوم المناقضة ما بين الفلسفة والشعر، على أعتبار الشعر ليس بيانا يحكمه الإرشاد والنوايا الخطابية الأنانية، أو النظريات المعقدة، أو أفكار منهوبة من هذه الصفحة أو تلك، إنما الشعر وحي بلاغي منسق أُحْكِمَتْ أوزانه، وتعددت معانيه، وفُصلتْ غاياته، فكان وما زال هو المهد الذي يتسع الأغاني، والمعرفة، والدلالة التأريخية، من طور قديم إلى طور جديد التجديد، بفعل الحداثة العلمية والثقافية والمجتمعية التي طورت حاصل الإلهام المبني على التنويع أن يجنح إلى لزوم يلائم طبيعة التطور العام المعكوس ايجاباً على بنية النص الشعري. عبر لعبة رؤيوية تفاعلية تعتمد محاسنة الأداء الإبداعي، الذي يجب أن يحدث إشباعاً في الأشكال الشعرية المختلفة، منها من تهتم بالأفكار الموحية للأوهام المكتسبة، ومنها موهبة خالصة ونقية من العث والرداءة والانحطاط.
وهذا يعيدنا إلى المقدمة المتجانسة في خصوبة الألفاظ المحركة لباطنية المعنى، بوصفه أي الشعر يؤسس لنظامٍ حسيٍ يكشفُ لنا عن الدلالات الخصبة في البوح الفائض من منبع بعدها الإيحائي، بحيث يشعر القارىء بتفاعله الايجابي مع المشاعر التي تنتجها الهوية القيمية الجمالية، من خلال تكوينات المنتج الإبداعي الذي أذاع فهماً متعدداً، وهو يكشفت عن الملموس السلبي أو الأيجابي في النظم التوليدية، ولذلك جاء أجتهاد الشاعرة أن تكشف لنا من حيث رمزها "القطار" عن الفارق بين الدكتاتوريات العربية، وبين الحضارة الأوروبية، فتقيم التبادل الواعي المتكافىء بين: الوعي المقصود، واللاوعي الفاعل، على خط مستقيم من الأقدم إلى الأحدث، ومن الأرقى إلى الأبسط، وهذا ما يوعز أن الفكر الغربي المتأثرة به الشاعرة، ساوى ما بين التطور والحداثة، والفكر العربي ساوى ما بين الدكتاتورية والتخلف. وهذا ما توضح مؤخراً عند غارودي في كتابه: "نداء إلى الأحياء" والذي تمثل في المنحى الفلسفي على مستوى الذكاء الجريء، لكنه من حيث التأثير الفعلي لم يصل إلى درجة النبوغ كما هو الحال عند شكسبير، أو تولستوي، أو نابليون، أو دافنشي، أو نيوتن، أو جاليلو، أو كما جاء في المعرفة الكلاسيكية واتجاهها النقدي عند بيار كلاستر، الذي رأى أن النظرة التطورية إلى التاريخ تعكس نظرة الإنسان إلى ذاته.
والمعنى بهذا السياق يأخذنا إلى مبدأ الحوار مع الذات الشاعرة، فالشعر إن لم تكيفه سلطة الميتافيزيقيا يصبح النص فاقداً وضوحه الإبداعي، حتى إذا كان النص عاطفيا يخضع لتزويق الأسوب بحرفية معينة، وحتى يكون الشعر منبعه الإشراق والإيحاء، يجب ملاحظة حركية البعد الإلهامي الذي يهيء طاقة توحي إلى وجدانية المعنى، وأبعاد تنوع دلالاته الروحية، وثرائها الفطري النابع من خصوبة الرؤيا والخيال المفتوح على المدى التنويعي. وإذا احتكمنا إلى المجاز، على اعتباره مخلصاً للاجتياز الدلالي من الواقعي إلى الرمزي، فهذا لا يعني إسقاط أو تقويض البناء التوليفي من ألفاظ تحتكم البلاغة منحاها، فعدم استغلال أو استخدام قوة الإيحاء في الألفاظ، تجعل من القصيدة تابعة منهكة للألفاظ المتعارف عليها في المناهج الشعرية الشائعة في الاساليب القديمة التي انهكت شفافية التوصيل. ولهذا نقول على الشاعر أن يجدد أدواته وثقافته ومعاصرته، حتى لا يكرر نفسه، وكما قال جوته: "مزيداً من الخيال أيها السادة، مزيداً من الضوء ". بمعنى يجب أن لا نكرر أخطاءنا كما فعل هاملت بقوله: "أيها القلب تحطم، لأن عليّ أن أمسك لساني". هذا يدلنا على أن الشاعر يجب أن يكون جريئاً، منفصلاً عن الأفكار المنحطة التي تقيد حرية الشعر، وتقبره في منحى بعيد عن الشاعرية الأصيلة.
إذن فالقطار يمر محملا بالتعب وإنهاك المسافر من تجمع الغبار على المقاعد والحقائب، وصفيره الممل والمتعب للراحة التي طال انتظارها، والقطار يتمايل يميناً ويساراً كتمايل السفينة بفعل الأمواج العاتية، وقولها: "أتخيلُ العرباتِ والصفَّ الطويل" مع أن هذا القطار يسير في بلد النفط، الغنى بتنوع موارده، وكثرة مياهه وزراعته، وتنوع المعادن فيه. لكننا لا نجد الحاكم العربي يبحث في مجالات التطور فيما يختص بالصناعات والابتكار، بقدر ما نجده متحولاً بحالاته الخاصة إلى وحش مستتر خلف الخطاب الوصولي، وعلى اساسه يرتكب الجرائم والشرور بحق الأحرار، وعندما اختارت الملائكة سير القطار في الظلام، إنما نوت بنسبة معينة أن تظهر البعد الدلالي السياسي والتعبير عنه، في قولها: " لم يبقَ في نفسي سوى رجْعٍ وَهُونْ - وأنا أحدّقُ في النجومِ الحالماتْْ" ولم نبتعد كثيراً، فالذاكرة الإنسانية ما زالت تحتفظ بعصر الظلمات، عندما كان الإنسان بنظر الحاكم ما هو إلا شبح مطيع لأوامره، فمنذ العصر الأموي وليومنا هذا، بقي العربي مسيراً تقوده السياط والركلات القاسية. وما الفرق بين عصر العبيد، وسلطة الدكتاتوريات العربية المنحطة، فالشاعرة متألمة من جهة أن هذا البلد يحكمه الجهلة، جماعة من الفاشيين، والطائفيين القدماء والجدد. فالظلام هو ظلام الأنظمة القاهرة لشعوبها، ولو تصفحنا تاريخ هذه القصيدة لوجداناها مكتوبة عام 1948 ، في العهد الملكي، وكان يرأس الحكومة العراقية في ذلك الوقت، نوري السعيد، الذي أعدم أصحاب الرأي والتنوير قادة الحزب الشيوعي العراقي عام 1949 وهم: "فهد مؤسس الحزب الشيوعي العراقي، وحازم عضو مكتب سياسي في الحزب ، وصارم عضو مكتب سياسي في الحزب ذاته.
في هذه القصيدة اسخدمت الشاعرة المفاتيح النقدية، التي دفعت الرموز الإدراكية المحصنة بفعل البنيوية الحديثة المعاصرة، إلى غاية تبلورها، وهي المتأثرة بها أشد تأثير بفعل الزمن الانتقالي في روح القصيدة، الذي أتفق على تسميتها ب "التضمين"، ما بعد البرغماتية الجديدة قصيرة الأمد، مع أن الملائكة تفاعلت معها بشغف حسب رأي جبرا أبراهيم جبرا. كذلك اخذت الملائكة حينها تلعب دوراً كبيراً بالدفاع عن الفلسفة العقلانية في: "اللغة - والبنيوية" عند منظرها العظيم مهدي عامل. من مبدأ المدخل التكويني، حيث نجد الملائكة قد تفاعلت مع الشعر من حواس دائرة المعنى، بتجريد ذهني خالص، خاصة ما أستقته في ثقافتها المختلفة: من المدرسة الكانطية التنويرية، أو التعاليم الصاخبة عند فوكو، أو من الإرث الممتد بعيداً إلى ديكارت، أو تفكيك السلطة الإبداعية وأثر الخيال عليها عند سبينوزا. في قولها في مقدمة أعمالها الكاملة في الجزء الثاني: "فنحن عموماً ما زلنا أسرى، تسيرنا القواعد التي وضعها أسلافنا في الجاهلية وصدر الإسلام. ما زلنا نلهث في قصائدنا ونجر عواطفنا المقيدة بسلاسل الأوزان القديمة، وقرقعة الألفاظ الميتة"* ودليلها نابع من إحكام تأسيس نص جديد من عالم مرئي معطي للحواس، تتحقق على مرماه أبعاد العوامل التي تتضمن البنى التحويلية في الأساليب المجددة في طبيعة النص الإيحائي، وليس التأليفي، تتلخص في:

أولاً: فلسفة الشعور بالعجز، عند راكب القطار، فقد وضعته في سجال مستمر مع الحدوس، وما تنتج صورها من مفاجآة تحتمل الكثير من الريبة والشك، وعدم الثقة بالنفس، وبالواقع المحيط. في قولها: " سَئمتْ مراقبةَ الظلامِ الصامتِ - أتصوّرُ الضجَرَ المريرْ ْ". وههنا تبلغ القصيدة ذروة تجلياتها، تمثيلاً لنهجها التجديدي، وذلك بتسليط ضوء الواقعية على مفاهيمها، فالشاعرة بحالاتها القصوى تتعامل باتزان الوجدان، ولكن بعدم الاستقرار العاطفي. باستثناء ما جاء من ثقل سببته ثيمة: "الصامت" فلو حررت جملتها الشعرية "سئمت.." من ثيمة الصامت، لأصبحت الجملة مفتوحة على إيماءات واسعة الدلالات، ولكنها خذلتها واربكتها عندما وضعتها في إطار غير مرئي، مما شل تجليات المعنى. لأن الوزن أحكم الشاعرة، وليس العكس. وهنا تكمن قوة السياب الخالد إنه جعل من الوزن طيعا له، وليس العكس.

ثانياً: اشكالية الحوار، احالت الأفكار الشائكة إلى: الأنا "العقل"، والذات "العاطفة" وسميت عند العامة "الفؤاد". بمعنى أن الراكب أعزل من كل الحلول، وخاصة إذا كان هذا الراكب امرأة، فمحاكاة النفس للخوف من الظلام، والوحدة، والاعتداء، وسقوط النعاس على العين، أن يجعلها سهلة الاقتناص. كل هذه الأسباب تضع الراكب في جدل دائم. في قولها المشترك بحالة التصوّر المثالي، من تلعثمات أو شبهات أو أخطاء خارجة عن المعالجة: "أتخيل الليلَ الثقيل - في أعينٍ سئمت وجوهَ الراكبين" وفي مكان آخر تقول: "ويكادُ يغفو ثم يسمَعُ في شُرُودْ - صوتاً يغمغمُ في برود - هذي العقارب لا تسير."

ثالثاً: حدود الإرادة، وهي ضياع الحيلة والكفاءة في الذكاء الفطري في معالجة ما سوف يحدث من عواقب غير معروفة، وهكذا يكون للرهبة منحنيان مزدوجان: الأول تخيلي – وصفي. والثاني تسليم بالأمر لما سيحدث. في قولها الذي يضعنا أمام معركة يحيطها التشاؤم من كل الجهات: "وفتىً هنالك في انطواء - في مقلتيه برودةٌ حطَّ الوجوم - ألقت عليه حرارةُ الأحلام آثارَ احمرار".

اعتمدت الملائكة المقدرة التوصيلية عبر مجسات الحواس المتفاعلة مع البصيرة، لما حققته للمصبات الحداثوية من تنويع، حيث جددت في المقدرات التي تلبي أفق مدارها التنويعي الجمعي بأكثر من رؤية، وحسب قول هابرماس: "الأفق العام المتنور" وهذا ما اشتغلت على اساسه الملائكة فأسمته: "بالقوة الإيحائية" وهو ما نعنيه في مقالتنا توصيل الصوت الإيحائي من نواته إلى المدار المحيط به. وهذا نجده عند الكثير من الشواعر الشابات أمثال:
* بلقيس ملحم: الشاعرة الشجاعة المجددة للقصيدة الإيحائية وفواعلها الذكية، وهي تعيش في محيط يؤمه واقع القحط المدني، وهذا ما دعاها أن تعتمد بنية الرمز الحاد، بأسلوبية الدفاع الاحتياطي.
* رنا جعفر: حققت للشعر بعده التنويعي، الموالف لمعطيات الفهم التأويلي في بنية الصورة، وطورت من بلوغ فصاحة الاستعارة الملبية لحاجات المعاني، من آفاق لها تركيبتها في الصورة الشعرية، التي تتحمل تضمينات محورية، كونها نتاجاً انعكاسياً من مديات رؤيتها الخاصة.
* إلهام زويرق: الشاعرة الثائرة على التقاليد البالية. التي حققت في نصها سياقاً اجتماعياً مختلفا عن الجو المحيط بها.
* نجاة الزبابير: صاحبة قصيدة النقاش المفتوح.
فكل واحدة من هؤلاء اعتبرت أن النص عناها وقصدها، فهو مجالها المميز، وميدانها الرحب، وسلاحها الأمضى. فالنص النثري عند كثير من الشواعر العربيات هو تعديل في مجد طريقة التفعيلة كما أرادت الملائكة للتجديد أن يكون، كون التجديد ينطوي على مساحة أوسع في التعبير عن تداعيات مساحة القصيدة، كونه يصدر عن رؤيا شاملة تعبر عن حاجات الكائنات والأشياء، فيسرد غاياتها عبر مجسات تلازم الصور الشعرية، فتكون الألفاظ هنا هي المسوغ الأساسي في توليد طاقة حسية تهاتف نغمية الأوتار التوصيلية، أن تطلق تقطيعات لحنية تمزج النبض اللفظي في إنسياح المعاني، وهذا ما يفاعل حساسية الرؤيا الإيقاعية في أعماق النص، فيجعلها تمتاز بقدرة عالية على الايحاء، كما هو الحال في قصائدها" الراقصة المذبوحة - لحن النسيان - السلم المنهار - أغنية لشمس الشتاء*".

ويلوحُ مصباحُ الخفيرْ
ويلوحُ ضوء محطةٍ عبرَ المساء

تستمد الصورة الشعرية ألقها التخيلي من خصوبة المرئيات، التي تعتمد على عمق الإحساس، وأبعاد التعبير. كما أراد لها أرسطو أن تبدو من خلال الملموسات والتشبيه، لأن الصورة تتحدث عن الأمل، هل لاح فعلاً؟ ويجيب على هذا السؤال جان كوين: "إن الإجابة توجد في التقابل بين النمطين*". تلك هي معجزات الشعر المؤمل له أن يشتمل على تحسين وتكثيف الاستعارة الذكية، والمجاز الموجب في بنية الصورة؟ حتى يكون الوجه الشعري مدهشاً في تنوعاته التأملية، فتكون القراءة غير الشاقة موجبة، تجلس القارىء منشغلاً في ما سوف ينتج محصولها من توارد للأفكار الغنية في مدلولاتها، وابعادها التي تحتمل الضدّين بين متلقٍ يدهشه النص، وآخر ليس بالمستوى المطلوب لفهم هذا النص. إذا سلمنا من مبدأ أن الشاعر صالح للضدين فهذا شاعر يمكن أن يجلس في خانة السياب مبتهجاً.
فإذا طل مصباح الخفير، طل الرمز الواقع اصلاً في الحياة اليومية العملية، ولكن الشاعرة لها رأي آخر في هذا الرمز الذكي، ياترى هل يكون هذا المصباح أملاً للعراقيين، والعرب بفجر جديد؟ وهذا ما لاح فعلاً بأثر الثورات التي تحصد محصول عذاباتها! فالحاكم العربي حكمه يقوم على تحطيم الإنسان العربي لا غير، وها نحن اليوم أمام إضاءة كل المصابيح العربية، وذلك بتحطيم القيد الذي كسر ظهرنا لأعوام طويلة، ما دامت هناك يد الحرية تحرك هذا الأمل. وما كان عند الملائكة في قصيدة القطار أمل يدعو إلى ضوء حقيقي، بعد ما كان يلوح من محطة ربما لا تنفع الراكب بشيء، ولكنه ضوء فعلته الشاعرة لأن يجمل النص برمزيته المتحركة.

الفصل الثالث نتناول:
شاعرة عربية أخرى تطرز حقل كتابنا هذا.


1- اقرأ مجلة الأقلام، العدد التاسع أيلول 1981
2- مقاربات تشومسكي، علم النفس المعرفي، "كتاب اللغة والسياسة" تعليق على مقالة "النقاش المفتوح".
3- أنظر قصيدة: "طريق العودة"، المجلد الثاني ص253
4- باكتين ص 229
5- اقرأ نازك الملائكة، مقدمة الأعمال الكاملة الجزء الثاني.
6- كتاب الأورغنون: فرنسيس بيكون
7- جمهورية أفلاطون: في فيليبوس. زكريا فؤاد.
8- مقدمة، للأعمال الكاملة، الجزء الثاني، نازك الملائكة.
9- نفس المصدر.
10- ابن رشيق ص 107
11- مجلة الآداب – رسائل تعريف العرب بنتاجهم الأدبي الحديث اكتوبر 1956.
12- عالم المعرفة تأليف د. شاكر بالحميد
13- مجلة ليبر "Libre" الفرنسية
14- عالم المعرفة العدد 360 صفحة 464
15- ديوان نازك الملائكة الجزء الثاني
16- انظر د. بسام قطوس "سيماء العنوان"



#جعفر_كمال (هاشتاغ)       تôôèô‏_ؤôéôم#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشعر النسائي العربي بين -التسفيط- الكلامي وجمالية الاحتراف
- تداعيات التنوع الإبداعي العراقي في مواطن الغربة. الجزء الخام ...
- قصائد ليس لها عنوان
- أشتهي
- تداعيات التنوع الإبداعي العراقي في مواطن الغربة4
- طيف الرضوان
- حوارية.. النرجسة والشاعر
- إبنة موسى
- الفن الكلامي ونوازع الانفعال والميول
- تداعيات التنوع الإبداعي العراقي في مواطن الغربة الجزء الثالث
- ليلة الميلاد
- رائحة الشرطي
- تداعيات التنوع الإبداعي العراقي في مواطن الغربة
- مناي
- الرواية الشابة بين مدركات الحس والتأويل
- سحر الحيرة والحب في تجليات العيون
- ورود
- ألهذا جئت
- خلف السدة الثنائية التلازمية في التطور والتغيير
- زمن الواحدة


المزيد.....




- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جعفر كمال - الشعر النسائي العربي بين -التسفيط- الكلامي وجمالية الاحتراف نازك الملائكة