ماجد احمد الزاملي
باحث حر -الدنمارك
(Majid Ahmad Alzamli)
الحوار المتمدن-العدد: 3384 - 2011 / 6 / 2 - 23:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الكثير من الانظمة الدكتاتورية يٌنظر إليها على أنها أنظمة متوطدة ومنيعة ,لكنها شهدت في السنوات ألأخيرة إنهيار مريع للعديد منها ,عند مواجهتها تحدي الشعوب المنتظم ,وأثبتت عدم قدرتها على تحدي الشعوب السياسي والاقتصادي والاجتماعي المشترك.
فمنذ عام 1980 إستطاع تحدي الشعوب الذي تميز في الغالب باللاعنف إسقاط أنظمة دكتاتوريةفي مالي ومدغشقر وبوليفيا والفلبين.وعملت المقاومة بإستخدام النضال اللاعنفي على ترسيخ التوجه نحو الديمقراطية في النيبال وزامبيا وكوريا الجنوبية وتشيلي والارجنتين وهاييتي والبرازيل وأرغواي وملاوي وتايلندا وزائير ونيجيريا .
وبالرغم من أن هذا النضال لم يقض على أنظمة الحكم الدكتاتوري أو الإحتلال القائمة إلا أنه كشف عن الطبيعة الوحشية لهذه ألأنظمة القمعية أمام أعين المجتمعات الدولية,كما أنه قدَم للشعوب خبرة قيمة عن هذا الشكل من النضال .
ومن المؤكد أن إنهيار ألأنظمة ألدكتاتورية في البلدان الوارد ذكرها أعلاه لم يمحو جميع المشاكل الاخرى في هذه المجتمعات ,فالفقر والجريمة وعدم الفاعلية البيروقراطية وتخريب البيئة هي ماتورثهُ ألأنظمة القمعية .ولكن سقوط هذه ألأنظمة الدكتاتورية كان له الحد ألأدنى من تخفيف معاناة ضحايا ألقمع,وفتح ألطريق أمام إعادة بناء هذه المجتمعات بوجود حريات سياسية وديمقراطية وشخصية وبوجود عدالة إجتماعية.
ونرى اليوم العديد من البلدان تمر في مرحلة من ألتغيير الاقتصادي والسياسي والاجتماعي السريع,فبالرغم من أن البلدان "ألحرة" قد إزداد خلال العشرين سنة ألأخيرة إلا أن هناك خطر محدق يتمثل في أن ألعديد من ألأمم أثناء هذه التغييرات ألأساسية السريعة,تأخذ إتجاهاً معاكساً لتقع تحت نير أنظمة دكتاتورية جديدة,حيث تسعى الزمر العسكرية وأصحاب المطامح,والمسؤولين المنتخبين ,وألأحزاب ألسياسية ألطائفية باستمرار من أجل أن تفرض إرادتها ,وتبقى ألإنقلابات ظاهرة مألوفة ,وتستمر ظاهرة إنتهاك حقوق ألإنسان السياسية للعديد من ألشعوب.
ولسوء الحظ لايزال الماضي يعيش بيننا,حيث تعتبر مشكلة ألأنظمة ألدكتاتورية مشكلة عويصة.هناك ألعديد من ألشعوب ألتي تعيش تحت ألقمع ألمحلي أو ألأجنبي منذ عشرات بل المئات من ألسنين, وغالباً مايكون ألخنوع إلى رموز ألسلطة وألحكام دون مسائلة قد غُرسَ في ألذهن ,ففي أكثر ألحلات تطرفاً تكون مؤسسات ألمجتمع الاجتماعية والسياسية وألإقتصادية وحتى ألدينية-خارج حدود سيطرة الدولة- قد أُضعفت عمداً أو حٌولت إلى مؤسسات تابعة أو قد أستبدلت بمؤسسات صارمة تستخدم من قبل الدولة أو الحزب الحاكم للسيطرة على ألمجتمع, ويكون المواطنين قد شتتوا لدرجة أنهم أصبحوا كتلة من ألأفراد المعزولين الذين لايستطيعون العمل معاً لنيل الحرية أو نيل ثقة بعضهم البعض أو حتى المبادرة بأي شيء .
قد ينظر البعض ألى أي إنقلاب ضد نظام دكتاتوري على أنه ألخيار ألأسهل وألأسرع نسبياً في ألتخلص من ألنظام ألحاكم ألبغيض .ولكن هناك مشاكل خطرة ترافق هذا ألخيار أهمها أنه لايغير في مساويء توزيع ألسلطات بين ألشعب وبين ألفئة ألتي تسيطر على ألحكومة وقواتها ألعسكرية.إن إزاحة أشخاص معينين أو إزاحة زمرة معينة تفتح ألمجال أمام مجموعة أخرى لتحل محلها ,وقد تكون هذه المجموعة من الناحية النظرية أكثر دعة في ممارستها وتكون منفتحة أكثر بطرق محدودة إلى ألإصلاح الديمقراطي , لكن إمكانية حدوث ألعكس هي ألأقوى .
عندما تعزز الزمرة مركزها قد تتحول إلى نظام أكثر همجية وأكثر طموحاً من النظام السابق ,وبالتالي فإن زمرة الحكم الجديدة-التي عقد الناس عليها آمالهم – تستطيع أن تفعل ما تريد دون أي مراعاة للديمقراطية أو حقوق ألإنسان .
لاتسمح ألأنظمة الدكتاتورية إجراء إنتخابات قد تحدث تغييرات سياسية هامة.ونجد إن بعض ألأنظمة الدكتاتورية قامت بإجراء إستفتاءات لتظهر وكأنها ديمقراطية , ولكن هذه ألإستفتاءات هي مجرد إجراءت شكلية للحصول على موافقة الناس على مرشحين إختارتهم تلك ألأنظمة بعناية فائقة. قد يوافق الحكام الدكتاتوريين على إجراء انتخابات إذا وقعوا تحت ضغوطات,ولكنهم يتلاعبون بها لكي يعينوا دمى يتحكمون بها ,وإذا سُمحَ لشخص معارض أن يرشح نفسه ويتم بالفعل إنتخابه فإنه يتم تجاهل النتائج أو قد يتعرض ألشخص المنتخب إلى ألترهيب أو ألإعتقال أو حتى ألتصفية جسدياَ مثلما حصل في بورما عام 1990 ونيجيريا عام 1993 ,فالحكام الدكتاتوريون لايسمحون بإجراء إنتخابات تؤدي إلى عزلهم عن عروشهم .
فمثلاً إذا قرر ألحكام ألدكتاتوريون وألحركات ألديمقراطية أن يتفاوضوا فسيكون هناك حاجة كبيرة للتفكير بوضوح بسبب ألمخاطر ألكامنة في عملية ألتفاوض.فليس كل مَن يستخدم كلمة" سلام" يريد ألسلام ألحر ألعادل . إن ألخنوع للقمع وألإنصياع ألسلبي للحكام ألدكتاتوريون عديمي الرحمة الذين إرتكبوا جرائم بحقِ مئات ألآلاف من ألناس ألأبرياء لايعتبر سلاماً .لقد دعى هتلر وأمثاله إلى ألسلام عدة مرات لكن ألسلام ألذي يدعون إليه يعني ألخنوع لإرادتهم .فالسلام ألذي يطرحه ألحكام ألدكتاتوريون لايعني أكثر من سلام ألسجون أو ألقبور.
هناك أيضاً مخاطر أُخرى ,حيث أن المفاوضين عادةً ما يخلطون بين أهداف ألمفاوضات وعملية ألتفاوض نفسها . أضف إلى ذلك أن المفاوضين عن ألحركات ألديمقراطية أو ألمفاوضون ألأجانب ألأخصائيون الذين يساعدون في التفاوض يقدمون الشرعية المحلية والدولية للحكام الدكتاتوريون بجرة قلم في وقت لم تتوفر فيه هذه الشرعية لهؤلاء الحكام بسبب إحتلالهم للدولة وانتهاكم لحقوق ألإنسان وممارستهم ألهمجية.فبدون هذه الشرعية التي تصبوا إليها ألأنظمة الدكتاتورية لن يستطيع الحكام الاستمرار في الحكم إلى ألأبد ,لذلك على دعاة ألسلام أن لايمنحوهم هذه ألشرعية,كماهي ألآن دعوات القذافي للسلام بعد أن ضاقت عليه الحلقة.
أن ألأنظمة الدكتاتورية لن تستمر للأبد ولن تبقى ألشعوب الرازحة تحت نير هذه ألأنظمة ضعيفة ولن يسمح للحكام الدكتاتوريين أن يحتفظوا بقوتهم إلى مالانهاية.وهذا ينطبق على ألأنظمة الدكتاتورية المعاصرة ,حيث يمكن أن نحول نقاط ضعفها إلى أزمات وأن نفكك قوة هذه ألأنظمة .
يشير التاريخ المعاصر إلى ضعف ألأنظمة الدكتاتورية ويكشف عن إنهيارها خلال فترة قصيرة نسبياً .ففي السلفادور وغوتيمالا إنهار الحكام الدكتاتوريون العسكريون الهمجيون عام 1994 خلال حوالي اسبوعين من النضال ضد كل منهما .ونظام شاه ايران العسكري إنهار خلال أشهر قليلة.
#ماجد_احمد_الزاملي (هاشتاغ)
Majid_Ahmad_Alzamli#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟