|
إسرائيل -الدولة القلعة- إلى أين؟؟!!
علي جرادات
الحوار المتمدن-العدد: 3383 - 2011 / 6 / 1 - 09:55
المحور:
القضية الفلسطينية
قيل الكثير في توصيف لاءات نتنياهو أمام الكونغرس الأمريكي، لكن، وحتى يكون للتوصيف طابع التفسير الذي يشكل نصف المعالجة، فإن من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن تطرف نتنياهو ليس نبتا سياسيا شيطانيا، ولا هو مجرد تطرف لشخص أو لائتلاف حكومي، بل هو تطرف ذو جذر مجتمعي عميق، إذ خلافاً لمنطق تاريخ المجتمعات البشرية الطبيعية التي تمخض تطورها عن نشوء الدولة كشكل لإدارتها، فإن الكيانات الاستيطانية الاستعمارية قامت على تصميم مبرمج لفكرة دولة أنشأت مجتمع تم جلب جسمه البشري بشكل مفتعل، ما يقود إلى ربط وجود هذا المجتمع بالدولة وليس العكس، وبالتالي إلى تماهيه مع الدولة، بل، ومع مؤسسات الجيش والأمن فيها تحديداً، مع ما يتطلبه ذلك من لجوء للخرافة وتضخيم للايدولوجيا العنصرية والاستعلاء وتقديس القوة، كعوامل لازمة للدفاع عن الشرعية وتبرير للذات وحماية للوجود. وبالنتيجة يصبح هنالك تعلق للمجتمع بالقيادات الأكثر احترافاً للحروب، ما يمحي الفواصل بين هذه القيادات والمجتمع الاستيطاني، الذي يرى فيها حامية لوجوده وشرعيته، وليس فقط لحمايته في فترات الخطر كما هي الحال في المجتمعات الطبيعية. هذا هو القانون العام الناظم لعلاقة الدولة ومؤسستها العسكرية والأمنية بالمجتمعات الاستيطانية الاستعمارية، التي تعد إسرائيل أكثر نماذجها بشاعة، ارتباطاً بما تحمله من خصوصية قياساً بحالات استيطانية استعمارية أخرى. وعلى سبيل المثال، فإن تجربتي الاستيطان الاستعماري في جنوب أفريقيا وفلسطين، وإن جمعهما استيطان إقليم مأهول بسكان أصليين، إلا أن المستوطنين البيض في جنوب أفريقيا اكتفوا بإخضاع الأغلبية السوداء لنظام تمييز عنصري بعد الاستيلاء على الأرض، في حين أضاف المستوطنون اليهود في فلسطين اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، التي لم يكتفوا بابتلاعها فقط. لكن، ورغم ذلك، وربما بسببه، فإن المستوطنين اليهود في فلسطين، ورغم فظاعة ما ارتكبوه من عمليات تطهير عرقي مبيتة ومخططة، لم يتمكنوا من تحويل الفلسطينيين إلى "هنود حمر"، أي لم يتمكنوا من طي صفحتهم من التاريخ والجغرافيا والسياسة، حيث ظل سؤال تشريد نصف الشعب الفلسطيني ويزيد من أرضه بعد ابتلاعها سؤال الإسرائيليين المفتوح، كسؤال حارق يستدعي إجابات سياسية، ولم يحله الهروب منه، ولم تقوَ المعالجات العسكرية والأمنية على إلغائه من التاريخ والسياسة. وأكثر من ذلك، فإن هذا السؤال أصبح بمثابة عامل أزمة بنيوية مستعصية للإسرائيليين ومشروعهم، ما يفسر إلحاق المجتمع الإسرائيلي بـ"الدولة القلعة" المفروضة بالقوة، كخيار زاد سعاراً في السنوات الأخيرة، وأنتج ائتلاف حكومي "فوق متطرف"، لم يجد حتى بعض الإسرائيليين حرجاً في وصفه بالفاشي، وتأكيد خلو برنامجه من خطة سياسية للتعامل مع الصراع، اللهم إلا خطة فرض الشروط والإملاءات التعجيزية، وقد جاء خطاب نتنياهو أمام الكونغرس الأمريكي تعبيراً مكثفا عن حالة التطرف العنصري الجنوني المرعب التي تتنامى تنامياً بكتيرياً، لا في السياسة الإسرائيلية فقط، بل، وفي المجتمع الإسرائيلي قبل ذلك أيضاً. والغريب أنه، وبرغم هذه الحقائق الدامغة في تشخيص الحالة المجتمعية والسياسية والقيادية الإسرائيلية، فإن هنالك من راهن على أن تفضي التحولات في المحيط الشعبي العربي إلى تغيرات في سياسة تعامل القادة الإسرائيليين مع الصراع، متناسياً أن هذه التحولات لن تزيدهم إلا تطرفاً، ولن تدفعهم إلا إلى المزيد من التشبث بخيار "الدولة القلعة" المفروضة بالقوة، وذلك لسببين متداخلين: الأول: ما تنطوي عليه هذه التحولات من تأثيرات إيجابية على القضية الفلسطينية كجوهر للصراع، التأثيرات التي تبدت بشكل أولي في اتفاق المصالحة الوطنية بين حركتي "فتح" و"حماس"، وفي هبة الذكرى 63 للنكبة، مع كل ما يحمله هذا وذاك من دلالات سياسية بعيدة المدى. الثاني: ما تنطوي عليه هذه التحولات من تصادم موضوعي مع المشروع الإسرائيلي، الرامي بدعم أمريكي إلى تصفية القضية الفلسطينية، عبر اختزال الحقوق الفلسطينية في إقامة دولة، هي عملياً وجوهراً، ورغم محسنات المسَمًّى لأغراض التضليل والتسويق، مجرد حكم إداري ذاتي لفلسطينيي غزة والضفة ومن دون القدس عملياً، مقابل الاعتراف بإسرائيل "دولة لليهود"، ما يعني تصفية جوهر القضية الفلسطينية، أي حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم التي شردوا منها. عليه، يخطئ كل من لا يرى أن لاءات نتنياهو التي حظيت بتصفيق "فوق استثنائي" من الكونغرس الأمريكي، إنما كانت رداً سياسيا استراتيجيا على التحولات الإستراتيجية الجارية في الوطن العربي، وتحديداً على التحولات الجارية في مصر بعد الإطاحة بنظام مبارك، الذي لم يتحرج أحد قادة إسرائيل، بنيامين بن اليعيزر، عن وصفه بـ"الذخر الاستراتيجي لدولة إسرائيل"، فيما لم يتردد ثعلب السياسة الإسرائيلية، شمعون بيرس، عن مقارنة خدمات نظام مبارك لدولة إسرائيل بما قدمه بن غوريون لها. مع هذا، وبرغمه، فإن لاءات نتنياهو، وبمقدار ما تكشف عن صلف مجتمعي وسياسي وقيادي إسرائيلي يزداد عنجهية، فإنها، وبذات الوقت، إنما تنم عن أزمة إسرائيل البنيوية المستعصية، المتمثلة في سؤالها المفتوح: ما العمل مع الشعب الفلسطيني الذي لم تستطع 63 عاماً من عمليات التطهير العرقي إخراجه من الجغرافية والتاريخ والسياسة؟؟!! في كل الأحوال والظروف، فإن لاءات نتنياهو السياسية المتماهية مع تطرف مجتمعي إسرائيلي متصاعد، إنما تحمل في جوفها استبعاداً للتسوية السياسية للصراع، وبالنتيجة تفتح الباب على مصراعيه على المزيد من الحروب التي احترفها قادة إسرائيل، الذين لم يكتفوا بإقامة "دولة قلعة" ربطوا بها مجتمعهم، بل، أوغلوا كثيراً في الظن أن قوة هذه "الدولة القلعة" بلا حدود، وأن لديها طاقة مطلقة على الصمود أمام تحولات الواقع مهما تعاظمت، متناسين أن هذا النموذج لم يعد هنالك إمكانية لاستمراره، لا داخليا، ولا إقليميا، ولا دولياً، مما يسمح بالاستنتاج أن نتنياهو لا يتمتع بحكمة تجعله يفكر بمصير إسرائيل استراتيجيا، بل، ينحصر تفكيره بتكتيكات بقائه رئيساً لوزراء إسرائيل أطول فترة ممكنة.
#علي_جرادات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
استحقاق مفروض قبل ما قبل خطاب أوباما
-
أحلام شبيبة بلا حدود
-
اضاءات على إنهاء الانقسام
-
ابن لادن: صنعوه فاستعملوه فقتلوه
-
الحراك العربي: تخصيب للمجتمع السياسي والمدني
-
محاكمة مبارك سابقة عربية تاريخية
-
الأسرى الفلسطينيون في يومهم: ما أضيق السجن لولا فسحة الأمل
-
نعم، وسوريا بحاجة للديموقراطية والحريات
-
الأرض في يومها الفلسطيني
-
خصوصية فلسطين في الوطن العربي
-
ديمومة الحالة الانتقالية
-
السياسة الإسرائيلية بين الواقع والوهم
-
التكفيريون الجدد والمحافظون الجدد
-
عودٌ على بدء
-
جبهة الجولان إلى أين؟!!!
-
-إذا عُرِفَ السبب بَطَلَ العجب-
-
مَن يتحمل مسؤولية -ظلمة- غزة؟!!!
-
إلى متى؟!!!
-
واغتربت تضحيات الحرية الفلسطينية
-
عطس ثلاثين عاما
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|