أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهية شاهين - أمي تلك المجهولة















المزيد.....

أمي تلك المجهولة


زهية شاهين

الحوار المتمدن-العدد: 3382 - 2011 / 5 / 31 - 00:25
المحور: الادب والفن
    


جاءني صوتها من بعيد حاولت الإمساك بالكلمات كي افهم ولكنها تكسرت أمام سيل من دموع لم أرها و سمعت شهيق بكائها يغلى في صدرها ويصل إلى عمقي, دائما تحدث عندي رعشة خفيفة في جسمي قبل أن ارفع سماعة التليفون وكأنني أخاف سماع خبر محزن غير متوقع وأرجو الله أن يكون الموضوع المحكي فيه هين ولا يوجع القلب فلم يعد فيه متسع للهم والحزن ولا حتى للفرح ,رجع صوتها يتحشرج وصمتي مستمر يبحث عن كلمة تواسي فيفشل ..أهدأي يابنتي إني أسمعك ولكن لاافهم عليك اشعر بك وكأنك تحملين جبالا من الهم ..فازدادت بكاءا فبادرتها فلتبكي.... بكاؤك كلام ياابنتي ,إني معك أسمعك واشعر بك .
ردت علي: كلماتك لي ياابنتي تهزني وكأن لا أم لي ..وكأني لم اعرفها من قبل تخيلي واني بكلماتك اكتشف إنني يتيمة أين أمي ؟, فعلا ..أين أمي ؟.
رددت عليها أين أمك ؟ قالت إنها الحاضرة الغائبة لا تشبه شيء بل تشبهني سيدة مهمومة وموجوعة وترتجف مثلي ولا تستطيع صد بطش والدي ...تداركت ما صلة اتصالك بي وبكاؤك بأمك .
تنبهت: فعلا إني اتصل من اجل نفسي فما دخل أمي بذلك ..آه ..كلمة يا بنتي ذكرتني بها تلك المنسية من قاموس طفولتي ومن حياتها وحياتي .
حكايتي قديمه جديدة ولكن لنبدأ بالجديد تزوجت منذ ثلاث سنوا ت ورزقت بطفلين ولم أجد سعادة في حياتي فقد تخيلت إن الزواج سيحررني من وضع بيتنا السيئ ولكني تفاجأت أن زوجي رجل ضعيف ويعمل عند أبوه في التجارة ويجبرني أن اخدم والديه وأسلافي الصغار ورضيت بذلك ولكنهم لم يرضوا هم بذلك , يعاملونني كخادمة وخاصة حماي .
تتحدث وأنا صامتة استمع ..فجأة تتساءل هل تسمعيني ؟
أرد نعم انأ معك أسمعك جيدا أكملي .
ردت : صمتك يخيفني عبري بأي إشارة انك تسمعيني .
حينها أدركت مدى القلق الذي تعانيه تلك السيدة وتحاول أن تلفت الآخرين لتجاهلهم
هه استمري ..
تواصل : يلاحقني بيده وبكلماته النابية والعنيفة من زاوية لزاوية يأمرني أن اخدم أولاده الصغار كالخادمة من شربة الماء إلى ترتيب أماكن نومهم ..أرد : ههه ثم ماذا , تقول : لو تأخرت من وجهة نظره لثوان يضربني على وجهي .. يأكل جسدي النحيل اللكمات بصمت , وصوتي ممنوع من الخروج من حدود جسدي .
كل ذلك ؟ ..هه.. بل وأكثر, المصيبة إن جسدي أصبح يخونني ..رجلاي تصطكان ببعضهما ويداي ترجفان كلما سمعت صوته من بعيد وقبل أن يقترب فما بالك لو اقترب !!!!!!
ههه ...جسدي يخونني ويداي ترتجفان وتقع الأشياء من يدي ...ههههههههههه تقع الصحون والكاسات من يدي ياسيدتي فتبدأ قيامتي ...فانفجرت مرة أخرى بالبكاء ...ويحتار صمتي ووجعي معها في اختيار زاوية الانتظار ...انه صمت ووقت ميت مميت لاتملك فيه كلماتك وتفقد الخيار وتفقد مهنيتك وأدواتك ولكني اجمع نفسي: انك مسكينة تعانين بلا حدود .
ترد تخيلي إني أول مره اسمع صوت إنسان يهدهدني ويذكرني أني موجوعة فعلا ..لقد نسيت في زحمة الألم المستمر إني موجوعة وكأني مخدرة بل مدمنة وجع , بالك ما الذي يجعل الإحساس يرجع إلي ؟.. اشعر أني أريد أن ابكي بلا نهاية وكأنه فتحت أبواب مغلقة من سنين
تنبهت : من أين تتحدثين أليسوا حولك ؟
كأنها ابتسمت بحسرة من خلف الهاتف : لااحد.. إنها فرصة لاتتكرر بل قد تكون الفرصة النادرة من ثلاث سنوات إنهم جميعا في فرح ابن أخيه .
استغربت : ولماذا لم تكوني معهم ...ردت : اوهههه ممنوع , بل محرم أن أشاركهم في مناسباتهم حماي يخرج ويعطي الأوامر .
وحماتك ؟...ترد : حماتي تبدو امرأة طيبة وهي أحيانا تكون طيبة لحد معين ولكنها تراقبني دائما وتنقل لحماي كل تحركاتي رغم انه سيء معها .
تصمت طويلا بتعابير مجهولة لاتصل عبر الأسلاك وكأني أراها تلتفت حولها وتراقب بقايا وجودهم في يومها المثقل بالتعب والحزن وكأنها تنظر في عيون مولودها وتتساءل هل من الممكن أن أفارقك يوما يا صغيري ؟..كيف كنت جزءا مني وأنت محرم علي ؟ ووجودك خارجي يحرمني منك لو فكرت في الطلاق لن استطيع احتضانك واللعب بيديك الصغيرتين كيف لي أن لا أرى مستقبلك في جسدي وأمومتي.. سوف أسير وحيدة بدونك.. من ذا الذي يحرم الجسد على الجسد ..من ذا الذي يطيل المسافة بيني وبين نفسي.. أنت نفسي ياصغيري ..كيف سيجزءون جسدي أشلاء وأنت الجزء الأحب فيه إلي... آه آه آه ياصغيري..
يطول الصمت ولا احتمله فأبادرها: كأنك تحدثتي طويلا بصمتك ...ترد : نعم ..اشعر بان الأشخاص في حياتي هم فاقدي الوجود ..امرأتين وثلاث رجال ( أمي وحماتي وزوجي وأبي وحماي ) وجميعهم يشكلون وجع لي وأتلقى غضبهم في الحياة بل عقاباتهم علي ..كأني صلة وصل بينهم و لم اعرف حتى الآن أن أفك شفرتها , جميعهم يتجنب الحوار مع الآخر ولكنهم يتحاورون من خلالي ..لا احد يريد سماعي اشعر بنظرات والدي حينما يكتشف الدمعة قد نضجت في عيني وكأنه يومئ لي توقفي وارجعي إلى داخلك لا مفر من الرجوع إليهم حيث مقبرة الحياة , ليس لدي من ابنة.. امرأة... تنفصل عن زوجها, حلي مشاكلك وحدك ,سأقتلك لو تجرأت دموعك على الاحتجاج ..تشيح والدتي بنظرها عني ولا تريد أن ترى أو تسمع فكل الحواس أغلقت حاسة الفهم لديها , وكأنها مثل جماد يتحرك بخطى واهنة في أرجاء البيت , أرى مستقبلي فيها فاصرخ بصمت مدرب على الكتمان , ينشق في صدري شرخ يقتل الإحساس بالحياة وتتأوه الأنفاس صريعة تحت ضغط الوجع وكأنها تلتفت وتكتشف أني مازلت وراء التليفون : أزعجتك؟
لم أرد ...وتتدارك الكلام : لم تسأليني هل أحب زوجي ؟ ....وكأن الإجابة حاضرة عندي , لن تحبي زوج ضعيف غير قادر على حمايتك...ولم تخرج أفكاري عبر العلن ولكنها ردت على سؤالها دون إجابة مني : إني أحبه حتى الثمالة ..تخيلي ..
أومئ بصمتي ..أكملي يا سيدتي: اشعر كأنه طفلي , ضعفه يخنقني وفي نفس الوقت أشفق عليه ,اشعر انه يشبهني في ضعفي ..أهدهده وسط الليالي الصعبة ينام على صدري ويبكي ويطلب مني أن احتمل الصعب والشدة فلا منفذ سوى الموت كي ينفك القيد ..تخيلي لم اعرف منه حتى الآن من يقصد موت أبوه أو موتي أو موته أم أي موت يقصد ...يتكرر صمتي المدرب معه كثيرا ولكني أحبه يا سيدتي .
استغرب : تحبينه آه معقولة معك حق, لانفهم دائما ما يحدث معنا, ولكن لا تستمر الحياة دائما بوعي, كثير من الأحيان نستمر بما نحن عليه ليس في الإمكان أبدع مما كان فالتغيير قد يزعج رتم مهاراتنا في العيش المر ( اللي بتعرفه أحسن من اللي بتعرفوش ).
ماذا فعلت كي تساعدي نفسك لتجاوز أزماتك ؟..وصلني عبر الهاتف نظرات غاضبة : كيف أساعد نفسي برأيك؟! .. كل ما سمعتي مني ألم تفهمي منه شيء؟! كيف تتجرأين على سؤالك هذا؟!, أنت تري أن الدائرة مغلقة حولي وقد قالها زوجي إما الموت أو الموت وأنا انتظر موت احدنا .
توقفت عن الإجابة وصعقتني كلماتها ...أن تحترق وكل ما تفعله أن تجمع حولك شهود كثر على رحيلك من الحياة ..أن تضع وجهك أمام لهب النار لتشوهه لفحاتها ثم تعشق قبحك ...أن تلتصق بجلادك كي تدمن سياطه ..هذا ما أوقفني عن الإجابات ..ولكن بقي لي أن أواجهها بسؤال أخير كنت أود سؤالها إياه من بداية المكالمة : ماذا تتوقعين منا أن نساعدك في حالتك هذه ؟ لماذا اتصلت علينا ؟
ردت باستفزاز : لقد أجبتك ولم تفهمي علي ولكني اكرر إجابتي بشكل مختلف ..اسمعي ...اعلم انك ستعجزين عن المساعدة ولا يوجد حل إلا حل الضحية للضحية, فحل زوجي هو المتوقف عليه حياتنا, انه زمن قد لايكرر لم اعهد وحدتي في هذا البيت من ثلاث سنوات لم أتحسس حدودي ولم أتعرف على أفكاري, منذ تلك السنوات أردت أن يسمعني المجهول... سمعت عنكم في الإذاعة فأدرت الأرقام ...سيدتي الأخصائية التي تجيدين الاستماع للضحايا ..لم اسمع سوى رجع صدى صوتي , لم أتخيل وجودك للحظه, فعلت ذلك أيضا أمام المرآة...رأيت جسدا ليس لي ...لم أرى نفسي , رأيت تلك المرأة ..أمي تلك المجهولة .
اختفى الصوت وأصبح صوت توت توت توت توت في التليفون يصك في أذني ...بحثت في أوراقي وذاكرتي عن المتشابهات في الأصوات والأجساد فكثرت أوراقي فبعثرتها في المكتب وخرجت أتنفس لحظة حرية.
ودمتم
Zahiakh.wordpress.com



#زهية_شاهين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...
- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
- -المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهية شاهين - أمي تلك المجهولة