|
الإنسان وصناعة الغباء عبر العصور والأزمان2-2
راندا شوقى الحمامصى
الحوار المتمدن-العدد: 3381 - 2011 / 5 / 30 - 19:28
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
التقليد الأعمى والآيات القرآنية وَلَـكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ 103 وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ 104 (المائدة) وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا 67 ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا 68 (الأحزاب) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ 23 (التوبة) وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ 116 إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ 117 (الأنعام) قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ 78 (يونس) إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ 27 وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ 28 (الأعراف) يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ 35 وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا أُوْلَـَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ 36 فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَـئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُواْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ 37 قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـكِن لاَّ تَعْلَمُونَ 38 (الأعراف) والإعتراضات كثيرة ولم أذكر منها سوى القليل، ولكن طالب الحقيقة يجمل به أن يتأمل في هذه الأسئلة: - إن لم نكن دائماً على وعي وعلى حذر، أليس من الممكن ان نعيد نفس أغلاط السالفين الذين اضطهدوا ورفضوا رسل الله، فنصبح بذلك مستحقين لقهره وعقابه؟ - ... وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَث رَسُولاً 15 - (الإسراء) - هل نجح أولئك في إطفاء نور الله وفي ايقاف ثقدم أمره ودينه، أم هل كانت أعمالهم في الحقيقة، سبباً لعلو وانتشار الدين الجديد؟ السعي والبحث الشخصي لابد منه لكل طالبي الحقيقة, ويجب أن "نتبين" في كل الأمور قبل تصميم الآراء. إن أردنا نحن الوصول إلى الحقيقة وجب علينا ترك التعصبات ونبذ ما لا يسمن ولا يغني. وهنا تتجلى الحاجة الملحة إلى البصيرة النيرة والعقل السليم. فلو كان كأس وجودنا طافحاً بالأغراض الشخصية لن يبقى فيه مجال لماء الحياة، وحينما نظن أننا على حق وإن غيرنا على باطل يصبح اعتقادنا هذا أعظم مانع في سبيل الوصول إلى الحقيقة. يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين 6 - (الحجرات( يجب على السّالك سبيل الإيمان والطّالب كؤوس الإيقان أن يطهّر نفسه ويقدّسها عن جميع الشؤونات العرضيّة – أي ينزّه السّمع عن استماع الأقوال، والقلب عن الظّنونات المتعلّقة بسبحات الجلال، والرّوح عن التّعلّق بالأسباب الدّنيويّة، والعين عن ملاحظة الكلمات الفانية، ويسلك في هذا السّبيل متوكّل على الله ومتوسّل إليه، حتّى يصبح قابل لتجلّيات إشراقات شموس العلم والعرفان الإلهيّ، ومحلاًّ لظهورات فيوضات غيب لا يتناهى. انظروا إلى الأيّام السّالفة، كم من العباد من شريف ووضيع، كانوا دائمًا ينتظرون ظهورات الأحديّة في الهياكل القدسيّة، على شأن كانوا في جميع الأوقات والأزمنة يترصّدون وينتظرون، يدعون ويتضرّعون، لعلّ يهبُّ نسيم الرّحمة الإلهيّة، ويطلع جمال الموعود من خلف سرادق الغيب إلى عرصة الظّهور. وعندما كانت تنفتح أبواب العناية، ويرتفع غمام المكرمة، وتظهر شمس الغيب عن أفق القدرة، يقوم الجميع على تكذيبها وإنكارها ويحترزون عن لقائها الّذي هو عين لقاء الله، كما هو مذكور ومسطور تفصيله في جميع الكتب السّماويّة. فلِمَ اعترض العباد من بعد طلبهم وانتظارهم؟! وكان اعتراضهم أيضًا بدرجة يعجز اللِّسان والبيان عن وصفه، ويقصر التّقرير والتّحرير عن ذكره. فلم يظهر أحد من المظاهر القدسيّة والمطالع الأحديّة إلاّ وابتلي باعتراض النّاس وإنكارهم واحتجاجهم كما قال تعالى: ﴿يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون﴾( سورة يس)، وكما قال في موضع آخر ﴿وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ﴾( سورة غافر) وكذلك كانت الكلمات النّازلة من غمام القدرة الصّمدانيّة، وسماء العزّة الرّبّانيّة تفوق حدّ الإحصاء وإحاطة العباد، وإنّ في سورة هود لكفاية لأولي الأفئدة وأصحاب البصر. فتأمّلوا قليلاً في هذه السّورة المباركة وتدبّروا فيها بالفطرة الأصليّة، حتّى تطّلعوا قليلاً على بدائع أمور الأنبياء وردّ كلمات النّفي لهم وتكذيبهم إيّاهم، لعلَّ تكوننَّ سببًا لأن يطير النّاس من موطن الغفلة النّفسانيّة إلى أوكار الوحدة والمعرفة الإلهيّة، وتشربنَّ من زلال الحكمة الباقية، وترزقنَّ من أثمار شجرة علم ذي الجلال. هذا هو نصيب الأنفس المجرّدة من المائدة المنزّلة القدسيّة الباقية. لو اطّلعنا على علّة إبتلاء الأنبياء، وسبب اعتراضات العباد على تلك الشّموس الهويّة، لوقفتم على كثير من أمورهم. كذلك كلّما لاحظتم وتفحّصتم كثيرًا في اعتراضات العباد على مشارق شموس صفات الأحديّة، ازددتم إحكامًا في دينكم، ورسوخًا في أمر الله. لذا نذكر في هذه الألواح بعضًا من قصص الأنبياء على سبيل الإجمال، حتّى يكون معلومًا ومثبوتًا أنّه قد ورد على مظاهر القدرة ومطالع العزّة في جميع الأعصار والقرون، ما يضطرب له القلم ويخجل من ذكره. لعلَّ تصير هذه الأذكار سببًا لعدم اضطراب بعض النّاس من إعراض العلماء واعتراض جُهّال العصر، بل ربّما يزيدهم هذا إيقانًا واطمئنانًا. فمن جملة الأنبياء نوح عليه السّلام الّذي ناح تسعمائة وخمسين سنة، ودعا العباد إلى وادي الرّوح الأيمن، وما استجاب له أحد، وفي كلّ يومٍ كان يرد منهم على هذا الوجود المبارك من الأذيّة والإيذاء ما كانوا به يوقنون أنّه قد هلك. وكثيرًا ما ورد على حضرته من أنواع السّخرية والاستهزاء والتّعريض. كما قال تعالى: ﴿وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) (سورة هود). وبعد حين من الزّمن وعد أصحابه وعدًا معيّنًا عدّة مرّات بإنزال النّصر عليهم، وفي كلّ مرّةٍ منها كان يحصل البداء، فأعرض بسبب ظهور البداء بعضٌ من أصحابه المعدودين، كما هو مثبوت تفصيله في أكثر الكتب المشهورة مِمّا لا بدّ أنّكم قد اطّلعتم عليه أو ستطّلعون. حتّى أنّه لم يبق مع حضرته إلا أربعون نفسًا أو اثنان وسبعون، كما هو مذكور في الكتب والأخبار، إلى أن صرخ أخيرًا من أعماق قلبه بدعائه ﴿رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾( سورة نوح). والآن يجب التّأمّل قليلاً. ماذا كان سبب اعتراض العباد واحترازهم إلى هذه الدّرجة في ذلك الزّمان، ولِمَ لم يخلعوا قميص النّفي، ويتحلّوا برداء الإثبات ويفوزوا به. وكذلك لماذا حصل البداء في الوعود الإلهيّة ممّا كان سببًا في إدبار بعض المقبلين. لذا يجب التأمّل كثيرًا، حتّى تقف على أسرار الأمور الغيبيّة، وتستنشق رائحة الطّيب المعنويّ من الفردوس الحقيقيّ، وتوقن بأنّ الامتحانات الإلهيّة لم تزل كانت بين العباد، ولا تزال تكون بينهم، حتّى يتبيّن ويتميّز النّور من الظّلمة، والصّدق من الكذب، والحقّ من الباطل، والهداية من الضّلالة، والسّعادة من الشّقاوة، والشّوك من الورد، كما قال تعالى: ﴿الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ﴾( سورة العنكبوت) ومن بعد نوح، أشرق جمال هود من مشرق الإبداع، ودعا النّاس إلى رضوان القرب من ذي الجلال نحوًا من سبعمائة سنة أو يزيد، على حسب اختلاف الأقوال. فكم من البلايا نزلت على حضرته كالغيث الهاطل، حتّى صارت كثرة الدّعوة سببًا لكثرة الإعراض، وشِدّة الاهتمام علّةً لشدّة الإغماض ﴿وَلا يَزِيدُ الكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَسَارًا﴾( سورة فاطر) ومن بعده طلع هيكل صالح من رضوان الغيب المعنويّ، ودعا العباد إلى شريعة القرب الباقية، وفي مائة سنة أو أزيد، أمرهم بالأوامر الإلهيّة ونهاهم عن المناهي الربّانيّة، فلم يأت ذلك بثمر، ولم يظهر منه أثر، فاختار الغيبة والعزلة عنهم مرّات عديدة، مع إنّ هذا الجمال الأزليّ، ما دعا النّاس إلاّ إلى مدينة الأحديّة، كما قال تعالى: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ﴾. إلى قوله ﴿قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَـذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾( سورة هود)، وما أتى ذلك بفائدة ما، إلى أن أخذتهم الصّيحة جميعًا، وكان مرجعهم إلى النّار. ومن بعده كشف الخليل النِّقاب عن جماله، ورفع علم الهدى، ودعا أهل الأرض إلى نور التُّقى، وكلَّما بالغ في النّصيحة لهم، لم يثمر ذلك غير الحسد، ولم ينتج غير الغفلة، إلاّ الّذين هم انقطعوا بكلّهم إلى الله، وعرجوا بجناحيّ الإيقان إلى مقام جعله الله عن الإدراك مرفوعًا. وقصّة حضرته مشهورة، فكم من الأعداء أحاطوا به إلى أن اشتعلت نار الحسد والإعراض. ومن بعد حكاية النّار أخرجوا ذلك السّراج الإلهيّ من بلده، كما هو مذكور في الكتب والرّسائل. ولمّا انقضى زمانه أتت دورة موسى، فظهر حضرته من سيناء النّور إلى عرصة الظّهور بعصا الأمر وبيضاء المعرفة. وأتى من فاران المحبّة الإلهيّة، ومعه ثعبان القدرة والشّوكة الصّمدانيّة. ودعا جميع من في الملك الى ملكوت البقاء، وأثمار شجرة الوفاء. ولقد سمعت ما ورد عليه من فرعون وملأه من الاعتراضات، وكم أُلقي على تلك الشّجرة الطّيّبة من أحجار الظّنونات من الأنفس المشركة، وبلغ الاعتداء عليه إلى حدّ أن همّ فرعون وملأه بإخماد نار تلك السّدرة الرّبّانيّة وإطفائها بماء الإعراض والتّكذيب. وغفلوا عن أنّ نار الحكمة الإلهيّة لا يخمدها الماء العنصريّ، وسراج القدرة الرّبّانيّة لا تطفئه الأرياح المخالفة. بلّ إنّ الماء في هذا المقام يصير سببًا للاشتعال، والرّيح علّةً للحفظ لو أنتم بالبصر الحديد تنظرون، وفي رضا الله تسلكون وما أحلى البيان الّذي فاه به مؤمن آل فرعون، كما أخبر ربّ العزّة حبيبه بحكايته قائلاً ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾( سورة غافر). وأخيرًا وصل الأمر الى حدّ أن قتلوا هذا المؤمن، واستشهد بنهاية العذاب (ألا لعنةُ الله على القوم الظّالمين) فانظروا الآن وتأمّلوا قليلاً في هذه الأمور وماذا كان سبب أمثال هذه الاختلافات، إذْ كلّما ظهر ظهور حقّ في الإمكان من أفق اللاّمكان كان يظهر ويبدو في أطراف العالم أمثال هذا النّوع من الفساد والفتنة والظّلم والانقلاب، مع أنّ جميع الأنبياء كانوا يبشّرون النّاس في حين ظهورهم بالنّبيّ التّالي، ويذكرون لهم علامات الظّهور الآتي، كما هو مسطور في كلّ الكتب. ومع طلب النّاس وانتظارهم لظهور المظاهر القدسيَّة، وذكر العلامات في الكتب، لماذا تحدث هذه الأمور في العالم، ويرد على جميع الأنبياء والأصفياء في كلّ عهد وعصر أمثال هذا الظّلم والعسف و التعدِّي؟ كما قال تعالى: ﴿أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ﴾( سورة البقرة) أي أنّه كلّما جاءكم رسول من قبل الله بما لا تهوى أنفسكم في أيّ عهد وزمان استكبرتم، وما أيقنتم، ففريقًا من هؤلاء الأنبياء كذّبتم وفريقًا كنتم تقتلون. تأمَّلوا حينئذٍ ماذا كان سبب هذه الأفعال، ولم كانوا يسلكون بهذه الكيفيّة مع طلعات جمال ذي الجلال؟ إذ كلّ ما كان سبب إعراض العباد وإغماضهم في تلك الأزمنة، قد أصبح اليوم أيضًا بعينه سبب غفلة هؤلاء العباد. فإذا قلنا أنّ الحجج الإلهيّة لم تكن كاملة ولا تامّة، ولذا كانت سببًا لاعتراض العباد، فإنّ هذا يكون كفرًا صراحًا. لأنّه بعيد جدًّا عن فيض الفيّاض، وبعيد عن واسع رحمته، أن يجتبي نفسًا من بين جميع العباد لهداية خلقه، ولا يؤتيها الحجّة الكافية الوافية، ومع ذلك يعذّب الخلق لعدم إقبالهم إليها. بل لم يزل جود سلطان الوجود محيطًا على كلّ الممكنات بظهور مظاهر نفسه، وما أتى على الإنسان حين من الدّهر انقطع فيه فيضه، أو منع نزول أمطار الرّحمة من غمام عنايته. إذًا فليست هذه الأمور المحدثة إلاّ من الأنفس ذات الإدراكات المحدودة، الّذين يهيمون في وادي الكبر والغرور، ويسيرون في بيداء البعد، ويتأسّون بظنوناتهم، وبما استمعوه من علمائهم. لهذا لم يكن عندهم أمور غير الإعراض، ولا بغية الاّ الإغماض، ومن المعلوم لدى كلّ ذي بصر، أنّه لو كان هؤلاء العباد في حين ظهور أيّ مظهر من مظاهر شمس الحقيقة، يقدّسون ويطّهرون السّمع والبصر والفؤاد من كلِّ ما سمعوه وأبصروه وأدركوه، لما حرموا البتَّة من الجمال الإلهيّ، ولا منعوا عن حرم القرب والوصال للمطالع القدسيّة. ولمّا كانوا يزنون الحجّة في كلّ زمان بمعرفتهم الّتي تلقّوها عن علمائهم، وكانوا يجدونها غير متّفقة مع عقولهم الضّعيفة، لذا كان يظهر منهم في عالم الظّهور أمثال هذه الأمور غير المرضيّة. إنَّ علماء العصر في كلِّ الأزمان كانوا سببًا لصدِّ العباد، ومنعهم عن شاطئ بحر الأحديّة، لأنَّ زِمام هؤلاء العباد كان في قبضة قدرتهم. فكان بعضهم يمنع النَّاس حبًّا للرّياسة، والبعض الاخر يمنعهم لعدم العلم و المعرفة. كما أنّه بإذن علماء العصر وفتاويهم قد شرب جميع الأنبياء سلسبيل الشّهادة، وطاروا إلى أعلى أفق العزَّة. فكم ورد على سلاطين الوجود، وجواهر المقصود، من ظلم رؤساء العهد، وعلماء العصر، الّذين قنعوا بهذه الأيّام المحدودة الفانية، ومنعوا أنفسهم عن الملك الّذي لا يفنى، كما حرموا عيونهم من مشاهدة أنوار جمال المحبوب، ومنعوا آذانهم عن استماع بدائع نغمات ورقاء المقصود. ولهذا ذكرت أحوال علماء كلّ عصر في جميع الكتب السّماويّة كما قال تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ﴾( سورة آل عمران) وكما قال ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾( سورة آل عمران) وكما قال تعالى في مقامٍ آخر ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ﴾( سورة آل عمران). (الإيقان) فأخلعوا عنكم لباس الغباء,والموروثات البالية وارتدوا قميص الحكمة والإنصاف وانظروا بعين الإنصاف في مبعوث هذا الزمان ولا تظلموا أنفسكم فتصبحوا على مافعلتم نادمين كما فعل السابقون. يَا ابْنَ الرُّوحِ أَحَبُّ الأَشْيَاءِ عِنْدِي الإنْصافُ. لا تَرْغَبْ عَنْهُ إِنْ تَكُنْ إِلَيَّ راغِباً وَلا تَغْفَلْ مِنْهُ لِتَكُونَ لِي أَمِيناً وَأَنْتَ تُوَفَّقُ بِذلِكَ أَنْ تُشَاهِدَ الأَشْياءَ بِعَيْنِكَ لا بِعَيْنِ العِبادِ وَتَعْرِفَها بِمَعْرِفَتِكَ لا بِمَعْرِفَةِ أَحَدٍ فِي البِلادِ. فَكِّرْ فِي ذلِكَ كَيْفَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ. ذلِكَ مِنْ عَطِيَّتِي عَلَيْكَ وَعِنايَتي لَكَ فَاجْعَلْهُ أَمامَ عَيْنَيْكَ.بهاءالله
#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإنسان وصناعة الغباء عبر العصور والأزمان2-1
-
الصلاة في البهائية2-3
-
الصلاة في البهائية1-3
-
تتابع الأديان وتطوّرها
-
الفضائل التي يتحلى بها قلب الإنسان وعقله
-
تابع المقالين السابقين-تجدد الدين بعد موته الروحاني
-
ما المقصود بعبارة خاتَم النبيين-2-2
-
ما المقصود بعبارة خاتَم النبيين-(1)
-
رسالة هامة من بيت العدل الأعظم (البهائي) إلى السّادة الأفاضل
...
-
خطوة نحو إقتصاد عالمى أفضل --ليس الفخر لمن يحب الوطن بل لمن
...
-
خطوة نحو إقتصاد عالمى أفضل --ليس الفخر لمن يحب الوطن بل لمن
...
-
خطوة نحو إقتصاد عالمى أفضل --ليس الفخر لمن يحب الوطن بل لمن
...
-
وحدة الجنس البشري
-
رسالة مفتوحة إلى كلّ المصريّين
-
الانقطاع2-2
-
الانقطاع1-2
-
معنى لقاء الله
-
المرأة والرجل جناحا الإنسانية
-
المرأة ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية- خطط قانونية لتعزيز
...
-
الهدف الغائي من رسل الله
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|