|
جمعة 27 مايو .. وتصحيح مسار الثورة
عماد عطية
الحوار المتمدن-العدد: 3379 - 2011 / 5 / 28 - 20:50
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
جمعة 27 مايو .. وتصحيح مسار الثورة
من حقنا أن نسعد بالنجاح في الحشد والترتيب لمظاهرات 27 مايو رغم كل الظروف غير المواتية، من حملات التخويف التي قادها المجلس العسكري والإعلام – الرسمي و"المستقل" الموالي له، وحملات التكفير التي قادتها التيارات الإسلامية، وصولا إلى موجة الحر الشديدة وامتحانات الطلبة. ومن حقنا أيضا أن نسعد بمشاركة – وان كانت محدودة – من جماعات محسوبة على التيار الإسلامي متمثلة في بعض شباب الإخوان ومريدي عدد من الطرق الصوفية وجماعات شيعية الميول، وكذلك بالمشاركة الواسعة للمسيحيين وخاصة شباب ماسبيرو. نجحت هذه المظاهرات في توصيل رسالة واضحة لكل من المجلس الأعلى والإخوان، مفادها أن قطاعات واسعة من الجماهير والقوى التي شاركت في الثورة غير راضية عن الطريقة التي تدار بها المرحلة الانتقالية، والتي يمكن تلخيصها في جملة واحدة هي، إن المجلس الأعلى يسعى لإجهاض الثورة عبر تسليمها لحلفائه في جماعة الإخوان المسلمين. الرسالة أوضحت أيضا أن زمن الاستبعاد والاستعلاء قد ولى، وأن الرهان على الوقت أو على الجماعة لإخماد لهيب الثورة، سواء كانت الجماعة هي من تطوع للقيام بهذه المهمة أو كان المجلس هو الذي كلفها بها، هو رهان خاسر فضلا عن أنه يحمل مخاطر شديدة على مستقبل البلاد. نجاح مظاهرات جمعة الغضب الثانية لا يجب أن يدفع أحذا من المشاركين فيها إلى غرور قد يصور للبعض أنهم نجحوا في كشف الإسلاميين ناهيك عن عزلهم، أو أن هذه المظاهرات كافية لتعديل المسار الذي يقوده المجلس العسكري. أولا، ليس مطلوبا عزل الإسلاميين أو إقصائهم إذا أردنا فعلا التحول لنظام ديمقراطي، فالإسلام السياسي تيار أصيل في المجتمع المصري لا يمكن إقصاؤه إلا بالعنف وعلى حساب الديمقراطية، وسيدفع الجميع الثمن إن آجلا أو عاجلا. المطلوب فقط أن يفهموا، وان كنت اشك في ذلك، أن ثورة 25 يناير خلقت واقعا سياسيا جديدا وأنهم لن ينفردوا بالساحة بعد الآن، وأن قوى الثورة لن تقبل استعلائهم وعروضهم بتوزيع حصص المقاعد سواء في البرلمان أو في النقابات على طريقة صفوت الشريف مع أحزاب "معارضة" ما قبل الثورة التي ذهبت غير مأسوف عليها. ثانيا، إعلان القوى المشاركة في مظاهرات الجمعة 27 مايو رفضها خارطة الطريق المطروحة من قبل المجلس، لا يجب أن ينسيها أنها عاجزة حتى الآن عن طرح خارطة طريق بديلة، وأن الاتفاق على مثل هذه الخارطة وكسب قطاعات واسعة من الجماهير لصفها هو الطريق الوحيد لفرضها على من بيده الأمر، وأن هذه مهمة شاقة تكتنفها العديد من الصعاب والمخاطر، وتتطلب الكثير من العمل والتفاني والاستعداد للتضحية بالمكاسب الصغيرة التي سيتم التلويح بها حتما لهذا الفريق أو ذاك. تتلخص الملامح الرئيسية لخارطة الطريق المقترحة في التمسك بالشعار الذي كان محل إجماع المتظاهرين وهو "الدستور أولا". وهو ما يتطلب التخلي عن شعارات أخرى ليست محل إجماع أو قد تستغل في افتعال صدام غير مرغوب فيه، مثل شعارات المجلس الرئاسي المدني أو لا لحكم العسكر. شعار المجلس الرئاسي المدني فات أوانه، ربما كان علينا أن نبقى معتصمين في ميدان التحرير حتى يتحقق خلال شهر فبراير الماضي، أما التمسك به الآن فلا جدوى منه. هذا الشعار، مع شعار لا لحكم العسكر، يدفع الأمور في اتجاه التحزب والانقسام لا حول خارطة الطريق المطلوبة، ولكن حول سبل فرضها، كما سيدفع من ناحية ثانية قوى أخرى مدعومة بجبهة استعادة الأمن والاستقرار ودفع عجلة الإنتاج المزعومة بأي ثمن لطرح البديل الأسوأ، وهو استمرار حكم المجلس العسكري لأجل غير مسمى، وهو بديل بائس يعارضه الكثيرون حتى داخل المجلس العسكري نفسه. انطلاقا من شعار الدستور أولا، تصبح المهمة الرئيسية هي جمعية تأسيسية لوضع الدستور المطلوب والذي يجب أن تجري على أساسه الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة. يجب أن يتم الاتفاق أولا على استبعاد فكرة تشكيل الجمعية التأسيسية بالتعيين أو بالتوافق بين القوى السياسية، هذا التوافق المزعوم فضلا عن أنه مستحيل، فهو أيضا وبالأساس استمرار لمنهج الوصاية على الجماهير الذي لا يمكن الدفاع عنه. وهنا تبرز الصعوبة الأولى أمام خارطة الطريق المقترحة، فانتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد لا يجب أن يتم بنفس طريقة الانتخابات البرلمانية، وعلينا أن نجتهد في البحث عن وسيلة ملائمة تضمن تمثيل حقيقي لكل فئات الشعب المصري بتنوعه الاجتماعي والجغرافي والنوعي والديني والعمري في الجمعية التأسيسية. السؤال التالي لطريقة انتخاب الجمعية التأسيسية يتعلق بالإجراءات الواجب اتخاذها على وجه السرعة لضمان توفير الأجواء المناسبة للانتخابات ولحل المشكلات التي لا تحتمل التأجيل لحين الانتهاء من وضع الدستور الجديد وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية. ويأتي في مقدمتها: - إعادة بناء جهاز الشرطة بالتزامن مع عزل جميع قياداته ومحاكمة جميع المتهمين في قضايا التعذيب والقتل قبل وأثناء وبعد ثورة 25 يناير، باعتباره السبيل الوحيد لاستعادة الأمن عبر استعادة الثقة في هذا الجهاز الحساس والخطير، وخاصة بعد اتضاح فشل محاولة استعادة الأمن عبر سياسة الطبطبة على الضباط والتغاضي عن جرائمهم. - تطهير كافة أجهزة الدولة والقطاع العام من القيادات الفاسدة، وإعادة هيكلة الأجور دون زيادة الإنفاق على المرتبات والحوافز وخلافه، وفقط عبر إعادة توزيعها بشكل عادل. - إلغاء كافة القوانين القمعية وإطلاق حرية التنظيم بكافة أشكاله، بما في ذلك حل المجالس المحلية واتحاد العمال الحكومي وإلغاء لائحة 76 وحل مجالس إدارات الجمعيات التعاونية الزراعية وإعادة انتخاب جميع هذه التنظيمات بشكل حر وديمقراطي بما في ذلك انتخاب المحافظين ورؤساء الجامعات وعمداء الكليات. - تطهير الإعلام الحكومي عبر تشكيل مجالس أمناء منتخبة في الإذاعة والتلفزيون والصحف القومية. - تبني برنامج اقتصادي واجتماعي عاجل يتضمن إعادة تشغيل المصانع المغلقة ومنح إعانات للعاملين في القطاعات الأكثر تأثرا وخاصة العاملين المؤقتين في قطاعات السياحة والمقاولات. كل ما سبق من إجراءات يمكن تنفيذه بشكل عاجل ولا يتطلب انتظار الدستور الجديد أو الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية، وقد يرى البعض أن هذه المهام يجب أن تتولاها حكومة منتخبة، وأن طرحها الآن سيطيل من بقاء – غير مرغوب فيه – للمجلس العسكري في السلطة، ولكن هذا غير صحيح، فإجراء الانتخابات البرلمانية أولا، سواء أعقبها انتخابات رئاسية أم لا وهذا أمر مشكوك فيه، ثم قيام البرلمان المنتخب بتشكيل لجنة لإعداد دستور جديد ثم إقراره ثم إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة طبقا للدستور الجديد، كل هذا يتطلب وقتا أطول بكثير، سيستمر فيه المجلس العسكري في حكم البلاد، لأن بقاءه مرتبط بعودة الأمن وانتظام سير العمل داخل الدولة، والإجراءات المقترحة تمثل شرطا ضروريا لتحقيق هذا الهدف. أما التحجج بأن خارطة الطريق المقترحة تمثل رفضا للإرادة الشعبية التي عبرت عن نفسها في الاستفتاء على التعديلات الدستورية، فهو أكثر تهافتا، فمن ناحية كان الزج بمادة مؤقتة تحدد طريقة إعداد الدستور الجديد في هذه التعديلات تلاعبا بمهمة لجنة إعداد التعديلات لا يليق إلا بأمثال البشري وصبحي صالح، ومن ناحية أخرى ينسى من يطلقون هذه الفزاعة "الديمقراطية" في وجوهنا، أن المجلس العسكري هو الذي ألقى بنتائج الاستفتاء في أول صندوق قمامة بإصدار إعلان دستوري يتضمن 60 مادة بمناسبة الاستفتاء على 9 مواد!! الأهم أن نتيجة الاستفتاء لا تحرمنا من حق معارضة خارطة الطريق المعمول بها والمطالبة حتى باستفتاء جديد حول خارطة الطريق المقترحة. التراجع عن خارطة طريق أصبح عوارها مكشوفا للجميع أفضل ألف مرة من التمسك بها بحجة الاستفتاء الذي لم يتضمن تفاصيلها. على قوى مظاهرات 27 مايو، أن تدرك أن 27 مايو ليس 25 يناير، فالأخير كان غياب القوى السياسية عن التحضير له وقيادته شرطا لنجاحه واستمراره حتى تحقيق هدفه الرئيسي بإزاحة مبارك وأعوانه، أما الآن فدور هذه القوى هو الضمان الوحيد لنجاح النضال من أجل تصحيح مسار الثورة. ومن ناحية أخرى فان المظاهرات المليونية تحتاج هذه المرة لجهدا أكبر بكثير في الدعوة إليها وتنظيمها، وإقناع الجماهير بأنها تعني عودة أسرع للأمن والاستقرار المنشود وانتظام دولاب العمل وعودة الجيش للثكنات، كما أن المظاهرات المليونية لا يجب أن تكون الأداة الوحيدة في الضغط ، وانتظام هذه القوى في أشكال منظمة سيساعدها على إبداع أشكال متنوعة. خارطة الطريق المقترحة تتلخص في دستور جديد عبر جمعية تأسيسية منتخبة، تعقبه انتخابات برلمانية ورئاسية، وتسبقه إجراءات عاجلة سبق الإشارة لبعضها، وتتضمن مراجعة كافة القوانين المتعلقة بنظام الحكم (تنظيم ومباشرة الحقوق السياسية، الأحزاب السياسية، مجلس الشعب، تنظيم الانتخابات البرلمانية والرئاسية) عبر حوار مجتمعي واسع ومنظم وجاد. وأخيرا، علينا أن نطالب جميع مرشحي الرئاسة الجادين بوقف حملاتهم الانتخابية لحين الاستجابة لخطوات تصحيح المسار المطلوبة، وعلينا أن نراجع موقفنا من الانتخابات البرلمانية المقبلة في ضوء تطور الحملة التي يجب أن تتضمن مظاهرات كل يوم جمعة، يمكن أن تتطور لاعتصام مستمر في أي وقت. باختصار، علينا أن نركز جهودنا في معركتنا الحقيقية حول خارطة الطريق للانتقال للديمقراطية واستكمال مهام الثورة بدلا من الانجرار لشجار الديكة التليفزيوني حول الدولة الدينية والدولة المدنية.
#عماد_عطية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خطتان للثورة الديمقراطية !!
-
المجلس الأعلى للقوات المسلحة، قيادة لمرحلة انتقالية .. أم لث
...
-
حول الدور السياسي للمؤسسة العسكرية
-
البحث عن بطريرك
-
اليسار وأزمة المجتمع المصري
-
حول مشكلات العمل النقابي المهني في مصر تجربة المهندسين الديم
...
-
ملاحظات حول مستقبل الديمقراطية بين الليبراليين والحركة الاسل
...
المزيد.....
-
مجلس الوزراء السعودي يوافق على -سلم رواتب الوظائف الهندسية-.
...
-
إقلاع أول رحلة من مطار دمشق الدولي بعد سقوط نظام الأسد
-
صيادون أمريكيون يصطادون دبا من أعلى شجرة ليسقط على أحدهم ويق
...
-
الخارجية الروسية تؤكد طرح قضية الهجوم الإرهابي على كيريلوف ف
...
-
سفير تركيا في مصر يرد على مشاركة بلاده في إسقاط بشار الأسد
-
ماذا نعرف عن جزيرة مايوت التي رفضت الانضمام إلى الدول العربي
...
-
مجلس الأمن يطالب بعملية سياسية -جامعة- في سوريا وروسيا أول ا
...
-
أصول بمليارات الدولارات .. أين اختفت أموال عائلة الأسد؟
-
كيف تحافظ على صحة دماغك وتقي نفسك من الخرف؟
-
الجيش الإسرائيلي: إصابة سائق حافلة إسرائيلي برصاص فلسطينيين
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|