أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - محمد الخمليشي - مستقبل الريف: بين الجهوية والحكم الذاتي















المزيد.....

مستقبل الريف: بين الجهوية والحكم الذاتي


محمد الخمليشي

الحوار المتمدن-العدد: 3378 - 2011 / 5 / 27 - 20:20
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


أن يجريَ الحديث عن بدائل لقوام الدولة، المغربية الآن، من خلال خيارات الجهوية الموسعة أو الحكم الذاتي في الريف، يطرح أكثر من سؤال، الآن، حول جدارتهما الإجرائية، ومتانة بنائهما المفهومية والتصورية.
فمثلما فتحت ثورة الريف بداية العشرينات من القرن الماضي عصر الثورة الأولى، على الاستبداد الاستعماري الاسباني والفرنسي بكل ما تسنى لها من إرادة ودراية أحلام قومية كبرى في التحرر وتقرير المصير، وبناء الدولة الحديثة والمستقلة بين الأمم، فإن لحظة الاستقلال منذ 1956 تمثلت لدى المغاربة، كثورة ثانية تكمل حلقة الجهاد الأصغر (التحرر الوطني) وتدشين مرحلة الجهاد الأكبر ، ضد الفقر والأمية...
غير أن تلك اللحظة الثانية ظلت متسمة، إلى عهد قريب(نهاية القرن العشرين)، بالصراع حول السلطة في بناء الدولة. معنى ذلك أن المغاربة كغيرهم من الشعوب في كل المنطقة العربية نزعوا إلى امتلاك أو احتكار سلطة الدولة، في شكلها الحديث، وهم لا يزالون أسرى لسلطاتهم التقليدية. فالدولة العصرية تفترض انتماء ما فوق التبعيَّات للعشيرة والقبيلة والإثنية والجهة؛ مما يدفع إلى الاستنتاج أن الجدلية المحركة لبقية جدليات الصراع السياسي البنيوي ، لكل الحقبة الممتدة من منتصف القرن العشرين حتى نهايته سنة 1999 كان لها موضوع واحد يصول ويجول حول سؤال من يمتلك الدولة... هذه الدولة الغامضة التي كان يتعامل معها الريفيون على أساس أنها قوة أجنبية آتية من مجهول "بلاد المخزن" ، مقترنة، دائماً بأشكال الاستبداد المحض، وبكل ما تشير إليه من تمثُّلات سلبية، مضمرة في غياهب اللاوعي الجمعي، وتمتد مما خلفته حركة بوشتى البغدادي على بقوية، مروراً بأحداث 58/1959 و 1984 وأحداث أخرى منتشرة ومُتشظِية، كأورام في جسد ونسيج العلاقة الأمنية والإدارية بين الدولة والمجتمع.
هكذا فإن دولة الاستقلال، بعد أن كانت حلماً جماعياً جميلاً، وبالرغم ومع لم يكن بإمكانها التخلي عن مفردات ومظاهر الديمقراطية المعلنة في دساتيرها التأسيسية المتوالية؛ فالدولة المخزنية أضحت تُختزل في كونها غنيمة الغنائم؛ إذ لم تعد لها سوى مهمة واحدة، وهي إلغاء الشعب، هكذا دفعة واحدة، وذلك بإلغاء حضوره في أي شأن عام، بدءاً من مصادرة حرياته الأساسية إلى استلاب المبدأ القائل باحترام حقوق الإنسان وأن الشعب هو مصدر السلطات.
فبفعل تأثير حركة 20 فبراير، هذه التي تبدو كامتداد لحركة ثورية همت مجموعة من البلدان العربية. فاللحظة تشهد دعوة لمراجعة شاملة لأسباب الفساد والأزمة والتخلف، كما تدعو إلى إعادة النظر في مداخل التقدم والثورة والحداثة والهوية.
فهل هي الثورة الثالثة؟
أم أن هذه اللحظة التي تشهد مراجعة شاملة لقضايا النهضة والتنمية بلغت مرحلة استنفاذ الحلول، وأنه لم يتبقَّ سوى الاستسلام لقانون الصدفة وحده يقودنا إلى انتكاسة أخرى. وبالتالي يُترك للعامل السياسي التحكم من جديد بقانون الصدفة هذا، يقوده أو ينقاد هو به، بصورة آلية عمياء؟
أم أن مستقبل الريف يجب أن هو ينحاز لأحد الخيارين السياسيين: الجهوية الموسعة أو الحكم الذاتي؟ في إطار تدبير الاختلاف والتصالح مع الدولة والتاريخ، ضمن الوحدة الوطنية؟
أفليس من مكان يسكنه مستقبل الريف غير هذين المفهومين؟
أم أن النهضة والتقدم والتنمية المستدامة قد فقدت، عموماً، أمكنتها وأزمنها، ولم تبق ممكنة وماثلة، إلا كحلم متفائل، يتناقله الناس جيلاً بعد جيل، مصرين على التعلق بألفاظها على الأقل؟
أليس مستنقع التخلف المعرفي أو العلمي في إنارة الوضعية الحالية، علامة على إمكانية الانزياح نحو آفة حقيقية مزمنة لا علاج لها (غياب أية مؤسسة جامعية للدراسات الإنسانية والإستراتيجية في جهة الريفـ، مثلاً، تهتم بالإنسان والمجال..)؟
لعل الأسئلة السالفة، تشير إلى نقاط مفصلية نركزها (للحصر في هذا المقال) أولا في العامل السياسي، وثانياً في العامل الحقوفي؛
أولاً: فالتحولات العظمي التي شهدها العالم بانفراط وحدة المعسكر الاشتراكي عجل من وتيرة النزوعات الانفصالية لدى شعوب ومجموعات هوياتية أو إثنية...ظلت تشعر بهيمنة دول إتحادية أو فدرالية، بدعوى طبيعة أنظمتها الكليانية (الإتحاد السفياتي، فدرالية يوغوسلافيا..). ولما كانت الغلبة تعود إلى "إنتصار" الرأسمالية، فقد شكلت الليبرالية نقطة جذب هامة لقيم هذه الأخيرة، المعلنة كقيم للحرية الفردية والجماعية.
وقد تَمثَّل ذلك النزوع، في المغرب، بصيغة مطالب هوياتية لدى الحركات الأمازيغية، والأصوليات الإسلامية...وفي المقابل فإن الدولة المغربية وريثة عهد الاستقلال لم يكن بوسعها القفز على تلك النزوعات المستجدة. فهي التي انبنت بسلطاتها التقليدية العتيقة وبشرعياتها الدينية والتاريخية المفترضة، فوق تبعيات الأفراد والمجموعات لعشيرة والقبيلة. فكانت الحاجة، إلى إعادة هيكلة الحقل الديني، وتقطيع وترتيب المجال الترابي، بصيغة تسمح بتلطيف النزوعات الانعزالية أو الانفصالية، سواء على مستوى التقطيع الترابي (الجهوية المتقدمة، الجهوية الموسعة، الحكم الذاتي) أو على مستوى "التقطيع الهويــاتي". من أجل ذلك، سبق وأن أعلن للملك الراحل الحسن الثاني عن وضع ا السكتة القلبية للمملكة المغربية. اضطرت معها الدولة للانفتاح، على مكوناتها السياسية المعارضة، وإن بشكل محدود، منذ سنوات التسعينات. وبذلك انفتحت الدولة على برامج ومشاريع سياسية واجتماعية وثقافية تلامس القيم الكونية في الديمقراطية والمواطنة واحترام حقوق الإنسان، من خلال ترسيم جو الثقة مع أحزاب سياسية وفعاليات يسارية، كانت إلى عهد قريب شديدة المعارضة لممثلي النظام المخزني (حكومة عبد الرحمن اليوسفي). فأضحت هذه القوى تحتل مواقع سامية في هرم السلطة، الشيء الذي جعل من النزوعات الاستقلالية في اتخاذ القرار وطروحات الحكم الذاتي ممكنة النقاش والتداول في ظل المبادئ الكونية التي تفيد إمكانية الانتقال الديمقراطي.
لعله التوصيف الذي يشير إلى وضعية شبه الاستقرار الراهن للمملكة.
فإذا كان مشروع الجهوية المتقدمة كما بلورتها اللجنة الاستشارية للجهوية في تقريرها المقدم للملك ينطلق من تصور يفيد بلورة الإرادة الملكية التي تستهدف جهوية متقدمة ، ديمقراطية الجوهر، مكرسة التنمية المستدامة والمندمجة اقتصاديا وثقافياً وبيئياً، في ظل التمسك بالوحدة الوطنية: السياسية والتشريعية والقضائية التي تحدد خطوطها العريضة سواء من حيث مقترحات التقطيع الترابي للجهات أو في الوظائف الموضوعية من قبيل تعزيز سياسة القرب وتعزيز المناخ الديمقراطي والممارسة التشاركية ومقاربة النوع ثم الحكامة الجيدة؛ فإنه بالرغم من تلك المفردات والمفاهيم المستعملة، في صياغة التصور العام والمقاربات الحداثية ، إلا أنه يقف لينص ويؤكد على أن الأمر لم يفرضه التوفيق بين نعراتٌ إثنية أو ثقافية أو عقائدية. بل إن هذه (النعرات...)، لا تعدو في تقدير التقرير، مجرد مثبطات تاريخية، مخلة بالعقلانية والوظيفية المنشودة. ومع ذلك يضيف التقرير أنه تمت مراعاة بعض المناطق (التي تعني الصحراء) لتحضى بالتضامن الوطني.
أفليس هذا الإغراق في الوظيفية باسم الحداثة و العقلانية، والاستثناء لما يسميه التقرير بالنعرات والمثبطات هو الانزياح عينه نحو النعرات المعيبة، للإيديولوجي والسياسوي الذي لا يقوى على الانفكاك من ثنائيات الخير/الشر، العقلاني/ اللاعقلاني؟
ثانياً: تمثلت تجربة العدالة الانتقالية، مع هيأة الإنصاف والمصالحة، (2003-2005) إرادة تاريخية لاستبدال صورة احتكار الدولة للعنف والسلطة المطلقة والتي ظلت سائدة طيلة سنوات الرصاص (1956-1999)؛ بصورة إنصاف الدولة لضحاياها والمصالحة معهم، حيث هم في جهاتهم ومناطقهم الأفراد والجماعات والمناطق، بما فيها الريف، توخياً للإنصاف والمصالحة، وتسييد قيم العدالة والديمقراطية الاجتماعية والسياسية، المفتوحة على المستقبل ، في دولة الحق والقانون.
أما أن يعود الشعب، الآن، مع هذه الثورة الثالثة (حركة 20 فبراير)، لأن يستعيد حرياته الكاملة، في التعبير عن مناهضته للفساد واللاعدالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أو أن يعبر عن حاجاته للكرامة ولتدبير حقوقه الأساسية، تحت سقف دولة الحق والقانون؛ فذلك جهد اجتماعي وثقافي كبير لم يألفه هذا الشعب ذاته، ولا نخبه السياسية والفكرية. فكما يحدث في تونس ومصر وجهات أخرى، بما فيها الريف والمغرب؛ فإن معالم ثورة ديمقراطية جهلتها شعوب عربية طويلا تبدو جلية الملامح، بالرغم من أن هاته الشعوب لم تهتد إلى معرفتها إلا منذ شهور معدودة.
لعل السياق كان، بدوره إيجابياً في تفعيل مسار العدالة الانتقالية، وبخاصة، إثارة انتباه الدولة لضرورة رفع الحجر على الجهات المهمشة، بما فيها: الريف. فقط نشير إلى أن إثر محاكمة نوربورغ، بعد الحرب العالمية الثانية التي استهدفت محاكمة الرايخ الثالث النازي، على الجرائم والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وبعدها المحاكمة الخاصة بجرائم الحرب التي رافقت تفكك فدرالية يوغوسلافيا، وكذ المحاكمة الخاصة بالمجازر التي هزت رواندا وكل الرأي العام الإنساني.. كل تلك المحاكم للفضائع الحديثة وغيرها، عجلت بميلاد مبادرة حازمة تمثلت في توقيع معاهدة روما 1999، القاضية بإحداث المحكمة الجنائية الدولية، ذات الصلاحيات الكونية في محاكمة الجرائم ضد الإنسانية . فلعلنا الآن، نوجد تجاه مسؤولية جماعية وكونية للإنسانية، ليس فقط تجاه الجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب، بل أصبح السكوت أو بالأحرى النسيان إنكاراً للضحية الإنسانية، إن لم نقل مشاركة معنوية في الجريمة. فإذا كان النسيان خطأً ممنوعا، فإن التذكر والذاكرة أضحت واجباً أخلاقياً وقانونياً. لقد اكتشف القرن الواحد والعشرين: واجب الذاكرة.
وبذلك فقد أمسى الريف، كجهة من بين كل جهات العالم، معنياً، بواجب الذاكرة، بما تفترضه من مسؤولية إنسانية للانتقال به، من وضع التهميش والنسيان إلى وضع تسود فيه العدالة وتحكمه قيم التعايش والحوار ضمن محيطه الوطني وتجاه جواره المتوسطي.



#محمد_الخمليشي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيدة المناديل
- حديقة جبران
- في الحديقة
- أحداث 1958/ 1959 بالريف، بين الذاكرة والتاريخ
- هل يمكن التفاؤل بمصادقة المغرب على قانون المحكمة الجنائية ال ...
- لمن تدقُّ الأجراس في خاتين؟
- ضجر…
- ويستمر الحصار…
- الذاكرة والنسيان في العلاقة المغربية- الاسبانية
- الأمازيغية/ العروبة:مقالة في التسامح
- حركة اليسار الآن في المغرب، إلى أين؟
- الجهوية أو سكنى العالم ديموقراطياً
- انتخابات 12 يونيو 2009 أو انهزام المشروع المجتمعي


المزيد.....




- وفاة الملحن المصري محمد رحيم عن عمر يناهز 45 عامًا
- مراسلتنا في الأردن: تواجد أمني كثيف في محيط السفارة الإسرائي ...
- ماذا وراء الغارات الإسرائيلية العنيفة بالضاحية الجنوبية؟
- -تدمير دبابات واشتباكات وإيقاع قتلى وجرحى-.. حزب الله ينفذ 3 ...
- ميركل: سيتعين على أوكرانيا والغرب التحاور مع روسيا
- السودان.. الجهود الدولية متعثرة ولا أفق لوقف الحرب
- واشنطن -تشعر بقلق عميق- من تشغيل إيران أجهزة طرد مركزي
- انهيار أرضي يودي بحياة 9 أشخاص في الكونغو بينهم 7 أطفال
- العاصفة -بيرت- تتسبب في انقطاع الكهرباء وتعطل السفر في الممل ...
- 300 مليار دولار سنويًا: هل تُنقذ خطة كوب29 العالم من أزمة ال ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - محمد الخمليشي - مستقبل الريف: بين الجهوية والحكم الذاتي