أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الحسين شعبان - سعد صالح.. سياسي كان يسيل من قلمه حبر الأدب















المزيد.....

سعد صالح.. سياسي كان يسيل من قلمه حبر الأدب


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3378 - 2011 / 5 / 27 - 14:23
المحور: الادب والفن
    


الوسطية في أجواء التمترس
سعد صالح.. سياسي كان يسيل من قلمه حبر الأدب

قبل 65 عاماً وفي مثل هذه الأيام بالذات، تشكلت وزارة جديدة في العراق بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث أعلنت هزيمة الفاشية والنازية وارتفع رصيد أفكار الحريات والديمقراطية. الوزارة جاءت بعد خطاب الوصي الأمير عبد الإله، الذي وعد فيه بإجراء إصلاحات، وكانت الوزارة برئاسة توفيق السويدي، واحتل يومها سعد صالح المثقف والشاعر والحقوقي منصب وزير الداخلية، وشرع في تنفيذ برنامجه على الفور، مستفيداً من الأجواء الإيجابية التي أفرزتها الأوضاع السياسية لما بعد الحرب، سواءً على الصعيد الداخلي أو على الصعيد الخارجي والدولي.
وعلى الرغم من أن سعد صالح لم يعمّر طويلاً فقد توفي يوم 17 شباط (فبراير) عام 1949 وهو على مشارف الخمسين، حيث كان عمره لم يتجاوز الأربعة عقود ونصف من الزمان يوم توليه الوزارة، ولم تستمر الوزارة المذكورة سوى 97 يوماً حقق فيها منجزات ظلّت تشهد له، ولعلها كانت نتاج ظرف موضوعي وذاتي تاريخي، وبعدها بنحو عام ونيف دهمه المرض وتدهورت حالته الصحية وبقي مقعداً على فراش المرض حتى غادر دنيانا الفانية. تشكلت الوزارة يوم 23 شباط (فبراير) 1946 وانتهت يوم 30 أيار (مايو) من العام ذاته.
في كتابي "سعد صالح: الوسطية الفرصة الضائعة: الضوء والظل" سلّطت الضوء على جوانب مهمة من حياته ومواقفه وشعره، الأمر الذي فتح آفاقاً جديدة لإعادة قراءته بالارتباط مع تلك المرحلة المهمة من تاريخ العراق، التي شهدت أجواءً إيجابية وحركة انفتاح ورغبة في التجديد على صعيد السياسة والأدب والفن، ولا سيما في الشعر الحديث والمسرح، وذلك تساوقاً مع الأفكار الوسطية والديمقراطية، على الرغم من عوامل الكبح والتطرف أحياناً، سواءً من جانب السلطات الحاكمة أو بفعل الاستقطاب الحاصل في إطار الحركات الشمولية، إضافة الى دور السلطة الدينية الثيوقراطية، والسلطة الاجتماعية، بما فيها العادات والتقاليد البالية، خصوصاً بشأن المرأة والتقدم الاجتماعي وقضايا الحداثة، وهو ما كان يعبّر عنه سعد صالح في صلب مشروعه الاجتماعي والثقافي.
كان فخر أبي صخر عند تقريظه كتابي "جذور التيار الديمقراطي في العراق ـــ قراءة في أفكار حسين جميل"، قد استغرب كيف يكون فقيهاً قانونياً بارزاً مثل حسين جميل كاتب أول دستور جمهوري غائباً، وذلك في الندوة التي نظمها اتحاد الحقوقيين العرب والمنتدى القومي العربي في بيروت. وكنت قد طرحت في ندوة التأمت في برلين خلال أيار (مايو)2011، كيف أن حسين جميل كان أول من دعا إلى محكمة عربية لحقوق الإنسان، كما كان قد بلور فكرة محكمة عدل عربية، وذلك قبل ثلاثة عقود من الزمان.
ثم كيف قدّر لسعد صالح وزير الداخلية حينها أن يكون وسطياً ومعتدلاً في أجواء من التطرف والتمترس، وفي إطار مشروع حداثي وديمقراطي يؤمن بالتعددية والتنوّع، بحيث يقدم على إجازة خمسة أحزاب سياسية معارضة بينها حزبان يساريان وحزب ديمقراطي وآخر عروبي، إضافة إلى حزب ترأسه لاحقاً بعد استقالة الوزارة. ولعل مثل هذه الشخصيات كسعد صالح وحسين جميل وعبد الفتاح إبراهيم وكامل الجادرجي وجعفر أبو التمن وآخرين، جرى التعتيم عليها في ظل أنظمة شمولية، لم تعرف إلاّ ثقافة اللون الواحد. وإذا كان هذا الأمر ينطبق على عدد كبير من الشخصيات، فإنه أكثر انطباقاً على شخصية وطنية سياسية وإدارية استثنائية ـــ على حدّ تعبير الدكتور منذر الشاوي ـــ وزير العدل الأسبق في احتفالية أقيمت لتكريم سعد صالح في مدينة الكوفة (كلية الآداب) في نهاية التسعينيات.
ترك سعد صالح أثراً إيجابياً كبيراً لا يزال يشكّل خزيناً معرفياً وثقافياً كبيراً في حاجة إلى إجلائه والكشف عنه سواءً على عمله الوظيفي والإداري أو خطاباته أو مواقفه المثيرة في البرلمان أو دوره في إشاعة الحريات وإغلاق السجون وإجازة الأحزاب في الوزارة التي شارك فيها أو في رئاسته لحزب الأحرار "الوسطي" الذي خرج من معطف الحكومة ليصبح بعد رئاسة سعد صالح جزءًا من التيار الوسطي ـــ الليبرالي المستقل.
وعلى الرغم من أن هناك من يقول ـــ وبينهم الشاعر الكبير الجواهري: إن ساحة السياسة والادارة حين كسبت سعد صالح، فإن ساحة الثقافة والأدب خسرته شاعراً مبدعاً ومثقفاً بارزاً، وتعكس لغته الجميلة ومقالاته وخطبه ونثره نموذجاً متقدماً في حينه، أما على الصعيد الاجتماعي فقد كان داعياً لحقوق المرأة ورافضاً تكبيلها بالقيود والعادات الاجتماعية البالية، مبتدئاً من "أهل بيته"، ولا سيما في معركة السفور والحجاب، وذلك بشهادات من كريمتيه سلمى ونوار ونجله لؤي سعد صالح.
يقول المؤرخ اللبناني حسن الأمين (جريدة "الحياة" 18/2/1992): "كانت الأربعينيات هي التي أطلقت بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وعاتكة الخزرجي ولميعة عباس عمارة وبلند الحيدري رواد الشعر، الاّ أنه لم يولَ تاريخ تلك الفترة أية عناية، وكان الأبرز في ذلك سياسي بدأ نجمه يسطع شعبياً ونيابياً، باعتباره رجل مبادئ وقيم وذا كفاءة قيادية وفكرية، مضافاً الى ذلك أنه شاعر مجيد وكاتب متفوق وخطيب، إنه سعد صالح فاتجهت الأنظار اليه...!!"
ويقول الدبلوماسي والمؤرخ العراقي نجدت فتحي صفوت إن بغداد شهدت مولد شيء جديد هو الأدب السياسي، وكان "سعد صالح الأديب الموهوب والكاتب الملهم قد عاد بعد استقالته (استقالة الوزارة) إلى جريدة "الأحرار" معارضاً يكتب افتتاحياتها بعقل السياسي الناضج وقلم الشاعر الناقد الذي أخذ البلاغة من جميع جوانبها، فكانت مقالاته حديث النوادي الأدبية قبل المجالس السياسية".
ويتحدث الجواهري عن علاقته بسعد صالح فيقول: بعد سقوط الفاشية وانتعاش المناخ الديمقراطي والليبرالي الجديد، شكّل الوزارة آنذاك توفيق السويدي في 23 شباط (فبراير) عام 1946. وكان وزير الداخلية صديقي سعد صالح، الذي أجاز خمسة أحزاب سياسية وعدداً من الجمعيات والنقابات. وكانت وزارة السويدي تلك أقرب الى الأجواء الجديدة، التي ساعدت على حرية الصحافة، لكنها سرعان ما تعرضت إلى ضغوط، واستقالت بعد ثلاثة أشهر ونيف (30 أيار 1946) وأعقبتها وزارة أرشد العمري التي صادرت الحريات وضيّقت على حرية التعبير ونشاطات الأحزاب، مستخدمةً بعض التظاهرات المعادية لبريطانيا ذريعة لإجراءاتها التعسفية. (كتابنا: الجواهري جدل الشعر والحياة).
ويضيف الجواهري تقييمه لسعد صالح فيقول: "لقد رحل وهو في عنفوان عطائه وتفتق مواهبه وكفاءاته، لا أدري إن كان قد رأى بعض الحقائق مثلنا! ولكنني دائماً أتساءل مع نفسي من أين أتته هذه النزعة الوسطية في مجتمع متناقض ومحتدم ومتعصب وحاد الاستقطاب!؟"
أما الوزير والنائب العراقي عبد الكريم الأزري فيقول عنه: "كانت لغة سعد صالح وصوته لا يضاهيهما أحد في مجلس النواب، وبعد صداقة دامت سنوات طويلة مع رئيس الوزراء صالح جبر، إلاّ أنه اختلف معه خلافاً راقياً وتعمّق هذا الخلاف في معاهدة بورتسموث رغم أن سعد صالح كان مريضاً".
لقد ربطت سعد صالح صداقة حميمة مع الشاعر أحمد الصافي النجفي، وبدآ شاعرين ودارسين للفقه في النجف ومؤسسين لمعقل الأحرار عام 1918 خلال دراستها في الحوزة العلمية، وهو محفل للتمرد بلغة الثقافة ووكر سري للرفض بلغة السياسة، وقد افترقا بعد فشل ثورة العشرين 1920، يوم هرب سعد صالح إلى الكويت، وهرب أحمد الصافي النجفي إلى إيران.
يقول روفائيل بطي عن سعد صالح: "شخصيته كونتها مواهب أصلية وصقلتها المدرسة النجفية المنوّرة بلوامع الفكر الطليق والمضخمة بروحانية علوية".
ويقول عنه مصطفى علي وزير العدل الأسبق: "عرفت سعد صالح شاعراً صريح القول قوي الحجة، ناصع البيان"، أما حسين جميل فيقول: "رجل كنّا نعقد عليه الآمال الجسام".
عاش سعد صالح بفكر منفتح في إطار مجتمع منغلق، ورغم الأجواء المحافظة، فقد كانت روحه ترنو إلى الحداثة والتجديد، لعل ذلك هو استثناؤه وفرادته التي وجدها في الوسطية، وكان كلّما تحدث في السياسة غلبت عليه الثقافة، وعندما كان يكتب كان يسيل من قلمه حبر الأديب ليلطّف السياسة ودروبها الوعرة!!



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إمبابة وأخواتها
- التنمية وحقوق الطفل: المشاركة تعني الحماية
- لغز الانسحاب الأميركي من العراق!
- التعذيب والحوار العربي - الأوروبي
- تحية لمظفر النواب: شاعر التجديد والتمرد والإبداع
- مَنْ يعوّض مَنْ؟
- الساسة العراقيون يتصرفون وكأنهم لا يزالون في المعارضة
- أيهدم بيت الشعر في العراق!
- بعد 50 عاماً على اعلان تصفية الكولونيالية
- دور المجتمع المدني بعد انتفاضات الشباب
- السمات العشر للانتفاضات العربية
- المواطنة بضدها
- الجنادرية والتويجري والأسئلة
- جاذبية التغيير
- الاستمرارية ميزت الجنادرية وهذه القضايا باتت ملحة
- مفارقات غولدستون: لماذا تراجع وأين الحقيقة؟
- روفائيل بطي.. إرهاص حداثي مبكّر!
- دستور مصر ووصفة السنهوري
- السياسة بوصفها علماً
- الشباب والتنمية!


المزيد.....




- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...
- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الحسين شعبان - سعد صالح.. سياسي كان يسيل من قلمه حبر الأدب