سلام الاعرحي
الحوار المتمدن-العدد: 3377 - 2011 / 5 / 26 - 05:15
المحور:
الادب والفن
الجزء ال14 من الحوارية الافتراضية بين المخرج والمتلقي في المسرح تنويه ( المعلومات الواردة في هذا الجزء من حوارية افتراضية بين المخرج والمتلقي تستند الى الحوار الدائر بين الدكتور الراحل عوني كرومي والباحث بتاريخ ؟ . / . / . / ايار / 1995. جامعة اليرموك / الاردن , جدير بالذكر ان الدكتور عوني كرومي قام بتدوين مفاهيمه حول مسرح الرور الالماني عام 1998بكتابه الموسوم روبرتوتشوللي وفرقة مسرح الرور وكان الكتاب قد حمل مراجعات ومداخلات الاستاذ الدكتور نبيل حفار , كما طبع على نفقة وزارة الثقافة السورية , لذلك وللامانة العلمية واكراما لروح استاذي ومعلمي الفنان الدكتور عوني كرومي وجب التنويه ) . الكاتب .
المتلقي : مسرح الرور , هل نحن ازاء اتجاه مسرحي او مفهوم نقدي مثلا ؟
المخرج : الرور فرقة مسرحية المانية اتخذت لنفسها هذا الاسم تيمنا بمدينتها والفرقة تحتوي على مجموعة من الممثلين والفنيين واهم ما يميزها انها تشتغل على ثلاث ركائز الدراماتورج ( هلموت شيفر ) والمخرج ( روبرتو تشولي ) والمصمم ( هابين ) , ولااعني بوجود هذه الركائز الوجود القسري بل انها مع كافة اعضاء الفرقة تقف من المتلقي على خط واحد .
المتلقي : وكيف ذلك والمفاهيم تتنافى ؟
المخرج : يقول مؤسس الفرقة روبرتو تشوللي في التمرينات اليومية كما في التدريب - البروفات - نبدأ يومنا بذات السؤال المقلق والمحير ! ما الجديد هذا اليوم ؟ والجديد في عالم روبيرتو تشوللي لاعلاقة له بالدراما بل كل ما يتعلق بالحياة اليومية العامة والخاصة المحلية والوطنية والاممية , هذا السؤال يخلق جوا من المشاركة الواسعة والبهجة المصحوبتان باعلى درجات الانضباط المرن . قد يبدو هذا التسائل فلسفي النزعة ! وهو كذالك فان روبيرتو تشوللي درس الفلسفة وتاثر بطروحاتها , واثرت على آليات عمله كمخرج , فهو يطرح تصوراته عن العالم المحيط به وبكل دهشة , يتامل عوالمه وكانه يكتشفها للمرة الاولى , وبالحس الجمعي والحوار المشترك والاستنتاج المتفق او المتناقض يبقي على حيويته ويديم قلقه الايجابي المنتج والمبدع والخلاق . ومثل تلك الآليات لاتنسجم مع المخرج الدكتتاتور ولا تسمح بهيمنة الدراماتورج او مصمم الفضاء على اجواء الخطاب المسرحي في كل مراحله وينسحب ذلك على النص والدور ما الجديد الذي احاول اكتشافه او مالجديد الذي اكتشفته ؟
المتلقي : اعتقد ان روبرتوتشوللي يطلق عنان كافة المستويات الانتاجية لتحقيق ازاحة معنياتية في المستوى الدلالي للنص لينفذ من خلال ذلك الى انتاج عوالمه داخل المؤسسة الاجتماعية للنص , وهو بذلك لايختلف كثيرا عن بيتربروك او برتولد برشت ؟
المخرج : انه لايسعى الى ذلك . بل ان ذلك لايمكن ان يكون خياره , فاختيار النص وقصديته والمواضيع السلبية والايجابية في النص وآفاقه لايمكن ان تكون من خياراته كمخرج لوحده شأنه شان باقي المخرجين !! كما ان الغاية من التمارين وممارسة اليوغا حتى , انما القصد منها تقوية قدرات الممثل على التركيز والتامل واكتشاف الذات وقدراتها واعادة اكتشاف اعضاء جسده من جديد - اقصد الممثل - بمفهوم آخر ان الممثل في هذه الاساليب التعليمية انما يقوم بعملية تجديد مستدام لطاقته الجسدية والروحية الكامنة واستثارة وتفعيل مخزونها بل حشد تلك الطاقتين واعادة اكتشاف المزيد من العلائق الرابطة بينهما في جو من التنامي المستمر لقدرات جسده البايوميكانيكية والتي ستمكنه من التأويل وألتفسير وألتحليل . أن تشوللي يرى في المخزون التجاريبي للمثل بل حتى اخطائه في التمرين يرى انها يمكن ان تكون جزءا من العمل المسرحي شريطة ان يحيل ذلك الخظأ الغير مقصود الى لحظة ادراك واغناء وتعزيز لموقفه من الشخصية .
المتلقي : تاسيسا على ما تقدم استطيع القول ان الممثل لايمكن ان يكون موجودا كذات في مسرح الرور بسبب هذا المستوى من السلوك الجمعي ؟
المخرج : ان مفهوم الجماعة في مسرح الرور ادراك الفرد لنفسه وواجباته وتعبيره الجاد عن قدراته الفكرية . ان وجود الجماعة الفعلي يتحدد بالفرد ذاته ولاوجود للجماعة بمفهوم القطيع فثمة فارق في ان يتحرك الفرد داخل الحركة المظطردة للجماعة بذات ألأتجاه وبما تمليه عليه تلك الحركة او الارادة , أو ان تثير افعال الفرد مخيلة الجماعة , لذلك يعتمد روبرتو تشوللي على البواعث والمحفزات التي تصله من فريق العمل , بمعنى آخر ان المخيلة الاخراجية تنمو و تتسع على المحفزات الخارجية المرسلة على وفق شفرات او تساؤلات , والتصور المسرحي لايمكن ان يتحقق الا بالاثارة ذات الشقين الاثارة الذاتية وتلك لها بواعثها ودوافعها والاثارة الخارجية وهي الاخرى لها بواعثها ودوافعها ,كما ان مخيلة الاخراج من وجهة نظر روبرتوتشوللي ليست سلطة مطلقة , المخرج منظومة معرفية خبراتية تقدم خدماتها لطاقات مبدعة , مخيلة المخرج توسع من عمل الممثل على النص ايضا , وتجعله قادر على اختراق مستويات النص جميعها .
المتلقي : وما هي تلك المستويات ؟
المخرج : اننا هنا ازاء اعادة انتاج النص اي اننا في صدد احالة المكتوب الى مرئي عبر المتن اللفظي للخطاب والذي سيكون من مسؤلية الراوي او السارد او المؤدي , لذلك سنكون ازاء المزيد من المستويات في عالم النص وهي بحاجة الى اختراق وازاحة وتاويل وتفسير منها : الشفرات والقانون المهيمن على وحدة التفاعل بين شفرتي النص والتلقي , المظهر الخطي للنص , البنية المسترسلة والبنى السردية النصية ومحددات اتجاه بنية السرد عبر الحدس والاحتمالية , والبنى الفكرية وغيرها من المستويات الكمية المنتجة للنص ويمكنه ايضا من تسويقها . ان العلاقة بين المخرج والممثل في مسرح الرور قائمة على اساس الحوار المؤدي الى التامل والتجريب والاختيار , ولم ياتي ذلك اعتباطا بل من تاثيرات الدراسات الفلسفية التي آمن بها روبرتو تشوللي , ان كل شيء بالنسبة له نسبي ووجهة نظر المخرج هي الاخرى نسبية وبما ان العالم منسجم على اساس تعددية في الرؤى فالمسرح هذا العالم الصغير لابد له ان يكون متعدد الرؤى وتتداخل فيه التصورات والاحاسيس والانفعالات والافكار .
المتلقي : الا ان ثمة سلطتان يمكنهما ان تمارسا قسريتهما القرائية على فهم واداء الممثل وربما المخرج حتى , اعني الدراما تورج ومصمم الفضاء.
المخرج :ان الدراما تورج في ( مسرح الرور) يؤمن تماما بان الممثل ان هو الا المركز الذي يجب ان تدور حوله مكونات العرض . لماذا ؟ للاجابة على هذا السؤال لابد من التوقف عند مستويين تطبيقيين ,عمل الدراماتورج , ثم علاقة الدراماتورج بالممثل ذاته , الدراما ترج في (مسرح الرور) لايوقف عمله على اساس التنظير , بل يتجاوز ذلك الى بناء شكل العرض , وقبلها اختيار النص او البحث عن النص المتوفر على الموضوع المسرحي ليكون ذلك الموضوع نواة خلق مسرحي يعاد بنائه من خلال مجموعة العمل وفي مقدمتها الممثل فيما ياتي دور المخرج والدراما تورج بالدرجة الثانية . ومن اهم شروط الاختيار ان يتوفر الموضوع المنتقى على علاقة صميمية مع وجودنا كافراد وان يخرج من حلة المثال الى عالم الواقع من خلال جمع كافة الدراسات الادبية والفكرية والسياسية حوله - وتلك مهمة الدراماتورج - , او كما يقول ( هيجل ) ( علينا ان ندرك الزمن ) بمعنى آخر اذا كانت الفلسفة تدرك الوقت بالعقل فان المسرح لايمكنه ان يدرك الوقت او العصر الابالتمثيل , ومن هذا الفهم نستطيع قراءة اهمية الممثل في مسرح الرور , واذا كانت الفلسفة تشير الى دالتين للزمن , اللحظة المعاصرة او الواقع وامتدادها المستقبلي فان المسرح يتوفر على تلك القيمتين , الفلسفية والفيزياوية بل هو ضابط لهما ومتحكم بهما . الممثل يمثل امام المتلقي كينونة الزمن المعاصر وهو يمثل في هذا الزمن الحادثة والفعل اي اللحظة الشعورية التراكمية المشتركة بينه والمتلقي والشخصية , والممثل وحده من يجعلها تتداعى الى ( آنات ) لتستقر في غياهب الذاكرة على اعتبار انها ماضي ولى , وثمة لحظات تبدو للمتلقي كما لو ان الممثل شاهدها والآن يعيد تجسيدها او يرويها وربما يعيشها وهو الاكثر قدرة على تحسس زمنها , وتلك اللحظات التي يتحسسها الممثل هي التي نحسها نحن وبذلك يمكن للمسرح ان يكون رجعا حسيا ذاكراتيا لما كنا نسيناه او اوشكنا نسيانه . ان ( هلموت شيفر ) – دراماتورج مسرح الرور – يقارب برشت كثيرا فيما ذهب اليه من مفهوم الزمن المشترك بين الممثل والمتلقي , الممثل يدرك انه الحاضر والواقع وان ما يقدمه على المسرح زمنا مستعار يبدو كأنه ( الآن ) وحده هو الذي يدرك انه قادر على تغير اتجاه الزمن بكل مفاهيمه وياتي ذلك من خلال ادائه , من هنا يستنتج كل من برشت ودراماتورج الرور ومخرجه كل على انفراد ان الدراما لايمكن ان تنمو من فعل مودع في خطاب ادبي على وفق تراكمي قصدي يتوفر على كينونته الكمية والكيفية , بل ان دراميته تاتي من موضوع مثير ومنسجم مع تطلعات فريق العمل في التساؤلات التالية : العلاقة بين النص والواقع , مدى انسجام النص مع وظائفية خطاب الفريق ما مدى رمزية او احالات الواقع المشتغل عليه وما مستوى تحركه في ألزمن المعاصر اي حياتيته .
المتلقي : الا ان ( مسرح الرور ) اشتغل على المزيد من الكلاسيكيات ( اوديب ) , ادغال المدن , دون جوان , كيف ينسجم ذلك مع المعاصرة والحداثة ؟
المخرج : في اوديب , تم الغاء فكرة الجوقة تماما - الاشتغال على المستوى الكيفي للنص - وتم مصادرة اسلوبية المسرح التقديمي من خلال التداخل الواضح بين اداء الجوقة المذاب في الشخصيات الاخرى وتوزيع مواقفها وحواراتها على الشخصيات الرئيسة حتى - الامعان في تهديم البنية الكيفية - كما ان الاخراج لم يجعلنا ازاء ازمة اجتماعية او اخلاقية او سياسية حتى بل جعلنا ازاء احتفالية اوطقس ديني نترقب لحظات افول الذات وفرديتها وجعل الكل يعمل على ذلك والتعجيل في سوقها الى حتفها المحتوم بمعنى آخر, الكل يترقب في الواقع المنظور والمعاش دمار الفرد داخل اسوار حياته ومجتمعه وبيئته - الاشتغال على المستوى الدلالي وتاويل قصديته - , كنا ازاء تناص هائل يتوفر على قدريات متعددة , اوديب , العشاء الاخير , (الموقعة لهاينر ميلر) , العائلة تجتمع على مائدة مستديرة وكانها في العشاء الاخير ومفرداتها الخنجر , الماء النقي المعطر , الآثام العالقة بالاجساد كما لوكانت ادران الرغبة في التعري للخلاص , رموز تشتغل خارج اطار الجو العام والتنامي الدراماتيكي , الدم المسفوح من عيني اوديب احال الحياة في الابناء الى حتف ابدي على حين انه يجب ان يكون على العكس من ذلك, الطهر الذي يجب ان يوفره ذلك الدم لم يتحقق , ( كليمنسترا ) تعلن عن برائتها بعريها , فالعري دلالة نقاء الا ان عورتها التي تمثل رغبتها لابد من سترها ذلك انها الخطيئة التي لابد من سترها ولم تفلح ,وما يعنينا من كل ذلك ان الممثل هو الذي يقود هذا الانعتاق من الكلاشيهاتية والتفسيرية والارشيفية الى التغريب معتمدا عنصر التخيل والتصور والاستقراء وانتاج ادوات جديدة تنسجم مع ذائقة العصر والعلم والتكنلوجيا .
المتلقي : وهل ثمة مراحل في عمل الدراماتورج في فرقة الرور المسرحي ؟
المخرج : ثمة مرحلية تطبيقية يسبقها الجانب التنظيري وهي على الوفق الآتي : انتاج البيئة الافتراضية للحدث من خلال العمل مع المخرج ومصممي وحدات الفضاء بكل تفاصيلها . اضاءة , ازياء , اكسسوار . فيما يدخل في حوار تاويلي وتفسيري قد يصل حد السجال مع الممثلين , والممثل غير معني في تبني افكار الدراماتورج وآرائه الا انه ملزم ان يقدم النقيض بصورة موضوعية ذات قيمة جمالية او معرفية , وتاتي اهمية هذه المرحلة من نتائجها حيث ستسهم في كتابة النص على اساس ما يعتقده وما يتصوره الممثل وقراءاته التفسيرية و التاويلية و التحليلية , فيما تاتي المرحلة الثالثة مكملة للثانية وهي تتوزع بين مرافقة الممثل في التمرين واعادة كتابة النص بعد ان تم تشضيته واحالته الى وحدات صغيرة في عملية التفسير والتحليل , اما الحقيقة الوحيدة التي يجب ان يوصلها دراماتورج ( مسرح الرور )الالماني للمتلقي فهي واحدة ومهمة : ( الفن هو الطرح السلبي ضد كل ايجابيات التفكير والتصور ) ومن اجل التوصل الى لحظة ايجابية يجب ان نكون في اقصى الطرف الآخر من السلبية , وهذا لايتم الا من خلال اعادة اسئلة برشت وبارت وبسكاتور ( كيف يفهم النص ذاته ؟ ) وكيف نفهم النص بذاته ؟ او ان تكتشف مناطق وهن النص وسلبيته التي ننفذ من خلالهما الى المواقف والوضعيات الواجب معالجتها ووضع الحلول الفنية لها الا اننا يجب ان نتذكر دائما ان المسرح ليس فنا للتوضيح . المغالاة في توضيح الاشياء تعني السقوط في الخظأ , في المسرح يجب ان يكون المتلقي في الموقف النقيض بل يجب دفعه لذلك لكي ينفعل ويعبر , والتعبير لايتم بوسيلة واحدة انما بكل المتاح من الوسائل , مثلا الوهن في سلوك ( كروشا / دائرة الطباشير القوقازية , لبرتولد برشت ) القبول بالزواج المدبر من اجل الصبي الذي تبنته , الامعان في حجم التضحيات من جهة كروشا يدفع بالمتلقي الى اقصى التطرف السلبي من كروشا وليس من اجلها في موقفها المتهافت في محكمة النزاع على ملكيته الطفل - بغض النظر عن النتائج , ولا يتم ذلك من خلال معطيات النص البرشتي بل من خلال مفهوم الامومة المتجدد لدى الانسان المعاصر بعد ان اصبحت كروشا شيء من الماضي وذلك ما اسميناه الوعي النسبي المتطور بحكم التقادم الزمني وهو الاخر مفهوم ماركسي .
المتلقي : اذا يخضع النص للحذف والتقديم والتاخير والاظافة و .. ؟
المخرج : ابدا لايتم ذلك في فرقة مسرح الرور حتى يقوم الممثل بذلك ! لماذا ؟ الممثل لايسرد دون ان يجسد , هو الذي يقرر ماذا يجب ان يحذف وماذا يجب ان يبقى , فقد منح الممثل حرية حذف كل حوار لايغني ولا يطور الفعل او غلافه المادي واعني بذلك الحدث , كذلك المعلومات المتوافرة التي لاتؤثر على السمات النوعية للشخصية , او كما يقول ( هلموت شيفر / دراماتورج مسرح الرور ) , علينا التعامل مع النص على انه قابل للقول والتجسيد , يمثل النص ساقا واحدة والساق الاخرى هي الممثل .
#سلام_الاعرحي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟