|
وقفة مع الذّات الفلسطينية
خالد منصور
عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني
الحوار المتمدن-العدد: 1007 - 2004 / 11 / 4 - 10:26
المحور:
القضية الفلسطينية
مع تواصل الهجوم الوحشي البربري الإسرائيلي ، ومع تواصل سياسة الخنق والحصار والاجتياحات لكل مناطقنا الفلسطينية.. ومع تفاقم الأزمات التي تخلقها هذه السياسة الصهيونية المبرمجة .. وفي ضوء إدراكنا بان معركتنا مع العدو ستطول اكثر فاكثر ، ما دام شارون وبوش وامثالهما من المجرمين المتطرفين في سدة الحكم ، ومع يقيننا بأن هذه المعركة ستأخذ في المستقبل منحنيات اكثر تعقيدا وخطورة ، خصوصا مع بدء تنفيذ شارون لخطته المشؤومة الأحادية الجانب … عندها يصبح لزاما علينا نحن الفلسطينيون ترتيب بيتنا الداخلي على أسس اكثر صلابة ، وتنظيف هذا البيت من كل الادران والطفيليات التي نمت فيه كما ينبت عشب الهالوك في الزرع ، لتمتص بشراهة منقطعة النظير كل عوامل قوته واسباب صموده ….. من المؤكد أن شعبنا الفلسطيني مازال وسيظل صامدا مقاوما ، يسطر أروع آيات البطولة والتحدي في مواجهة الغزاة المجرمين – وهذا ليس بجديد على شعب الجبارين ، الذي ليس أمامه إلا مواصلة النضال والصمود – لكن من المؤكد أيضا أن أوضاعنا الداخلية وأحوال الجماهير وصلت إلى درجة يرثى لها .. فقر وجوع وبطالة ، اسر شهداء وجرحى ومعتقلين ، وآلاف العائلات بدون منازل وبدون مصادر رزق ، بعد أن دمّر المحتلون المزارع والمصانع والطرقات .. ولو توقف الأمر على الضربات القادمة إلينا من عدونا التاريخي ، لكان ذلك أهون علينا ، ويمكننا حينذاك التعامل معه على قاعدة التعامل مع عدو ، لكن المحزن حقا والغير مفهوم ، أن يستمر داخلنا الفلسطيني بالتآكل ، وتستشري فينا ظواهر خطيرة ، ليس اقلها اللا عدالة في الإنفاق الحكومي ، والظلم السياسي والاجتماعي الذي يصيب أوساط واسعة من شعبنا ، كأفراد وجماعات ، وتنظيمات ومؤسسات . فلم يعد خافيا على أحد أن هناك قدر غير معقول من الإهدار في المال العام الفلسطيني ، رغم كل ما يقال عن شح الموارد وعن ضيق الحال الذي تمر به الموازنة العامة للسلطة الوطنية ، ولم يعد مقنعا لاحد استمرار الحديث عن الأزمة المالية ، في ضوء ما يتلمسه حتى المواطن العادي البسيط ، وما يصل إلى مسامعه من أخبار عن شيكات تصرف لفلان وفلان ، وعن مبالغ مالية خيالية تصرف لتغطية نفقات حفلات وسفرات لأناس معروفين من ( علية القوم ) ، ولكن ما لا يمكن فهمه أبدا وما يسبب تفجر الغضب لدى كل المطلعين الذين كادوا يصبحون الغالبية العظمى من الشعب ، أن يتم تبرير عدم صرف استحقاقات مالية لأمور نضالية ، أو لاحتياجات حيوية لدوائر ووزارات تقدم الخدمة المباشرة للجماهير الشعبية ، بالتذرع بوجود الأزمة . لقد كان من الممكن لنا أن نصدق ونقبل بالأمر ، لو انه كان هناك جزء ولو يسير من العدالة بالصرف والإنفاق ، أمّا أن يصرف المال لتامين الولاءات الشخصية أو تحت مسميات وطنية باهتة ، في الوقت الذي يمنع فيه عن أمور أخرى اكثر إلحاحا … فان ذلك يدفعنا للقول وبصوت عال أنّ هناك فساد كبير وسوء أداء مالي … ويدفعنا للتحذير بان هذا السلوك سيؤدي حتما إلى تآكل متسارع لما تبقى من ثقة المواطن بسلطته الوطنية ، التي من المفترض فيها أن تكون سلطة الشعب كله ، وليست سلطة تسخر أجزاء مهمة من الموارد الوطنية ، لخدمة أشخاص وفئات معينة ، ولاهداف بعيدة كل البعد عن أهداف التنمية الحقيقية ، ولا تسهم جديا في تعزيز صمود الجماهير على الأرض في مواجهة الاحتلال . واللا عدالة في الإنفاق تشمل لا عدالة في تخصيص الأموال للوزارات المختلفة ،، فتظلم وزارات لحساب وزارات وأجهزة أمنية ومدنية أخرى ، فوزارات كالتعليم والصحة والحكم المحلي لا تجد من المال ما يغطي ولو اقل القليل من أنشطتها الحيوية – فالمدارس والمستشفيات تعاني من اكتظاظ هائل ، وتعاني من نقص في المعدات واللوازم ومن نقص في الكادر ومن تدني في رواتب العاملين ، والحكم المحلي لا يجد في موازنته من المال ما يلبي طلبات المجالس البلدية والقروية ، من طرق وإنشاءات وتحسين المرافق العامة … واللاعدالة تشمل أيضا لا عدالة في صرف المخصصات داخل الدوائر والوزارات نفسها ، فتهدر أموال طائلة بلا رقيب ولا حسيب ، على كماليات واحتياجات شخصية للمراتب العليا في الوزارات ، كبدل السفر والمهمات الخارجية ، والنثريات وفواتير الجوالات الشخصية وفواتير هواتف المنازل ، وعلى السيارات ومصاريف البنزين ، بالإضافة إلى الحفلات الشخصية وحتى تلك التي تقام في البيوت وتصرف من المال العام تحت بند الضيافة ( في ظل غياب قانون المساءلة – أنّى لك هذا - )… واللا عدالة تحصل في المساعدات الشخصية والمكرمات ، التي يحصل عليها في الغالب أناس ليسوا بحاجة للمساعدة ، والمصيبة هي في أن أسماء هؤلاء تتكرر في كل القوائم التي ترفع ، حتى أن البعض منهم امتهن التكسب والنصب بالمواظبة على تقديم طلبات المساعدة لنفسه ولأشخاص آخرين من دائرته السكنية والعائلية ومحاسيبه ، ليحصل منهم فيما بعد على نسب مئوية من تلك المساعدات لقاء كونه من يسهل وصولها إليهم …. واللا عدالة الصارخة تكمن أيضا في أن يصرف لهذا التنظيم مخصصاته المالية ، وتمنع هذه المخصصات عن تنظيم آخر ، ويدفع لهذا التنظيم أجور مقرات ورواتب متفرغين ، وتمنع هذه المخصصات عن تنظيم آخر ( في ظل غياب أو تغييب قانون وطني لتمويل الأحزاب ) .. تعيينات وترقيات لم تتوقف ، بينما يقال للآخرين هناك قرار بوقف التعيينات والترقيات ( في ظل غياب قانون الخدمة المدنية وقانون التقاعد ).. كتب مالية موقعة حسب الأصول ، ومكتوب عليها للصرف الفوري يتم توقيفها ، وكتب أخرى بمبالغ هائلة تصرف في نفس الحين واللحظة . اللا عدالة جريمة والمجرم فيها ليس هو فقط من يمارسها ولكنه أيضا من يمتلك بحكم القانون صلاحية المساءلة فيها والرقابة لمنعها ، فيسكت عنها ويغمض أعينه كي لا يراها ، وهو في هذه الحالة شريك كامل فيها ( ومن المؤكد انه لولا استفادته منها لما تغاضى عنها ) .. وحين تتلازم اللا عدالة مع تعدد المرجعيات وتعدد من يمتلكون الصلاحية بإصدار قرارات الصرف ، تصبح الجريمة كارثة اكبر ومأساة حقيقية ، ويهتز عندها شعور المواطن بمواطنته . إننا نواجه تحديات كبيرة ، وتنتظرنا على الطريق مخاطر ومؤامرات كثيرة ، تهدد مصيرنا وتنذر بتصفية قضيتنا ، وتحويلها من قضية تقرير مصير وتحرر وطني لشعب اغتصبت كامل حقوقه ، إلى قضية مجموعات سكانية متناثرة هنا وهناك ، تعيش في كانتونات ومعازل وسجون ، تطالب بتحسين أوضاعها المعيشية .. ولكي نستطيع تجاوز كل ذلك ، وقيادة سفينتنا المبحرة في بحر يشتد هيجانه وتتعالى أمواجه ، ونوصلها إلى بر الأمان حيث الحرية والاستقلال .. لابد لنا من وقفة شجاعة مع ذاتنا الفلسطينية .. لابد لكل الوطنيين المخلصين – من كل الاتجاهات – في السلطة الوطنية وحزبها ، في التنظيمات المناضلة ،في المؤسسات ، وفي كل القوى الشعبية الحية في المجتمع ، من تنسيق جهودها وحشد طاقاتها ، وخوض نضال لا هوادة أو تراجع فيه ، من اجل إصلاح أوضاعنا الداخلية ، وإحداث التغيير الديمقراطي الشامل في مجمل بنية نظامنا السياسي الفلسطيني .
خالد منصور عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني مخيم الفارعة – نابلس – فلسطين 3/11/2004
#خالد_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السمات الخاصة بمجتمع اللاجئين الفلسطينيين
-
غياب الرئيس .. ؟؟ التحديات والاسئلة الصعبة
-
شركاء في المسؤولية
-
عفوا معالي الوزير
-
من قصص المعاناة الفلسطينية .. يوم في حياة موظف
-
زيتنا احمر
المزيد.....
-
التهمت النيران كل شيء.. شاهد لحظة اشتعال بلدة بأكملها في الف
...
-
جزيرة خاصة في نهر النيل.. ملاذ معزول عن العالم لتجربة أقصى ا
...
-
قلق في لبنان.. قلعة بعلبك الرومانية مهددة بالضربات الإسرائيل
...
-
مصر.. غرق لانش سياحي على متنه 45 شخصًا ومحافظ البحر الأحمر ي
...
-
مصدر يعلن موافقة نتنياهو -مبدئيًا- على اتفاق وقف إطلاق النار
...
-
السيسي يعين رئيسا جديدا للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام
-
ثلاثة متهمين من أوزبكستان.. الإمارات تكشف عن قتلة الحاخام ال
...
-
واشنطن تخطط لإنشاء قواعد عسكرية ونشر وحدات صاروخية في الفلبي
...
-
هايتي: الأطفال في قبضة العصابات مع زيادة 70% في تجنيدهم
-
تحطّم طائرة شحن في ليتوانيا ومقتل شخص واحد على الأقل
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|