|
من الليبرالية القديمة إلى الجديدة
محمد سيد رصاص
الحوار المتمدن-العدد: 3375 - 2011 / 5 / 24 - 09:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
جاء الكتابان التأسيسيان للفكر الديموقراطي،أي "الليفياثان"(1651)لتوماس هوبز و"في الحكومة المدنية"(1690)لجون لوك،في أعقاب ثورتين انكليزيتين،انتصر في الأولى البرلمان على حكم الملك المطلق الصلاحية وفي الثانية جرى تأسيس الملكية الدستورية:كان الحيز الذي انبنت عليه فلسفة الديموقراطية،كما ورد عند هوبز،أن"الانسان هو ذئب"من دون حكم القانون لأنه نتاج"الطبيعة"،فيماأعطاها لوك بعداً سياسياً من خلال مفهوم الحكم المدني،المناقض لمفهوم الحكم ،ذي المصدر الالهي،الذي انبنى عليه تسويغ( الراهب بوسويه)لدولة لويس الرابع عشر الملكية المطلقة في فرنسة(1642-1715).جاء التكميل السياسي عبر كتاب مونتسكيو:"روح الشرائع"(1748)الذي رسم مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث:التنفيذية والتشريعية والقضائية. لم يؤد هذا إلى طريق مستقيم نحو الليبرالية،وإنما إلى طرق متعددة،كانت احداها الليبرالية التي انبنت على فكري الاقتصادي آدم سميث في كتابه:"ثروة الأمم"(1776)ونظريته حول"اليد الخفية للسوق الحرة كميكانيزما ذاتية التنظيم"،والفيلسوف جون ستيوات ميل عبر كتابه التأسيسي لفلسفة الليبرالية:"في الحرية"(1859)لمادعا إلى حدود دنيا من تدخل الحكومة في حيزي(المجتمع)و(الفرد)في كل المجالات انطلاقاً من قوله بأن"الحرية الوحيدة التي تستحق الاسم هي حرية تطوير خيرنا وصالحنا في طريقتنا الخاصة". كان كتاب ستيوارت ميل بعد أحد عشر سنة من كتاب"البيان الشيوعي"،الذي هو أيضاً أحد روافد فكر الديموقراطية،و(عصر الأنوار الفرنسي)المبني على تجربة انكلترا الديموقراطية،قبل أن يأتي لينين ويقود أغلب الفكر الماركسي نحو الشمولية.بالمقابل،كانت ليبرالية ستيوارت ميل قوة دفع للفكر الديموقراطي(الممزوج بين عدائية لفكرة الملكيات المطلقة المتحالفة مع الكنيسة و راديكالية علمانية لم يتملكها وسواس استخدام العنف لتحقيق الهدف عبر اليعاقبة ولامنعها ذلك من أن تقيم ديكتاتورية الفرد مع نابليون بونابرت)نحو التماهي مع أشكال مؤسساتية حرة منتخبة يتم عبرها تنظيم العلاقة بين ثالوث الحكومة والمجتمع والفرد في تخوم محددة بشكل صارم:في الربع الأخير من القرن التاسع عشر استطاعت الليبرالية أن تضع في حضنها الراديكالية العلمانية لتصبح جزءاً منها،ثم أن تدخل في نزعة اصلاحية اجتماعية عبر تبني سياسات (الرعاية الصحية- ضمانات البطالة-تقاعد العمال)كماجرى مع الحزب الليبرالي(الويغ)في بريطانية منذ عام1906. كان صعود البلشفية(1917)والفاشية(1922)والنازية(1933)مؤدياً إلى وضع الليبرالية في وضع دفاعي وفي حالة جزر:كان هذا على الصعيد الفكري- السياسي،ثم أتت الأزمة الاقتصادية العالمية(أوكتوبر1929)لتضع رؤية آدم سميث الاقتصادية حول السوق الحرة أمام الحائط،لصالح نزعة تدخلية،وتخطيط مركزي،لم تقتصر على الشيوعيين،وإنما شملت أيضاً ليبرالي مثل(جون مينارد كينز)الذي ألهم كل نماذج الرأسماليات الغربية لأربعة عقود منذ نموذج(نيوديل)الذي اتبعه الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت(1933-1945). كان صعود(الليبرالية الجديدة)مترافقاً،سياسياً،مع وصول النموذج الكينزي،في ضفتي الأطلسي،إلى بطء النمو والتضخم الاقتصاديين بين عامي1974و1979مع الارتفاع القياسي في أسعار النفط،الذي لم تكن الهيكلية الاقتصادية الغربية مهيأة لملاقاته:منذ الأربعينيات انبنت (الليبرالية الجديدة)،مع فريدريك حايك وجوزيف شومبيتر ثم ميلتون فريدمان في الستينيات،على نزعة مضادة للكينزية،قالت ب(لاتدخلية الدولة في حركة السوق- خفض الضرائب- تقليص الانفاق الحكومي- تعويم معدلات الفائدة- تخصيص مشاريع الدولة ومؤسساتها الاقتصادية)مع رؤية لفلسفة الاقتصاد ترى في (النقد) أساساً للعملية الاقتصادية خلافاً للرؤية الكينزية التي تشارك الاقتصاد السياسي الكلاسيكي في نظرته ل(السلعة)بوصفها كذلك. في لندن بدأت مارغريت تاتشر بتطبيق نموذج (الليبرالية الجديدة) الاقتصادي منذ وصولها للحكم في أيار1979،ثم تبعها في ذلك الرئيس الأميركي رونالد ريغان:كان هذا ممزوجاً مع تشدد يميني،سياسياً،ضد سياسة الوفاق المتبعة منذ عهد نيكسون- كيسنجر مع السوفيات،وفكرياً ضد مظاهر ثقافية واجتماعية(حرية الاجهاض-تشريع زواج المثليين)،جذب إليه تلاميذ الفيلسوف ليو شتراوس(1899-1973)من"المحافظين الجدد"،الذين دخلوا إدارة ريغان،مثل بول وولفوفيتز وإليوت أبرامز،ليصبح هناك تماهي بين (الليبرالية الجديدة)و(المحافظين الجدد) قبل أن يتحول إلى زواج فكري- سياسي في عهد بوش الابن.طبعاً،كان انهيار (النموذج السوفياتي)،في موسكو وغيرها،مؤدياً إلى صعود مد(الليبرالية الجديدة)،بعد أن قاد كل من ريغان وتاتشر عملية الهزيمة السياسية للكرملين.وفي عقد التسعينيات،رأينا كيف كانت نماذج من(الاشتراكية الديموقراطية)،مثل توني بلير وجيرهارد شرودر،تقترب من (الليبرالية الجديدة)في الاقتصاد،حتى قال النائب العمالي بيتر ماندلسون ،المقرب من بلير، العبارة التالية في عام2001:"كلنا تاتشريون"،ولم ينفع في تغطية هذا كل ماتبناه العمالي بلير من أفكارأنطوني جيدنز حول(الطريق الثالث).كماأن بيروني،مثل كارلوس منعم في الأرجنتين،قد وضع التراث الاجتماعي لحكم خوان بيرون(1946-1955) وراءه ليتجه بين عامي1989و1999 نحو ليبرالية لاتلوي على شيء قادت بلاده إلى الانهيار الاقتصادي في عام2002. على مايبدو،انتهى مد (الليبرالية الجديدة)مع نشوب الأزمة المالية- الاقتصادية العالمية في الأسبوع الثاني من أيلول2008:هناك عودة إلى شيء كثير من السياسات الكينزية في إدارة باراك أوباما،وعند المحافظ دافيد كاميرون في لندن،وحتى عند المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل التي وازت يمينيتها في الاقتصاد،بين عامي2005و2008،مافعلته تاتشر قبل ربع قرن من الزمن.وهذا يعبر عن اتجاه عالمي،على الأرجح أن ضفتي الأطلسي ترسم في السنوات الثلاث الماضية معالمه.
#محمد_سيد_رصاص (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
«الكومنترن» الشيوعي و «القاعدة» الإسلاموية: نهاية بائسة للتن
...
-
سوريا1970-1982 : بناء السلطة الشمولية وتداعياته
-
سوريا الستينيات : مرحلة العبور إلى السلطة الشمولية
-
صعود المسألة الاجتماعية إلى سطح السياسة العربية(تونس نموذجاً
...
-
مستتبعات فكرية لزلزال الشارع العربي
-
الولايات المتحدة واستخدامها للمبادىء في السياسة الخارجية
-
صعود قوة المجتمعات أمام السلطات الحاكمة
-
في حصرية دوافع السياسات الداخلية وراء الثورة المصرية
-
واشنطن واهتزاز الحليفين شاه ايران وحسني مبارك
-
الترجمات المحلية لتبدل التوازن الاقليمي
-
هل نحن أمام بداية النهاية لاستهداف مصر ودورها؟!-
-
علامات موجة ديموقراطية عربية متفاوتة المظاهر
-
الجغرافية المتقلصة للسودان
-
حركة شعبية بلاأحزاب أطاحت بالحكم التونسي
-
المصريون والسودان
-
السودان:تصدع البيت المشترك للعرب والأفارقة
-
البيئة الخارجية للنزعة الانفصالية
-
دمشق وبيروت
-
مابعد لشبونة: بداية احتواء روسيا في المنظومة الغربية
-
مأزق نموذج الديموقراطية المصرية المحدودة
المزيد.....
-
-خدعة لن تتكرر-..الأزهر يرد على مخططات ترامب لتهجير الفلسطين
...
-
استخدام الحشيش أثناء الحمل.. مخاطر خفية تهدد صحة الجنين
-
فنزويلا تتهم الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بتمويل القوى
...
-
رئيس وزراء اليابان يؤكد التزام بلاده بإبرام معاهدة سلام مع ر
...
-
مشاورات لعقد قمة عربية طارئة في القاهرة لبحث -تهجير الفلسطين
...
-
-أكسيوس-: روبيو يخطط لزيارة الشرق الأوسط
-
الجيش السوداني يتقدم نحو وسط الخرطوم ويقترب من القصر الجمهور
...
-
الولايات المتحدة تصادر طائرة ثانية للرئيس مادورو (فيديو+صور)
...
-
ترامب يفرض عقوبات على الجنائية الدولية، ورئيس وزراء إسرائيلي
...
-
العلماء الروس يبتكرون منظومة للتحكم بسرب الطائرات المسيرة
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|