|
الشعوب المغاربية لن تبكي مقتل بن لادن !!
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 3374 - 2011 / 5 / 23 - 02:38
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
لم يعد مقتل بن لادن على أيدي كوموندو أمريكي مثار شك من قبل فئات واسعة من مواطني الشعوب العربية بعد البيان الذي أصدره تنظيم القاعدة ينعي فيه زعيمه ويتوعد أمريكا والغرب بالانتقام . لقد اعتادت شعوبنا على التشكيك في الوقائع التي تَحْدث بما لا يتناسب مع مزاجها العام الذي من سماته أنه يُصدّق الأسطورة ويرفض الحقيقة . إنه مزاج ينسجم والتفسير المؤماراتي الذي يلقي بالمسئولية على الآخر ويعفي الذات من وخز الضمير . إن هذا المزاج العام لا يَسْلم منه كثير من المثقفين والباحثين حتى حين يتعلق الأمر بالوقائع أو الأحداث البسيطة ، فأحرى حدث بهذه الأهمية . وإذا كان الأمر مستساغا بين عامة الناس وبسطائهم ، فإنه لن يكون كذلك خاصة بالنسبة للإعلاميين والمثقفين الذين يُفترض فيهم نشر الوعي والارتقاء بمستوى التفكير لدى الشعوب . فقد كتب عبد الباري عطوان مدير جريدة القدس العربي مقالا يشكك في مقتل بن لادن تحت عنوان"لن نصدق حتى نرى الجثمان" جاء فيه : ( نحن أمام لغز كبير نحتاج إلى فك طلاسمه حتى نصدق ما حدث، ونقتنع بان الرجل استشهد فعلاً، لان الرواية الأمريكية يصعب تصديق أي حرف منها لأنها رواية مليئة بالمتناقضات ـ ولا نتردد بالقول ـ وبالأكاذيب أيضا. فهل يعقل أن نصدق أن هذا الرجل الذي حارب السوفييت عشر سنوات، وحارب الأمريكان أكثر من 15 عاماً، وأكد أكثر من مرة انه يتطلع إلى الشهادة، هل نصدق انه استخدم زوجته درعاً بشرياً لحماية نفسه من رصاص القوة الأمريكية التي اقتحمت المنزل تحت جنح الليل؟وهل يمكن أن نتقبل الكذبة التي تقول إن إحدى الطائرات الهليكوبتر المهاجمة سقطت بسبب أعطال فنية ولم تسقط بصاروخ، والمراسلون الأجانب الذين زاروا المنزل المستهدف وجواره أكدوا أن بعض الصبيان قدموا لهم قطعاً من طائرة الهليكوبتر هذه عثروا عليها متناثرة في محيط مسرح العملية؟ نحن نشكك بالرواية الأمريكية، بل ونكذبها ليس لأنه لا توجد لدينا أي أدلة موثقة تدعمها فقط، وإنما لان الإدارات الأمريكية المتعاقبة مارست علينا الكذب أكثر من مرة) . إن البحث عن مسوغات ولو كانت من طبيعة تقنية أو عسكرية من أجل التشكيك في مقتل بن لادن إنما هو بغاية البحث عن الانسجام الداخلي والاطمئنان النفسي إثر الصدمة التي أفقدت بعضهم التوازن والسكينة . ولم يكن عبد الباري عطوان وحده من شكك وكذب خبر مقتل بن لادن ، بل غيره كثيرون ، ومنهم محمد القدوس في مقال بموقع الجزيرة نت تحت عنوان "بن لادن.. لماذا لا نصدق الكذبة؟" يكذب بدوره خبر مقتل بن لادن والرواية التي صدرت عن جهات أمريكية رسمية . والسبب الداعي إلى التشكيك يعود إلى غياب الجثة و"سخافة" المزاعم المتعلقة بسقوط مروحية . وهذا ما نقرأه في المقالة (ولا شك في أن جثة بن لادن هي الدليل الأكثر أهمية، وعدم وجودها هو الفجوة الأبرز، وبالتالي فإن تبرير هذا الغياب بالحديث عن إغراق -أو دفن- هذه الجثة في البحر هو الزعم الأكثر سخفا، بين مجموعة مزاعم كلها سخيف، منها سقوط مروحية، بعد إصابتها بطلقات نارية جعلتها تتحطم كما قال شاهد عيان، أو تتعطل كما قالت المصادر الأميركية، ثم لا يصاب ولو واحد من ركابها! ومنها قيام 3 مروحيات وفرقة مسلحة بقصف بيت، وتبادل إطلاق النار مع من فيه لمدة 40 دقيقة، ثم لا تتدخل الشرطة، ولا القاعدة العسكرية الباكستانية التي لا تبعد عن البيت إلا أمتارا؟ ألم يخطر ببال أحدهم في باكستان أن البلاد تتعرض لهجوم إرهابي؟) . إن هذا النوع من التشكيك هو أبعد ما يكون عن الشك المنهجي الذي يتوخى البحث عن الحقيقة والالتزام بها . ولا نجادل أهل التشكيك وقد صموا آذانهم عن سماع حقيقة مقتل بن لادن الذي جعلوا منه أسطورة لا تُقهر ؛ فقد أجزأ بيان القاعدة وحليفتها الطالبان عن كل جدال أو جدل . إذ ليس المهم إثبات أو نفي مقتل بن لادن ، لكن المهم الحديث عن مدى تأثير مقتله على التنظيمات المرتبطة به عضويا أو عقائديا ، وكذا الشعوب المغاربية التي ظلت هدفا للعمليات الإرهابية التي نفذها تنظيم القاعدة أو التنظيمات الجهادية الموالية له . إن الجواب يقتضي استحضار ما يمثله بن لادن من رمزية ومن عقائد جهادية لدى تنظيم القاعدة والتيار الجهادي عموما . لا شك أن أسامة بن لادن هو مؤسس تنظيم القاعدة ومموله ، لكنه في نفس الوقت تحول إلى رمز وأيقونة يُلهم عموم الجهاديين ويذكي فيهم روح القتال باسم الجهاد ضد الكفار والصليبيين واليهود . إن صورته وهو يتنقل بين الوديان والمنحدرات في جبال تورا بورا بلباس بسيط وعلى كتفه رشاش كلاشنيكوف جعلت منه شخصية كاريزمية لما تمثله من رفض للهيمنة الأمريكية التي لم تقف ضدها أي دولة عربية ولم تواجهها أي قوة إسلامية ، وواجهها بن لادن بمفرده وسلاحه البسيط . بل أصابها في كبريائها بهجمات 11 شتنبر 2001 . وما يزيد من كاريزميته عجزُ أكبر قوة عسكرية عن اعتقاله أو قتله على مدى عقد من الزمن . كان بن لادن يمثل رمز الإباء والأنفة قبل أن تتجرع الشعوب العربية والإسلامية ويلات العمليات الإرهابية التي هزت أمنها واستقرارها وسفكت دماء الأبرياء من أبنائها وضيوفها . فلم يعد في نظرها سوى إرهابي يقتل الأبرياء ويزرع الرعب . وهذه الصورة المرعبة التي تشكلت لدى عموم الشعوب العربية هي التي جعلتها تقف متفرجة دون أن تَبْكِه أو تحتج على مقتله ودفنه بتلك الطريقة المهينة . والاستطلاع الوحيد الذي أجري لمعرفة ردود الفعل بين القراء العرب ، كان عبارة عن أسئلة طرحها موقع "إيلاف" تتعلق بشعورهم إزاء مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن . فكانت النتيجة على الشكل التالي : "أغلبية المشتركين بالتصويت أنهم لم يحزنوا لمقتله. فقد وجد (5472) ما نسبتهم 39.12% أنهم فرحوا بمقتل بن لادن وقال ما نسبتهم : 34.70% (4854 ) إنهم لم يهتموا لمقتله، فيما رأى (3662 ) ما نسبتهم 26.18% أن خبر مقتل بن لادن أحزنهم. وقد اشترك في التصويت على سؤال الاستفتاء 13988". وهذه رسالة دالة إلى كل التيارات المتطرفة والتكفيرية التي أعلنت ولاءها لبن لادن أن لا رهان على هذه الشعوب في دعم المخططات الإرهابية التي أَوجَدَ بن لادن تنظيم القاعدة من أجلها . لقد أدركت هذه الشعوب أن بن لادن وقاعدته يقتلان المسلمين ولا يسعيان لإرساء الديمقراطية وإزالة الاستبداد . بل وجدت هذه الشعوب طريقها إلى الحرية والديمقراطية باعتمادها على شبابها وحركاتها الاحتجاجية السلمية التي أسقطت أنظمة أشد استبدادا دون استعمال السلاح أو اللجوء إلى الأساليب الانتحارية والتفجيرية التي يمارسها تنظيم القاعدة . إذن على المستوى الشعبي لن يكون أي تأثير لمقتل بن لادن ما دام لم يعد رمزا للحرية والكرامة بفعل الأعمال الإجرامية التي عانت منها الشعوب ولا زالت ، وليس آخرها التفجير الإرهابي الذي هز مقهى أرݣانة بمراكش يوم الخميس 28 أبريل المنصرم فسقط ضحيته 17 قتيلا و 21 جريحا . وهو التفجير الذي نددت به حركت 20 فبراير وغيرها من الهيئات المدنية والحقوقية . والجدير بالذكر هنا أن كثيرا من الأسر المغربية التي تورط أفرادها في تنفيذ العمليات الانتحارية في 16 مايو 2003 ، رفضت استلام جثتهم تبرؤا من إجرامهم ودفعا للعار الذي لحقها . بل إن أسر السجناء الذين فروا من سجن القنيطرة في 7 أبريل 2008 رفضت إيواءهم أو التستر عنهم ، وكانت أول المبلغين عن أماكن تواجدهم . أما تأثير مقتل بن لادن على مستوى التيار الجهادي وفرع تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي ، فهو تأثير كبير لما أحدثه مقتله من صدمة في نفوس الجهاديين الذين نسبوا كثيرا من المعجزات لبن لادن منذ الجهاد الأفغاني ضد السوفييت ، فلم يكونوا يتوقعون سقوطه بهذه السهولة بيد الأمريكيين . وبالقدر الذي يحبون بن لادن ويُجِلّونه ، فهم يسعون للانتقام له بكل الوسائل وحيثما تمكنوا من تنفيذ عملياتهم الإجرامية ، داخل البلدان العربية والإسلامية أو خارجها حتى وإن أدى الأمر إلى قتل العشرات من المسلمين . وباعتبار فرع القاعدة في المغرب الإسلامي أصيب في كبريائه ، فإنه سيستغل كل الفرص للانتقام بعمليات نوعية . وما ينبغي التأكيد عليه ، هو أن بن لادن أصبح رمزا وأيقونة ومصدر إلهام ، ليس لذاته ، وإنما لما يحمله من عقائد وإيديولوجيا تحرض على التكفير والقتل والكراهية . لهذا ، سيستمر تأثير هذه العقائد على كل الأفراد الذين يتشبعون بها . لأن قتل زعيم القاعدة لا يعني قتل الأفكار التي تَشَكّل على أساسها هذا التنظيم الذي جعل القتل عقيدة وعبادة وأسلوبا وحيدا للتعامل مع المخالفين ضدا على الشرائع السماوية والقيم الأخلاقية .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل من شك في أن العمل الإجرامي الذي هز مراكش هو من تدبير القا
...
-
الملكية من منظور الأحزاب المغربية (1).
-
موقف الإسلاميين المغاربة من مبادرة الملك بإصلاح الدستور .(3)
-
موقف الإسلاميين المغاربة من مبادرة الملك بإصلاح الدستور (2/3
...
-
موقف الإسلاميين من الخطاب الملكي بين التثمين والتبخيس 1/3.
-
إلى روح الفقيدة فدوى العروي .
-
حركة 20 فبراير وتداعياتها على العمل الحكومي والحزبي في المغر
...
-
المغرب وتداعيات ثورة الشباب في تونس ومصر .
-
المشاركة السياسية في تصور جماعة العدل والإحسان (3) .
-
المشاركة السياسية من منظور مكونات الحركة الإسلامية في المغرب
...
-
المشاركة السياسية من منظور مكونات الحركة الإسلامية في المغرب
...
-
-بابا نويل- لا يقلك تهَجُّمُهم فهم قوم يكرهون الحب ويحرّمُون
...
-
تبرئة العدليين كرامة إلهية أم إرادة سياسية ؟
-
الخطاب المزدوج لجماعة العدل والإحسان .
-
العنف ضد النساء ثقافة وتربية قبل أن يكون سلوكا وممارسة .
-
ليكن لمسيرة الدار البيضاء ما بعدها .
-
الوجه الإرهابي للبوليساريو .
-
ومكر أعداء المغرب يبور .
-
ليكن الحكم الذاتي خيارا وليس فقط حلا .
-
السعودية وجدية الانخراط في محاربة الإرهاب .
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|