أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نايف سلوم - جاك ديريدا --المعارضة البرلمانية للبنيوية أو بغض الكتاب















المزيد.....



جاك ديريدا --المعارضة البرلمانية للبنيوية أو بغض الكتاب


نايف سلوم
كاتب وباحث وناقد وطبيب سوري

(Nayf Saloom)


الحوار المتمدن-العدد: 1006 - 2004 / 11 / 3 - 11:47
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


"فبدلاً من إزالة الشخصية
فقد تمكنا أن يلقناه بغض نفسه"
[هرمان هسّة ، ذئب البوادي]

لمناسبة وفاة الفيلسوف الفرنسي الجزائري الأصل جاك ديريدا في باريس 9/10/2004

نحن نعرف منذ مدة طويلة أن الكلمة كأيّة إشارة لفظية هي وحدة مكونة من جانبين : الصوت أو الجانب المادي من جهة أولى والمعنى أو الجانب المفهومي من جهة أخرى. إن كل كلمة أو كل إشارة لفظية بصورة أكثر عمومية هي تأليف من الصوت والمعنى ..تأليف من الدال والمدلول.
إذا كان هذا ما قاله رومان جاكبسون في كتابه "ست محاضرات في الصوت والمعنى" فإن جاك ديريدا كان قد عنون أحد كتبه كالتالي : "الصوت والظاهرة " والصوت أو الظاهرة هو المقابل المباشر للمعنى ؛ للمفهوم أو للجوهر المجرد الخ...
وإذا كان الصوت في الكلام يمثل الحضور، حضور المتكلم، فإن الكتابة تمثل الغياب غياب المتكلم هكذا كان عنوان مقالة جان لاكروا بخصوص ديريدا هو :"الكتابة والميتافيزيقيا[الغيب] عند جاك ديريدا"
و ديريدا يتمرد على الكتابة/ الكتاب، أي على التمثيل اللغوي ومركزية اللغة (حضور المفهوم) فهو يلفت انتباهنا إلى اللحظة التي يكون التكرار [التمثيل] مستحيلاً تقريباً ومعه اللغة بعامة " إنه بخار هارب إثر تجمد الماء؛ هو الحدث المتطاير من قبضة المفهوم.
لكن ، ومن جهة أخرى ، وكما يقول ديريدا أنه "يبلغ من تشبع لغتنا بميتافيزيقيا الحضور[فلسفة الحضور] أنها لا تعطينا إلا هذا البديل".(4)
يبحث ديريدا عن تلك العناصر الشيطانية التي لا تخضع لأمر ؛ عن "الصرخة [التي] لم يتوصل تمفصل اللغة والمنطق إلى تبريدها بكاملها بعد؛ الحركة الفريدة التي لا تضاهى" (5) ؛ التي لا يضاهيها أي تمثيل لغوي أو مفهومي.
عبر هذا التمرد، وهذه الشيطنة يطالب ديريدا بالحقوق المدنية للمنبوذ؛ المهمّش، والمعارض، والشاذ جنسياً، (والأقليات المهاجرة إلى أوربا، والعاطل عن العمل..) . إن هذا "التمرد" الذي ينوس بين "مدن الصفيح" [الضواحي المهمّشة للمدن الحديثة] وبين قلب المدينة بشوارعه الفسيحة، يهدف إلى إظهار الضجر والبغض للبنية والنظام ، وذلك في حركة لا تؤدي إلى "بيان فساد ذلك الإطار، بل إلى الإشارة إلى حدوده". (6)
إنها المعارضة "البرلمانية". لميتافيزيقيا الحضور ، (التعبير عن الشيء على شكل حضور-غياب، هوية – جوهر..)
يهدف هذا التمرد "البرلماني" على "البنيوية" ، [ البنيوية التي تتجاهل الكاتب-الفاعل] إلى استحضار شكلي للنشاط الإنساني والممارسة السياسية، استحضاراً تعزيمياً طقوسياً للنشاط السياسي للطبقات المهمشة. ! وهو محاولة لا تخلو من طرافة ميدانية لتطبيق "منطق التكملة [المتممة] (الملحق)" (Logic of supplement) ، بهدف إعادة تعريف البنية اختيارياً من ناحية "ضواحي الصفيح" ، من وجهة نظر المهمّش والشاذ جنسياً، والمجنون... الخ...
لكن ديريدا لا يأتي إلى ضواحي الصفيح (حزام البؤس) هذا من الأرياف، بل هو يخترق المدينة من الطرف إلى الطرف معيداً تعريفها من وجهة نظر "حزام البؤس الصفيحي" ذاك.
"في عام 1974 نشر ديريدا كتابه "glas" [نواقيس] ، وهو كتاب ذاع صيته لطريقة عرض أفكاره، إن لم يكن لما يضمه من أفكار " (7).
مع هذا الكتاب أضحى الإطار (طريقة العرض) هي محتوى بحد ذاته ، وهذه إشارة إلى انحلال الهوية في بحر المحتوى الهائج."المضمون ، [هنا] ، هو الذي يتجاوز تركيب الجمل." (8)
يقسم ديريدا كل صفحة من هذا الكتاب [glas] إلى عمودين، عمود "أيمن"، وعمود "أيسر" !

"الأيمن" "الأيسر"
اللص؛ المنحرف جنسياً؛ المنبوذ "ابن الزنى" المخلوع؛ المجنون، المسجون.."الخائن للكيتش"(9) حسب تعبير ميلان كونديرا- بالتقهقر وليس بالتجاوز الهيغلي.
["يسار" اليسار بعد الثورة الفرنسية..، المتقهقر نحو اليمين القديم..]. هيغل ، النسق ، النظام ، المتن ، القانون ، المعرفة المطلقة ، (المفهوم) ، الحقوق المؤسسة
"الأسرة والحمل الطاهر."
["يمين" اليسار بعد الثورة الفرنسية].



في هذا "التصنيف الاختياري" ، يقلب ديريدا الترتيب الكلاسيكي بين "اليمين " واليسار" بحيث لم يعد "اليمين" يمثل" السانحة" ، بل يمثل "البارحة" ، لم يعد "اليمين " يمثل "الإيجابي" (مركزية الكلمة؛ موضعة المفهوم مثالياً)، لم يعد هو المتن أو الأساس الذي يصاغ ويحدد وضع الآخر وفقاً لاعتباره الأساسي هذا.
مع ديريدا [وفي إشارة غامضة إلى تهميش هيغل] ، أضحى "اليمين" هو "البارحة" (إبليس البارح الذي يمشي من ناحية الشمال)، اللص ، المنحرف جنسياً، و"الخارج عن الاصطفاف" عموماً !
هذا القلب (التبديل) هو تبديل إرادوي من ديريدا (تبديل اختياري). يريد ديريدا أن يقول من خلال هذا "التبديل": باعتبار أن التاريخ ينحطّ ويتقهقر عبر انحطاط البورجوازية كطبقة والبروليتاريا (كأيديولوجية وسياسة) ، فإن العلاقة بين العمودين الأيمن والأيسر (بين الأساسي والهامشي) موجودة دائناً باعتبارها إمكانية ". هذه العلاقة بين "الأساسي" و"الهامشي"" لا يجري تأكيدها أبداً ولا تؤدي إلى مركّب يضمهما معاً، اللهم إلا بفعل إرادي [اختياري] من عند القارئ " (10) ، عندما يقول ديريدا عن هذه العلاقة أنها لا يجري تأكيدها أبداً يكون قد بدل اختيارياً ، بين الديالكتيك والاختيارية. وبالتالي أخذ بهذه الأخيرة أي أخذ بالذاتية في مقابل التاريخ (الديالكتيك) ، أي لم يعد يعترف بتوسطات (اشتراطات) التاريخ. هذا التبديل الاختياري بين "الأساسي" و "الهامشي"، هذه الإعادة لصياغة "المتن" من زاوية "الحاشية" ، من زاوية "الخارج عن الاصطفاف" هو ما يمكن أن نسميه بـ "منطق التكملة" الاختياري الإرادوي أو الذاتوي.
على مستوى "النص" يمكن لأي منا أن يعيد التعريف من أية زاوية كانت، بالتالي يمكن النظر إلى المدلول و المعنى في النص ليس فقط من وجهة نظر مركزية الكلمة (حضور المفهوم) ، بل من خلال شبكة ممكنة ولا نهائية للعلاقات بين الدّوال، [ ولنأخذ أمثلة (التورية ، الاستعارة، التناظرات الصوتية، السلاسل الاشتقاقية)] دون النظر إلى التوسطات أو الشروط التاريخية التي تدفع بواحدة أو أكثر من هذه العلاقات نحو الهيمنة (نحو اليمين) أو نحو "السانحة" ، أي أن الدّوال تتوسط بعضها بعضاً كما السلعة تقف على رأسها الخشبي في مواجهة سلعة أخرى في سلسلة لا نهائية فاسدة (كاذبة). بهذا يريد ديريدا أن يقول "أن الدلالات تعتمد دائماً على الاختلاف؛ على المقابلة مثلاً بين الطعام واللاطعام". (11)
هذا النوسان نحو البنيوية ، نحو كلود ليفي شتراوس عالم الأنتروبولوجيا البنيويّ الفرنسي، وما يعنيه من تبعية المعنى للنسق الدلالي. حسب شتراوس ، ليس هناك مدلول ، إنما هناك علاقات متبادلة بين دال ودال، بين سلعة وسلعة فحسب، "ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله" (12). هذه الشبكة من العلاقات بين السلع تحجب عنا رؤية القيمة البورجوازية وخلفها فضل القيمة والاستغلال البور جوازي . لكننا نستدرك بالاستشهاد بما جاء في سورة البقرة :"قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم.." (13)، أي توجد قيمة خلف هذا التقلب . ويوجد قصد ومعنى .
بعد ذلك ينوس ديريدا إلى الجهة المعاكسة مؤكداً أن "الُبنى منتوجات" (14) ، "إن ما يفعله ديريدا من إعادة تفكيك للترتيب هو تدخلات استراتيجية لا تمهد لقيام علم جديد... بل تمارس ضغطاً على نظام من المفاهيم وتخل به لتجعل مسلماته وأوجه قصوره بادية للعيان" (15) [وهذا تعريف جيد للتفكيك]
إن ديريدا ينوس بين قوى الإنتاج وبين علاقات الإنتاج الرأسمالية دون أن يهدد بنية هذه العلاقات، ودون أن يدعو لتغييرها.
"التكملة " أو "منطق التكملة" " يطبقها ديريدا على الميتافيزيقا الغربية [اعتباراً من ديكارت] معيداً تعريفها من وجهة نظر " الأدبي" (البلاغي) المكبوت في الفلسفة (16)
يقول: "وهكذا يتضمن تفكيك الفلسفة العمل ضمن شجرة العائلة التي تنتمي مفاهيمها لها ، أي من داخلها وبأدق ما يكون عليه العمل ، ولكن العمل أيضاً من منظور خارجي لا تستطيع الفلسفة تسميته أو وصفه. ويتضمن هذا التفكيك كذلك تجديد ما قد يكون هذا التاريخ قد أخفاه أو منعه ، فظهر بصفته تاريخاً من هذا الكبت الذي للفلسفة مصلحة فيه. وسينتج عن هذه النقطة من خلال هذه الحركة المخلّعة العنيفة ، جيئة وذهاباً جيئة داخل الفلسفة (الغربية) وذهاباً خارجها، ينتج عمل نصي يكون مصدر لمتعة عظيمة".(17) ["مواقف" Position].
إن اختراق النظام الفلسفي الغربي والعودة عبر الهامشي أو "الأدبي" (أي عبر حزام بؤس النظام) لتكملته (لإتمامه)، يعني أن "الفلسفي " ليس مشروطاً تاريخياً ، ولكنه مشروط (موسط) بهذا الهامشي وهذا المكبوت (الأدبي). إنها محاولة إعادة تعريف وصياغة "الفلسفي" من وجهة نظر الأدبي والبلاغي. ونعني بـ"الأدبي" ، تلك التأثيرات اللغوية التي لا تخضع للتحديد الفكري، ولا يمكن اختزالها إلى مفهوم واضح المعالم" (18). هكذا فعل "نيتشه" في كتابه الشهير:"هكذا تكلم زرادشت" وكان ميشيل فوكو قد سبق ديريدا في محاولته لتكريس حق الهامشي والمنبوذ، والمجنون فقد قام (فوكو) بجهود كبيرة لإعادة حقوق المهمّشين والمنبوذين، والذين يقطنون "مدن الصفيح" .
لقد كرس وقتاً للانشغال بهده التفاصيل، "بعض التفاصيل المشدّد عليها" ، كما عبر عن ذلك خورخي بورخيس في كتاب "الرمل"(19) وقد نتج عن ذلك اثنان من ألمع أعمال فوكو، هما "المراقبة والمعاقبة- ولادة السجن" و" تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي".
وما كتاب فوكو الذائع الصيت "الكلمات والأشياء" سوى مقابلة ترسندنتالية (كانطية) بين حضور الكلام وشيئية الكتابة، مقابلة كانطية بين "الفونيم" و"العلامة" ، بين الحي والميْت [والميّت ميْت بالقوة أو سائر إلى الموت]. ومن الطريف أن يصنف العالم الأنتروبولوجي –البنيوي كلود ليفي شتراوس كتاباً عنوانه :"النيئ والمطبوخ" (The Raw and the Cooked) (20). وقد ظهر هذا الكتاب عام 1964.
مَثَلُ الكلمة - الكتاب، بالنسبة لـ ديريدا، مثل بول حيوان الو شق الذي أهدته الهند المهزومة للإله باخوس، "فقد أهدت الهند المهزومة حيوان الو شق إلى باخوس الإله المتوج بعناقيد العنب ويقال إن كل ما تلفظه مثانة هذا الحيوان يجمد ويتحجر إذا ما خرج إلى الهواء. "(21) إن ديريدا الذي يشيد بالكتابة على أساس "انتشار الدلالة" وانزياحها اللانهائي، يعود فيظهر لها البغض على طريقة أفلاطون:"الكتابة/الكلمة عند أفلاطون [تعني] Pharmakon التي تعني "السُّم" و "الترياق" معاً.
وتلعب دوراً استراتيجياً في منطق نص أفلاطون."(22)، إذا كانت الكتابة حسب ديريدا هي "Pharmakon " فهي تقوم "بتغطية[المعنى] بالشيء نفسه الذي تؤسسه كشفافية(23)" ، فهي تارة مسرّة واطمئنان وأخرى مشقّة وضلال. على هذا الأساس نفهم كوجيتو "جاك لاكان" المنقول عن كيركيغارد. يقول كيركيغارد "أنا أفكر فأنا إذاً غير موجود" أو "أنا موجود فأنا إذن لا أفكر"(24)" على أرضية ازدهار الديماغوجي بين الحربين وبعد الحرب العالمية الثانية مخالطة مع انحطاط الطبقة البورجوازية. والسير الفلسفي الأوربي نحو الشمولية ، والذي رافق صعود البورجوازية كطبقة ثورية وقتها، أصابه مس رهيب من القلق، مع انحطاط الهيغلية أواخر النصف الأول من القرن التاسع عشر، قلق على الإيمان المسيحي"الغابر والمهزول" ، حتى أن الكوجيتو الديكارتي أحس بهذا القلق ، وفقد ثقته المعهودة بنفسه:"في الكوجيتو الديكارتي" أنا أفكر إذن أنا موجود" تعتبر الأنا البورجوازية (الذات البورجوازية) خارج مجال الشكّ لأنها حاضرة لنفسها في فعل التفكير"(25) وهذا ما يشير إلى ثقة البورجوازية بنفسها زمن صعودها وتقدمها " ذلك أن الفلسفة لا تتمثل أبداً ، حين تكون في ذروة فورتها ، كشيء ساكن ، كوحدة سلبية ومنتهية للعلم. إنها حركة بنفسها مرتبطة بالمستقبل ، هي الوليدة من الحركة الاجتماعية.. والثقة التي تضعها في نفسها وفي تطورها القادم ليست إلا صورة طبق الأصل عن يقين الطبقة التي تحملها. "(26) ، لكن ، لقلق الكوجيتو الديكارتي سبب آ خر ، وهو تقدم التأمل والفلسفة العقلية الأوربية خاصة الجوهرية (الماهيوية) (Essentialism)(27) و فلسفة النفي (السلب) متوجة بالديالكتيك الألماني . لم يعد "الحضور" مع ظهور فلسفة النفي مغتبطاً بذاته ، بل غدا – أكثر فأكثر –محدداً بالجوهر المتناقض، ولم يعد مفهوم الحضور أو الهوية مطابقاً لمفهوم الكينونة (الوجود) بالشكل البديهي الذي قدمه كوجيتو ديكارت، لقد أضحى الوجود (الكينونة) أكثر من حضور.
يعطي ديريدا مثالين عن "ميتافيزيقيا الحضور" [التعبير عن وجود الشيء بلغة: حضور-غياب، ظاهر-باطن..]، الأول :مفهوم "اللحظة الراهنة" هي ما هو موجود [ليس ما هو حاضر فحسب]. وهذا يتضمن إشارة إلى أن الوضع الراهن يكتسب طابعاً شبحياً بحيث توجد أشياء راهنة لكنها ليست حاضرة أي لم تستطع تجميع أجزائها المتخلّعة لتشكل متّحدها أو هويتها، هذا النوع من الوجود وجود "خارج الوصل" . الثاني: فكرة "المعنى" [لاحظ أن المعنى للنص والحقيقة للواقع] ، المعنى عندما يخاطب بعضنا بعضاً، باعتباره أمراً حاضراً من وعي المتكلم يعبر عنه بعد ذلك بالرموز والإشارات، المعنى هو ما هو في ذهن المتكلم في اللحظة الحاسمة (قصد المتكلم لحظة الكلام)، لكن هذا القصد يفترض مسبقاً نظاماً لغوياً (مواضعة[موافقة في الأمر] لغوية اجتماعية ونظام دلالي تاريخي/ اجتماعي) حيث يمكن القول :"تدخل الاستعارة والمجاز.. في الكلام من الجانب الثاني للدلالة اللغوية، أعني جانب المتكلم الذي يعبّر، ويستخدم اللغة للتعبير عن قصده وإرادته. وما دام المتكلم عنصراً ثانياً من عناصر الدلالة اللغوية، وما دام قصده شرطاً لاعتبار اللغة دلالة ، فمن الطبيعي أن يدخل المجاز والاستعارة اللغة من هذا الجانب... وعلى ذلك، فالمجاز والاستعارة في التركيب يختصان بإرادة المتكلم ورغبته في التعبير عما يريد" ذلك لأن الأمر لا يكون أمراً إلا بالإرادة وكذلك الخبر"(28). أي أن قصد المتكلم (عند الكلام Parole) يكمِّل (من التكملة) أو يتمّم اللغة كمواضعة اجتماعية. أي أن المواضعة اللغوية الاجتماعية أولاً، ثم قصد المتكلم في الكلام، هذه الإرادة التي تحاول حرف هذه المواضعة اللغوية (إزاحتها) معيدة تعريفها (إنتاجها) من جديد كمواضعة اجتماعية جديدة. تجعل اللغة في حركة دائبة كمدلولات.
على هذا الأساس، الكلام مثله مثل الكتابة-الكتاب، مع ما يدخله من استعارات ومجازات جديدة على اللغة قد يضلل أحياناً بدل أن يدلّ ، يشفّ ويحجب في الوقت ذاته!.
وعلى هذا الأساس فاللغة مع ما يدخلها من الاتساع والمجاز [بفعل الكلام] قد تضلل بدلاً من أن تدلّ"، إنها كما قال جاك لندن ذات مرة بأسى، تجعل غريزة "الكلب" أصوب من فطنة الرجل (29).
يبني ديريدا استنتاجه على أساس أن الكلام قد يضلل بدل أن يدل ، أي أن المتكلم قد لا يستطيع السيطرة على الدلالة لا في اللحظة القصدية الحاسمة ولا بعد إنجاز الكتابة .
من هنا يستنتج ديريدا تهافت فكرة القصد معتمداً نصف المسألة تاركاً النصف الآخر المذكور في سورة "طـه": "طه ما أنزلنا عليك القران لتشقى"(30)
لكن لماذا كان ديكارت واثقا من قصده ، واثقا من أناه كل هذه الثقة ؟ حين يقول " إن مقولة أنا موجود" صحيحة بالضرورة كلما لفظتها أو تصورتها في عقلي "(31)
لماذا يشعر ديكارت انه محق لمجرد لفظ أو تصور فكرته ؟ بينما يعتقد جيل المفكرين الأوربيين بعد الحرب العالمية الثانية (من وجود يين، و بنيويين،وما بعد بنيويين) أن مقولة "القصد (قصد المتكلم) مضللة وفاسدة؟
بمعنى آخر ، لماذا كان الحضور يطابق الوجود، والآن، أشكل هذا الأمر، حيث أصبح الوجود أكثر من حضور؟!
إن الوهم الذي أصاب ديكارت، هو اعتقاده بأن الحضور يطابق الكينونة (الوجود) ، دون زيادة أو نقصان، وكأنه أمر بديهي. مع أن الحضور بطبيعته، وبتحديده يفترض الغياب. هذا الوهم (الحضور يطابق الوجود) أصاب البورجوازية كطبقة زمن صعودها، وهم اعتقادها بتطابق مصلحتها ، كطبقة، مع مصالح مختلف طبقات الأمة، أي اعتقدت أن حضورها (حضور هيمنتها وسيطرتها) يطابق حضور الجميع.
لكن هذا الوهم الأيديولوجي هو سمة لكل سيطرة طبقية ،بما فيها البروليتاريا . وسوف يفترض هذا إمكانية خطر تكريس هذه الأيديولوجيا (الوهم) في فترة الانتقال من التشكيلة الرأسمالية إلى الاشتراكية.
يكتب ماركس:"إن كل طبقة تطمح إلى السيادة ، حتى إذا كانت سيادتها تفترض كما هي الحال بالنسبة للبروليتاريا، إلغاء الشكل لقديم للمجتمع بكليته، وإلغاء سيادتها بالذات، لا بد أن تفوز بادئ الأمر بالسلطة السياسية ، كما تمثل بدورها مصلحتها على أنها المصلحة العامة، وهو أمر لا مناص من القيام به بادىء الأمر."(32)
يقول ديريدا: "كل حضور فيه آثار من الماضي والمستقبل! " كل ما نعتبره حاضراً معطى يعتمد لتحديد هويته على اختلافات وعلاقات لا يمكن أن تكون حاضرة."(33)
يبدو من المفيد، هنا، أن نلقي نظرة سريعة على الازدهار الرأسمالي القطري الكبير "1945-1973". وذلك بعرض موجز لـ"عوامل التوسع الكبير" خلال الحقبة المذكورة":
فـ"خلال الحقبة 1945-1973 ازدهرت تكنولوجيات وطرائق العمل التي تطورت أثناء الحرب العالمية الثانية، واستلزمت نمواً سريعاً للرأسمال الثابت. وبفضل رأس المال هذا تم التوصل إلى إنتاج بالجملة من أجل استهلاك بالجملة. ولا نعني ، ولا ريب، أن اتفاقاً قد وقع في كل مكان ، ولو ضمنياً، ببين مجموعات اجتماعية بينها مخاصمة. نحن بالأحرى أمام توازن ثابت نسبياً بين علاقات لقوى أيديولوجية. وهذا التوازن يسهل قسمة فوائض الإنتاجية لمصلحة رأس المال. ويمكن للاستثمار أن يديم النمو. وإذا بدت الولايات المتحدة أحياناً أنها في المؤخرة ، فذلك لأنها تمتلك في الانطلاق زيادة هائلة من طاقة الإنتاج. بالإضافة إلى ذلك، بما أنها ملاذ الشركات التجارية الاحتكارية متعددة الجنسيات ومصدرة النقد الدولي فإنها أقل حاجة للاستثمار لديها من أجل تأمين تنميتها ويمكن لفوائض إنتاجيتها أن تنغمر في قطاع ثالث(3) [التجارة والخدمات والتأمينات] ذي إنتاجية خفيفة ، ومولِّد قوي للاستخدامات . وكان يبقي تجنب العودة إلى أزمات مشابهة لأزمة 1929 بعد إعادة الاقتصاد الأمريكي إلى وضعه السابق وتعمير أوربا واليابان.
إن ازدياد النفقات العامة بسبب النفقات العسكرية ، ودولة الرفاهية، سيسهل وضع سياسة لتنظيم الطلب الكلي.
كان النمو السريع وتحسن مستويات المعيشة في البلاد المصنَّعة سريعين لأنهما استفادا من اتساع التجارة بين البلدان المصنَّعة ومن استغلال العالم الثالث من قبل هذه ا لبلدان. فهبطت أسعار المواد الأولية وأسعار النفط ، وراح العالم الثالث يحوِّل فوائض إنتاجيته إلى البلاد المصنَّعة"(34) "لقد غدت النفقات العسكرية حافزاً هائلاً للنمو الصناعي، ولما ضمت هذه النفقات إلى دولة الرفاهية أعطت النفقات العامة وزناً في الفعالية الاقتصادية مجهولاً إلى ذلك الحين "(35)
فإذا ما أخذنا بالاعتبار "أن التفوق النووي الأمريكي سيوقف التوسع السوفييتي، وستسهل معونة مارشال إعادة إقلاع العالم الرأسمالي، ومن أجل تجنب الأسوأ ، حولت الولايات المتحدة إلى بقية العالم جزءاً من الفوائض الهائلة من الإنتاجية التي كانت تتصرف بها في عام 1945 "(36).
ذلك تحت حماية شبكة القوات الأمريكية حول العالم. نقرأ عند "هاري ماجدو ف" : "إن أساس الهيمنة الواضحة للاستثمارات الأمريكية في الخارج والتي تبلورت في سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية يعود أصلاً إلى القوة الطاغية العسكرية والاقتصادية التي تملكها الولايات المتحدة الأمريكية وإلى نوع السلم الأمريكي الذي عملت هذه القوة على تكريسه، ونتيجة لتلاحم هذه التطورات المتشابكة العلاقات ظهرت الشركة متعددة الجنسيات على المسرح تجسيداُ جوهرياً للمنطق الذاتي لمبادرة العمل الرأسمالي المتمثل في تكديس لا هوادة فيه لرأس المال على نطاق عالمي، مدعوماً ومشجعاً بالتركيز المتزايد باطراد للشركات الرأسمالية. "(37).
إن ازدهار النظام الرأسمالي بعيد الحرب مخالطة مع انحطاط نقيضه الاشتراكي (أيديولوجياً وسياسياً) اعتباراً من أواخر العشرينات من هذا القرن، والميل المتزايد لعلاقات الملكية الخاصة الرأسمالية نحو التعميم والانتشار في شتى بلدان العالم ، كل ذلك جعل فلسفة ما بعد الحرب تميل أكثر فأكثر نحو "أفعال الكلام" بدلاً من "أفعال الواقع"، أي التحول من تغيير البنية إلى تفسيرها وإظهار مفارقاتها، وهذا ما يعبر عنه ديريدا بالتحول من الـ (Difference) إلى (Differance) [من (e) إلى (a)؛ من (ي) إلى (أ)] (38).
فالفعل الفرنسي differer يعني "اختلف" و"أجل" ، والكلمة differance التي لم تكن موجودة من قبل في الفرنسية تلفظ كما تلفظ كلمة difference(التي تعني الاختلاف تماماً) ولكن المقطع الأخير المتضمن الحرف (a) (أ) وهو مقطع يرد في غير هذه الكلمة لتشكيل أسماء من أفعال، يجعل هذه الكلمة كلمة جديدة تعني الاختلاف أو التأجيل. "(39).
هكذا تعني differance اختلافاً سلبياً موجوداً يشكل شرط الدلالة، وكذلك فعل إيجابي يدل على التأجيل ، الذي ينتج الاختلاف. "(40)؛ أي يعيد إنتاج البنية نفسها مع إنتاج مفارقاتها وتناقضاتها
إذا أخذنا بالاعتبار الأبعاد الميتافيزيقية لعبارات كهذه راحت تشير إلى "تأجيل" الممارسة السياسية مع بقاء المفارقات في البنية [التشكيلة] . و ما تحوّل ديريدا من الفعل difference إلى الاسم "defferance" إلا استعارة للإشارة إلى هذا التأجيل للممارسة، ذلك بفعل الانحطاط الإيديولوجي والسياسي للبروليتاريا وازدهار الديماغوجي الاشتراكي البيروقراطي والبور جوازي الفاشي. أيضاً هناك كلمة بالإنكليزية تتصرف كهذه هي كلمة spacing التي تعني ترتيباً متكاملاً مثلما تعني فعل توزيع (المساحات أو الأمكنة) أو ترتيبها "(41) هذه اللفظة (الكلمة) spacing تشير إلى حدّي البنية [النظام والحدث (الطارئ)] أي إلى استقرار التشكيلة النسبي بعد الحرب العالمية الثانية، وإلى بقاء المفارقات داخلها. أما على مستوى النّص (بنية النّص) فهي تعني "الإطار" (الترتيب المكتمل) والمؤطَّر (أي الحركة الدائبة للمحتوى) بالتالي، الإعادة المستمرة للترتيب للمساحات و الأمكنة وبشكل اختياري (كرنفاليّ) .
انظر إلى ما تحمله هذه الإعادة الاختيارية للترتيب من طاقة تهكّميِّة بإعادة الترتيب الاختياري للأدوار والمراتب السلطوية [الكرنفال]. مع spacing تكون البنية مُعرّفة "أدبياً" (وليس تاريخياً) طالما أن البنية مستقرة. يجتهد ديريدا في التمرّد والاعتراض على الكشف العلمي وعلى التفسير الأوربي الحديث بإعادة طرح سؤال "البدء" أو "الأصل" ؛ كيف عالجت الميتافيزيقا الغربية (الفلسفة الأوربية) اعتباراً من ديكارت مسألة "البدء" أو "الأصل" يجد ديريدا أن الميتافيزيقا الغربية اعتباراً من ديكارت قامت على "الافتراض المسبق للكائن (الموجود) بوصفه حضوراً"(42) ، وهذا ما جعله يخرج بنتيجة مفادها "فساد الأساس الذي قامت عليه الميتافيزيقا الغربية اعتباراً من ديكارت"(43). إن مشكلة جاك ديريدا حسب المقالة هي مشكلة الأصل "ليس لأن فلسفته تشكل خطاباً حول الأصل بل لأنها اعتراض عليه"(44) وهذا الاعتراض يأخذ شكلين سلبي عبر التهكّم وإيجابي عبر التصريح بأن هناك حالات وجود (كينونة) من دون حضور ، كينونة علائقية خالصة من دون تبلور متّحد إيجابي (هُويّة). يمكن أنه نطلق على هكذا شكل للموجود (للكائن) بأنه وجود شبحيّ أو وجود إبلاسيّ (نسبة إلى إبليس).
في اعتراضه على مُشكل الأصل ينوس ديريدا بين تأكيد حق "الأصل" "الخام" "الشيء" أو الحَدَثيّ وبين البنية – النظام. يقول: "إن الأحداث الدّالة تعتمد على الاختلافات (ما وراء الحَدَث) ولكن هذه الاختلافات هي نفسها نتاج أحداث ، وعندما يركّز المرء على الاختلافات فإنه يدرك اعتمادها على الأحداث السابقة، وبوسع المرء أن ينتقل جيئة وذهاباً بين هذين المنظورين الذين يؤديان إلى وحدة ، فكل منهما يُظهر خطأ الآخر في جدلية[تبادلية] لا حل لها "(45) لا حلّ لها ضمن إطار البنية –التشكيلة المستقرة. أما التهكُّم على مسألة "البدء" أو "الأصل" فسنحاول توضيحه عبر هذا الاقتباس من كتاب ديريدا "الكتابة والاختلاف"، " يظل المشهد المسرحي لاهوتياً طالما هيمن عليه الكلام، أو إرادة الكلام، ومخطط "لوغوس" أول، لا يقيم في الموضع المسرحي [غائب عن هذا الموضع]، إلا أنه يوجّهه ويحكمه من بعيد . يظل لاهوتياً ، ما بقيت بنيته تحمل ، بمقتضى التراث بأسره ، العناصر التالية: مؤلف، خالق، غائب وبعيد ، مسلّح بنص ، يراقب ويوحّد ويقود زمن العرض، أو معناه ، تاركاً إياه يمثله عبر ما يدعى بـ"محتوى" أفكاره ومقاصده. يمثله عن طريق نوّاب ، مخرجين أو ممثلين مؤدّين مستعبدين يمثلون شخصيات هي نفسها لا تقوم ، وعبر ما تقوله أولاً ، سوى بتمثيل فكر "الخالق" بأكثر مباشرة أو أقل. عبيد يؤدّون، ينفّذون بوفاء، مخططات السيد الإلهية.. "سيّد"! ؛ خالق يدّعي أنه "كان في البدء" [الكَلِمَة] . ويظهر بشكل مضحك أنه ليس سوى تمثيل؛ سوى "تكملة" لـ"بدء" آخر و"أصل" آخر.
بهذه الطريقة يتهكم ديريدا على المثالية الأوربية ومنها المثالية المطلقة (هيغل) في شكل طرحها لمسألة "البدء" أو "الأصل" وذلك بمحاكاتها محاكاة ساخرة (باروديّة) تظهرها في النتيجة مضحكة ومتناقضة.
"يبدأ" هيغل بالمجرّد (التطابق المباشر بين الوجود والعدم)، متوجهاً نحو الحسّي، ثم يعود من الحسي إلى المفهوم، فمذهب هيغل بأقسامه الثلاثة على نحو ما تعرضه "موسوعة العلوم الفلسفية" يتكون من "المنطق- وفلسفة الطبيعة- وفلسفة الروح)"(47)، أي أن فلسفة هيغل" تنقسم إلى ثلاث لحظات:
(1) علم الفكرة في ذاتها ولذاتها (علم المنطق).
(2) علم الفكرة في الآخر (فلسفة الطبيعة).
(3) علم الفكرة وقد عادت من الآخر إلى نفسها (فلسفة الروح).(48)
هذا "البدء" المثالي الفاسد كان قد أشار إليه ماركس بشكل مركّب ، حيث قلّده (حاكاه) في "المقدمة" تقليداً جِدّياً. يكتب ماركس:"إنني عمدت في بعض مواضع الفصل الأول[من رأس المال] المتعلق بنظرية القيمة إلى محاكاة طريقة هيغل في التعبير."(49)، وقلده (حاكاه) بشكل ساخر في "المتن" (الكتاب) . نقرأ عند مارتن نيكولاس في تقديمه لـ"الغروندريسّة"[مسودات رأس المال] إن الصفحات العديدة من المقدمة [مقدمة ماركس] التي تعالج التطابق المباشر [غير الموسّط] بين الإنتاج والاستهلاك، هي في الوقت نفسه تقليد جاد لمدخل كتاب هيغل المدرسي ومحاكاة تهكمية [ساخرة] للكتاب. ففرضية البدء، الإنتاج يطابق الاستهلاك مباشرة "تقليد فرضية هيغل:"الوجود يطابق العدم مباشرة".
تبقى معالجة ماركس ، بشكل رئيسي ، كشفاً للجدل المثالي الذي يبرهن (الجدل المثالي) ، مع هذا، على تفوقه الساحق على المادية الميكانيكية أو التجريبية."(50).
هنا، تظهر "موضوعية" البدء كلحظة مشمولة في الكل العيني، وفساد هذه اللحظة (لحظة البدء) في انعزالها عن سير الحركة من البسيط إلى العيني(من المقولة البسيطة إلى المقولة العينية ؛ من المال إلى الرأسمال).
هذا الموقف المركّب (المتناقض ظاهرياًُ فحسب) في نظرة ماركس إلى المثالية المطلقة (هيغل) ، وتقديره الأولي للديالكتيك الهيغليِّ المحبوس ضمن جدران النسق system ، والمُعلّق من قدميه، هذا الاتصال في المدخل والانفصال في الكتاب هدفه تحرير الديالكتيك الألماني من أسره، بإعادة الحياة و الديناميّة إلى مقولاته التي لم تعد تعبد النسق، بل راحت تعمل تحت أمرة مقولة التناقض. هذه الهيمنة الجديدة للتناقض بدل النظام (النسق) ، أعادت ترتيب (تشكيل) مجمل مقولات الديالكتيك الهيغلي من جديد. وهذه الإعادة للترتيب ليست فعلاً (اختيارياً) من ماركس؛ ليست فعلاً ذاتياً لكنها من عمل التاريخ في آخر تحليل. أي هي نتاج تنامي النضالات الطبقية للبروليتاريا الأوربية اعتباراً من ثورة 1848 في فرنسا.
ماركس المتصل مع هيغل في المدخل والمنفصل عنه في (الكتاب) يتعرض لتكملة اختيارية من قبل جان بول سارتر (الوجودية المُلحدة) ؛ سارتر المنفصل عن ماركس في المدخل، والذي يحاول "الاتصال" معه في الكتاب ، هي إعادة إنتاج للماركسية ، أو هي مراجعتها من وجهة نظر الوجود الفردوي المباشر، إنها محاولة لحشر "العملاق" الماركسي في سلة الوجودي الملحد.
يكتب سارتر كاشفاً عن وجوديته:إنها نظام طفيلي يعيش على هامش العلم [العلم الماركسي] الذي عارضه في البدء، والذي يحاول اليوم أن يدمجه فيه"(51)
إن "تكملة" سارتر الاختيارية هذه ، لدمج العلم التاريخي/ الاجتماعي الماركسي في جسده الوجودي – الفردوي الهزيل، لا تخلو من ملمح تهكُّميِّ.
إن موقف ماركس المركب [من المثالية المطلقة (هيغل)] يقودنا إلى موقف لماركس مشابه ؛ موقفه من الدين (عالم الدين)؛ موقف معقد ومتعدد المستويات. إنها ثلاثة وجوه في نظرة ماركس إلى الدين (عالم الدين):
الوجه الأول: هو دعوة لنقد الدِّين نقداً فعالاً ، أو دعوة لتجاوز "سديم العالم الديني" عبر ما يسميه جاك ديريدا بـ "النسيان الفعّال"(52) ، أي بالنقد الصارم للفكر الديني (الإيديولوجية الدينية). ذلك لأن "نقد الدين هو مقدمة لكل نقد آخر"(53)؛ مقدمة لنقد السياسة (الدولة)، ونقد الاقتصاد السياسي (نفد الاجتماعي- الاقتصادي).
الوجه الثاني: المحاكاة التهكُّميّة لتاريخ الأشباح هذا أو ما يسمّى بـ "اللعب مع الأشباح" ، وطالما توجد محاكاة ساخرة ، فليس هناك بعد نسيان فعّال للطيف، لأن المحاكاة الساخرة تعني حضور "روح الأب"، ولأنه "يجب علينا أن ننسى الطيف، والمحاكاة الساخرة، وذلك لكي يتابع التاريخ سيره، ولكن إذا اكتفينا بنسيانه، فإن هذا يكون هو السطحية البورجوازية..ولكن بنسيانه جيداً "(54). "إن التناقض والسِرّ يسكنان روح الأمر (روح الأب، إذا كنا نريد ذلك"(55) ، ذلك لأن السِرّ يقوم على "الالتباس"، وهذه الكلمة لماركس"(56).
الوجه الثالث: وهو جانب "لم يُستقبل بعد"، حسب جاك ديريدا، وهو على جانب كبير من الخطورة ؛ إنه "القياس الديني" في محاولة لتفسير "استقلال – المستوى الإيديولوجي، وفي محاولة لفهم والتقاط الطابع "الصّوفيّ" للبضاعة، أو ما يسمى بـ"استشباح "العلاقة الاجتماعية بين البشر ،أو"التجارة بين السلع" وصنميّة السِّلعة وهو ما يعبر عنه ماركس بالقول :"المحسوس يتجاوز المحسوس." ؛أي "تصبح منتجات العمل بضائع ،أشياء حسية وعصيّة على الإدراك في آن معا، أو أشياء اجتماعية . "(57).
يكتب ديريدا :"إننا نعلم أن الإحالة إلى عالم الدين تسمح وحدها بتفسير استقلال الأيديولوجيا ،
وتسمح إذاً بتفسير فعّاليتها الخاصة ،وبكشفنا للسِّمة الصوفيّة ، ولسرّ الشكل ـ البضاعة، فقد مهدنا للصنميِّة وللإيديولوجية ، فهما يقتسمان شرطاً مشتركاً من غير أن يختزل الواحد في الآخر. ومادام الحال كذلك ،فان كتاب رأس المال يقول : إن القياس الديني وحده ، وأن "المنطقة السّديميّة لعالم الدين "وحدها لتستطيع أن تسمح بفهم الإنتاج الصنمي لهذا الشكل وآليته . وأن ماركس ليقدم ضرورة الالتفات نحو هذا القياس بوصفها نتيجة منطقية " للشكل الاستشباحيِّ (للبضاعة) الذي جاء على تحليل مكوّنة.
وإذا كانت العلاقة الموضوعية بين الأشياء (أي ما سميناه التجارة بين السلع ) تمثل شكلاً استشباحياً للعلاقة الاجتماعية بين البشر ،فحينئذ علينا أن نلجأ إلى القياس الممكن الوحيد ؛ قياس الدين " إن العلاقة الاجتماعية التي حددها البشر بأنفسهم هي التي تأخذ وحدها هنا ،بالنسبة إليهم الشكل الاستشباحيِّ لعلاقة بين الأشياء ."والنتيجة هي :" أنه لكي يعثر المرء على قياس ، فانه يجب علينا أن نهرب نحو المناطق السّديميِّة لعالم الدين "(58) أما فيما يخص فاعلية الإيديولوجية ،وتأثير"الإرهاب البيروقراطي." فان سارتر يقول : "إن النزعة اللفظية الماركسية هي مشروع حذف . إن المنهج يتّحد بالإرهاب برفضه القاطع [إجراء التمايز] ، وهدفه هو التمثل الكلي مع بذل أدنى جهد ممكن. وليس قصده أن يحقق اندماج المتنوع ، مع الحفاظ على استقلاله النسبي، بل أن يلغيه. وهكذا تعكس الحركة الدائمة نحو [تحقيق الهوية] التطبيق التوحيدي للبيروقراطيين.. باسم هذا التوحيد يمكن إظهار تأثير البنى الفوقية على الوقائع التحتية.."(59)، إن أحد أشكال هذا التأثير هو التأثير المعرقل لتطور القوى الإنتاجية الممارس من قبل "إرهاب بيروقراطي" ، ومن قبل بنية فوقية باتت قديمة وبالية.
لن يحذو ديريدا حذو نيتشه، مع أن ديريدا لا يخفي تأثره بهذا الأخير. الذي اعتمد "المحاكاة" لكن، "ألا يتمثل الشكل الأكثر سذاجة للتمثيل في "المحاكاة"؟ شأن نيتشه."(60) . كما يصرح ديريدا. وعلى هذا الأساس، فقد اكتفى ديريدا بطرح الأسئلة على الميتافيزيقيا الغربية لإرباكها وإظهار قلقها وتناقضاتها الجوّانيِّة.
السؤال هنا هو سؤال العارف، وهو ضرب من ضروب "التهكُّم" السقراطيّ [نسبة إلى الفيلسوف سقراط] . يقول أفلاطون في محاورة "الدفاع" على لسان سقراط :"..إنّي وإن كنت أعلم أن كلينا لا يدري شيئاً عن الخير والجمال فإنني أفضل منه حالاً لأنّه يدّعي العلم وهو لا يعلم شيئاً . وأما أنا فلا أدري وقد انتهيت معه إلى النتيجة نفسها وعاداني هو الآخر وأيده في موقفه عدد كبير [قارن مع حالة الحلاج]."(61)
يقول وولتر ستيس":نستطيع أن نتبين في هذه الفقرة...الأصل المفروض لصفة سقراطية خاصة أخرى ألا وهي " التهكم السقراطيّ ". فإن سقراط يقوم في أية مناقشة بالاعتراف بأنه جاهل جهلاً مطبقاً بالموضوع المطروح، وأنه ليس مهتماً إلا بتعلُّم الحكمة التي لدى المتحاور معه."(62).
يعرف ديريدا أن الميتافيزيقيا الغربية بما فيها مثالية هيغل المطلقة التي لم تحلّ مسألة "البدء" أو "الأصل" ولا هي بقادرة على حلها بطبيعتها كمثالية.
لقد تجاوز ماركس هذه المسألة ، ذلك، بنقده مثالية هيغل المطلقة التي تبدأ بالمجرد، وذلك بالتفريق بين أسلوب البحث وأسلوب العرض. أو ما يمكن أن نسميه بـ "ديالكتيك العيني" . يكتب ماركس: "إن أسلوب العرض لا يمكن من ناحية الشكل إلا أن يتميز عن أسلوب البحث. فعلى البحث أن يحيط بالمادة في تفاصيلها وأن يحلل شتى أشكال تطورها وأن يتتبع الصلة الداخلية لهذه الأشكال.
وفقط بعد أن يتم إنجاز هذا العمل يمكن تصوير الحركة الفعلية كما ينبغي . وإذا أفلحنا في ذلك وحصلت حياة المادة على انعكاسها الأمثل فقد يبدو أننا أمام بنيان مجرد صرف."(63). يتضمن هذا الديالكتيك (ديالكتيك العيني) "منطق التكملة" عند ديريدا. يقول هذا الأخير:"بين عرض سوسير لأفكاره بعد أن أقام ترتيباً جعل فيه الكتابة أمراً مستمداً من الكلام، إن هذه العلاقة [بين الكلام والكتابة] يمكن عكسها، وقدّم لنا الكلام باعتباره نوعاً من الكتابة، أو تبدياً للمبادئ التي تتحكم بالكتابة. وهنا منطق "التكملة" وهو يكتشف في نص سوسير نفسه."(64) أي ما هو آخر يصبح أول. .. فوحدات الكلام لا تتصف فقط بصبغة العلائقية [العلاقات بين الدوال ضمن النسق اللغوي] التي تبدو على أشدها، كما يقول سوسير، لأن صفة الغياب التي كان يظن أنها تميز الكتابة عن الكلام هي بالذات صفة الرموز قاطبة."(65).
لقد شهد ديريدا تقليد ماركس الجدّي لـ هيغل في المدخل ولم يشهد محاكاته التهكّمية في الكتاب. ففي نقده "للديالكتيك الذي يقف على رأسه عند هيغل" يقول ماركس:"ينبغي إيقافه بغية الكشف عن اللب العقلاني تحت القشرة الصوفية."(66) ، إن ديريدا بإعادة طرحه لمسألة "البدء "عند "الميتافيزيقا الغربية" اعتباراً من ديكارت، يكون قد قدّم نقداً مثالياً للمثالية . ويكون قد عاد إلى "نيتشه" في "المحاكاة " (المحاكاة: الشكل الأكثر سذاجة للتمثيل).
إن إحدى القضايا التي يثيرها ديريدا، ذات صلة بجهد نيتشه في محاولته العودة إلى البلاغة في الفلسفة، أو "تكملة" الخطاب "الفلسفي" بالخطاب "الأدبي" [لاحظ: هكذا تكلّم زرادشت."].
بهذا الشكل ؛ بهذه "التكملة" حاول نيتشه العودة إلى مجمع الفلاسفة الإغريق قبل أفلاطون. ونيتشه بمحاولته تكملة "الفلسفي" بـ"الأدبي" [البلاغي؛ الاستعاريّ؛ المجازي..]، فهو يحاول أن يخفف من القدر الهائل لمعرفتنا بتاريخنا يقول والقول لنيتشه: نحن نعرف الكثير عن ماضينا"(67) . بهذه الطريقة ، يحاول نيتشه استخدام التَّورية (IRONY) لحمايتنا من فرط التفسير- حسب اعتقاده.
ودريدا يحاول فعل الشيء نفسه لأنه يعتبر أن التعارض بين الأدبي والفلسفي ما هو إلا صفة أخرى من التعارض بين الكتابة والكلام."(68) على أساس أن الكلام PAROLE يركّز الدلالة اللغوية والكتابة تنشرها.
لكن ديريدا لا يدعو لأدب منفصل عن الفلسفة . وعند هذه النقطة" يأسف..لقبول "رولان بارت" الظاهر للتمييز بين الخطاب العلمي من جهة وبين الخطاب الأدبي من الجهة الأخرى ..وذلك بنقل ولائه [أي رولان بارت] من الأول إلى الثاني صراحة."(69).
إن نيتشه، بمحاولته العودة إلى مجمع الفلاسفة قبل أفلاطون ، يحاول إنجاز نكوص عن الإجابات التي جاء بها سير الفلاسفة منذ أفلاطون، نكوص نحو عالم الأسئلة الوجودية؛ نحو تجديد السؤال الأنطولوجي(الوجودي العام) [قارن هذا مع أسئلة ديريدا التفكيكية](70)، ويكون بهذا أقرب إلى ديريدا حين يعود هذا الأخير إلى شكل من الأدب ، يسميه"الأدب الأولي أو الأصلي"، يقول ديريدا:"إن هناك ما قد ندعوه بالأدب الأولي أو الأصلي الذي هو الشرط المشترك لوجود كل من الأدب والفلسفة."(71).
تشير قراءات ديريدا إلى "أن الفلسفة لا تستطيع الهرب من البلاغي؛ من الأدبي ؛ من اللغوي، ولقد بينت قراءات ديريدا حقاً أن ما تدعى بالنصوص الفلسفية تبلغ أعلى درجات الفطنة عندما تدرس مجازاتها واستراتيجياتها البلاغية بعناية فائقة."(72).
وإذا ما أخذنا "منطق التكملة" بالاعتبار، يكون هدف ديريدا هو إثبات حق "الأدبي" (اللغوي؛ البلاغي) ؛ هو محاولة لتكريس الحق "البرلماني" للبلاغي، مع ما يتضمنه من إعادة تعريف (ترتيب) أو إعادة إنتاج للفلسفي (الميتافيزيقي) من وجهة نظر "الأدبي" (البلاغي) ، وهذه الحركة تهدف إلى إحداث تحويل (إزاحة) لبرامج العمل من الواقع الاجتماعي إلى "واقع" النص (واقع للقراءة والتفكيك ). مع نشر الدلالة، وتورية المعنى؛ إنه الإزاحة من أفعال الواقع إلى أفعال الكلام. كل ذلك يحدث على أرضية انحطاط الطبقة البورجوازية كطبقة عالمية، مخالطة مع انحطاط نقيضها الإيديولوجي والسياسي وازدهار الديماغوجي[البيروقراطي والفاشي]. وهذا ما كان قد أشار إليه سارتر بـ"صيرورة الخارجية داخلية."(73).
هذا النكوص ، هو تكريس لحق "الأصل"؛ أو لدور الطفولة في حياة الراشد؛ إنه إشارة إلى عودة "التحليل النفسي" و "الوضعية الفلسفية" بين الحربين، وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية. كل هذا بوجود (وليس بحضور) الماركسية. هذا الوجود للعلم الماركسي(التاريخي/ الاجتماعي)، وهذه العودة للأصل ، استحضرا وجودية سارتر.
لقد ظهر "التحليل النفسي" بداية هذا القرن وتكرس "عشية" الحرب العالمية الأولى، وعلى شرفها، وهو هو يعاود الظهور بعد الحرب العالمية الثانية لا كعلم وضعي، ولكن على شكل "ميتافيزيقا" (وجودية، ظاهراتية، بنيوية ، ما بعد بنيوية وتفكيكية..وهي التيارات الفلسفية لما بعد الحداثة).
لكنها عودة "ملحدة " ومشمئزة من اللاهوت أو حذرة تجاهه، ومشمئزة من "الميتافيزيقا" من دون القدرة على الخروج منها. كل هذا مخالطة مع انحطاط فلسفة الممارسة (praxis) ، (أو الفلسفة العملية النقدية).
تشير هذه العودة إلى الأصل، إلى :
أولاً: صيرورة الخارجية داخلية، والتحول من الطبقة إلى الفرد.
ثانياً: تأثير الطفولة على الراشد (الكهل)؛ أي إعادة تعريف راهن البورجوازية (كطبقة عالمية) بأشباح ماضيها بفعل انحلال الأنا البورجوازية. حتى صاحبها [الأنا] بات يبغضها؛ لقد غدت أمجاد الماضي البورجوازي أشباحاً تطارد "الأنا" المفكّكة؛ إنه الشبح العائد"؛ إنه "روبسبير" يعود أبداً لقطع رؤؤس الفرنسيين."(74).
في هذه العودة للطفولة ؛ الأصل، لم يعد الكل العيني يشرط البسيط ، بل بات البسيط يشرط العيني في حركة هلوسية.
يتم هذا التكريس لحق "الأصل" ضمن شروط اللعبة "البرلمانية" ، ضمن جدران "البرلمان" البنيوي ، أي ضمن وهم استقرار وازدهار النظام الرأسمالي بعد الحرب العالمية الثانية. لقد تم هذا التكريس بطريقة مثالية ، أي جرى تعريف البنية بهذا العنصر "الأصل".
في نقده "البرلماني" للبنيويين الفرنسيين يقول ديريدا :"من ليفي شتراوس وحتى فوكو يفترضون وجود الميتافيزيقا". وفي كتاب "الصوت والظاهرة" ، يبين أن ظاهرية هوسرل طوّرت تماماً المواضيع التي كان يجب أن تقود إلى خارج الميتافيزيقا."(75)، "أما بالنسبة لنقد هايدغر.. ففي جوانب كثيرة من عمله ، وجدته[والكلام لد يريدا] ما يزال حبيس الرؤية الميتافيزيقية."(76). أيضاً فهو يقول :"إن مختلف الكتاب مثل لوفينا و أرتو وباتاي قادوا التمرّد ضد الأساس التقليدي للميتافيزيقا وأنهم نجحوا نجاحاً يزيد أو ينقص بفضل إرادة في الاختراق يجب متابعتها وتعميقها."(77).
إن متابعة هذا الاختراق والتمرد ضد الميتافيزيقا الغربية في سبيل تكريس حق "الظاهرة" و"الصوت"؛ أي حق المادية الساذجة والهيوليّة ليس ممكناً – حسب ديريدا- إلا بالتحديد الدقيق لمشكلة "الأصل"(78) ، وكل هذا يتم ، ليس بنقد الميتافيزيقا من "الخارج"،"وإنما الاستقرار والتموضُع في البنية غير المتجانسة للنص (البنية)." (79) ، يقول:"إن الميتافيزيقا كما عبرتُ عنه في موضع آخر ، ليست تخماً واضحاً، ولا دائرة محددة المعالم والمحيط يمكن أن نخرج منها ونوجّه لها ضربات من هذا "الخارج"."(80)، على هذه الأسس يعلن ديريدا عن بيانه تجاه الميتافيزيقا الغربية . يقول:"رغم أننا لا نستطيع أن نتخيل نهاية الميتافيزيقا أو أن نضع لها حداً، فإن بوسعنا أن نعمل على انتقادها من الداخل بالتعرف على النظام الهرمي الذي أقامته، وبقلب هذا النظام رأساً على عقب."(81)
في نقده لـ"ميشيل فوكو" يقول ديريدا:"إن محاولة فوكو نفسه لا يمكن أن تكون إلا محاولة أخرى من محاولات العقل لتحديد مفهوم الجنون، وليست مشروعاً من نوع آخر."(82). إن المشروع من "النوع الآخر" ليس سوى دعوة إلى الصمت أو دعوة إلى الجنون.
يقتفي ديريدا هذه المرة أثر هوسرل (الظاهراتيّة) مستنجداً بالفيلسوف الدانمركي كيركيغارد[أو سرن كير كجور حسب ترجمات أخرى]، هذا الأخير هو من استحضر "التهكّم السقراطيّ " كأداة رئيسية في النضال ضد الهيغليّة.
يكتب كيركيغارد: "إن التهكم السقراطيّ بفضحه مذهب هيغل يمهد السبيل أمام فلسفة وجود مسيحية."(83).
لقد عمل المفكرون البورجوازيون – بعد الحرب العالمية الثانية بنصيحة سارتر الذي اعتبر أن مبرر وجوديته هو الممارسة الإرهابية والتوحيد الإرهابي-على مستوى المنهج- للبيروقراطية السوفييتية (الستالينية) وازدهار الديماغوجي . يكتب سارتر: "فالفكر البور جوازي يعتمد في الصراع العام الذي يخوضه ضد الماركسية على الكانطيين [نسبة على كانط] المتأخرين، وعلى كانط نفسه، وعلى ديكارت، ولا يخطر له [الفكر البورجوازي] أن يتوجه إلى كيركيغارد.
وسيعاود الدانمركي (كيركيغارد) الظهور في مطلع القرن العشرين حين سيخطر لهم أن يحاربوا الديالكتيك الماركسي بمعارضته بمذاهب تعدّد ، بالتباسات، وتناقضات؛ [وذلك] من اللحظة التي اضطر فيها الفكر البورجوازي إلى اتخاذ موقف الدفاع لأول مرة."(84) ، ويضيف سارتر:"إن تأمل الفشل يناسب كل المناسبة بورجوازية متمرِّدة على المسيحية جزئياً لكنها آسفة [في عصر انحطاطها] على الإيمان [المسيحي] لأنها فقدت الثقة بعقيدتها العقلانية والوضعية."(85).
فالفكرة المسيحية التي تحمل "جانباً" من الحقيقة والتي تقول:"أن المنتصر الفردي في عالم من الاستلاب لا يتعرف نفسه في انتصاره، ولأنه يصبح عبداً له."-هذه "الحقيقة" ، حولها "ياسبرز" ومن قبله كيركيغارد إلى يأس ذاتي مطلق [يأس ماسخ و مشؤوم] وفشل متعمق للإنسان [للفرد] مع كل اكتشاف أو انتصار له."(86)
لقد رجع فرا نز كافكا إلى هذه الفكرة المسيحية في يومياته ." (87)
هكذا تكون معارضة ديريدا لتيار المفكرين الفرنسيين بعد الحرب العالمية الثانية ، ولـ"البنيوية التي تطرفت في تحيزها ضد الجوهريّة."، معارضة "برلمانية" للبنيوية وللوجودية الملحدة معاً، أي أن ديريدا لا يخرج "عن تيار المفكرين الفرنسيين بعد الحرب العالمية الثانية الذين تأثروا بسارتر في عدائهم المشترك للجوهرية والشمولية والحتميّة الميكانيكية "(85) بإعادة طرحه لمسألة "البدء" وطريقة "حلّها" عند الميتافيزيقا الغربية. تبدأ هذه الأخيرة بالمجرّد.. " فبالنسبة لـ هيغل فإن عملية التفكير، التي يحوّلها تحت اسم الفكرة إلى ذات مستقلة، هي خالق الواقع الذي لا يشكل سوى مجرد مظهر لتجليها الخارجي."(90).
يبدأ هيغل بالمجرد؛ بالغائب ، وليس بالحاضر. و ديريدا ، متهكّماً على طريقة سقراط، يبدأ بـ(الكتابة-الكتاب)، وليس بالكلام-الصوت.
وكما تبنّى "وينتروب"(91)، إحدى شخصيات خورخي بورخيس، وهو من "الشمال" ؛ تبنّى "السانحة" [قصيدة أهل "الجنوب"] تبنياً تهكّمياً (بارودياً - من PARODY) ليثبت تهافتها و تضجّرها. وليؤكد بهذه الطريقة حق "البارحة" [قصيدة أهل "الشمال"]، كذلك فعل ديريدا، بمحاكاته الساخرة لـ هيغل والمثالية عموماً. ليثبت حق البدء بالحاضر أو بالحسي، وهذه مطالبة بحق "المادية الطبيعية" أو الهيولية [من الهيولى؛HULE].
في كتابه "الصوت والظاهرة" وهو كتاب مخصص للتحليل الفلسفي يتناول ديريدا نظرية "هوسرل" عن الرموز وبشكل خاص فكرتي الصوت والحضور ودورهما ومكانتهما في الفينومينولوجية."(92).
يظهرن من خلال اختياره لهذا العنوان ، أن "الحضور"(93) أو "الصوت" هو المقابل (النقيض) الحي والمتفرد؛ المادي الساذج (الحسي؛ أو الهيوليّ) ؛ هو المقابل للكتابة-الكتاب التي هي ضرب من التجريد [التجريد ،هنا، هو تثبيت الجوهري أي ما هو مشترك ومتشابه ومتكرر في الظاهرة، مع قمع كل ما هو عرضي وطارئ ، ولا يمكن القبض عليه أو تبريده بالمفهوم].
إن التهكم الديريديّ [نسبة إلى ديريدا] ، الآخذ بنصيحة سارتر والمقتدي بشبح كيركيغارد العائد؛ ذا المثل السقراطيّ موجهٌ أساساً ضد التجريد ، وضد الجوهريّة التي تعتمد على "قوة التجريد" كأداة كشف علمي وتفسيري ؛ كقوة إنتاج معرفية. يكتب ماركس في مقدمة الرأسمال:"لا يمكن لدى تحليل الأشكال الاقتصادية استخدام المجهر أو الكواشف الكيماوية، بل يجب على قوة التجريد أن تحلّ محلّ هذه وتلك "(94)، الكتابة- الكتاب هي تموضع المعنى في علامة؛ هي تجسُّد المعنى علامة في كتاب (علامة جرت عليها مواضعة اجتماعية). هنا تظهر شبهة أو التباس بين التّموضُع (تموضع المفهوم عبر التمثيل اللغوي) وبين الضياع أو الاستلاب ALIENATION (أي اغتراب العقل عن منتوجه). وهنا يحاول ديريدا مرة أخرى، ممارسة محاكاة تهكمية تجاه الهيغلية؛ التي تعتبر تموضعات الروح بالمطلق؛ بشكل أنثر وبولوجي (أي بغض النظر عن توسّطات التاريخ) انسلاباً أو اغتراباً للروح في الطبيعة (الروح وقد انخلعت في الطبيعة).
يتهكم ديريدا على الفهم الأنتروبولوجي (الإناسيّ) للاغتراب الذي يعتبر الروح بحد ذاتها (كروح) مغتربة عبر العمل الإنساني.
لكن إذا كانت الكتابة تمثيلا غير مباشر للفكر، نرى أن البرجوازية الأوربية الصاعدة لم تأت بفرط الكتابة-الكتاب فقط بل جاءت بقوة التجريد كقوة إنتاج معرفية حاسمة، بل وجاءت أيضا بالبرلمان الذي هو عملية تمثيلية غير مباشرة وتجريدية (تأخذ ما هو مشترك في إرادة عدد كبير من الجمهور مع إبعاد التّفردات والمتمايزات والفروق بينهم )
يعبّر هذا التجريد إثر الثورة الفرنسية عن انفصال الإنسان السياسي (المواطن)عن الإنسان الاجتماعي (الإنسان)."ولقد تم وعي هذا الانفصال في القرن الثامن عشر باسم "المجتمع المدني""(95).
لقد ثبت بالممارسة أهمية "قوة التجريد" كأداة كشف هامة في تقدم العلم والتفسير الأوربيين تقدما كبيراً لكن البورجوازية ومع تعمق انحطاطها (كطبقة عالمية )، بدأت تستشعر الخطر في استخدام هذه "القوة".
إن جاك لاكروا بمحاولته التعبير ، من أن ديريدا " يعتبر الكتابة هي الأساس الأخير للفكر الغربي" ، إنما يشير إلى أحد أكبر أسس الفكر الغربي وهو "قوة التجريد" والتمثيل المفاهيميّ، والفلسفة " "الجوهريّة" التي تتعامل بمفاهيم مثل (حضور- غياب)؛(ظاهر- باطن) (96). من ناحية أخرى، يُدين ديريدا "الميتافيزيقا الغربية" على أساس أنها تقوم على الافتراض المسبق للكائن (الموجود) بوصفه حضوراً ، وهو افتراض مسبق لمطابقة الوجود والحضور. وهذا ما أشار إليه "كوجيتو" ديكارت الشهير.
لكن، مع "بدء المخالطة" وبدء زمنها "يعود الوجود حضوراً في زمن كهذا؛ زمن "خارج الوصل". يكتب ديريدا: "الشكل-البضاعة" فهو يؤثر في [القيمة الاستعماليّة] ويُلبسها الحداد مقدماً، تماماً مثل الشبح الذي سيصبحه [هذا الشكل أو البضاعة كقيمة تبادلية](97). ولكن، ها هنا تبدأ المخالطة بالضبط، كما يبدأ زمنها ، والمفارقة الزمانيّة لحضورها ؛ ولكائنها القائم "خارج الوصل"(98). "The time is out of joint". فالفعل "خالط" لا يعني الكينونة حاضراً. ولذا يجب إدخال المخالطة في بناء المتصور نفسه."(99).
نلاحظ باعتبار إسهام ديريدا الإيجابي في "ميتافيزيقا الحضور"، أو إشكالية الحضور (الهوية)، نظراً لأن "الحضور" ليس بسيطاً، فهو يتضمن الغياب أيضاً، فـ"الهوية"-حسب ديريدا- قائمة على أرضية خلافية (مفارقة)؛ فهي تتضمن عناصر من الماضي والمستقبل، ليست حاضرة، إنما موجودة. وديريدا الذي يتحول اهتمامه من مسألة تغيير البنية إلى مسألة شرح وتفسير إشكالية الحضور فيها، وعلاقتها بهذا الحضور، يعيد تعريف هذه البنية من وجهة نظر الحضور نفسه.
عبر هذا التحول ؛ هذا الانزياح يحاول ديريدا أن يعيد للفاعل (الكاتب، الخطيب السياسي) بشكل طقوسيّ (رمزيّ) هيبته المسفوحة بفعل فيض وسائل الاتصال التقنية، وبفعل سيطرة وسائل الإعلام [هيمنة التوسُّط]. يقول: "إن السياسي المحترف والمتسق مع النموذج القديم ليميل مهما كانت قدرته الشخصية – اليوم لكي يصبح غير قادر."(100). وهذا الشرح الدفاعي يوحي بحنين نحو الخطيب السياسي.
والبنيوية، بطبيعتها، تهمل الفاعل (الكاتب؛ الخطيب السياسي) ؛ تهمل الإرادة السياسية، والنشاط الغائيّ، كما تهمل طموح الطبقة الاجتماعي- السياسي نحو تغيير أوضاعها وأدوارها " والكتابة في العادة تؤدي وظيفتها في غياب المتكلم أو المستمع.."(101) ، هكذا يكون اعتراض ديريدا على الكتابة-الكتاب، واختيارها "بدءاً" لهذا الاعتراض، هو اعتراض على البنيوية والنقد البنيويين، لكن ضمن أفق النظر "التفسيري" (من تفسير البنية)، لا "التغييريّ" (تغيير البنية). هكذا يكون اعتراض ديريدا على البنيوية، وبغضه للكتابة-الكتاب، معارضة "برلمانية" ، وبغضاً "برلمانياً".
إن البنيوية التي تغتبط لغياب الفاعل (الكاتب) ، وتشيد بالنص المكتوب، و بـ"الموضوعية" من دون أية إشارة إلى النشاط (الهادف والفعّال)، ما هي إلا "موضوعية" رجعية كما يعبر ماركس عن ذلك في "الإيديولوجية الألمانية". يقول ماركس: "إن ما يسمى الطريقة الموضوعية في كتابة التاريخ التي تستقيم بالضبط في معالجة الشروط التاريخية بصورة منفصلة عن النشاط،[هي طريقة لها] طابع رجعي."(102). يكتب ديريدا، "الكتابة تدخلنا بشكل غير مؤكد إلى فكر الكاتب، ويمكن أن تظهر غفلاً من اسم كاتبها دون الاتصال بمؤلف أو متكلم، ولذا فإنها قد لا تبدو مجرد وسيلة من وسائل تمثيل الكلام، بل قد تبدو وبشكل أهم تشويهاً أو تحريفاً للكلام"(103).
يحاول ديريدا أن يقدم نقداً مثالياً للمثالية بمحاكاتها، وبطرح أسئلة عليها، وبطرح المسائل طرحاً كانطياً (نسبة إلى كانط) متقابلات مطلقة: حضور ـ غياب (الكلام ـ الصوت) ـ (الكتابة ـ العلامة) الخ.. ويعود لطرح السؤال الفاسد الذي يقول : بما نبدأ ؛ بالحاضر أم بالغائب ؛ بالمجرد أم بالحسي ؟ لكن ، ما هو "الحضور"بالنسبة لـ هيغل ، أكبر أباطرة الفلاسفة الجوهرية ،ومؤسس إمبراطورية فلسفية و ديالكتيكية لا تغيب عنها الشمس ؟
"الحضور هو هذا السطح الهادئ الذي يخفي اضطراباً دائماً .. ويغدو مظهر الأشياء حين تقيم الحواس علاقة معها ..فالحضور ليس غير الوحدة المباشرة أحادية الجانب للعمليات الجارية في الأعماق ..لكنه لحظة موضوعية من لحظات الكل ، ولابد أن يكون متضمنا في مفهومه ..وهو حد أو قيد ،لأنه يدخل نفسه في تعارض منذ البدء مع توسُّع الشيء اللانهائي."(104) .
يقول لاكروا: "الكتابة عنف يطرأ على الكلام "حسب ديريدا .يستبدل، هنا ،كلمة (سلب) أو(نفي) ب(عنف) لجلخ الدلالة . لكن ،السلب (العنف)هنا ،هو شطب ؛ إبادة جماعية ،وليس تجاوزا هيغليا (تجاوز مع احتفاظ).
لقد غدت هذه المشكلات ،مشكلات العلاقة بين الحدث والبنية ،بين التجريبي والمثالي ، بين النظام والأصل ؛ بين الكلام والكتابة ، غدت الموضوع الذي تتناوله معظم كتب ديريدا التالية ."(105).
ومع هذا يعترف لاكروا ـ من بعد ديريدا ـ بأن هذا "العنف" هو الذي أتاح تقدم الفلسفة الغربية.
نقرأ في المقالة :"الكتابة عنف يطرأ على الكلام وهذا العنف هو الذي أتاح تقدم الفلسفة "(106).
إن النوسان بين الحدث والبنية ، دليل على تقهقر إلى ما قبل الهيغلية ؛ نحو انطولوجيا مفكّكة ذات عناصر كانطية، وهو إشارة إلى التحول من الاجتماعي إلى الوجودي- الفردوي، وتحول العلم الفلسفي إلى نوع من " الأبستمولوجيا " ؛ أي إلى نوع من الوضْعيّة الحذرة. يقول ديريدا بخصوص ميشيل فوكو:"..بعد أن يتعرف فوكو على الطبيعة الإشكالية لمشروع الفكري يقنع بالغوص في ما يدعوه بالمنهجية الوضعية السعيدة."(107) . هذا التقهقر نحو شكل من انطولوجيا مفكّكّة هو دلالة على انحطاط صراع الطبقات وتحوله إلى نوع من المواجهة بين الفرد والعالم ؛ دلالة أيديولوجية لأوربا المنحطة.
يقول لاكروا معتمداً على ديريدا: "تفكيك الفلسفة هو اكتشاف " خارج" ما كبتته ومنعته وجعلت لنفسها (أي الفلسفة) تاريخاً من هذا الممنوع نفسه- هكذا يتعلم المرء ألا يفكر بالزمن انطلاقاً من الحاضر، بل أن يفكر بالحاضر انطلاقاً من الزمن ." (108).
لم يعد ممكناً حسب هذا التفكيك معرفة الأنا البورجوازية من البور جوازي "السويّ" ، بل من خلال البورجوازي المهمَّش؛ المجنون؛ الشاذ جنساً المجنون والعاطل عن العمل؛ الخ.." إن اختراق الفلسفة الغربية وتفكيكها إشارة إلى تفكّك "الحضور" البورجوازي. لم نعد نتعرف على تاريخ البورجوازية انطلاقاً من "حاضر" هذه البورجوازيات، بل نحن نتعرف على أشلاء هذا "الحضور" من ماضيه (تاريخه)" ، إنه فهم مثالي للزمن ؛ أي الزمن تلك "الوحدة السلبية للكائن خارج ذاته" ..هذه الزمنية المثالية هي شرط لكل مثالية "(109)". إن ديريدا بمحاولته إثبات مسألة "البدء" أو "الأصل" ونقده المثالي لوهم "الافتراض المسبق للكائن (الموجود) بوصفه حضوراً، ومحاولته أحياناً العودة إلى المادية الساذجة (الطبيعية) المبتذلة والتجريبية ، تشير إلى ما يكنّه ديريدا من عداء وبغض للأنا البورجوازية وهو يحاول الإشارة في مرات أخرى إلى وهم البور جوازي لوحدة أناه ، خاصة في عصر انحطاطه. وأنه البورجوازي لم يعد يتعرف وجوده عن طريق حضوره (أضحى كائناً خارج الوصل). لكنه يحدس حضوره من خلال أشباح ماضية. يجري التعبير عن هذا التفكك لأنا البورجوازية بـ"نزّ المعنى" وانتشار الدلالة وتسربها. إن الانحطاط الذي أصاب الطبقة العالمية البورجوازية مخالطة مع الانحطاط الأيديولوجي والسياسي لنقيضها وازدهار الديماغوجي اعتباراً من منتصف عشرينات هذا القرن، أضعف التوتر بين المفهوم ووسائل إيصاله المادية ، فحصلت رخاوة بين الدال والمدلول (دلالة عائمة) وارتفعت الدعوات إلى صوت بلا معنى [راجع كتاب "الانتشار" لـ ديريدا و "حواشي الفلسفة" ]؛ الأول يهتم بالنص وانتشار الدلالة ، والثاني ، بالكينونة اللغوية للنص الفلسفي. "لقد ركّز تيار ما بعد الحرب العالمية [الثانية] للمفكرين الفرنسيين على مشكلات اللغة والبنية والنص. في جهد موجه لإصلاح الديماغوجي ، وفي إشارة إلى ازدهار قطري" للبنية الرأسمالية. من هنا كان الاعتراض على الكتابة – الكتاب كوعي من أجل الآخر (اعتراض على الاتصال مع الآخر) . وكل هذا يتضمن شكّاً بالإنسان البور جوازي وهو يته، وإشارات إلى عزلته وانحلال أناه ، بالتالي اندفاعها للتماهي والانحلال في الطبيعة (الدعوة إلى مادية طبيعية؛ والدعوة إلى حضور خالص للطبيعة – الجسد ودمار التمثيل. مثال ذلك مسرح القسوة للفرنسي أرتو). إن الدعوة إلى علامة خالية من المعنى (المدلول) ؛ إلى لغة خالية من أية مواضعة اجتماعية، وخالية من قصد الكاتب (من دون فاعل) المرتبط جدلياً بهذه المواضعة ومعيد إنتاجها،، تشير جميعها إلى النفور من التاريخ (عمل التاريخ) ، والإنسان والحنين للعودة إلى الطبيعة (عودة الأصل الجغرافي) . ألم يصرح رولان بارت "أنه مستعد لأن يفعل المستحيل حتى لا يحتويه تعريف، وأنه لا يحتمل أن تتشكل له صورة ، ويتعذب لدى ذكر اسمه"(110). ألا ترون معي أن سارتر ومعه كيركيغارد قد تمكّنا من تلقين بارت (ومن بعده ديريدا) بغض نفسه.
إن ديريدا بالمحصلة ، ليس خارج السرب؛ "سرب المفكرين الذين كانوا جزءاً من وجودية ما بعد الحرب العالمية الثانية؛ "تلك الحركة الفلسفية التي كان لها تأثير واسع في فرنسا بعد عام 1954 وامتداداً حتى أواخر عقد الخمسينيات، والتي تأثرت عميقاً بوجودية سارتر التي ناصبت الفلسفة الجوهريِّة العداء."(111).
لم يعد كوجيتو ديريدا هو هو كوجيتو سارتر الذي يعلن :"الوجود يسبق الجوهر" بل أصبح الوجود (الكينونة) "خارج الوصل" (out of joint)؛ أي من دون حضور. لقد أضحى وجوداً شبحياً ، وأضحى شطباً وطرداً للجوهر؛ طرداً كانطياً ؛ وجوداً ملتبساً ؛ معلقاً بين السماء والأرض. كل ذلك داخل البرلمان "البنيوي" وعلى نفقة كانط الذي لا يجتاز الحد ؛ كانط الذي يعمل عند الحدود كشرطي جمارك.








الهوامش والمراجع:
(1) رومان ياكبسون "ست محاضرات في الصوت والمعنى" . ترجمة حسن ناظم وعلي حاكم صالح الطبعة الأولى 1994، المركز الثقافي العربي. ص (31).
(2) "ملحق الثورة الثقافي" العدد77 /الأحد/7/9/1997. ص (14).
(3) جاك ديريدا "الكتابة والاختلاف" ترجمة كاظم جهاد . تقديم محمد علال سيناصر. دار توبقال للنشر- الدار البيضاء. الطبعة الأولى.1988. ص (86).
(4) "البنيوية وما بعدها" - من ليفي شتراوس إلى ديريدا "تحرير جون ستروك. ترجمة د.محمد عصفور. عالم المعرفة، العدد /206/ شباط 1996. ص(217). مقالة ديريدا بقلم "جوناثان كِلر".
(5) جاك ديريدا "الكتابة والاختلاف"-مرجع سابق. ص(85).
(6) "البنيوية وما بعدها.."-مرجع سابق.ص(218).
(7) "البنيوية وما بعدها.."- مرجع سابق.ص(214).
(8) جاك ديريدا "أطياف ماركس" ترجمة د.منذر عيا شي. دار الحاسوب للطباعة-حلب الطبعة الأولى 1995. ص(219).
(9) ميلان كونديرا "خفة الكائن التي لا تحتمل" ترجمة د.عفيف دمشقية. دار الآداب. الطبعة الأولى1991.
"الكيتش" كلمة ألمانية ظهرت منتصف القرن التاسع عشر. وانتشرت فيما بعد في جميع اللغات. و الكيتش في جوهره نفي مطلق للغائط بالمعنى الحرفي كما بالمعنى المجازي. يستبعد الكيتش من حقل رؤيته كل ما في الوجود البشري من مرفوض رفضاً أساسياً". [هنا كيتش وهنا كيتش استبدادي]. ص (292-293). في مملكة الكيتش الاستبدادي تعطى الأجوبة سلفاً ويستبعد كل سؤال جديد وينجم عن هذا أن خصم الكيتش الحقيقي هو الإنسان الذي يسأل" ص(298)؛ هو سقراط.
(10) "البنيوية وما بعدها.."- مرجع سابق. ص(214).
(11) "البنيوية وما بعدها.."- مرجع سابق. ص(218).
(12) سورة البقرة؛12.
(13) سورة البقرة :144
(14) "البنيوية وما بعدها.."- مرجع سابق. ص(234).
(15) "البنيوية وما بعدها.."- مرجع سابق. ص(235).
(16) الكبت "الأدبي" في الفلسفة الغربية اعتباراً من ديكارت.
(17) "البنيوية وما بعدها.."- مرجع سابق. ص(235).
(18) "البنيوية وما بعدها.."- مرجع سابق. ص(213).
(19) خورخي لويس بورخيس "كتاب الرمل" ترجمة لطيفة ديب- منشورات اتحاد الكتاب العرب 1996.
(20) جاء في قاموس المورد 1991.ص (761) في معنى كلمة (raw):
(1) نيئ؛ فج(2) (أ) خام (ب) صرف؛ غير ممزوج بالماء (ج) غير مدبوغ (2) (أ) مسلوخ عنه الجلد (ب) دامٍ؛ غير ملتئم أو مندمل (ج) عارٍ (3) (أ) غرّ؛ جاهل؛ قليل التجربة (ب) غير مصقول فنياً. (4) قاس؛ ظالم؛ منطو على حيف (5) رطب أو بارد حتى الإزعاج...(7) عُري..".
(21) الشاعر أوفيد "مسخ الكائنات""Metamorphoses" "التّحولات". ترجمه وقدم له د.ثروت عكاشة. راجعه على الأصل اللاتيني.د.مجدي وهبة. الهيئة المصرية العامة للكتاب 1992. الطبعة الثالثة .ص(324).
(22) "البنيوية وما بعدها.."-مرجع سابق. ص(213).
(23) جاك ديريدا :"الكتابة والاختلاف"- مرجع سابق .ً(85).
(24) د.حسن حنفي "في الفكر الغربي المعاصر". دار الطباعة للتنوير والنشر. الطبعة العربية الأولى 1982. ص (307). راجع أيضاً :"ملحق الثورة الثقافي "العدد (102)" الأحد 8/3/1998. "التحليل النفسي عند جاك لاكان". ترجمة عدنان محمود ص(14).
(25) "البنيوية وما بعدها.."-مرجع سابق. ص(216).
(26) جان بول سارتر "الماركسية والوجودية" ترجمة جورج طرابيشي. منشورات دار اليقظة العربية . 1964 ص (10).
(27) الجوهرية (الماهيوية) essentialism :"نظرية تقدم الماهية أو الجوهر على الوجود (فهي بذلك نقيض الوجودية)" ص(320) .المورد 1991.
(28) د.نصر حامد أبو زيد "الاتجاه العقلي في التفسير ، دراسة في قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة." دار التنوير للطباعة والنشر الطبعة الأولى 1982 . ً(124).
(29) جاك لندن "إشعال النار" مختارات من القصص الإنكليزية الحديثة ترجمة عارف حذيفة-منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي- دمشق 1979).ص(275).
"جاك لندن" (1876-1916).
(30) سورة طه (1-2)
(31) "البنيوية وما بعدها.."-مرجع سابق. ص(216).
(32) ماركس – انجلز "الإيديولوجية الألمانية" ترجمة الدكتور فؤاد أيوب- دار دمشق 1976. ص(43).
(33) "البنيوية وما بعدها.."- مرجع سابق. ص(217).
(34) ج.م.ألبر تيني ، أ.سيليم " لفهم الاقتصاد العالمي" ترجمة الدكتور مصطفى عدنان السيوطي، مراجعة عيسى عصفور . منشورات وزارة الثقافة .دمشق 1986. الطبعة الفرنسية 1980 ص(38-39).
(35) ج.م.ألبيرتيني "لفهم الاقتصاد العالمي" –مرجع سابق ص (42).
(36) ج.م.ألبر تيني "لفهم الاقتصاد العالمي" –مرجع سابق ص (36).
(37) هاري ماجدو ف "الإمبريالية من عصر الاستعمار حتى اليوم" ."ترجمة مؤسسة الأبحاث العربية . الطبعة العربية الأولى 1981- الطبعة الإنكليزية 1978 ص(175).
(38) لاحظ في العربية: الحركة الصاعدة لحروف اللغة من (أ) إلى (ي) ، بينما نجد عند ديريدا حركة هابطة أو متقهقرة من (ي) إلى (أ) ، ظهور العطف أو الشفقة . والنداء الصوفي(يا)، الإله يشفق على الإنسان.
(39) "البنيوية وما بعدها.."- مرجع سابق. ص(219).
(40) "البنيوية وما بعدها.."- مرجع سابق. ص(219).
(41) "البنيوية وما بعدها.."- مرجع سابق. ص(219).
(42) "ملحق الثورة الثقافي" العدد 77 / الأحد 7/9/1997. ص(14). جان لاكروا "الكتابة والميتافيزيقا عند جاك ديريدا" . ترجمة عدنان محمود.
(43) ملحق الثورة الثقافي ص(77) مرجع سابق ص(14).
(44) ملحق الثورة : عدد 77 ص(14).
(45) "البنيوية وما بعدها.."-مرجع سابق. ص(220).
(46) جاك ديريدا "الكتاب والاختلاف" مرجع سابق ص(80).
(47) هيغل "موسوعة العلوم الفلسفية" المجلد الأول. ترجمة وتقديم وتعليق د.إمام عبد الفتاح إمام. دار التنوير للطباعة والنشر. الطبعة الأولى 1983 .ص(15).
(48) هيغل "موسوعة العلوم الفلسفية" –مرجع سابق. ص(25).
(49) كارل ماركس "رأس المال- نقد الاقتصاد السياسي" المجلد الأول، الكتاب الأول: عملية إنتاج الرأسمال. دار التقدم- موسكو. ترجمة الدكتور فهد كم نقش /1985/ ص (27).
(50) كارل ماركس "الغروندريسّة" أسس نقد الاقتصاد السياسي- في النقود "ترجمة عصام الخفاجي. دار ابن خلدون- بيروت. الطبعة الأولى 1984.ص(46).
(51) جان بول سارتر "الماركسية والوجودية" مرجع سابق. ص(15).
(52) جاك ديريدا "أطياف ماركس"-مرجع سابق.
(53) كارل ماركس وفريدريك انجلز "منتخبات في 15 مجلداً... المجلد (1) ترجمة الياس شاهين. دار التقدم 1988.
(54) جاك ديريدا "أطياف ماركس" –مرجع سابق .ص(213). "إرث الرباط المزدوج"..."فالتناقض والسر يسكنان الأمر (روح الأب..) "أطياف ..." ص(313).
(55) جاك ديريدا "أطياف ماركس"-مرجع سابق.ص(313).
(56) جاك ديريدا "أطياف ماركس"-مرجع سابق.ص(288).
(57) ماركس."الرأسمال"- مرجع سابق. ص(107).
(58) جاك ديريدا "أطياف ماركس"-مرجع سابق.ص(305). أيضاً، راجع فصل الصنمية البضاعيّة وسرها."ص(105) من "الرأسمال"-مرجع مذكور.
(59) جان بول سارتر "الماركسية والوجودية"-مرجع سابق. ص (78).
(60) جاك ديريدا. "الكتابة والاختلاف" مرجع سابق.ص(78).
(61) وولتر ستيس "تاريخ الفلسفة اليونانية"-ترجمة مجاهد منعم مجاهد-مؤسسة الأبحاث الجامعية.الطبعة الأولى 1987.ص(92).
(62) وولتر ستيس "تاريخ الفلسفة الإغريقية"-مرجع سابق.ص(92).
(63) كارل ماركس "رأس المال"-مرجع سابق.ص(27).
(64) "البنيوية وما بعدها"-مرجع سابق.ص(226).
(65) "البنيوية وما بعدها"-مرجع سابق.ص(226).
(66) ماركس "رأس المال"-مرجع سابق.ص(28).
(67) ملحق الثورة الثقافي العدد /23/ الأحد /11/8/1996.ص(15).
(68) "البنيوية وما بعدها"-مرجع سابق.ص(233).
(69) "البنيوية وما بعدها"-مرجع سابق.ص(232).
(70) "..أن تقطع شوطاً مع الميتافيزيقا، وأن تطرح أمامها أسئلة تظهر أمامها من تلقاء نفسها. عجزها عن الإجابة ، وتفصح عن تناقضها الجوانيّ. "[الكتابة والاختلاف".ص (47)] مرجع سابق.
(71) "البنيوية وما بعدها"-مرجع سابق.ص ص (233-234).
هذا الأدب الأولي "أقرب إلى"النموذج البدئي" Archetype عند يونغ.
وإلى المملكة اللغوية "عند تشو مسكي" الذي يقول عنها، بأنها جاءت "من اليد الأصلية للطبيعة..كما تقول عبارة هيوم شرط التخلص من خطأ القول بالوجود المسبق..[راجع .نعوم تشو مسكي- "اللغة ومشكلات المعرفة"- ترجمة دار توبقال- الدار البيضاء-الطبعة الأولى.ص (41).
أما يونغ فيقول: "النماذج البدئية..لا يمكن معرفتها كما هي، وكل ما نستطيع حولها أن نصوغ حيالها، أو نصوغ عنها نماذج نعلم أنها غير متكافئة."ص (7)، "الإله اليهودي" ترجمة نهاد خياطة. دار الحوار-اللاذقية.الطبعة الثانية 1995.
(72) "البنيوية وما بعدها.." –مرجع سابق.ص(234).
(73) "جان بول سارتر..الماركسية والوجودية"-مرجع سابق. ص (101).
(74) "ميلان كونديرا"خفة الكائن التي لا تحتمل"-مرجع سابق.ص(8).
(75) "ملحق الثورة الثقافي-العدد/77/ -مرجع مذكور. ص(14).
(76) جاك ديريدا "الكتابة والاختلاف"-مرجع سابق. ص(47).
(77) "ملحق الثورة الثقافي-العدد /77/-مرجع مذكور. ص(14).
(78) "ملحق الثورة الثقافي –العدد/77/- مرجع مذكور .ص(14).
(79) جاك ديريدا "الكتابة والاختلاف"-مرجع سابق. ص(49).
(80) جاك ديريدا "الكتابة والاختلاف"-مرجع سابق. ص(47).
(81) "البنيوية وما بعدها.."-مرجع سابق. ص(207).
(82) "البنيوية وما بعدها .."-مرجع سابق ص(231).
(83) بيار مسنار "كيركيغارد" ترجمة عادل العوّا. منشورات عويدات . بيروت-باريس. الطبعة الأولى 1983. ص (43).
(84) جان بول سارتر "الماركسية والوجودية" –مرجع سابق ص(25).
(85) جان بول سارتر "الماركسية والوجودية "-مرجع سابق ص(27).
(86) جان بول سارتر "الماركسية والوجودية "-مرجع سابق ص(27).
(87) جان بول سارتر "الماركسية والوجودية "-مرجع سابق ص(27).
(88) "البنيوية وما بعدها.." –مرجع سابق ص(76).
(89) ملحق الثورة الثقافي "-العدد /77/ -مرجع مذكور ص(14).
(90) ماركس "رأس المال"-مرجع سابق –ص(27).
(91) راجع –خورخي لويس بورخيس "كتاب الرمل" مرجع سابق "أقصوصة الخدعة" ص(87).
(92) "البنيوية وما بعدها.." – مرجع سابق ص(212).
(93) يمكن مقارنة حضور المعنى لحظة الكلام (في اللحظة الحاسمة) بحضور القيمة التبادلية (وجودها بالفعل) لحظة التبادل ؛ جاء في كتاب "دلائل الإعجاز ص(36) في معنى كلمة "الِّلفق" : الشقة من شقتي الملاءة، وهما لِفقان ما داما متضامّين، فإذا فتقت خياطة الملاءة لا يسميان لفقين." –راجع كتاب "دلائل الإعجاز في علم المعاني" تأليف الإمام عبد القاهر الجرجاني." وقف على تصحيح طبعه وعلق حواشيه السيد محمد رشيد رضا. منشئ المنار.
(94) ماركس "رأس المال" –مرجع سابق ص (12).
(95) ماركس – انجلز-"الأيديولوجية الألمانية"- مرجع سابق ص (45).
(96) نضيف إلى كل ذلك مسألة "تجزئة الصعوبة" المهم في الفكر الغربي الحديث
(97) قارن هذا مع "اللفق" الذي ورد في "دلائل الإعجاز" ..".
(98) .."أطياف ماركس" –مرجع سابق ص (50).
(99) .."أطياف ماركس" –مرجع سابق ص (207).
(100) .."أطياف ماركس" –مرجع سابق ص (154).
(101) "البنيوية وما بعدها.."-مرجع سابق ص (221).
(102) .."الأيديولوجية الألمانية" مرجع سابق ص (51).
(103) "البنيوية وما بعدها.."-مرجع سابق ص(221).
(104) "الغروندريسّة" ..مرجع سابق ص (39).
(105) "البنيوية وما بعدها.."-مرجع سابق ص(211).
(106) "ملحق الثورة الثقافي" العدد /77/ -مرجع مذكور ص (14).
(107) "البنيوية وما بعدها.."-مرجع سابق ص(231).
(108) "ملحق الثورة الثقافي "العدد /77/ مرجع مذكور ص(14).
(109) "..أطياف ماركس" –مرجع مذكور ص(287).
(110) "البنيوية وما بعدها.."-مرجع سابق ص(75).
(111) "البنيوية وما بعدها.."-مرجع سابق ص(76).



#نايف_سلوم (هاشتاغ)       Nayf_Saloom#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة نقدية لـ -الميثاق الوطني في سورية- المنبثق عن المؤتمر ...
- قراءة نقدية في ميثاق شرف الشيوعيين السوريين
- قراءة نقدية في البرنامج السياسي والنظام الأساسي للتجمع الوطن ...
- ديالكتيك الانعكاس في الفن
- نداء إلى شعوب إيران والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين
- علمانية ، أم نقد جذري للتراث القومي العربي و الديني؟
- الاشتراكية أو البربرية محمد الخضر
- حول نظرية الانعكاس
- إسرائيل في قلب الاستراتيجية الأميركية للشرق الأوسط الكبير
- في المسألة القومية العربية الديمقراطية
- المثقف الجديد
- قضايا في مقاربة الإمبريالية الجديدة وما يترتب من مهام
- في انفصال المهام الديمقراطية(# )عن الليبرا لية
- الأزمة مستمرة – نقد وجود الحزب -1
- قراءة في -كراسات السجن- لـ أنطونيو غرامشي
- العلاقة العربية الكردية تعدّد مستويات المقاربة
- القول النظري والقول السياسي حدّ العلم والقول السياسي
- خمر تمور العراق يُسكر الأكراد السوريين
- في الفهم المادي للتاريخ- مدخل إلى الأيديولوجية الألمانية- ال ...
- في الفهم المادي للتاريخ -مدخل إلى الإيديولوجية الألمانية- ال ...


المزيد.....




- الكرملين يكشف السبب وراء إطلاق الصاروخ الباليستي الجديد على ...
- روسيا تقصف أوكرانيا بصاروخ MIRV لأول مرة.. تحذير -نووي- لأمر ...
- هل تجاوز بوعلام صنصال الخطوط الحمر للجزائر؟
- الشرطة البرازيلية توجه اتهاما من -العيار الثقيل- ضد جايير بو ...
- دوار الحركة: ما هي أسبابه؟ وكيف يمكن علاجه؟
- الناتو يبحث قصف روسيا لأوكرانيا بصاروخ فرط صوتي قادر على حمل ...
- عرض جوي مذهل أثناء حفل افتتاح معرض للأسلحة في كوريا الشمالية ...
- إخلاء مطار بريطاني بعد ساعات من العثور على -طرد مشبوه- خارج ...
- ما مواصفات الأسلاف السوفيتية لصاروخ -أوريشنيك- الباليستي الر ...
- خطأ شائع في محلات الحلاقة قد يصيب الرجال بعدوى فطرية


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نايف سلوم - جاك ديريدا --المعارضة البرلمانية للبنيوية أو بغض الكتاب