|
نـشــر المـعـرفـة الـعـلـمـيـة فـي أوسـاط الشـبـاب
ساسي سفيان
الحوار المتمدن-العدد: 1005 - 2004 / 11 / 2 - 09:26
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي جامعة باجي مختار - عنابة BADJI MOKHTAR - ANNABA UNIVERSITY السنة الجامعية :2005-2004 كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية
قسم علم الاجتماع الباحث : ساسي سفيان
يطرح دراسة بعنوان :
نـشــر المـعـرفـة الـعـلـمـيـة فـي أوسـاط الشـبـاب ( في ظل السعي إلى بناء مجتمع المعرفة )
من أهم التحديات التي تواجه نشر المعرفة العلمية في مجتمعاتنا القدرة على اكتشاف الطرق الجديدة لنشرها ، واستنباط حلول تستند إلى معرفة الوسائل المادية والبشرية والوسائط الحديثة المستخدمة في نقلها ، وكيفية تصميم البيئة الاجتماعية داخل المركز الثقافي ، وإدراك حدودها و قدرتها ، وبدلا من نقد النظم المعرفية المتواجدة والمعمول بها في مجتمعاتنا ، يجب إعادة اكتشاف هذه النظم ، و الإبداع في استخدامها واستثمارها من أجل تلبية حاجات الشباب المعرفية – العلمية للقرن الحادي والعشرين فإذا كانت النظم المعرفية السائدة في مجتمعاتنا ، لا تتناسب مع حاجاته في ظل التغيرات العالمية والسريعة ، فهي لا تتيح الأغلبية من الشباب المتعلم والمثقف أن يزيد من معارفه العلمية ، أو إن يكتسب مناهج تفكير علمية أو أطر معرفية ، فهذه النظم محكوم عليها بالتنحي و إتاحة الفرصة أمام الأساليب والتطبيقات الجديدة التي تستخدم التكنولوجيا من أجل تعميم المعرفة، مع العلم أن المعرفة العلمية ليست الإكسير الشافي لمشكلات التنمية والتحديث جميعها ، لذا فعلينا أن نتفاعل معها ونستثمرها بما يتلاءم وحاجيتنا ، حيث أكدت البيانات الميدانية أن مجهود المركز الثقافي في هذا الشأن متواضعة وهو ما يتطلب المزيد لإشباع طموحات الشباب إلى المعرفة العلمية – وكما قلنا سابقا - بما يتناسب ومتطلبات التنمية وضرورات الحياة العصرية .
عملية نشر المعرفة العلمية : إن نشر المعرفة العلمية مصطلح عام ينضوي تحته أنواع متعددة من الممارسات والاهتمامات والأشكال والوسائط ، فبعد نشوء التخصصات العلمية و إفرازها المزيد من التخصصات الدقيقة التي ابتعدت تدريجيا عن التخصصات الأصلية ، كما أن التزاوج بين الاختصاصات وهي عملية نشيطة متنامية ومتراكمة ولدت بطبيعتها مزيدا من التخصصات الجديدة والتقنيات الحديثة ، إضافة إلى الثورة العلمية و التقنية الجديدة التي يؤرخ لها نظريا بسنة 1949 صدور كتاب واينيرغر " السبرنائية " ، ويقول غارودي في ذلك " أنه كلما كان بلد ما متقدما اقتصاديا وتقنيا تعلق تقدمه مباشرة بتقدم العلم " ويفترض غارودي تطابقا بين مستوى التقدم التقني والنمو الاقتصادي . أما نحن فنعتبر أن العلاقة التي وضعها غارودي تتطابق مع ما ذهب إليه دعاة الحركة العلمية في منتصف القرن الماضي في سعيهم إلى وضع تحديد لعملية نشر المعرفة العلمية واضعين في مقدمة اهتماماتهم تخصيص أربعة أوجه من النشاطات المعروفة والمتداولة ، والتي تتمثل في : التعليم ، التثقيف ، التدريب و التوعية .واذا كانت هذه النشاطات هي المعلم الحقيقي لعملية نشر المعرفة العلمية ، فان الهدف الرئيسي الذي وضعته هذه الحركة من هذه العملية هو الوصول إلى مجتمع المعرفة ، وذلك بتحقيق المعرفة للجميع ، والسعي إلى تلقين أفراد المجتمع – على الأقل – الحد الأدنى من الوعي المعرفي ، والخلفية العلمية للأفكار المتداولة ولا بد من الإشارة هنا إلى طبيعة هذه العملية -الموجهة بصفة خاصة إلى الشباب ، والذين يتأثرون بامتداد الساحة العلمية والتطورات التقنية – من كونها عملية منظمة وشاملة ، فالتوعية الصحية و الإرشاد الزراعي والتوعية الغذائية ، كلها مواضيع لنشاطات تثقيفية و توعوية ، يمكننا الاستفادة منها في إيصال المعارف إلى الشباب ، كما أن تعليم الشباب في إطار المركز الثقافي – والذي سنتناوله في عنصر لاحق – بأشكاله المختلفة ، وان كان من الواضح انه تعليم غير رسمي إلا انه مهم وفعال ، إضافة إلى عملية التدريب ، وهنا يمكن الإشارة إلى أن التدريب إما أن يكون عقلي " فكري " أو مهني " يدوي " ما دام كلهما يؤدي إلى الحصول على معارف وتقنيات ، فهذه العملية تعني بمجالات محددة ، نتيجة لارتباط هذه المجالات مباشرة بحياة الشاب اليومية بالاهتمام بصحته ، طعامه ، شرابه ، تعلمه و عمله ، فأنها منذ منتصف القرن الماضي عرفت اهتمام ملموس في المجتمعات المتقدمة ، كما أنها شهدت إقبالا متزايدا مع تكاثر الوسائل والأجهزة التقنية المستخدمة ، وتحسن المستوى المعيشي ، وارتفاع الوعي لدى أفراد هذه المجتمعات ، ومن برامج وتوجهات المتعددة لنشر المعرفة العلمية نجد أن تبسيط العلوم مثلا بتبسيط المناهج العلمية ، قد نتج عن اتساع مجالات العلوم وتطبيقاتها مما دفع معظم بلدان العالم المتقدمة منها والنامية إلى المبادرة بإعطاء التربية العلمية والتقنية المكانة اللائقة بها ضمن أنظمتها التربوية ، و مساهمة فعلية في تكوين الأجيال وإعداد الكفاءات الواعية والقادرة على مواجهة متطلبات التنمية الشاملة ونجد كذلك أن من الأنشطة التي تقوم عليها هذه العملية هي نشر الوعي العلمي والذي يقوم على تقديم مواضيع تقنية بلغة بسيطة ومفهومة لأفراد المجتمع ، و التثقيف الذي يقوم نشر كل أنواع المعارف الثقافية التي يمكن أن تفيد الفرد بداية من الثقافة العامة ، الدينية ، التربوية ، السياسية ، الأدبية وصولا إلى الثقافة العلمية و المتغيرات الدولية .
-1المصادر والوسائل : يستمد الشاب معارفه من ثلاثة مصادر رئيسية هي : -1 الأسرة والدوائر الاجتماعية المحيطة به كالأقارب والجيران و شباب الحي -2 المدرسة بمراحلها وأشكالها المختلفة وعناصر المجتمع المدرسي كالمعلمين والمربين والمرشدين وأصدقاء الصف. -3 وسائل الاتصال الجماهيرية المختلفة ، وتنقسم إلى : - وسائل الاتصال المطبوعة مثل الكتب والمجلات - وسائل الاتصال المباشرة : كالمسرح ، التمثيلية - وسائل الاتصال الإلكترونية : وهي أخطر أوسع وأشمل وسائل الاتصال الحديثة لإمكاناتها الكبيرة في تجاوز حدود المكان والزمان والوصول إلى ملايين الشباب و المتواجدين في مختلف الأماكن وقدرتها الهائلة على الجذب والتـشويق ويقف على رأس هذه الوسائل جهازي التلفزيون والسينما إضافة إلى غيرها من أجهزة الاتصال السمعي- البصري كالإنترنت و الراديو إن هذه المصادر تؤثر في الشاب يشكل مباشر وتساهم في تكوينه المعرفي ومن خلالها تستطيع الحكومات والوزارات و الهيئات أن تحقق أدوارها ، أهدافها ، خططها ، برامجها وسياستها العامة والخاصة باستخدامها في نشر المعرفة العلمية في أوساط الشباب ، ولكن شريطة أن لا تتسم بالنظرة الجزئية في توظيفها بالتركيز على مصدر واحد على سبيل المثال ، دون النظر إلى العلاقة الـتكاملـية الجدلـية الحمـيمة القـائمة بين هذه المصادر مجتمعة ، ودورها بالتنسيق والـتــفــاعـــل المنطقي والتـكــامــل في تـكويــن ، توعية و تهـيـئـة هــذه الــفــئـــة لاستخدام المنهج العملي الذي يفرض علينا أن يتم إعدادهم لاستقبال الخبرة والمعرفة التي يتحدون بها الثقافات الأجنبية الغازية بخبراتها ومعارفها . ولا يأتي التركيز على مصادر نشر المعرفة و وسائلها في تحقيق هدفها الرئيسي في تعزيز دورها الهام عبثا ، بقدر ما هو صادر عن مبررات علمية واقعية هي : - لقد أثبتت الدراسات النفسية الحديثة بأن الفرد تتأثر جوانب بناء شخصيته في مرحلة الشباب بالتكوين المعرفي المناسب الذي يتلقاه لتنمو جوانب بناء شخصيته بشكل سليم ، - إن الشباب في أي مجتمع هم الاحتياطي البشري الذي يعول عليه في عملية التنمية الشاملة والتغيير ، فان بناؤهم وإعدادهم معرفيا بالمعنى المتخصص للمعرفة العلمية ضرورة تدخل في صلب التنمية ، وهو ما يعبر عنه أحيانا بالنشر العلمي من أجل تنمية الموارد البشرية للمجتمع . إن نسبة الشباب – حسب تقارير منظمة الأمم المتحدة - تزيد عن 65 % من مجموع السكان في الوطن العربي و 73 % في الجزائر لسنة 2002 ، وهي نسبة معتبرة تحتاج إلى رعاية و اهتمام خاص وذلك بتجديد رصيدهم المعرفي ، الثقافي والحضاري وإعدادهم لما تؤكده ضرورات التغيير والتنمية في البلاد العربية . إن الشاب كائن مستهلك للخبرة والمعرفة وهو بحاجة إلى مفاهيم مفردات ومعلومات ومعارف وخبرات وقيم ومعايير واضحة تساعده على تشكيل تصوره للعالم المحيط به ولتحديده لطبيعة العلاقات الإنسانية والاجتماعية الاقتصادية التي تجري فيه ، لذلك لا بد من تحصينه .
-2 الأساليب : إن قضية نشر المعرفة العلمية قضية جامعة تبدأ من المنزل ثم تنتقل إلى المدرسة في سنوات التكوين المبكرة عبورا بالمراحل والمؤسسات التعليمية التربوية ، والثقافية المتعددة وكذلك مرورا بمختلف التفاعلات الاجتماعية والفكرية والفعاليات اليومية والرسمية التقاء بكل الوسائل المتعددة والمتجددة في عالم المعلوماتية و الاتصالات لذا كان ينبغي على الدولة الاهتمام بضرورة تحقيق حد أدنى من المعرفة ، لدى قاعدة واسعة من أفراد المجتمع في الجزائر وذلك بأن يتم تكوين رغبة تلقائية لمتابعة مصادر المعرفة والنهل منها لأننا لا نستطيع أن نطالب شخصا لا يعرف القراءة والكتابة بالاهتمام بالكتاب وحضور معارضه واختيار عناوينه و مؤلفيه والقضية نفسها تنطبق على حالة تعرض الشاب لنشاط التدريب ، التعليم والتثقيف فبدون توفير عموميات علمية تكون أساسا لبناء المعرفة فان معظم الأنـشطـة الموجهة لنشرها واسـتـقطاب الاهتمام بها ، تفقد الكثير من زخمها وتأثيرها ، فاعتبار التعليم والإعلام الأسلوبان الأساسيان في تأمين الأرضية المعرفية اللازمة للقضاء على الأمية العلمية وتأسيس كيان علمي يتغلغل داخل نسيج الثقافة السائدة ، ويصبح جزءا مكملا وضروريا لها في عصر الهيمنة العلمية والتقنية . ومن نافلة القول فان ذلك لن يتحقق إلا عندما تدرك المؤسسات التربوية الثقافية التعليمية على اختلافها – بصورها الرسمية واللارسمية واهتماماتها ومستوياتها – ضرورة التركـيـز على الأهـمية و الأهـداف الـتي تكون عـلى رأس أولـوياتها استيعاب مفهوم عملية نشر المعرفة العلمية مضمونا واستراتيجية وتطبيقا وتطويرا وبلورة كل ذلك عبر الفصول الرسمية والأنشطة الاجتماعية أو الثقافية ، والتفاعلات اليومية المستمرة عبر مختلف الأشكال والتعاملات ، أما بخصوص الإعلام فدوره ريادي في هذا المجال لقدرته على الوصول عبر وسائله سواء أكانت المقروءة ، المسموعة والمرئية إلى مختلف الشرائح الاجتماعية بغض النظر عن اهتماماتها الحياتية ومستوياتها الثقافية ومؤهلاتها العلمية ومداركها الذهنية . وإذا كانت المؤسسات التي تسعى و تساهم في نشر المعرفة العلمية ومناهجها هي أبرز الوسائط ذات الفعالية المؤثرة والقادرة على تحويل دور المجتمعات إلى تكوين فئات نابضة بالفكر العلمي الإيجابي ومتفاعلة مع معطياته ومؤهلة لقيادة حياتها نحو استفادة امثل واستيعاب أكبر وشفافية إلى أفق الحركة العلمية ، فان هنالك وسائط أخرى تقوم بأدوار متلازمة ولها أهميتها الخاصة . -3العوامل : إن تحديد سياسة لعملية نشر المعرفة العلمية الملبية لاحتياجات مجموعة من الأفراد إنما يتأثر بالضرورة بمجموعة محددة من العوامل يمكننا أن نورد أهمها فيما يأتي : -1 المستوى الحضاري في المجتمع : وما يمكن أن توفره التقنية الحديثة من سلع وخدمات وأفكار تؤثر في تكوين الاحتياجات التربوية والثقافية ، إضافة إلى خلق وإيجاد احتياجات جديدة ومستمرة تتطور وتتنوع طبقا لما توفره مجالات التقدم العلمي ومنجزاته في الميادين المختلفة وتأثيراتها في التركيب المهني للمجتمع و في إعادة توزيع المداخل فضلا عن التأثيرات الاجتماعية والنفسية التي تظهر بصورة واضحة و سريعة في المجتمع المعاصر . -2 مستوى التعليم : وما يحققه من تنبيه في العقول وتفتيح الأفاق ونشر المعرفة بأشكالها المختلفة ، لتصبح عملية تعلم القراءة والكتابة من دور أجهزة التثقيف العامة ، ففي المجتمعات النامية والتي تعاني من مشاكل الأمية بدرجاتها العالية تخضع لأسلوب معين في مواجهة مثل هذه المشكلة ، لذا تعد قضية أساسية تؤثر على تحديد و وضع برامج التعليم والتثقيف والتدريب في المجتمع -3ثقافة الشعوب : وما ورثته من قيم وعادات وأفكار بحيث تسود القيم والأفكار التي تـقـتل الطموح وتحفظ الحاجات في الدول المتـخلفة ، وحصر المواهب في نطاق ضئيل قد لا يتعدى سيرورة الحياة وتـتأثر بالإمكانات المتوفرة الثقافية لمختلف القطاعات وتؤثر في ضعف نطاق وبرامج التعليم والتثقيف بصورة تختلف عنها في المجتمعات التي تسود فيها القيم والأفكار التي تطلق للفرد حريته و إبراز آفاقه وقدراته في عديد من المجالات الاجتماعية والعلمية الاقتصادية والحيوية مما يسمح له بالإيداع . -4 مراحل النمو والتقدم المختلفة : التي يمر بها المجتمع وطبيعة الاتجاهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة فيه ، ففي المجتمعات التي تتحول إلى اقتصاد السوق تصبح قضية وعي الشباب بمشكلات التنمية وما تفرضه من جهود وتضحيات وما تتطلبه من حماسة وإصرار ، إحدى القضايا المؤثرة في تحديد نطاق ومحتويات هذه البرامج المعرفية التثقيفية. -5 طبيعة المسؤوليات الاقتصادية والاجتماعية : التي يقدمها المجتمع لفئة الشباب ، فحين يمنح المجتمع للشباب مسؤوليات المشاركة الاقتصادية ، السياسية و الاجتماعية في اتخاذ القرارات المختلفة وعلى كافة المستويات يتعين على برامج التعليم والتثقيف الشبابي أن تيسر للقيادات الشبابية فرص التأهيل العلمي والفكري التي تكفل لها أداء مسؤولياتها في مختلف مواقف الحية . -6 طبيعة المسؤوليات الجديدة : التي تتحملها المؤسسات الثقافية في المجتمع وحاجتها إلى خلق قيادات وفئة فاعلة على أداء مسؤولياتها المستقبلية إزاء الدولة والمجتمع ، فضلا عن الحاجة إلى قاعدة شبابية واعية بحقوقها و واجباتها والمبادرة الأولية الخاصة بالمشاركة في الاجتماعات والمحافل الوطنية والدولية للتعبيرعن آرائها وأفكارها وحسن اختيار ممثليها في هذه المناسبات -4الأهداف : من منطلق أن الحركة العلمية حركة اجتماعية تنتج عن تدافع الناس وتفاعلات المجتمع وتداخلات الحياة وعلى أساس أنها أصبحت المشكل الرئيسي لملاح المجتمعات الحديثة والمحدد الأول لرفاه المجتمع وقدرته الإنتاجية التنموية ، فان الممارسة الفاعلة و الناجحة في نشر المعرفة العلمية تطمح إلى تحقيق أربعة أهداف رئيسية ، هي : -1 تهيئة تربة خصبة لإنتاج علماء ، كفاءات وكوادر في الدولة قادرة على الممارسة العلمية و الإبداع التقني ، فالقاعدة الجماهيرية العريضة المتفاعلة مع الفكر والمتواصلة مع الحركة العلمية هي بطبيعة الحال منبع المواهب و مستودع القدرات . -2 توفير المعرفة العلمية التي تيسر للفرد – المتعلم والمثقف – ماهية الفكر العلمي وعمومياته ومواكبة تطوره و إتقان مفاهيمه ، واستيعاب التقنيات ليستفيد منها أقصى استفادة ممكنة ، ويتعامل معها وفق ضوابطها وشروطها في ممارسة رشيدة وإدراك حقيقي لمتطلبات الحياة المعاصرة . -3 تطور القدرة لدى قاعدة واسعة من الأفراد على فهم المشكلات خاصة منها الاجتماعية والاقتصادية والفكرية المرتبطة بالعلوم والتقنية والسعي إلى الإسهام في المشاركة في اتخاذ الـقـرارات المرتبطة باختيار التقنيات ومواكـبة المستجدات والمتغيرات وتحديد البدائل وتنظيم الــمـــمــارســات التي تعتبر عــلـمـيـة ، و تـهـيئـة الظروف الأنمـاط الاجــتمـاعـيـة والمؤسساتية القادرة على التفاعل بإيجابية مع طوفان الحركة العلمية والتقنية العارم . 4- تهيئة مـناخ مـن الـرأي العـام مـتـعاطف مع عـملية نشر المعرفة العلمية وداعم لمجابهة الانطباعات الانفعالية وردود الفعل السلبية التي تلوث مناخ الثقة والألفة اللازمة بين أفراد المجتمع لتقدم هذه العملية وتغلغلها بشكل طبيعي ، في نسيج البيئة الاجتماعية . وعندما نركز على أهمية جعل المعرفة العلمية مكونا رئيسيا من مكونات الثقافة العامة للشباب الجزائري الطموح للتقدم ، فان ذلك ينبثق من ضرورة إعداد الشاب ليعيش عصره بكل تحدياته وأبعاده و آفاقه ، ولا شك أن عملية نقل التقنية وتوطينها هي هاجس قديم متجدد لدى الدول النامية و في مقدمتهم الدول العربية، أصبحت قضية خاسرة إذ أنها لم تسعى إلى أن يتأثر أفراد هذه المجتمعات بعملية نشر المعرفة العلمية و أنها لم تتضامن مع انطلاقات الوعي العلمي ولم تفلح في القضاء على الأمية العلمية . أما التنمية وهي مطلب حيوي تسعى إليه كل المجتمعات ، والتي يدرك اغلبها أنها لا تتحقق لأمة إذا لم تنشأ فيها كوادر بشرية منتشرة على ميادين و ساحات العمل وضمن مواقع الإنتاج وقاعات صنع القرار تستمد عطاءها من فهم واع لمضامين العلم و التقنية ويشحذ هممها تحد متجدد في خطى متسارعة تزود مجتمعاتها بخطط مدروسة وإبداعات متلاحقة تنعكس في صورة حقيقية للرفاهة ، التطوير والتنمية . إن عملية تحديد الأهداف من عملية نشر المعرفة العلمية لدى المجتمعات والدول أو حتى الحكومات والوزارات يجب أن يسبقها تحديد المبادئ التي سيقوم عليها تحديد الأهداف ويسترشد بها ورغم أن هنالك مبادئ يمكن اتخاذها كموجهات لتحديد الأهداف بصفة عامة إلا انه هنالك أهداف خاصة يمكن أن تتخذها هذه الدول والهيئات كمبادئ موجهة الأهداف التي تعمل في ظلها ، ضمن التخطيط لسياساتها و وضع استراتيجياتها ، ويمكن ذكر أهم هذه المبادئ في مايلي : -1 ملائمة الأهداف للتغير : فطبيعة الأهداف تتميز بنسبيتها بمعنى أخر أن ما يصلح لمجتمع معين من أهداف قد لا يناسب مجتمع آخر – بل إن الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها مجتمع ما ، في مرحلة من مراحل حياته قد لا تصبح صالحة لنفس هذا المجتمع في مرحلة تاريخية أخرى نتيجة لما ينتابه من تغير عبر السنين ، يستدعى التخلي عن بعضها أو تعديلا في البعض الآخر أو استحداث أهداف جديدة تتناسب مع طبيعة وسمات مرحلة تاريخية معينة في حياة المجتمع . -2 الالتزام بالأساس الديمقراطي التي تقوم عليه حياتنا : إن الديمقراطية تتطلب احترام شخصية الشاب و قبل كل شيء احترام رغباته وميوله ، مستواه الفكري و الثقافي وعلى هذا فيجب أن تبدأ جهود نشر المعرفة العلمية بإثارة ميل الشاب واهتماماته ، وحتى يثمر كل ما تقوم به من جهد ، فمن الأهداف الأساسية من نشر المعرفة العلمية في أوساط الشباب لا يتمثل في حشو أذهانهم بأكبر قدر ممكن من المعلومات والحقائق العلمية وذلك لأننا سوف نعجز بكل تأكيد عن تحقيق استيعاب الشاب لكل ما نريد منه استيعابه في ظل ظاهرة الانفجار المعرفي والزخم المعلوماتي التي تسود عالمنا اليوم ، إضافة إلى الاكتشافات العلمية المتزايدة سرعتها التي لا تضاهى وما يصاحبها من تطبيقات تكنولوجية ، مما يجعل المعرفة تتزايد بدرجة أكبر من أن تستطيع قدرة الشاب مهما بلغ ذكاءه و قدراته - سواء المثقف أو المتعلم - على استيعابها بإمكانياته و وقته المحدود لـذلك فـإحـدى الأهـداف مـن هـذه العـملـيـة يـجب أن يكـون تـمكين الشـبـاب مـن الـتـعـلـم بـالـطـرق الحـديـثـة و الـتـي غـايـتهـا الاستمرار في الحصول على المعرفة ، الثقافة والعلم بأنفسهم عن طريق التعلم الذاتي والمستمر ، ويجب أن لا يكون مجرد استيعاب قدر محدود من الحقائق والمعارف المختلفة بقدر ما ينبغي أن يكون استغلال لها و للمعرفة لإثارة اهتمام الشاب وإكسابه الميل للاستفادة الذاتية من المعرفة في حياته كقوة تدفعه باستمرار نحو التعلم أو التثقف ، باستخدامه لإمكاناته و جهوده الذاتية . وهنا نود أن نشير إلى أن الميول والمهارات التي يكتسبها الشاب يجب أن لا تكون محدودة العدد إذ أن هنالك تناسب طرديا بين عدد الميول عند الشاب ، ومدى تنوع الأنشطة التي يمارسها في سبيل إشباع هذه الميول ، ومن المسلم به أنه كلما اكتسب الشاب ميولا متعددة ومتنوعة ، وكلما كانت شخصية متكاملة ومتعددة الجوانب ، كلما كانت حياته غنية بأنشطة متنوعة . -3 التوفيق بين حاجات الفرد ومطالب المجتمع : حقيقة أن الشاب له حاجاته وميوله ورغباته التي يتطلع إلى إشباعها ولكن بالمقابل للمجتمع أيضا مطالبه التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار من قبل واضعي الأهداف ومخططي السياسات ، واذا تم ترك الشاب لميوله ورغباته فقد يتخذ طريقة لإشباعها لا تساعد على تحقيق مطالب المجتمع ، أو تحقيق النتائج المرجوة من عملية نشر المعرفة العلمية وذلك بأن يقصر الشاب اهتماماته على جانب محدود من جوانب المعرفة المتعددة لأنها تشبع رغباته وميوله الخاصة مهملا بذلك مطالب المجتمع وما يتوقعه منه أفراده من معرفة و ثقافة عامة تشمل جميع الجوانب الحياة كما ونوعا ، وعندما يلتزم واضعي الأهداف بمبدأ مراعاة مطالب كل من الفرد والمجتمع على السواء نكون بذلك قد أسهمنا في حل مشكلة التناقض بين مطالب كل من الطرفين وعملنا على إيجاد نقاط التقاء بين مطالب المجتمع وميول الأفراد . -4 اتصاف الأهداف بالتجريد و التخصيص والتحديد : فما أكثر ما نعاني من الأهداف النظرية العامة التي لا تتضمن صياغتها ما يساعد على تحديد ما يمكن أن تقوم بها في سبيل تحقيقها ، مما يؤدي إلى فشل المسؤولين عن تخطيط السياسات وتحديد الممارسات اللازمة للوصول إلى تحقيق هذه الأهداف ولكي يكون الهدف سليما من ناحية تحديده يجب أن تتضمن صياغته وصفا لما نرغب في تحقيقه من سلوك الشاب ، وما نرغب منه أن يقوم به بشكل واضح ودقيق ، وعندما نراعي هذا المبدأ عند القيام بعملية تحديد الأهداف ، نكون بذلك قد وضعنا الأساس السليم الذي نرتكز عليه ليس فقط عندما نقوم بالتخطيط والتنفيذ بل قبل أن نحاول القيام بعملية نشر المعرفة العلمية ، يجب أن يكون لدينا تصورا واضحا ودقيقا لما نزود الشاب به من علم ومعرفة ، وما نريد أن نحدثه في سلوكه وأفكاره من تعديل وتغيير ، في شكل تحديدات تعريفات إجرائية قابلة للقياس ، بعيدة عن الألفاظ البراقة في مظهرها والغامضة في معناها . -5 الاسترشاد بنتائج البحوث : فطالما أن عملية نشر المعرفة العلمية تمس الشاب في مرحلة نمو معينة لها طبيعتها وخصائصها فان هذا يفرض علينا أن نستعين عند تحديد أهدافها بنتائج الدراسات ، التي تمت في نطاق العلوم التي يتخصص في دراسة الفرد والمجتمع ، وهي علم النفس ، علم الاجتماع ، علم التربية ، علم النفس الاجتماعي ، والى غيرها من العلوم الإنسانية والاجتماعية حتى لا يتضمن ما نحدده من أهداف تناقضا أو عدم مسايرة لما توصلت إليه هذه العلوم في دراستها وبحوثها التي تناولت هذا الموضوع .
#ساسي_سفيان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ظهور وانتشار المعرفة العلمية في ظل القرن الحادي و العشرون
-
الـحـــاجــات والـمـتـطـلـبــات المـعـرفـيــة
-
دور المركز الثقافي في نشر المعرفة العلمية بين الشباب
-
منظومة المعرفة البشرية والعقل الكوني
-
الثقافة و المعرفة في ضل القرن الحادي و العشرين
-
الـساحة الـثقــــافية العربيــــــــة
-
الـتـنـمـيــة الـثـقـافـيــة والـمـسـتـقـبــل
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|