|
كتاب “التصميم العظيم” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة (٧)
رباب خاجه
الحوار المتمدن-العدد: 3371 - 2011 / 5 / 20 - 09:39
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
كتاب من تأليف عالم الفيزياء النظرية المعروف ستيفن هوكنغ و الفزيائي ليونارد ملوديناو. نشر في عام (٢٠١٠) -تابع
الفصل السادس: إختيارنا للكون الخاص بنا
لماذا يوجد هذا الكون؟ و لماذا هو بهذه الصورة التي نراه بها؟
أسئلة يتجرأ المؤلف بطرحها اليوم قائلا “إن مقدرتنا اليوم لطرح { و مناقشة } الإجابات على مثل هذه الأسئلة قد تنامت و بصورة طردية سريعة مع الزمن و خصوصا في القرون القليلة السابقة. أسئلة طرحت من أيام الإغريق القدماء {حيث كانت بدايات فلسفة سر الوجود}. و إزدادت {بإزدياد الصورة وضوحا } كلما إزدادت معارفنا و تجاربنا مع مرور الزمن ، { و بالذات} تلك المعارف التي إكتسبناها خلال القرن الماضي ” حسب ما يذكر المؤلف. و هذا برأيي قد يكون السبب وراء ثقة ستيفن هاوكنغ بالنتائج التي توصل إليها من خلال بحوثه بالسعي من أجل الإجابة على الأسئلة الكبيرة في ذهنه و التي حرص علي التأكيد عليها و بكل وضوح في هذا الكتاب – على عكس كتبه السابقة، و التي كان يتطرق لهذه المسائل بشيء من الحذر- فكما يبدو لي أن أفكاره تبلورت مع الزمن و البحث الدائب عن كل مستجد على الساحة العلمية، حتى أصبحت الصورة أكثر وضوحا في ذهنه فأصبح لا يري غضاضة في أن يقول خلاصة فكره العلمي اليوم ، و يبدؤها بهذه الأسئلة في هذا الفصل . أما الفصول السابقة فلقد كانت فصول تعريفية و تثقيفية بالمباديء العلمية الأساسية التي إستند عليها المؤلف ليقدم إستنتاجاته في هذا الفصل. و هكذا يبدأ بالقول بأنه و بعد ” التسلح بالخلفية {العلمية} المطروحة في الفصول السابقة” فنحن “الآن مستعدون لتوفير أجوبة إحتماليه لهذه الأسئلة”، و ذلك لأن الإنسان الحديث ، حسب إعتقاده، قد وصل إلي مرحلة من العلم كافية ليخوله بتقديم التفاسير المحتملة و الإجابات على تلك الأسئلة، فيقول ” أحد الأشياء الواضحة لنا حتى من قديم الزمان هو إما أن يكون الكون { و من ضمنه الإنسان} حديث الخلق، أو أن الإنسان هو من خلق حديثا نسبة إلي التاريخ الكوني. و ذلك لأنه من الملاحظ أن ” الجنس البشري قد تطور بوتيرة زمنية كبيرة من الناحية المعرفية و التكنولوجية { في القرون الأخيرة} لدرجة أنه لو أننا إفترضنا أن الإنسان كان موجودا منذ ملايين السنين لكان الجنس البشري اليوم {حتما} أكثر تقدما مما هو عليه الآن {قياسا بسرعة تغيرة مع الزمن} “، و على هذا الأساس ، كيف يمكننا أن نعرف ما هو تاريخ الإنسان على الأرض بصورة دقيقه؟ إستنادا إلى ” كتاب العهد القديم فلقد خلق الله آدم و حواء في ستة أيام فقط كجزء من عملية الخلق الكلية”، و هذا كان “الإعتقاد السائد و لسنوات طويلة {لمعتنقي الديانات الإبراهيمية}”. بل أن البعض ذهب بعيدا إلى حد الدقة في تحديد تاريخ خلق الكون ، كما فعل “الأسقف آشير Bishop Ussher كبير أساقفة إيرلندا من سنة ١٦٢٥ م إلي سنة ١٦٥٦ م ، و الذي لم يكتفي بذلك {ما جاء في العهد القديم } و حسب، بل ذهب أبعد من ذلك حين إدعى أنه قام بتحديد بداية العالم بكل دقة، ليكون في الساعة التاسعة من صباح يوم ٢٧ أكتوبر ٤٠٠٤ قبل الميلاد”٠ و هذه المعلومة قد ترضي رجال الدين و لكن الموضوع ليس بهذه السهولة بالنسبة للعلماء، كما يذكرنا المؤلف، “أما بالنسبة لنا نحن {العلماء} فإن نظرتنا للكون و بداية الإنسان مختلفة تماما ، فنحن نعتقد أن الجنس البشري هو جنس مستحدث على خلق الكون ، هذا لأن الكون بالمقارنة عمره ما يعادل ١٣.٧ بليون سنة { حسب الرزنامة الفلكية التى وضعها الفلكي السابق كارل ساجان فإن عمر الإنسان الحديث، بجميع حضاراته، بالنسبة لعمر الكون لا يتعدى بضع ساعات أخيرة من السنة الكونية إذا ما تصورنا بداية خلق الكون مع بداية السنة كقياس تناظري}٠
و لقد كان الإعتقاد السائد بأن الكون ساكن منذ بداية الخلق ، كما أن الموجات الضوئية و الصوتية و غيرها تسبح فيه عبر مادة -تم إفتراضها منذ أيام الإغريق لتسهيل العمليات الرياضية ، دون التأكد من وجودها- سميت ب ‘الأثير’ ، إلى أن جاء إدوين هابل Edwin Hubble ليغير لنا تلك الصورة. فبناء علي مشاهدات هابل “و التي إستخدم فيها تلسكوبا بقياس ١٠٠ إنش في مونت ويلسون علي التلال التي تعلو مدينة باسدينا في كاليفورنيا، كما قام بتحليل الضوء الواصل إلينا من النجوم لدراستها ” فتبين لنا بأن جميع الأجرام السماوية تقريبا في حالة إبتعاد عنا {أي أنها تبدو و كأنها تفر مبتعدة عن الأرض}، و كذلك تبين لنا أنه كلما كانت هذه النجوم أبعد عنا كلما كانت سرعة حركتها بالإبتعاد أكبر. هذا و “في عام ١٩٢٩ م قام {هابل} بنشر قانون وضع فيه علاقة درجة إرتداد هذه النجوم مع بعد المسافة بينها و بين الأرض و إستنتج بذلك أن الكون في حالة إتساع {المسافات تتمغط بين الأجرام}. و إذا كان الأمر كذلك، فهذا يعني أن العالم لابد و أنه كان أصغر { بكثير } في الماضي…و أن المادة و الطاقة في الكون لابد و أنها جميعا كانت متمركزة في حيز صغير جدا ذو كثافة و حرارة يصعب تخيلها {أسترونومية ، هائله}، و إذا رجعنا إلي الماضي ، إلي وقت ما من الزمن، فإننا سنصل إلى الوقت الذي بدأ فيه كل شيء – و هو زمن الحدث الذي نسمية اليوم {جوازا } بالإنفجار العظيم”٠ و أحد ” أفضل الطرق لتخيل توسع الكون هو تشبيه قدمه فلكي في جامعة كيمبرج في سنه ١٩٣١م إسمه آرثر إدينغتون Arthur Eddington حيث تصور الكون و كأنه سطح بالون ينتفخ، و كل الأجرام هي نقاط علي هذا السطح {و لكنها لا تتمدد بتمدده } . و هذه الصورة تفسر و بوضوح لماذا ترتد الإجرام البعيدة بسرعة أكبر من تلك الأقرب لنا” و هذا يفسر بالضبط ما وجده هابل ؛ ” فكلما كانت الأجرام أبعد ، كلما زادت سرعة إبتعادها عنا… و لكن لأن الأجرام محكومة بجاذبية بينها فالدائرة و المجرات التي تحتويها تحتفظ بحجمها و ترتيب النجوم و الكواكب فيها كلما إتسع البالون” . و هذه المعلومة الأخيرة مهمة لأنها تفسر ظواهر كثيرة كما أننا عمليا، و كما يقول المؤلف، "لن نستطيع إلا بواسطتها، أي عندما تكون إجهزة القياس لدينا ثابتة الحجم {في زمن معين}، أن نقيس درجة الإتساع {الذي عندما يحدث ، تحدث الأجرام فرقا مكانيا بينها يمكن قياسه}” هذا مع العلم أن إتساع الكون كان خبرا مفاجئا لآينشتاين و الذي كان يعتقد بثبوت الكون أو سكونه، مع أنه لم يكن تصورا جديدا، و ذلك لأن “إحتمالات كون الأجرام تبتعد عن بعضها كان قد تم نشره في الأوساط العلمية بسنوات قبل تأكيد هابل عليه {عمليا }" كما أنه، " من سخرية القدر أن هذه الإحتمالات المطروحة كانت مبنية أساسا على معادلات آينشتين “٠
ففي عام ١٩٢٢ ، “تحري الفيزيائي و الرياضي الروسي أليكساندر فريدمان Alexander Friedmann عما ممكن أن يحدث لنموذج الكون عندما يكون مبنيا على إفتراضين إثنين، و ذلك ليسهل العمليات الرياضية و بصورة مذهلة؛ فكان الإفتراض الأول أن العالم يبدو متطابقا في كل إتجاه {إذا نظرنا إليه من مسافة كما هو الحال عندما ننظر إلى الغابة من مستوى عالي مثلا فلا نرى إلا سطوح الأشجار دون التفاصيل} و {الإفتراض الثاني} أن الكون يبدو هكذا {متطابق} من كل منظور و واجهه {شرق غرب ، أسفل أعلي، إلخ}. و بناء على هذه الإفتراضات إستطاع فريدمان أن يكتشف الحل لمعادلات آينشتاين {و التي كانت قد بنيت على الكون الساكن} عندما تكون الصورة هي تلك التي يتمدد فيها الكون {كمشاهدة هابل بعد ذلك}. حيث صور فريدمان نموذج للكون مبتدءا من الحجم صفر و مضطردا في الإتساع إلي أن تعمل قوى الجاذبية بين الأجسام المادية فيه بتقليل سرعة إتساعها تدريجيا حتى المحصلة الأخيرة و التي يقوم فيه الكون بتدمير نفسة بنفسه” و بذلك جمع بين معادلات آينشتين الكلاسيكية للكون الساكن و الصورة الكمية الحركية، المادون الذرية لها٠ و وقتها “لم تكن فكرة الإنفجار الكبير مستساغه من قبل الجميع، بل حتى مصطلح ‘ البيغ بانغ ‘ و الذي أصبح شائعا اليوم، هو من تأليف أستاذ في علم الفلك- الفيزياء في كمبرج عام ١٩٤٩م ، يكنى بفريد هويل Fred Hoyle و كان يقصد به نوع من التهكم أو السخرية على بعض التقارير العلمية التي كانت تفترض بدايات للكون، حيث كان هذا العالم شخصيا يعتقد بالوجود الأزلى للكون”٠
و في عام ١٩٢٧م ، قدم بروفيسور للفيزياء و قسيس كاثوليكي إسمه جورج ليميتر Georges Lemaitre نموذج مشابه لفكرة البيغ بانغ حيث قال أنه ” إذا تتبعنا أثر تاريخ العالم أو الكون إلى الوراء في الماضي، فسوف نراه يصغر تدريجيا حتي يصل إلي مرحلة بدء الخلق – و هذا هو ما نسميه اليوم بالإنفجار الكبير”٠
عمليا، كانت أول مشاهده مباشرة لتأكيد فكرة الإنفجار الكبير في الواقع مصادفة حصلت في عام ١٩٦٥، و كان ذلك عندما "تم إكتشاف خلفية ضبابية من أشعاعات رادوية أو مايكرويفيه {كأشعة فرن المايكروويف و لكن أضعف منها بكثير } منتشرة في الفضاء. و هذا الضباب الإشعاعي الميكرويفي يطلق عليه اليوم المصطلح العلمي سي إم بي أر CMBR (Cosmic Microwave Background Radiation)0 و يمكن مشاهدته عندما نعير التلفزيون علي قناة غير مستخدمة- لنجد هنالك نسبة من النقاط بيضاء ثلجية {تلتقطها الرسيفرات و } تظهر علي شاشات التلفاز بسبب وجود هذه الخلفية الإشعاعية”. و {يعتقد – بضم الياء و سكون العين – بأن } هذا الضباب الإشعاعي هو بقايا ناتج التفاعلات النووية الإبتدائية بعد إنفجار كبير. ” ففي الثواني الأولي من تكوين الكون تقريبا، "لابد أن الكون كان أكثر حرارة من مركز أية نجمة. حيث كان الكون بمجملة يشبه مفاعل نووي في تلك الفترة “. و هذا ما تقوله النظرية حسب المؤلف، و يزيد بأنه " على الرغم من أننا بإمكاننا تصور الإنفجار الكبير كتفسير شرعي جيد لوصف الوقت الذي إبتدأ فيه كل شيء ، و لكن من الخطأ بأن نقبل بهذه النظرية بصورة حرفية {هذه قد تكون رسالة جيدة لعلماء المسلمين من أمثال د. صبري الدمرداش و زغلول النجار و الذين في الواقع حملوا كلمات القرآن فوق طاقاتها، و أولوها لإثبات الإعجاز العلمي في القرآن لأمور حتى العلماء لم يجزموا تماما بآليتها بدقة } . و لا نستطيع حتى أن نعتقد أن نظرية آينشتاين ممكن أن تفسر لنا الصورة الصحيحة أو الحقيقية عن أصل الكون {أو بدايته } . و ذلك لأن النظرية النسبية العامة تتنبأ بوجود وقت معين كانت فيه درجات الحرارة و الكثافة و الإنحناء للكون كلها قيم لانهائية، و هو الوضع الذي يطلق عليه الرياضيون مصطلح الوضع التفردي Singularity و للفيزيائين ذلك يعني أن نظرية آينشتاين تتكسر في تلك النقطة {البداية} و عليه لا يمكن إستخدامها في عمل التنبؤات عن كيفية بدء الكون، مع أنه يعطينا تفسيرا واضحا لكيفية تطوره لاحقا”٠ و رجوعا إلى نظرية إتساع الكون فالمرحلة الأولي من الإتساع “يسميها الفيزيائيون بالتضخم Inflation و فيها إتسع الكون…و كأنه عملة معدنية بمحيط يساوي سنتيمتر واحد إنفجر فجأة إلي عشرة مليون مرة أكبر من سعة درب التبانة” و يقول المؤلف عن هذه النظرية أنها تفسر حدوث الإنفجار في فرضية الإنفجار الكبير.
و هذه الفكرة ، "عرضت أول مرة في عام ١٩٨٠، إعتمادا علي إعتبارات أكبر من نظرية آينشتاين النسبية العامة من جهه، و مع وضع النظريات الكمية في الإعتبار من جهة أخرى." هذا و " مع أننا لا نملك نسخة من نظرية الجاذبية في صورتها الكمية بصورة متكاملة {حتي الآن، كما ذكرنا في الحلقات الماضية} حيث أن التفاصيل لازالت قيد الدراسة، و على هذا الأساس، فالفيزيائيون غير متأكدون كيف حصل التضخم، و لكنهم يعتقدون أن التوسع و الذي حدث لاحقا لا يمكن أن يكون قد حدث بصورة متساوية في جميع أجزاء الكون، كما تقول نظرية الإنفجار الكبير التقليدية. و ذلك لأن هذه الإختلالات {في التوسع غير السوي} نتج عنها تعددات طفيفة في قراءات درجات الحرارة الخاصة بال سي إم بي آر في إتجاهات مختلفة . و هذا قد يحمل السر في آلية حصول التضخم {العشوائي } بالبداية. و قد بنى العلماء إعتقادهم هذا لكون هذه العشوائيات { تفسر وجود } تغييرات طفيفة في درجة حرارة هذه الإشعاعات الميكرو-ويفية المنتشرة {حاليا} فى الجو و بإتجاهات مختلفة٠ …أما عمليا فلقد تم إكتشاف الإختلاف في درجات حرارة ال ‘ سي إم بي آر ‘ أول مرة في عام ١٩٩٢ من قبل القمر الصناعي كوب الخاص بناسا NASA’s COBE satellite و تم قياسها بعد ذلك بواسطة القمر الصناعي الذي أتي بعده The WMAP satellite و الذي تم إطلاقه في عام ٢٠٠١م” . مما يؤكد صحة هذه الفرضية"٠
فنظرية التضخم إذا “تفسر لماذا حصل الإنفجار بالأساس، أو علي أقل تقدير ، فهذا النموذج من التوسع الكوني هو علميا أكثر قوة من نموذج التوسع الذي تنبأت به نظرية الإنفجار الكبير التقليدية و المعتمدة علي النظرية النسبية خلال الفترة الزمنية التي حدث بها التضخم٠ و حيث أننا لا نستطيع أن نشرح كيف حصل الخلق بإستخدام النظرية النسبية العامة لآينشتاين إذا أردنا أن نشرح أصل الكون، لذا وجب علينا أن نبدل النظرية النسبية العامة بنظرية أكثر إكتمالا منها {تضع الحالة الكمية الأولى في الحسبان }…فإذا ذهبنا إلي الوراء بصورة كافية من الوقت، فالكون كان صغيرا جدا حتي يصل إلي حجم بلانك، أي بليون الترليون من السنتيمتر الواحد، و الذي هو القياس الذي يجب وضعه بالإعتبار {مما يعني أن بداية الكون يخضع لقوانين الفيزياء الكمية}. و لكن مع أننا لا نملك قانون متكامل للجاذبية بالصورة الكمية، و لكننا نعلم أن أصل الكون كان حادث كمي { ما دون الذري}٠ و بصورة عامة… الزمان و المكان ممكن أن يتزاوجا، و كذلك ممكن أن يحدث درجة معينة من الخلط بينهما عندما يتمددا أو ينكمشا . و هذا الخلط مهم في بداية الكون و هو المفتاح لفهم بداية الزمن . فمع أن النظرية النسبية العامة لأينشتاين وحدت الزمان و المكان كوحدة ‘زمكانية ‘ إحتوت على خليط معين من الزمان و المكان، ظل الزمان مختلف عن المكان، و كل منهما {إما} كان له بداية و نهاية أو أنهما جريا إلي الآبد {بدون تحديد}. فعندما نتكلم عن بداية الكون، فنحن نركز على مسألة دقيقة مفادها أننا عندما ننظر إلي بداية {تكوين الكون} فالوقت كما نعرفه ليس له وجود! و علينا أن نقبل أن أفكارنا العادية عن الزمان و المكان لا تنطبق علي بداية الكون، و حتي لو كان هذا الأمر بعيد عن تجاربنا {البشرية}، و لكنه مع ذلك ليس بعيدا عن تصورنا، و لا عن قدراتنا و حساباتنا الرياضية”٠ و عليه فعندما “نجمع بين النظرية النسبية العامة و النظرية الكمية، هنا يصبح السؤال عما حدث قبل بداية الكون من غير ذي معني”٠ أما ما حدث بعد البداية فهو يخضع بنظر المؤلف إلى فكره الزمن اللامتناهي No-boundary condition و الذي نادى به الكثيرون، و منهم أرسطو، حيث ” كانوا يعتقدون أن الكون لابد أنه كان دائم الوجود و ذلك {ربما} ليتجنبوا {الإجابة عن } سؤال خاص بآلية بدء الكون {أي كيف بدأ؟ } . و في المقابل كان هنالك الآخرون الذين إعتقدوا أن الكون له بداية، و منهم أيضا من إستخدم ذلك كإطروحات لإثبات وجود الله . و لكن فكرة أن الزمان يتصرف كالمكان أعطي بديل جديد. و هو بذلك أنهي المعارضة الأزلية {لمن إعتقد} بعدم وجود بداية للكون، و لكنها في نفس الوقت أقرت أن بدايات الكون كانت محكومة بقوانين علمية لا تحتاج إلي من يبدأ حركتها بواسطة آلهة ما { مثل حركة السحب مثلا }٠ فإذا كان أصل الكون حدث كمي، فذلك يعني أنه وجب علينا تحليله بإستخدام نظرية المجاميع التاريخية { المسارات الزمنية الإحتمالاتية و التي تم شرحها سابقا} لفينمان… و من خلال هذه النظرة، فالكون بدأ عشوائيا، من بدايات تشتمل على كل إحتمال. و معضم هذه الإحتمالات هي خاصة بأكوان أخرى. و بينما هنالك بعض هذه الأكوان التي تتشابه مع كوننا، فأغلبها مختلفة جدا عنها…مختلفة حتي بالقوانين الظاهرة للطبيعه”٠ و يقول المؤلف عن هذا النموذج أن “بعض الناس يحاولون خلق أمور غامضة من هذه الفكرة و التي تسمي أحيانا بالأكوان المتعددة Multiverse و لكن كل هذه الأكوان {التي يتحدثون عنها } ما هي إلا طرق أخري لطرح نفس فكرة نظرية فينمان للمجاميع التاريخية”٠ Feynman Sum Over Histories و يؤكد أننا ممكن أن نتصور “الخلق العشوائي الكمي للكون كمثل تشكيل فقاعات البخار في الماء المغلي. فعلي سطح الماء تظهر الفقاعات الصغيرة بكثرة و من ثم تختفي. و هذه ممكن تصورها بالأكوان الصغيرة التي تتسع و لكن تتحطم بينما هي مازالت في المستوى الميكروسكوبي الدقيق، و لكن {هذه الفقاعات } لا تعنينا لكونها لا تظل مدة كافية لتكوين الأجرام السماوية و النجوم {الثابتة نسبيا}…و لكن هنالك العدد القليل من هذه الفقاعات الصغيرة تكبر و تصل إلى درجة تحميها من التحطم. و ستضل تتسع و بصورة متزايدة لتكون {بالنهاية} الفقاعات التي نستطيع مشاهدتها. و هذه {مثلها كمثل} الأكوان التي تبدأ في الإتساع بدرجات متزايدة {مع الزمن} – أو بمعني آخر، تصبح أكوان في حالة تضخم٠ و في نظرية فينمان للمجاميع التاريخية، يكون إحتمال وجود الأكوان التي تختلف في جزئيات بسيطة {في مجالها} هو تقريبا بقدر إحتمال تواجد أي أكوان أخري. و هذا هو السبب في كون نظرية التضخم تتنبأ بأن بدايات الكون ، كان على الأرجح ، غير متجانس، و هذا يتناغم مع وجود الفروقات الصغيرة في درجات الحرارة التي تم رصدها في ال ‘سي إم بي آر’٠ CMBR فالعشوائة البسيطة في بدايات الكون مهمة جدا، و ذلك لأنه لو كانت إحدي المناطق ذات كثافة أكبر من الأخرى بصورة بسيطة ، فقوة الجاذبية المصاحبة للزيادة في الكثافة سيقلل من سرعة التوسع في تلك المنطقة بالمقارنة بمحيطها. و بينما تعمل قوة الجاذبية بجذب جزيئات المادة {ذريا لبعضها البعض}، فهي ممكن أن تكون السبب في تحطيمها و من ثم تكوين المجرات و النجوم {بعد ذلك بفتره}، و التي ممكن أن تقود إلي تكوين الكواكب، و علي واحدة علي الأقل {كما نعلم} يكون هنالك بشر”٠ و هنا يطلب منا المؤلف بأن نتأمل خارطة الميكرويف السماوي بدقة. لأنه يعطينا حسب رأيه ” الصورة البدائية للكون. فما نحن إلا نتاج التذبذب الكمي في البدايات الأولى لهذا الكون”٠ ثم يسترسل المؤلف بالقول أن “في النظام الكوني، يجب أن لا يتبع الشخص تاريخ الكون من الأسفل-إلي-الأعلى و المبني علي إفتراض أن هنالك تاريخ واحد للكون. فمع وضع معرفتنا بنقطة البداية و من ثم النشوء و الإرتقاء {في الحسبان} عليه {الشخص} أن يتتبع أثر جميع التواريخ المحتملة من الأعلى-إلي-الأسفل، و من الوراء {حيث البداية} و حتى يصل للوقت الحالي. فبعض هذه التواريخ {أو المسارات الزمنية} يكون إحتمال حدوثها أكبر من غيرها، و لكن الجميع سيكون مسيدا بتاريخ واحد يبدأ مع خلق الكون و يتراكم لوضع معين . و سيكون هنالك تواريخ مختلفة لأوضاع محتملة مختلفة من الأكوان في الوقت الحالي”٠ مؤكدا أننا ” نحن من يخلق التاريخ بمشاهداتنا و ليس التاريخ هو من يخلقنا” فالمردود المهم في وسيلتنا بالنظر من الأعلى-إلي-الأسفل “هو {في كون} القوانين الظاهرة لنا من الطبيعة تعتمد علي تاريخ واحد للكون…والنظام الكوني يفرض علينا فكرة أن القوانين الظاهرة لنا تختلف بإختلاف تواريخها {لكل كون}…و بطريقة الأعلى-إلى-الأسفل نحن نقبل وجود الأكوان مع جميع الأبعاد المكانية التي تحتويها”٠ و هذه النظرة في الواقع راديكالية لكل ما كنا نعرفه كأمور بديهية مستخدمين إحساساتنا و منطقنا الطبيعي. فنحن، كما يؤكد المؤلف ” نبدو و كأننا نمر في مرحلة حرجة من تاريخنا العلمي، و التي تفرض علينا أن نحسن توجيه أنظارنا للأهداف فيما يجب قبوله من النظريات الفيزيائية {المتعددة}…و قد لا يرضي ذلك غرورنا البشري بأن نكون متميزين {في كوننا خلقنا لنكون خلفاء للأرض و الكون مسير لنا} أو بأن نكتشف حزمة أنيقة تحتوي على جميع القوانين الطبيعية {في معادلة واحدة فقط }، و لكن ليس هكذا تعمل الطبيعة…و {بالتأكيد } فإن هنالك الأكوان التي يوجد عليها حياة مثلنا مع إحتمال كون وجودها نادر{ كما تبدو لنا}، و {لكننا مع ذلك} نحن نعيش علي إحداها التي تسمح بالحياة {أي سبب وجودنا فيه هو كوننا تطورنا بتطوره و تغيره، و ليس لأنه صنع خصيصا لراحتنا. و قد يكون هنالك حياة في أكوان أخرى تطورت حسب تطور قوانين الأكوان الأخرى و التي قد تكون مختلفة تماما}”٠
و لكن مع ذلك يظل التساؤل بأنه، “لو كان الكون مختلف قليلا عما هو عليه ، لما كان لأمثالنا فرصة للحياة فيه”. فما هو سبب هذه الدقة في التعيير يا ترى؟ و هل هو دليل علي أن العالم أو الكون، مصمم بواسطة خالق قادر علي كل شيء {كما يؤكد البعض}؟ أم هل يعطي العلم تفسيرا آخر لذلك؟”٠ أسئلة ينهي بها المؤلف هذا الفصل إليها المؤلف إذانا بالدخول في الفصل السابع فتابعونا
#رباب_خاجه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كتاب “التصميم العظيم” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة (٦)
-
العنصرية
-
كتاب “التصميم العظيم” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة (٥)£
...
-
كتاب -التصميم العظيم- ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة (٣)£
...
-
كتاب “التصميم العظيم” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة (٢)£
...
-
كتاب “التصميم العظيم” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة (1)
-
علم إيه اللي إنت جاي إتقول عليه!
-
و لله في أمره شئون
-
رب ضارة نافعة
-
لماذا الحرية؟
المزيد.....
-
التهمت النيران كل شيء.. شاهد لحظة اشتعال بلدة بأكملها في الف
...
-
جزيرة خاصة في نهر النيل.. ملاذ معزول عن العالم لتجربة أقصى ا
...
-
قلق في لبنان.. قلعة بعلبك الرومانية مهددة بالضربات الإسرائيل
...
-
مصر.. غرق لانش سياحي على متنه 45 شخصًا ومحافظ البحر الأحمر ي
...
-
مصدر يعلن موافقة نتنياهو -مبدئيًا- على اتفاق وقف إطلاق النار
...
-
السيسي يعين رئيسا جديدا للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام
-
ثلاثة متهمين من أوزبكستان.. الإمارات تكشف عن قتلة الحاخام ال
...
-
واشنطن تخطط لإنشاء قواعد عسكرية ونشر وحدات صاروخية في الفلبي
...
-
هايتي: الأطفال في قبضة العصابات مع زيادة 70% في تجنيدهم
-
تحطّم طائرة شحن في ليتوانيا ومقتل شخص واحد على الأقل
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|