|
الغضب اليوناني يتصاعد ضد سياسة التقشف المسعورة*/هل ستغادر اليونان منطقة اليورو؟
رشيد غويلب
الحوار المتمدن-العدد: 3369 - 2011 / 5 / 18 - 13:01
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
الإضراب العام الثاني خلال العام الحالي الذي شهدته اليونان في الحادي عشر من أيار الحالي، ضد خطط التقشف التي التزمت بها الحكومة اليونانية أمام صندوق النقد الدول و الاتحاد الأوربي، شل الحياة العامة في البلاد مجددا ، وأكد المشتركون في الإضراب إن الممتلكات العامة هي ملك للشعب وليس للحكومة في سباق رفضهم لمطالبة الاتحاد الأوربي و صندوق النقد الدولي اليونان بتوفير 50 مليار دولار، لتغطية ديونه، خلال العام القادم بواسطة بيع ممتلكات الدولة، وقد أدى الإضراب، الذي دعت إليه النقابات العمالية ونقابات المستخدمين و الموظفين، إلى تعطيل الحياة في الجامعات و المدارس و في الموانئ ومحطات السكك الحديدية، وأدى كذلك إلى تعطيل صدور الصحف اليومية و توقف سريان الإنباء عن ما يدور في البلاد، فضلا عن إعاقة جزئية لحركة الطائرات في المطارات اليونانية. يبدو إن لا احد من اليونانيين يصدق بعد الآن التعويذة التي ترددها الأوساط الرسمية في أثينا و بروكسل حول قدرة اليونان على تسديد ديونه، إذا ما التزم بخطط التقشف المعلنة. إن ما يعرفه و ينتظره الناس هو المزيد من التخفيضات القاسية للأجور و الرواتب التقاعدية و تدهور مريع في ظروف العمل و المزيد من الضرائب الجديدة و استمرار الحد من الخدمات التي تقدمها الدولة في مجالات الصحة و التعليم و البنى التحتية، خصوصا وان لجنة الرقابة الثلاثية المشكلة من الاتحاد الأوربي و البنك المركزي الأوربي وصندوق النقد الدولي، وغير المرحب بها في اليونان، قد كررت زيارتها للبلاد وأعلنت عن فشلها في إبدال عقود العمل الشرعية بعقود أخرى سيئة، رغم التعليمات الواضحة التي أصدرتها، و يعود ذلك إلى رفض جميع الاتحادات النقابية التنازل عن الحقوق التي خاضت من اجلها نضالا صعبا خلال العقود الماضية. كانت المشاركة في الإضراب العام الأول الذي عاشته البلاد في شباط الماضي عالية، إذ تراوحت نسبة المشاركة بين 70% و 100% في المصانع الكبيرة و في قطاع الخدمات، أما في الإضراب الحالي فقد كانت نسبة المشاركة اقل من ذلك، كما كانت المشاركة في تجمعات الإضراب الرئيسية في العاصمة اثينا اقل من المتوقع إذا ما استثنينا تجمع نقابات العمال القريبة من الحزب الشيوعي الذي اقتربت المشاركة فيه من مئة ألف، وقد يعود ذلك إلى عدم وجود آفاق واعدة للخروج من الأزمة ، فضلا عن التناقضات التي تسود سيناريوهات الإنقاذ الرسمية. كيف تطورت الأزمة؟ تعود جذور المشكلة إلى ربيع العام الماضي عندما وضع الاتحاد الأوربي وصندوق النقد الدولي تصورا لخطط "لمساعدة" اليونان في تجاوز صعوباته المالية المؤقتة ، لعدم قدرته على إعادة تمويل ديونه في الأسواق المالية وارتفاع نسبة الفائدة على سندات القروض الحكومية الجديدة إلى أكثر من %10، وبموجب هذه الخطة يتلقى اليونان قروضا من الاتحاد الأوربي وصندوق النقد الدولي بفائدة مقدارها 5% لسد العجز المؤقت ، في مقابل ذلك تلتزم الحكومة اليونانية بشروط الجهات الدائنة وتنفذ برامج تقشف هائلة "لتعزيز" ميزانية الدولة وإعادة الثقة لدى المستثمرين من القطاع الخاص بحيث يقدمون قروضا جديدة بأسعار فائدة مقبولة. إن ارتفاع الفوائد في الأسواق المالية على السندات الحكومة اليونانية مرة أخرى، و تقييم وكالات التصنيف، السلبي لقدرة اليونان على التسديد جعل المستثمرون لا يثقون بالإجراءات المتخذة لتعزيز الميزانية العامة، بالإضافة إلى التزايد الهائل للمضاربات على انخفاض أسعار السندات الحكومية، أدى إلى نمو شك متزايد تعود أسبابه لتطبيق سياسة التقشف التي أدت إلى حدوث ركود عميق في الاقتصاد اليوناني و ارتفاع معدلات البطالة مما أدى إلى انحسار في الواردات الضريبية و ارتفاع في النفقات الاجتماعية وبالتالي زيادة العجز في الميزانية خارج حدود الخطط الموضوعة. ما هي سبل الخروج من الأزمة؟ تناقش في الأوساط الرسمية و الشعبية في اليونان عدة خيارات للخروج من الأزمة السياسية و الاقتصادية لعل أبرزها على الصعيد السياسي إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، و يحظى هذا الخيار بدعم المعارضة اليسارية التي تعتقد انها ستخرج أقوى من هذه الانتخابات، أما على الصعيد الاقتصادي فهناك خمسة خيارات متداولة وهي: 1 - تقديم المزيد من "المساعدات" وصرامة أكثر في تطبيق سياسة التقشف وحصول اليونان على مزيد من الوقت: هو الخيار الذي يراهن عليه الساسة البراغماتيون ، معتقدين بقدرة البرنامج الأصلي الذي قدمه الاتحاد الأوربي وصندوق النقد الدولي على حل المشكلة. 2 - تخفيض الديون: لدى أنصار هذا الخيار قناعة بعدم قدرة اليونان على خدمة ديونه بمفرده على المدى البعيد، فضلا عن الآثار المدمرة لسياسة التقشف التي لا يمكن تحملها، لهذا يجب على الدائنين التنازل عن جزء من ديونهم لكي تستطيع البلاد الخروج من هذا النفق المظلم. علما إن جزءا من هذه الديون هو نتيجة لممارسة الفساد المالي و الاحتيال و تدبير المكائد التي أدت إلى إثراء البعض. 3 - خروج اليونان من منطقة اليورو: وهو الخيار الذي تتبناه قوى اليمين الشعبوية التي تريد تحويل منطقة اليورو و الاتحاد الأوربي إلى نادي للنخبة يضم في صفوفه عددا من البلدان الغنية، ويدعي بعض الليبراليين الجدد، إن الأسواق المالية تطالب بهذه الخطوة وعلى السياسيين ان يتصرفوا على هذا النحو. إن العودة إلى العملة اليونانية "الدراخما" التي ستخفض قيمتها، يعني انخفاض قيمة الصادرات اليونانية وسهولة بيعها في الخارج، ولكن في الوقت نفسه يصبح من الصعب على اليونانيين تسديد ديونهم باليورو والتالي ستجتاح البلاد موجة من حالات الإفلاس تشمل البنوك والشركات. 4 - إدارة مشتركة لملف الديون: سياسيون واقتصاديون يساريون يطالبون بفرض قيود صارمة على الأسواق المالية، إلى جنب تبني الاتحاد الأوربي سياسة اقتصادية تستند إلى رؤية اجتماعية - بيئية، كما يطالبون بالمزيد من التضامن بين الدول أعضاء الاتحاد الأوربي، و بمنح قروض، على قدم المساواة. لجميع البلدان الأعضاء و بأسعار فائدة مقبولة5 – 5 - الخيار الأخير هو ما يطرحه الحزب الشيوعي اليوناني و اتحاد النقابات المرتبط به، و الذي يدعو إلى خروج اليونان من الاتحاد الأوربي و منطقة اليورو وإجراء تحولات اجتماعية جذرية من خلال تطبيق نظام اقتصاد اشتراكي تقوده الدولة، ولكن الكثير من المحللين اليساريين يعتقدون بعدم واقعية هذا الخيار في الظرف الحالي. * - أعدت هذه المادة بالاستناد إلى مقالين نشرا ، في جريدة نيوز دويجلاند (ألمانيا الجديدة) اليسارية، يومي 11 و 12 أيارالجاري، حول التطورات المتسارعة في اليونان.
#رشيد_غويلب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حزب اليسار الأوربي يدعو للتعبئة ضد - اتفاق اليورو- و سياسات
...
-
المنتدى الاجتماعي العالمي، ينهي اعماله في داكار والعيون ترنو
...
-
تفاؤل مفرط في منتدى دافوس الاقتصادي
-
ما هي الرأسمالية؟
-
الفقراء يزدادون فقرا* تأثيرات الأزمة المالية – الاقتصادية ال
...
-
المؤتمر الثالث لحزب اليسار الأوربي ينهي أعماله....أقرار برنا
...
-
الأزمة المالية تضرب ايرلندا
-
اليسار في امريكا اللاتينية في بدابة القرن الحادي و العشرين*
...
-
مرشحة تحالف اليسار تفوز بانتخابات الرئاسة في البرازيل- اول ا
...
-
أحزاب جديدة تنظم لحزب اليسار الأوربي و الفرنسيون يستضيفون مؤ
...
-
تحالف اليسار الفنزويلي يحصد الأكثرية المطلقة من أصوات الناخب
...
-
السياسة الطبقية لليسار الالماني
-
وفاة أهم رموز مقاومة الدكتاتورية والزعيم التأريخي للحزب الشي
...
-
في ضوء انتخاب الرئيس الألماني الجديد، دروس هل يتعظ الساسة ال
...
-
امرأة دخلت التاريخ من أبوابه الواسعة
-
أسئلة اليسار المفتوحة
-
نقاش مفتوح حول مشروع البرنامج الجديد لحزب اليسار الالماني
-
الذكرى الستين لتأسيس الصين
-
حزب اليسار الالماني :نجاحات كبيرة في ثلاث ولايات و فرص اكبر
...
-
هموم الشيوعيين دائما وطنية
المزيد.....
-
لا تقللوا من شأنهم أبدا.. ماذا نعلم عن جنود كوريا الشمالية ف
...
-
أكبر جبل جليدي في العالم يتحرك مجددًا.. ما القصة؟
-
روسيا تعتقل شخصا بقضية اغتيال جنرالها المسؤول عن الحماية الإ
...
-
تحديد مواقعها وعدد الضحايا.. مدير المنظمة السورية للطوارئ يك
...
-
-العقيد- و100 يوم من الإبادة الجماعية!
-
محامي بدرية طلبة يعلق على مزاعم تورطها في قتل زوجها
-
زيلينسكي: ليس لدينا لا القوة ولا القدرة على استرجاع دونباس و
...
-
في اليوم العالمي للغة العربية.. ما علاقة لغة الضاد بالذكاء ا
...
-
النرويجي غير بيدرسون.. المبعوث الأممي إلى سوريا
-
الرئيس الكوري الجنوبي المعزول يتخلف عن المثول أمام القضاء
المزيد.....
-
Express To Impress عبر لتؤثر
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
المزيد.....
|