|
دراسة حول القضية الفلسطينية / الحلقة الثالثة والأخيرة
حامد الحمداني
الحوار المتمدن-العدد: 3369 - 2011 / 5 / 18 - 11:12
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
بمناسبة ذكرى النكبة دراسة حول القضية الفلسطينية الحلقة الثالثة والأخيرة
رابعاً:استئناف القتال،والولايات المتحدة تفرض هدنة جديدة:
عندما أكره مجلس الأمن الدول العربية على وقف القتال قي فلسطين اعتباراً من 11 حزيران 1948 وعين الوسيط الدولي [ الكونت برنادوت ] لوضع حل سلمي للمشكلة الفلسطينية !!، كان أحد شروط الهدنة هو عدم استفادة أي طرف من الأطراف لتعزيز قواته، أو تحريكها.
لكن الحقيقة أن الصهاينة استفادوا من كل يوم، بل وكل ساعة لتعزيز مواقعهم، ولجلب الأسلحة والطائرات التي أخذت تنهال عليهم من الإمبرياليين الأمريكيين والإنكليز وغيرهم، فيما بقيت القوات العربية ملتزمة ببنود الهدنة، ولم تسعَ إلى تقوية مركزها، معتمدة على مصداقية مجلس الأمن!!.
لكن الدول العربية اضطرت في نهاية المطاف، وبعد أن وجدت التعزيزات العسكرية الصهيونية تجري ليل نهار، إلى استئناف القتال من جديد في 9 تموز، وفوجئت القوات العربية بأخذ القوات الصهيونية زمام المبادرة من أيديهم، وبدأت تهاجمهم بعنف، وخسرت القوات العربية [صفد] و[الناصرة] و [اللد] و[الرملة] والعديد من القرى العربية، وتشرد الألوف الجدد من أبناء الشعب الفلسطيني، تاركين ديارهم وأملاكهم وأموالهم، هرباً من المذابح الصهيونية.
وهكذا استطاعت الولايات المتحدة في نهاية المطاف أن تفرض على العرب هدنة جديدة، في 18 تموز 1948، وتخاذل الحكام العرب، وقبلت أربعة دول عربية هي مصر والأردن والسعودية واليمن مبدأ التقسيم، فيما رفضت الحكومتان السورية والعراقية الهدنة، لكن الموافقة على القرار تم بالأكثرية وقبل العرب إجراء مفاوضات لعقد هدنة دائمة مع إسرائيل في [لوزان ] بسويسرا.
وقد استنكرت الأحزاب الوطنية في العراق قرار مجلس الأمن، وقبول الحكام العرب له، في بيان مشترك صدر عن الحزب الوطني الديمقراطي، وحزب الاستقلال، وحزب الأحرار. كما سيروا المظاهرات في بغداد يوم الجمعة المصادف 23 تموز 1948، احتجاجاً على قبول الهدنة، في حين أصدر الحزب الشيوعي بياناً يدعو فيه إلى وقف القتال، وسحب الجيوش العربية، والقبول بقرار مجلس الأمن، وكان ذلك الموقف استمراراً لمواقفه الخاطئة من القضية الفلسطينية، والتي أضرّت بالحزب وشعبيته ضرراً بليغاً .
خامساً: تطورات درامية في حرب فلسطين:
لعب الملك عبد الله، وقائد جيشه البريطاني [ كلوب باشا ] دوراً خيانيا مشهوداً، بعد أن تولى الاثنان قيادة الجيوش العربية في القاطعين الشمالي والشرقي من الجبهة . فبعد أن أقّر رؤساء الأركان العرب في اجتماع [ الزرقاء ] خطة عسكرية فعالة لمجابهة القوات الصهيونية، أعترض عليها كلوب باشا واستبدلها بخطة جديدة، فقد أدرك كلوب أن تنفيذ تلك الخطة سوف تفشل المخطط الإمبريالي الصهيوني، وخطة الملك عبد الله الطامع في الأرض الفلسطينية، وكان بإمكان تلك الخطة القضاء على القوات الصهيونية، ولكن إقدام كلوب باشا على إبدالها أدى إلى الفشل الذريع للجيوش العربية وبالتالي أصبحت إسرائيل حقيقة واقعة.
كان هذا على الجبهتين الشمالية والشرقية، أما على الجبهة الجنوبية التي حارب فيها الجيش المصري فكانت الخيانة اعظم، عندما جُهز الجيش المصري بالعتاد الفاسد، مما سبب كارثة للجيش، ومكّن القوات الصهيونية من محاصرته في الفالوجه، وإلحاق الخسائر الجسيمة به والاستيلاء على الفالوجة .
وعلى الأثر سافر رئيس الوزراء، مزاحم الباجه جي، إلى القاهرة، والتقى زميله رئيس الوزراء المصري [ محمود فهمي النقراشي ] وبحثا الأحوال بعد سقوط الفالوجة، وجرى الاتفاق على إرسال لواء عراقي آلي مع فوجين سوريين لمساعدة الجيش المصري، وتم الاتفاق على موعد الهجوم على الفالوجة.
ولما اطلع كلوب باشا على الخطة رفضها فوراً، وأعلن أن الجيش الأردني في منطقة القدس لن يسمح بمرور القوات العراقية والسورية، وبذلك أفشل كلوب باشا خطة رؤساء الأركان العرب لمساعدة الجيش المصري، والذي بقي يقاتل لوحده متحملاً ضغط القوات الصهيونية .
وبانكشاف هذه المؤامرة الجديدة على القضية الفلسطينية، قامت المظاهرات العارمة في بغداد احتجاجاً على تخاذل الحكومة، وضلوع العرشين الهاشميين في تلك المؤامرة، وقد وقعت مصادمات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الشرطة، أصيب على أثرها أكثر من 200 من المواطنين بجراح، واعتقلت السلطات أعداد كبيرة أخرى منهم .
كما قام وفد من نواب المعارضة بمقابلة ولي العهد عبد الإله، ورئيس الوزراء الباجه جي، بعد اجتماع عقده نواب المعارضة، وقدموا مذكرة باسم المعارضة لهما، وقد دعت المذكرة إلى عدم التزام العراق بالهدنة التي تنتهكها إسرائيل باستمرار، والعمل فوراً على تقديم العون العسكري للقوات المصرية التي بقيت تقاتل لوحدها، وقطع النفط عن الدول الإمبريالية التي تدعم العصابات الصهيونية، وإنذار بريطانيا بإلغاء معاهدة التحالف معها إذا ما استمرت في سياستها الحالية .
كما فضحت المذكرة الدور الخياني لحكومة الأردن، وحذرت من أن ترك مصر لوحدها سوف يؤدي إلى انهيار الجامعة العربية، وانعزال مصر عن القضايا العربية، وفقدان الأمل في قيام وحدة عربية .
وقد وقّع على المذكرة كل من السادة النواب : خميس الضاري ـ ذيبان الغبان ـ داؤد السعدي ـ عبد الرزاق الظاهر ـ محمد حديد ـ عبد الجبار الجومرد ـ عبد الكريم كنه ـ فائق السامرائي ـ إسماعيل الغانم ـ روفائيل بطي ـ عبد القادر العاني ـ نجيب الصايغ ـ عبد الرزاق الشيخلي ـ هاشم بركات ـ حسن عبد الرحمن ـ جعفر البدر ـ ريسان كاطع ـ مصلح النقشبندي ـ خدوري خدوري ـ جميل صادق ـ برهان الدين باش أعيان ـ عبد الرحمن الجليلي ـ محمد مهدي كبه ـ حسين جميل ـ أركان العبادي ، وقد قدم النواب صورة من هذه المذكرة إلى رئيسي مجلسي النواب والأعيان .
وبالنظر لتطور الأحداث بهذا الشكل المتسارع، وشدة الانتقادات التي وُجهت للحكومة، ولخطورة الموقف، لم يجد مزاحم الباجه جي أمامه من طريق سوى تقديم استقالة حكومته إلى الوصي، في 6 كانون الثاني 1949، وتم قبول الاستقالة على الفور، وكلف الوصي رجل بريطانيا القوي في العراق نوري السعيد، لتأليف وزارته العاشرة في اليوم نفسه .
سادسا: مصير القسم العربي من فلسطين:
بعد إعلان قبول الدول العربية بالهدنة الثانية، والقبول بتقسيم فلسطين، قدمت الحكومة المصرية اقتراحاً لجامعة الدول العربية يقضي بإعلان حكومة عموم فلسطين العربية، على أن يعّين [ احمد عرابي باشا ] حاكماً عليها، وقد أيد العراق الاقتراح المصري، وأيده فيما بعد كل من لبنان والسعودية واليمن، وعارضه الملك عبد الله الذي كانت بريطانيا قد وعدته أثناء زيارته الرسمية للندن في 21 شباط 1946 بضم القسم العربي من فلسطين إلى إمارته [ شرق الأردن ]آنذاك، إذا ما حان الوقت لتقسيم فلسطين بين العرب واليهود، ولذلك جاءت معارضة الملك عبد الله، والتي اتسمت بالشدة، وهدد باتخاذ أشد الإجراءات الهادفة إلى إحباط الاقتراح المصري .
ودبر الملك عبد الله، بالتعاون مع الإنكليز، ما سمي [مؤتمر أريحا ] والذي جاءوا له بعدد من الشخصيات الفلسطينية الموالية لبريطانيا، وللملك عبد الله، ليقرروا ضم الجزء العربي من فلسطين إلى إمارة شرق الأردن لتشكل دولة الأردن بضفتيه.
فيما خضع قطاع غزة للإدارة المصرية، وهكذا اختتمت المسرحية التي أخرجتها الإمبريالية الأمريكية والبريطانية، ونفذها الحكام العرب، وكان ضحيتها ليس شعب فلسطين فحسب، بل الشعب العربي كله. فقد أصبحت إسرائيل مصدراً للعدوان والتوسع على حساب البلدان العربية، واضطرت هذه البلدان إلى خوض عدة حروب معها، وكانت إسرائيل توسع كيانها في كل مرة على حساب العرب، ناهيك عن أنهاك الاقتصاد العربي بسبب تلك الحروب، والتسلح المستمر منذُ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا.
أثارت تلك المؤامرة الكبرى نقمة الشعوب العربية على حكامها، وأدركت هذه الشعوب أن الداء هو في وجود هؤلاء الحكام على رأس السلطة، وأن لا سبيل لإصلاح الأمور إلا بتغيير الأوضاع فيها. كما أن الجيوش العربية التي عادت إلى بلدانها، ومرارة الحزن والأسى بادية على وجوه الجنود والضباط المغلوبين على أمرهم قد أدركوا أن الحكام العرب هم أساس البلوى، فقد باعوا أنفسهم للإمبريالية، ونفذوا مخططاتها في المنطقة العربية، وكان من بين أولئك الضباط قائد ثورة 23 يوليو في مصر [ جمال عبد الناصر ] و قائد ثورة 14 تموز في العراق الزعيم الشهيد[ عبد الكريم قاسم ].
ونتيجة لتك التطورات التي أفرزتها الحرب، شهدت البلدان العربية بعد عام النكبة 1948 تغيرات كثيرة حيث اختفت رموز كثيرة من المسرح السياسي، فقد وقع انقلاب عسكري في سوريا في 30 آذار 1949 بقيادة [ حسني الزعيم]، وقتل الملك عبد الله في 20 تموز 1951، كما جرى اغتيال رئيس وزراء مصر [محمود فهمي النقراشي ]، واغتيال رئيس وزراء لبنان [رياض الصلح ] إثناء زيارته الرسمية إلى عمان في 16 تموز 1951 .
أما في العراق فقد جرت المعارك في شوارع بغداد وسائر المدن العراقية بين قوات السلطة القمعية والشعب، وتم إسقاط وزارة صالح جبر الموالي للإنكليز، ثم جاءت ثورة 23 يوليو في مصر، وتم إسقاط حكم الملك فاروق، أحد المسؤولين الكبار عن النكبة، كما وقع انقلاب عسكري في لبنان في 18 أيلول 1952 أطاح بالرئيس اللبناني [ بشارة الخوري]، وأخيراً تكلل نضال الشعب العراقي بالنجاح في ثورة 14 تموز 1958 التي أسقطت النظام الملكي الموالي للإنكليز.
#حامد_الحمداني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دراسة حول القضية الفلسطينية / الحلقة الثانية
-
بمناسبة ذكرى النكبة - دراسة حول القضية الفلسطينية / الحلقة ا
...
-
واقع الطبقة العاملة في عصر العولمة، وآفاق المستقبل
-
الشعوب العربية تقارع انظمة الطغاة
-
خياران أمام نظام البعث في سوريا لا ثالث لهما!
-
حكومة المالكي، ومأزق الصدريين، ومحنة الشعب العراقي!
-
مسؤولية النظام السعودي والإدارة الأمريكية في استمرار المجزرة
...
-
انتفاضة الشعب اليمني وحقيقة الموقف الأمريكي والسعودي!
-
نظام البعث في قلب العاصفة، والشعب السوري يطالب بالحرية
-
وثيقة تدين الطالباني والبارزاني بخدمة المصالح الأمريكية، واب
...
-
لماذا يتلكأ المجتمع الدولي بإنقاذ الشعب الليبي من بطش القذاف
...
-
زيف الديمقراطية في العراق الجديد!
-
بمناسبة عيد المرأة: لترتفع راية النضال من أجل تحرر المرأة وم
...
-
النهوض الثوري للشعوب العربية يتطلب قيام جامعة عربية تمثل إرا
...
-
غداً يقول الشعب العراقي كلمته الفاصلة
-
النصر والظفر لثورة الشعب الليبي الجسور ضد نظام الطاغية المجن
...
-
أنتم مدعون للنهوض يا شباب العراق، والمستقبل لكم قطعاً
-
مقدمة كتاب :صدام والفخ الأمريكي
-
ثورة شباب مصرالشجعان تزازل عروش الطغاة في العالم العربي
-
فاقد الشئ لا يعطيه
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|