|
حياتي التي اعيشها
سوسن العطار
الحوار المتمدن-العدد: 1004 - 2004 / 11 / 1 - 09:35
المحور:
الادب والفن
يراودني حلم غريب هذه الأيام أن أكون ابنة لرجل شاب وسيم الطلعة، لن يكون الآن شاب جدا، ولكنه سيظل محتفظا بوسامته، ولن يكون عجوزا جدا على تحمل مسئوليتي وحمل المسئوليات الأخرى التي تثقل كاهلي، سيعوضني ما فاتني من أيام الطفولة، من انتظار عودته من العمل، من حملي على كتفيه، توصيلي إلى مدرستي، وانتظاري على بابها حين يقرع جرس العودة، حين اغضب يناديني يا أميرة، وسأتدلل ولن استجيب للملك و أشيح بوجهي واضحك في سري فلا حواجز بيني وبين صاحب الجلالة والجلال، سيذهب معي الى السوق الان ويشتري لي الملابس الجميلة وساخذ براي ابي الشاب الذواق، ساعود واشتري ملابس للعيد، وساحتفل بكل الاعياد التي لا اتذكر الا كابتها، والاهم من ذلك ساحتفل بعيد ميلادي مهما تقدمت بي السنين لانني مع ابي سيلازمني شعوري الجميل بالطفولة.
كم مرة حلمت بأب، أب مهمته تخفيف أحزاني وتصريف أية مسئولية قبل أن تعرف طريقها إلي، ألجأ إليه في مشاكلي التافهة مع مدرسي وصديقاتي، يشعر بكابتي قبل أن تطفو على سطح قلبي وينتزع جذورها ولا يبقى للحزن أثرا في عيني، ابي سيعاملني على قدم المساواة مع اخوتي واخواتي، ولن يميز بيننا، وسينهر اخوتي لو تجرأ احدهم علي فانا اظل ابنته الصغيرة المدللة، وعندما اكبر يعاملني على قدم المساواة مع اخي، فانا لست نكرة انا رقما لديه انا مهمة ويحسب لي حساب. لا يعتبرني ضيفة في بيته الى ان ياتي الرجل الاخر ليقدم لي المقر الدائم، مكاني الدائم الذي لا يتبدل في قلبه ووجدانه، ملجاي حين تقسو علي الدنيا وتتسلط الاقدار في غفلة منه والتي لن تطول فابي حتما سينتبه لأمري.
أقول لامي حين تتجاهلني لولا أنى أشبه أبى لقلت أنني ابنة عائلة اخرى، تنظر الي باستغراب واستطرد، قد اشك انني استبدلت في المستشفى باخرى، يا ليتني استبدلت اين تلك البديلة تاتي واعطيها عجزي ويأسي واستسلامي، من تأتى لأحملها مشاكل عجزت عن حلها وامال يأست من تحقيقها وقدرا انحنيت له اخيرا واستسلمت. من تأتى لأحملها كلمة حاضر التي أصبحت حاضرة تلقائيا تعبيرا عن إذعاني وخنوعي وإعلاني الصارخ الخجول عن استنفاذ قدرتي على التمرد و المواجهة. كنت أحسب أن الإرادة نربيها بالمثابرة ولكنني اكتشفت أن القوة نستهلكها في فيما يسمى الصبر و الانتظار. لو أتى أبي اليوم هل يحل مشاكلى/مشاكله، هل يستطيع ابي ان يعيد ترتيب الطبيعة، يرتب رفوف قلبي الفوضوي ويرفو ثقوبه ويقول لي: لك مكانا في قلبي وفي بيتي، انت رقم انت مهمة، انا احسب لك دائما حساب، هل سيجد حلا لأرقي، واوكسجينا لرئتي، و مسكنا طبيعيا لآلامي ويغنيني عن فيتاميناتي؟ هل سيكمل الخطوة الوحيدة المتبقية في طريق الالف ميل الذي قطعته ؟ سيضمني إليه ويقول استريحي يا ابنتي لقد اتعبوك،
لو كان ابي موجودا لعرفت للعائلة معنى غير تراكم المشاكل المستعصية على الحل، وعلي اجتراح المعجزة لحلها، لعرفت معنى للاخ الاكبر غير التسلط وقت الراحة والتنكر وقت الشدة، لو كان ابي موجودا لعرفت لطلب العون معنى غير الضعف والاتكال، لاصبح الاعتماد على النفس حاجة غير ملحة، وان الدمع ليس ضعفا ولم يخلق للمرء هباء،
لاجبر أمي، إضافة لعقد زهر الليمون الموسمي الذي تعده لي أن يكون لي نصيبا من امانيها واحلامها ومشاريعها التي تخص بها ابنائها الذكور. لن تضطرني للقول بالانجليزية لانفس غضبا قابل للانفجار واتجنب غضبا قد لا يكون قابل للغفران "انا رقم انا مهمة، يجب ان يحسب لي حساب"، فأنا كذلك عند أبى القوي الذي لا ينفض يديه من أمري أبدا.
لن اضطر لتحمل مسئولية من يصغرني ومن اصغرهم، لن اسهر على راحتهم بعد الان وليس مطلوبا مني ترتيب حياتهم إلى جانب ترتيب اسرتهم، لست مطالبة بخوض غمار الالم في محاولة لتحقيق أملا لهم، فتلك مهنته الجميلة، لن اعطل أي من مشاريع حياتي او اؤجلها من أجلهم، هو من يساعدني على التخطيط لحياتي ويحلم معي بفراشاتي وزنابقي ويسقي حوض الفل في غيابي القصير عنه.
لو كان أبى موجودا لما اضطررت للاكتشاف بعد ضياع الحلم انني اعيش على هامش العدم، وانني لست رقما ولست مهمة ولا يحسب لي حساب، لانه لم يعد لدي ما اقدمه وليس لديهم فائضا يكون نصيبي، لربما نسيت الشعور الدائم أنني مدعوة للتحدي واثبات الذات النكرة و لربما ابتعدت تماما عن دراسة التكنولوجيا، فلست بحاجة لها لاثبت انني جديرة بما استحق، وانني مختلفة وعلى قدم المساواة مع الرجال لربما وجدته شيئا عاديا ان انشغل باحلامي التافهة كأي أنثى اقتني المجلات الرخيصة واحافظ على دماغي نقيا، واعيش مراهقتي في اوانها بشغفها واندفاعها واحباطاتها، يعد لي كتفا ابلله بدموعي حين يكسر قلبي الرجل الذي احبه، ويطبطب علي ويستمع لرعش قلبي الصغير ويمنعني من الاتصال به ثانية، ولا ينفض يديه مني أبدا مهما اقترفت.
ما أتخيله الآن أن أبي المنتظر سيأتي، أين كان؟ لا اعرف، ولكنه يعود ضعيفا، مهزوزا و مستكينا، يحلم بشيخوخة دافئة، ويعلم ان له ابنة لم تعد صغيرة، ادمنت الاعتماد على النفس وتدربت على حمل المسئولية جيدا، بامكانها ان تؤدي وظيفتها المعتادة مع ابيها، اهلا يا ابي هناك ركنا في قلبي لم يثقب بعد هو لك.
#سوسن_العطار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أحلام مستغانمي وأحلام الرجال.... عابرون في خيال عابر
-
قصة قصيرة : شرفة في القمر
-
الكوتا النسائية تمييز ضد المجتمع
-
طفلة في العائلة
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|