أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دنيا الأمل إسماعيل - ماما... طيّارة... طخ














المزيد.....

ماما... طيّارة... طخ


دنيا الأمل إسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 1004 - 2004 / 11 / 1 - 09:36
المحور: الادب والفن
    


(1)
لم يكن الليل أشد حلكة من سواد الانتظار، أن تنتظر موتك أو حياتك، اختزال مخل لإنسانيتك، واستسلام غير مقصود للعبة الموت التي يجيدها الآخر الإسرائيلي. في انتظار الموت أكثر من موت، وأيضاً أكثر من مخيلة تتحايل على ما هو قائم باستنهاض اهتمامات صغيرة توارت خلف طموحاتنا غير المدروسة وغير المسنودة التي عجت بها حياتنا في السنوات السابقة.طرزت جنين استشهادها بروح عالية لتقول لنا الكلام الذي أزحناه وواريناه ثرى نفوسنا الواهمة. وجاء صغارنا ليعلمونا درساً أهملنا استذكاره كما يحق له. ها نحن، جيداً، نتناول موتنا ضد موتنا. لا وقت للعزاء، ولا وقت للفرح، هنا وقت فلسطين كما كانت تكون، تنسج هويتها من دمها، تعيد إحياء مفهومها المنسيّ، تؤسس لبهاء لا آنية فيه.
من هنا نحن، من هذه الأرض الصغيرة000الصغيرة، الكبيرة000 الكبيرة. لا شيء يخاتل هوى نفوسنا غيرها، ولا جرح يروق لروحنا غير جرحها. ما توارثناه من حزنها أجمل من شتات الفرح. هنا ولدنا، وفيها ما يستحق الحياة والموت. يا خزانة الذاكرة، وسّعي، تماماً غرفك، وافتحي شرفاتك على وجع لا يزول، وحلم يتصيد أدواته من وحدانية جرحه.

(2)

في يومها ذاك، أصبحت غزة على فجيعتها، مشهد لم تصنعه المخيلة، إنه هناك يتنامى من أعضائنا. في ذلك الصباح تأجلت أفراح محتملة، وأخذ الترقب والحسرة ينموان بين الجلد والثياب، بين وقتنا ووقتنا. وغامر ليلنا بيقظة متوترة. كلنا انطوى على فجيعته وبنيه. يا هول أيامكم يا أبناءنا، هل يكفي خوفنا عليكم لحمايتكم. يقول بسام: أين ستهربين، هل الغرفة في آخر البيت الصغير أكثر حماية من غرفة في الواجهة. أصرخ فيه وأنا أجري حاملة أوغاريت بين ذراعي بعد أن أكون قد اختطفتها من نومها خوف ألا تستيقظ منه. الآن لم يعد ينفع ذلك، أصبح لك ابنتين يا دنيا. لا الجري بين الغرف، ولا هلعك عليهما وعلى أيامهما كاف ليوفر لهما الأمان. ماذا إذن. لاشيء أكثر من هذا ولا أقل منه.
شام ابنتنا الثانية منحناها ستة أشهر من خوفنا وما يزيد في انتظارها. يستطيل التساؤل فينا هل كان خطأً أن نكون آباءً وأمهات، يأكلنا الخوف على الأبناء ليل نهار ، وهل يجعلنا ذلك نستحق هذه الأرض. لا نملك إجابات، فقط نملك لحظتنا، ماضيها وحاضرها، ونبذل محاولات جادة للمستقبل. إننا نخاف على أبنائنا لأننا نخاف على هذه الأرض، ولا بديل لنا عن كليهما.
أقول لنفسي لا تخافي من نفسك . أنت قوية لأنك على هذه الأرض، ولأن آخرين مثلك يتجاوزون خوفهم اليومي إلى خوفهم المستقبلي. نعم امنحي خوفك حقه من الرعاية ومارسي حياتك، أحبي زوجك وابنتيك، واحفري ذلك نصوصاً لا تنسى… هل بالإمكان، حقاً ذلك.

(3)

الساعة الثالثة عصراً، شارع النصر الأكثر ازدحاماً في غزة، سرّح عابريه إلى بيوتهم، رغبة في المشي غير الهادف تملأ كيانك. هل تمنحني القدمان ما فقدته الروح، أفتش عن أحد أعرفه ألتقيه صدفة، لكن لا أحد ولا نفسي.
شاشات التلفاز سرقت الجميع من شواغلهم ، من خناقاتهم ولقاءاتهم ، خلت عتبات البيوت من جلسات لعب الشدّة، وحلت محلها مشاوير التموين، وهواتف الاطمئنان. تخلخلت برامجنا اليومية ليصطادها القلق والترقب والأم واللعنات على العرب وعلى أنفسنا. الطائرات تجرح انطواءنا المشروع، وتعلم الأطفال مبكراً لغة الموت والحرب والفزع، تزعق أوغاريت: "ماما طيّارة000 طخ"، يحاول بسام تلهيتها بشيء آخر، غير أنّ أزيزها يفوّت علينا الفرصة.

(4)

في الحصار فقدنا وظائفنا وامتهنا لعبة الانتظار القاتلة، وبعض نشاطات صغيرة لمواجهة محتملة، وتتبع نشرات الأخبار مع لعنات وحسرات متوقعة. نراقب رجال المقاومة وهم يجوبون الشوارع حاملين أسلحتهم البسيطة، يبثون الأمان والأمل في نفوس الناس، يسيّجون الشوارع بالرمال الملّغمة، يحرسون نومنا القلق في انتظار نومتهم الشهيدة، من سيكون الأسبق إليها نحن أم هم.

(5)

امتد الانتظار حتى وصل إلى نهايته، تململ أكثرنا حتى زهقت روحه فأخرجها من حبستها، وقال لها: حين يجيء الموت لا يفرق بين الشارع أو البيت.

(6)

تشتعل فينا رغبة الحياة، تماماً، كما تشتعل رغبة الانتقام، فأيهما التي ستنتصر.



#دنيا_الأمل_إسماعيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تلّمس أصابع القصيدة
- خارج البيت/خارج العالم
- الحاجة أم عصام: لا نبكي المنازل، ولكن نبكي العمر الذي قضيناه ...
- اغتيال بيت... اغتيال أسرة
- السكن الجماعي وأوضاع النساء في قطاع غزة
- صمت المقهورات / صوت
- التغطية الإعلامية لدور المرأة في الانتفاضة
- الأسيرات الفلسطينيات
- الإصلاح... الإصلاح... فليحيا الإصلاح
- الشباب الفلسطيني والقيم والثقافة
- فتحية التي هدموا منزلها للمرة الثالثة:
- سعاد وجيش الاحتلال
- هامشية المرأة/هامشية الصحافة
- المشاركة السياسية للمرأة الفلسطينية بين الشكل والمضمون
- أثر العنف ضد المرأة على الحق في الصحة الإنجابية
- أوضاع الأطفال الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية


المزيد.....




- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دنيا الأمل إسماعيل - ماما... طيّارة... طخ