ليث الجادر
الحوار المتمدن-العدد: 3364 - 2011 / 5 / 13 - 19:42
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
(ليس بالزاد وحده يحيى ..الانسان)
يظن الكثير ومنهم بعض الاشتراكيين اللذين من المفترض بانهم وعوا الماديه التاريخيه بان الاشتراكيه تناقض مقولة (ليس فقط بالزاد يحيى الانسان) بمعنى انها تؤكد ب(بالزاد وحده يحيى الانسان) ..ولهذا فان مهمة الاشتراكي باتت تعرف على المستوى العامي بكونه يناضل من اجل تحقيق المساواة في اشباع الحاجات الماديه حصرا .وصارت على المستوى الفكري تختصر النشاط النضالي الاشتراكي في جانب واحد وهو جانب معالجة وتصحيح النظام الاقتصادي حصرا ..لكن الحقيقه ليست كذلك وهي (هدف الاشتراكي) اولا ليست كل ذلك . لان الفكر الاشتراكي لا يعي (الانسان) الا كونه كائن اجتماعي وان في هذا المحيط يمارس دور الجزء من صيرورة وجوده وتحوله من كائن الى كائن بكيفية كائن جديد .وهذا يعني معرفة هذا الكائن في كونه ادمي يجب ان يكون انسان ..والتصحيح الاول هنا يعني ان الاشتراكيه تقول ( ليس بالزاد وحده يحيى الانسان لكن بالزاد يحيى الادمي ),اما التصحيح الثاني فانها ونتيجة ادراكها لماهية المجتمع وماهية النشاط الاساسي الذي قام عليه شكل تنظيمه النهائي ,فأنها باتت تدرك جيدا ان ماهية الانسان والتي هي مقوله اجتماعيه لا تعني الا شروط تغيير شكل اشباع الحاجه الادميه ..أي انها بدأت منذ انبثاق المجتمع في تطوير شروط حال الوجود الادمي الطبيعيه ..وهنا تصف الاشتراكيه وتبين جوهر موقفها من الوجود بكونه المحاوله الدؤبه في تحول الكائن الادمي الى ذاته من خلال مفهوم الانسان ..وهي بذلك ايضا تفرق بين (ذات الانا ) وبين (الانا) ,مثلما يتم التفريق بين (الفرد) و(العضو) في شكل ممارسة الوجود ...كما انها يجب ان تؤكد وتمييز بين كون (ذات الانا) هي (اولا) وبين كون (الانا ) هي ثانيا .تماما مثلما تعتبر الماديه الجدليه ان الماده اولا وانا الوعي هو ثانيا ..وعلى مستوى تشكيل الفكر السياسي فانها تقدم طرح يفسر وجود الانسان بكونه وحدة متنافره بين (الامن) و(الحريه) كمفهومين مستقلين بالتجريد ويتشكل احدهما على الاخر بالتناقض في تغير كيفية انعكاسهما في كوحده مقابل الموضوع في الماده الحية (الدماغ) ..وهذا يعني بالاجمال ان القول بهذا (اولا) لا يعني نهاية معرفته ولا يعني انه هو فقط المعني .لكن الشعور والتاكد من سلبية نهاية الجدليه بين (الاول ) وبين (الثاني) ..سلبية حساسية الحاله النهائيه للوحده وقلقها الذي يصل حد التأزم ..يجعل جدل الفكر الاشتراكي يحدد في الية معرفته والتوعيه لها بان يحدد (الاول ) والثاني وبالتجريد ..ليفكك الظاهره ويوفر امكانيات اعادة تشكيلها ..فيظهر لنا هنا مثلا ان التغيير الذي طرأ ويطرأ على ماهية الادميه كوجود هو اولا يجب ان يدرك بانه شامل وهوثانيا متسلسل وترابط فيبدو وكانه شكليلا بينما هو كذلك لانه جوهري لان التغير المستمر المتراكم في شكل الوجود يغير مضمون الوجود ..وهذا يماثل تماما في قولنا المعتمده على معرفتنا التاريخيه بان الادمي وبكل تاكيد لم يعد ينحني نحو الجدول ليشرب الماء بعد ان يغرفه بيديه (ومن يدري فربما قبل ذلك كان يكتفي بان يمد راسه نحو الماء ) ..الان يشرب الماء بوسيط نسميه (القدح) ..لكن محتوى هذا الاخير من الماء والشروط التي سبقت في ان يوجد لا يطابق محتوى الجدول من الماء , معنى هذا ان هناك تغييرات طرأت في قدرة الجسد الادمي لاشباع حاجته من الارتواء مع تغيير كيفية حاله الارتواء الشكليه ...كما انه وحسب ذات المعارف لم يعد قادرا على المعاشره الجنسيه ,مثل ايامه الاولى في العراء..حيث يفترش الارض ويلتحف السماء ويتلصص عليه الاخرون ..فشيئا ما اعترى منظومة قدرته الجنسيه فجعلته لا يستطيع ان يمارس هذا الفعل الا في مكان منعزل ولربما في اجواء خاصه ..وهكذا تتوالد الحاجات ليس من مصدر تقيمنا لها ذاتيا فقط بل من خلال تفاعل وانعكاس اشباع الحاجه الاولى ..وهكذا فان شروط تحقق الوجود وممارستها قد تعقدت واصبحت مكونات حتميه للماهيه المتطوره وهي الانسان ..لكن البعض يجزء بين هذه الحاجات واشكال تلبيتها فيميزها بشكل نهائي على كونها طبيعيه مخلوقه في ذات الانسان (لانه يعتبر الانسان هو ذاته الادمي) ويعتبر الجزء الاخر بأنها مخلوقه بأرادته وهو قادر عن الاستغناء عنها ,وهم يقومون بهذا التفريق ليؤكدوا فقط تباين حال وجود البعض في المستوى (الانسان) وعجز الاكثريه في تجاوز الحال الادمي ..ومرد كل هذا يعود الى عدم رغبتهم او عجز ذهنيتهم في ان يفرقوا بين القيمه الاستعماليه لاداة اشباع الحاجه وبين القيمه التبادليه لها ...بينما الاشتراكيه التي تشكلت على اساس المعرفه الجدليه فانها تقول بان هذه الحاجات اما ان تكون ضمن ماهية وجود الانسان بمفهومه العام الذي يشمل الجميع او ان لا تكون ..لكن عبارة ((ان لا تكون)) نفتها الماديه الجدليه ونفت تأكدها وجعلته ضربا من اليوتيبا السلبيه ,فالعوده الى الوراء مستحيله ..مع ان تأكدها في مفاصل معينه وفي حالات معينه تبدو ممكنه لكن هذا لا يمس الا الجانب التنظيمي ويعتبر بحد ذاته تجسيدا لصيرورة التقدم الى الامام وانعكاساته في الجانب الاقل تطورا (لقد شهد العراق تراجعا اجتماعيا خطيرا بعد احداث 2003 لكن هذا كان فقط يمثل تداعيات في جزء خاص لحركة تطور النظام الراسمالي العالمي وحتم تطور المفاهيم الاجتماعيه لمجتمعاته )) ..اذن عبارة ((يجب ان تكون )) هي المؤكده ,فادركت من خلالها ان هذه الحاجات ليست ذات مصدر بشري ارادوي ,انما هي شكلا لحتم مجمل النشاطات التي قام ويقوم بها المجتمع ..وان اساس تشكيل منظومة الحاجات كان على الدوام يصدر من النشاط الانتاجي المادي ..وان تباين درجات اشباعها سببه فقط شكل النظام الذي تم وفقه الاستحواذ على امكانيات هذه الحاجات ,فتركزت هنا وقلة هناك او تلاشت ..وكل هذا تم كنتيجه حتميه وطبيعيه لعدم وعي حركة وانتقال طاقة الانتاج الاجتماعي من حال التعامل معه وفق قيمته الاستعماليه الى حال قيمته التبادليه ,وتراكم ممارسات هذا اللاوعي وعلى مدى فترات زمنيه كبيره تحول الى (وعي خاص) ينظم علاقات افراد المجتمع فيما بينهم ,ومن هنا بدات تتبلور ضرورات انبثاق مستووين لانعكاس وجود المجتمع بكونه (كيان مادي )وبكونه (وعي لهذا الكيان ) ..لكن الوعي الجزئي (هنا لابد الاشاره الى حالات خاصه ونادره مقترنه بشخصيات تاريخيه تبدو انها تجاوزت هذا الوصف ,وتصرفت او حاولت ان تتصرف على ضؤ التفريق بين القيمه الاستعماليه والقيمه التبادليه ,ولربما الاقصوصه التي دارت احداثها بين علي بن ابي طالب حينما كان على رأس السلطه وبين صاحبه ونصيره ميثم التمار هي واحد من الامثل التي تؤكد ملاحظتنا تلك , وتلك الاقصوصه تذكر ان علي بن ابي طالب واثناء تجواله التفقدي في السوق وجد ان صاحبه ميثم البائع للتمر قد وضع امامه ثلاث قصع منه ولما سأله علي عن الاسعار اجابه ميثم بانه بدرهم واحد لهذا ودرهمين لذاك وثلاثه للاخر ..فما كان ان هتف علي في وجه صاحبه ..ويحك يا ميثم اجعلت الناس ثلاثه وقد خلقهم الله واحد ؟ ,,) لكن هذا لم يغير بعمومية الوعي الجزئي الذي هو انعكاسا غير كامل انتج حاله من عدم التوازن الاجتماعي ككيان مادي يتحرك ويستجيب بطريقته وبين الوعي الذي يتم وفقه تنظيم شؤون افراده وعلاقة بعضهم ببعض داخل ذات الحركه ..ان حالة اللاتوازن تلك كانت ايضا لا يمكن ان تستمر الى ما لا نهايه وكان تجسدها في شكل السلطه الاجتماعيه وطيبعة التركيبه لها هدفا لحركة اعادة التوازن فشهد بذلك تاريخ الانسانيه سلسله من الثورات السياسيه التي كانت تعتقد بحكم ذلك الوعي بان السلطه هي ما يجب ان يتغيير ليس لكونها نتاجا لحساسية الفعل السبلي لالتفاوت الطبقي بل لاعتبارها خالقة له ومسببه لوجوده ..ولهذا فان الكثير منها فشل في ان يحقق الغايه التي من اجلها قام بها ثوارها ..هذه الثورات ايضا كانت تعبيرا دقيقا عن صيرورة حتم الثورات الاجتماعيه على صعيد المفهوم العام للمجتمع الانساني (ثورات العبيد نقلت المجتمع الى عهد الاقطاعيه والثورات الفلاحيه نقلت الانسانيه الى عهد الرأسماليه ) كما ان تلك الانتقالات كانت تستهدف قوة وشكل التمايز الطبقي والملكيه الخاصه مباشرة وكاحساس مباشر دون ان تعي ماهيتها والاليه الخفيه التي تعيدها مرة اخرى الى درجه تقلق تماسك وحدة المجتمع ...هذه الاليه بينتها لنا الماديه التاريخيه بما هي جوهر فكري لكنها قدمت لنا كعرض لم يفلح بدرجه كافيه على ان تتحول الى معرفه تخلق اولا اراده واقعيه وتطبيقيه عامه ..اي انها ايضا لم تخرج في شكل عرضها عن مستوى التجريد الى الدرجه القصوى .ومن هنا نقترح شرح مبدأ (تازم علاقات الانتاج مع قوى الانتاج يولد حتم التغيير ) ب( هيمنة القيمه التبادليه على القيمه الاستعماليه يفضي حتما الى التغيير) ولهذا فاننا في مجرى تاكيدنا على شكل هذا الشرح سنواضب الحركه الواقعيه المحسوسه والمباشره والاكثر يسرا وسهولة على الادراك ,ونتناول فيها النموذج الذي يتجسد فيه كل هذا ,الا وهو التبادل النقدي ووحدته (النقد ) ..لنعرف اصله وفصله ومصدر قوته التي تطيح بالرؤوس وتبقي على رؤوس ,وتعز البعض وتذل الاخرين..وكيف انه بذلك تجسدت فيه صفات من كان ومازال الانسان ينسبها الى قوى عليا حدد قيمتها بانها فوق كل القيم ...يتبع
#ليث_الجادر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟