|
في الذكرى الـ-48 لمجزرة كفرقاسم: لا مفر من استخلاص العبر لمواجهة سياسة التمييز والمجازر
احمد سعد
الحوار المتمدن-العدد: 1003 - 2004 / 10 / 31 - 10:42
المحور:
القضية الفلسطينية
في التاسع والعشرين من شهر تشرين الأول سنة ست وخمسين، أي قبل ثمانية وأربعين عامًا، حاولت حكومة العدوان والمجازر والدماء الاسرائيلية أن تسطر بالدم العربي المسفوك "نكبة 48" جديدة ضد من تبقّى متجذرًا من الشعب الفلسطيني في أرض وطنه، خاصة في المثلث العربي الجنوبي (كفرقاسم والطيبة وقلنسوة وجلجولية والطيرة). وقد اعتقدت حكومة القهر القومي ان الظروف الدولية مواتية لارتكاب جريمة همجية بحق الأقلية القومية العربية الفلسطينية، بحق المواطنين العرب في اسرائيل، جريمة حرب بحق الانسانية. فأنظار الرأي العام العالمي في الستة والخمسين كانت متجهة ومركزة تلاحق أخبار العدوان الثلاثي، الحرب العدوانية البريطانية – الفرنسية – الاسرائيلية على مصر الثورة التي كان هدفها الاستراتيجي المركزي الاطاحة بنظام الرئيس خالد الذكر جمال عبد الناصر "عقابًا له" على تأميم قناة السويس من أيدي المستعمرين وانتهاج سياسة تعميق التحولات الاقتصادية – الاجتماعية – التصنيع ومحاربة الاقطاع وتوزيع الارض على الفلاحين – داخليًا، ومعاداة الامبريالية ومخططاتها ضد مصر وشعوب البلدان النامية وتوثيق علاقات الصداقة والتعاون مع الاتحاد السوفييتي والبلدان الاشتراكية ودول عدم الانحياز في مجال السياسة الخارجية. وحكام اسرائيل خدام الاستعمار وشريكه في التآمر على حركات التحرر الوطني العربية والعالمية وعلى أنظمتها التقدمية، تساوقت مصالحهم الصهيونية التوسعية الاقليمية مع مصالح المستعمرين في شن الحرب العدوانية على مصر، فالاطاحة بنظام جمال عبد الناصر، احد الاعلام البارزة في قيادة حركة التحرر القومي ومجموعة دول عدم الانحياز تساوقت مع مصالح التوسع الاقليمي الصهيوني باحتلال قطاع غزة في حينه.
في مثل هذه الظروف، ظروف الحرب العدوانية على مصر وانشغال الرأي العام بأخبارها واحداثها قامت أذرع القمع السلطوية من قوات الجيش بارتكاب المجزرة الدموية الرهيبة ضد المدنيين العزل من السلاح في قرية كفرقاسم الآمنة. فرضوا، ودون سابق انذار، حالة الطوارئ، وفي وقت كان فيه الكثير من اهالي كفرقاسم، من عمال وعاملات، أطفال وشيوخ وشبان، خارج القرية، في العمل أو لقضاء شؤونهم المختلفة. طوّق جند حكومة المجازر والدماء القرية من مختلف مداخلها. كانت كلمة "السر" بين القتلة، التي تجسد الأوامر للجند، "الله يرحمه"! "إحصدوهم" وهذا ما ارتكبه جند هولاكو، فبدم بارد قتلوا وحصدوا كل من طالهم رصاص القتلة من العائدين الى قريتهم وبيوتهم. وبلغ عدد شهداء المجزرة تسعة وأربعين من الرجال والنساء والشيوخ والأطفال والشبان، اضافة الى عدد كبير من الجرحى الذين ظن الجزارون أنهم في عداد الموتى حسب مخطط "الله يرحمه" الشيطاني.
أراد المجرمون التستر والتعتيم على المجزرة الدموية الوحشية التي اقترفوها، خاصة بعد ان ادركوا، ان المذبحة في كفرقاسم لم تؤد الى النتائج التي توخوها، وان تكون نسخة طبق الأصل لمجزرة دير ياسين وغيرها من المجازر التي ارتكبوها إبان النكبة. ارادوا ان تكون هذه المجزرة الشنيعة نذير رعب وإرهاب يجعل أهالي كفرقاسم الجريحة والقرى المجاورة في المثلث الجنوبي تطلق أرجلها للريح وتهجر قراها وتسير على دروب التشرد واللجوء والشتات القسري. ولكن "المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين" فجرح النكبة في الثمانية والأربعين لا يزال ينزف دمًا وأكثر من خمسة ملايين فلسطيني يعيشون في مواطن اللجوء القسري في شتى بلدان العالم ويحرمون بشكل تعسفي من حق العودة وتقبيل تراب مسقط رأس آبائهم واجدادهم. ولهذا، فالخيار الوحيد الذي يتمسك به اهلنا في كفرقاسم وتتمسك به جماهيرنا العربية هو "انه لو هبطت سابع سما عن أرضنا ما منرحل"، ومن "هالمراح ما في رواح"، فهذا وطننا ونحن هنا الى أبد الآبدين. وحقيقة هي ان المجرمين لم ينجحوا في التستير على المذبحة التي ارتكبوها، فقد استطاع القائدان الشيوعيان، توفيق طوبي وماير فلنر ورجل السلام والاخوّة والتعايش لطيف دوري في اختراق الحصار والوقوف عن كثب على ما ارتكبته أيدي الجزارين من جريمة مروعة. وقد عمّم النائب توفيق طوبي رسالة على الرأي العام في اسرائيل وعالميًا يفضح من خلالها جريمة دولة تقتل مواطنيها دون ذنب وبدم بارد، يفضح مخاطر سياسة التمييز القومي العنصرية التي تمارسها اسرائيل الرسمية بمنهاجية ضد المواطنين العرب في اسرائيل.
اننا في كفرقاسم وبين جماهيرنا العربية والقوى الدمقراطية والتقدمية من انصار حقوق الانسان والمواطن والتعايش القائم على المساواة في الحقوق، نحيي ذكرى المجزرة سنويًا. فنحن من جهة نحني رؤوسنا اجلالاً لذكرى شهداء المجزرة الأبرار، وشعبنا لن يغفر أبدًا للمجرمين الجزارين، ومن جهة ثانية نحاول استخلاص العبر الصحيحة لتكون لنا عونا وذخيرة في دربنا الكفاحي الطويل، خاصة وأن الذئب الذي افترس الضحايا في كفرقاسم لا يزال مكشرًا عن انيابه الصفراء المفترسة وينقض بين حين وآخر لالتهام الضحايا. والحقيقة المرّة تؤكد ان اسرائيل الرسمية لم تستخلص العبر الصحيحة فيما يتعلق بطابع العلاقة والتعايش مع الشعب الآخر، ان كان مع الشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة وحقوقه الشرعية او مع الأقلية العربية الفلسطينية من مواطني دولة اسرائيل وحقها بالمواطنة الكاملة والمساواة التامة، القومية والمدنية.
فالسياسة الرسمية تتعامل معنا، نحن الجماهير العربية، بصفتنا "مشكلة أمنية وديموغرافية"، "طابورًا خامسًا"، "مادة مشبوهة"، و"موضعًا للشك" دائمًا يهدد الطهارة العرقية ويؤلف خطرًا أمنيًا على "دولة اليهود" وفق المنظور الصهيوني العنصري. وتجري "معالجة" هذه المشكلة "الأمنية والديموغرافية" للعرب بلغة التمييز المنهجي والقمع والمجازر الدموية، وكأن العرب ليسوا مواطنين في هذه الدولة. فمن مجزرة دير ياسين الى مجزرة كفرقاسم الى أم السحالي الى أراضي الروحة الى مجزرة هبة اكتوبر والقدس والاقصى، نتاج سياسة رسمية منهجية تواصل جرائمها حتى يومنا هذا. وتمارس هذه السياسة الدموية المجرمة بصورة أشنع وأشد عنفوانًا ضد شعب الانتفاضة الفلسطينية، حيث ترتكب المجازر الدموية وجرائم الحرب والهدم والتخريب والتدمير يوميًا تقريبًا في الضفة والقطاع المحتلين.
بصفتنا "خطرًا امنيًا وديموغرافيًا" فإننا بنظر حكومة القهر القومي والتمييز العنصري لسنا أهلاً لحق المساواة في المواطنة مع ابناء الشعب الآخر في هذا الوطن الذي أصبح مشتركًا، ولهذا يجري التمييز المنهجي في مختلف المجالات، في ميزانيات السلطات المحلية وفي الخدمات - التعليم والصحة والبيئة والبناء. تجيز اسرائيل الرسمية لنفسها هدم البيوت العربية وخنق تطور مدننا وقرانا، ورش المزروعات بالسموم وإبادتها في النقب – واللائحة طويلة. بصفتنا خطرًا ديموغرافيًا يجري على مختلف الصعد الحكومية والأكاديمية والحزبية الصهيونية بحث الهاجس الديموغرافي الذي يطاردهم وفحص "الموازنة الديموغرافية" واحتمالات تغير المعادلة في الأفق الاستراتيجي القريب والبعيد من جراء تكاثر العرب وزيادة نسبة الولادة العربية. وتنطلق الدعوات والنظريات المختلفة حول كيفية الحفاظ على موازنة تضمن أكثرية يهودية، وأي شكل من أشكال الترانسفير "القسري" او "الطوعي" او "النظري" يمكن تجسيده للتخلص من أعداد كبيرة من المواطنين العرب.
اننا نذكر مختلف اوجه معالم سياسة التمييز والجرائم الممارسة ضدنا ليس بهدف العويل على وضعنا البائس، بل بهدف شحذ الهمم واستخلاص العبر الصحيحة فيما يتعلق بأنجع الوسائل التي يمكن بلورتها وصقلها لمواجهة مصائب التحديات المطروحة وانجاز حقنا بالمساواة كمواطنين وليس كغرباء في هذا الوطن المشترك. فنحن لا نطلب حسنة من حكومة اللئام، نحن أصحاب حق كمواطنين في وطننا الذي لا وطن لنا سواه، والحق يؤخذ ولا يعطى. واليوم، وأكثر من أي وقت مضى نحن بحاجة الى صقل وتطوير مواعيننا الكفاحية، خاصة واننا نواجه سياسة عدوانية مجرمة في ظل حكومة التمييز والفقر والعدوان اليمينية الشارونية. نحن بحاجة، وأكثر من أي وقت، ليس فقط الى تعزيز وحدة الصف الكفاحية لجماهيرنا العربية ورفع مستوى أداء وتطوير آليات هذه الوحدة، بل كذلك، ولا يقل أهمية من حيث المردود والمدلول السياسي العمل على دفع عجلة التعايش اليهودي – العربي، العربي – اليهودي من خلال الكفاح المشترك دفاعًا عن قضايا الجماهير العربية وفي المعارك من اجل السلام والتضامن مع الكفاح العادل للشعب الفلسطيني من أجل انجاز حقه الشرعي بالتحرر والاستقلال الوطني، وفي المعارك لصيانة الدمقراطية من انياب الفاشية المفترسة، وفي المعارك النقابية والاجتماعية. من الأهمية بمكان بلورة لغة وتوجه صحيحين للتقارب اليهودي العربي وتنظيم العديد من الفعاليات واللقاءات اليهودية – العربية. فكل حجر جديد نبنيه في بنية التعايش اليهودي – العربي نسقط مقابله حجرًا من بنيان سياسة التمييز القومي. والمجد والخلود لشهداء كفرقاسم الأبرار.
#احمد_سعد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مدلول التصويت على خطة شارون: على أية مساحة تكون أرض اسرائيل
...
-
هل يمكن التصويت دعما لخطة دفن الحق الفلسطيني المشروع؟
-
التفجيرات في منتجعات طابا: ديناميت الشياطين في خدمة استراتيج
...
-
ماذا وراء هذا التزامن؟!
-
هل تستهدف مجازر حكومة شارون تحويل شمال القطاع الى منطقة عازل
...
-
عبد رضا الشيوعي الذي كان بيننا
-
لمواجهة مخطط الاستيطان والتصفية الاسرا–امريكي
-
صباح الخير صباحك منوّر يا أبا حنظلة
-
المعيار الاجتماعي لسياسة تُعيد انتاج المآسي
-
التفاعلات الجارية في الخارطة السياسية الحزبية الاسرائيلية
-
حتى لا نكون وقضايانا صفرًا على الشمال!
-
جون كيري يسجد أيضًا في بيت الطاعة الصهيوني
-
حتى لو انفلق الكارهون!- زيّاد أهل للتكريم
-
التطورات المأساوية على ساحة الصراع الأسرائيلي – الفلسطيني
-
القاضية دوريت بينيش تفضح عرض وعار تحالف -الشاباك- والحكومة
-
المدلولات الكارثية للسياسة الليبرالية الجديدة
-
تطوير الترسانة العسكرية الاسرائيلية في ارجوحة المخطط الاسترا
...
-
المدلولات الحقيقية لنتائج انتخابات برلمان الاتحاد الاوروبي
-
وتبقى القضية في جوهرها ومدلولها سياسية اولا وليست أمنيّة يا
...
-
وتبقى القضية في جوهرها ومدلولها سياسية اولا وليست أمنيّة يا
...
المزيد.....
-
تفجير جسم مشبوه بالقرب من السفارة الأمريكية في لندن.. ماذا ي
...
-
الرئيس الصيني يزور المغرب: خطوة جديدة لتعميق العلاقات الثنائ
...
-
بين الالتزام والرفض والتردد.. كيف تفاعلت أوروبا مع مذكرة توق
...
-
مأساة في لاوس: وفاة 6 سياح بعد تناول مشروبات ملوثة بالميثانو
...
-
ألمانيا: ندرس قرار -الجنائية الدولية- ولا تغير في موقف تسليم
...
-
إعلام إسرائيلي: دوي انفجارات في حيفا ونهاريا وانطلاق صفارات
...
-
هل تنهي مذكرة توقيف الجنائية الدولية مسيرة نتنياهو السياسية
...
-
مواجهة متصاعدة ومفتوحة بين إسرائيل وحزب الله.. ما مصير مفاوض
...
-
ألمانيا ضد إيطاليا وفرنسا تواجه كرواتيا... مواجهات من العيار
...
-
العنف ضد المرأة: -ابتزها رقميا فحاولت الانتحار-
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|