أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جهاد علاونه - العين الساهرة















المزيد.....

العين الساهرة


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3362 - 2011 / 5 / 11 - 19:44
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


غالبية أصدقائي المتحمسون لكتاباتي يعرفون بأن نومي قليل , فأنا أنام طوال النهار ساعة وطوال الليل ساعة واحدة أو ساعتين, وحتى وأنا نائم أرى كل شيء بوضوح أثناء أحلامي, فأشاهد من أحبهم وأشاهد من يكرهني, وأكتبُ كثيرا من التعليقات على جدار الصمت وأبتلع ريقي أثناء النوم وغالبا ما تزورني ذكريات الطفولة وأنا نائم أو أشاهد بعض الأفكار فأقومُ من نومي مسرعاً وأضع أصابع يديي على الكيبورد وأكتبُ مقالي على نفس واحد دون أن أتوقف أو دون أن أنظر بعض الأحيان شاشة الكمبيوتر, وصدقوني وبدون كذب ولا مجاملة أعرف ما الذي سيحدث معي في اليوم التالي حين أشاهد في حلمي أثناء النوم بعض مشاهد ما سيحدث معي, ولو قلتُ لكم بأنني أتنبأ أحيانا بمن سيموت ستقولون عني بأنني كاذب أو مهبول, ولكن صدقوني أنني أحيانا أعرف بأن رجلا سيموت وآخر سيعمل حادث سير, أو سيسافر أو سيخطب عروس, وأكاد أن أقول عن نفسي بأنني رجل مرفوع عنه الحجاب وعلم الغيب , فلا أحد يعلم علم الغيب إلا ألله وأنا في بعض الحالات.

وكذلك أمي, كل معارفي وجيراني يعرفون بأن أحلام أمي تتحقق, ولم تر أمي أي رؤيا إلا وجاءت في الصباح كما رأتها ولنا في ذلك شهود يشهدون على صدق كلامي, فأنا وأمي لا ننامُ أبدا دائما مستيقظون, فأمي لا تنامُ لأنها دائما تصرخ من ألم الركبتين والمفاصل وأنا لا أنام لأنني دائما أشعر بما يدور حولي من أحداث, وإذا سألتموني عن أكثر شيء تكرهه في حياتك أردُ عليكم بأنني أكره النوم والنعاس, وأشعر بالضيق إذا دخلتُ منزلي ورأيتُ فيه أحدا نائما, لماذا تنامون؟ يجيبني البعض بأنهم يريدون أن يرتاحوا من صخب الحياة ويدعى البعض بأنهم ينامون بسبب الصداع أو ألملل, وهنا مربط الفرس إن الملل يزور الناس ويسبب لهم الاكتئاب والاكتئاب يجعل الرأسَ ثقيلا ومتدليا للأسفل, وأيضا عدم الانشغال بشيء مهم يجعل البعض يسترخون ليناموا, وأنا ضد الملل لأنني انتصرتُ على الملل في معركة الملل التي قضيتُ فيها على الملل قضاء مبرما وتوجتُ نفسي بطلا أسطوريا على الملل, أنا الذي قضى على الملل سأنتصر اليوم على النوم.

كل الناس يغلبهم النوم ويغلبهم النعاس , رغم أنهم ينتصرون في كثير من المعارك مع أنفسهم, إلا النوم والنعاس فإنه يغلب أهلي وجيراني وأصحابي, ولم أسأل عن أي صديق إلا وأجده نائماً وغالبية معارفي وأصدقائي يردون على اتصالي بعد عدة ساعات ليقولوا لي : كنا نياماً, أو بأن يتصل بي صديق ليقول لي: خير إنشاء ألله سمعت أن تسأل عني لقد كنت نائما لأنني كنتُ متعباً, فأرد عليه باستغراب: شو ليش متعب؟ هل كنت تناضل وتقاتل بطواحين الهواء؟ هل كنت تتصارع آلهة النار أو آلهة الحجارة؟ لماذا أنتم متعبون رغم أنكم لا تفكرون ولا تكتبون ولا تستشعرون عن بعد؟ لماذا إلا أنا دائما في حالة اليقظة؟, واليوم يريد النعاسُ أن يغلبني كما غلبكم جميعاً, وأصحابي ينصحونني بالاستسلام للنوم وكلهم يقولون لي : نم قليلا لترتاح ويرتاح العالمُ منك ومن أشعارك وكتاباتك, وأنا أقسمتُ على نفسي بأن لا أدعهم ينامون نوم الحمير ونوم البعير ونوم الدببة في فصل الشتاء, أنا قاهر الذباب وقاهر العتمة والظلام لا يغلبني النعاسُ ولا أستسلم للنوم, " يا قومُ لا تتكلموا ..إن الكلامَ مُحرّمُ ناموا ولا تستيقظوا ما فاد إلا النوّم ", والجميع يستغربُ مني ومن تصرفاتي إذا كيف أكتبُ ولا أتعبُ من الكتابة ؟ وكيف أعملُ ولا أتعبُ من النوم؟ فأقول لهم: أنا إنسان خُلِقَ للسهر لكي تناموا أنتم, وأنا إنسانُ خلق للتعب لترتاحوا أنتم, وأنا إنسان خُلق للكتابة لتفهموا أنتم, أنا مخلوق ضد النوم ومخلوق ضد الاكتئاب رغم أنني أكتئبُ في كثير من الأحيان وفي كثيرٍ من الأحيان أشعر بالملل ولكنني في النهاية أنتصر على الاكتئاب المزمن المصاحب للقلق فأقضي عليه في آخر جولة له معي .
أنا البطل الأسطوري الذي يغلبُ النعاسً ولا ينتصرُ عليه, وأستغربُ جدا حين أجد جاري نائما على أذنيه وأستغربُ جدا حين أجد الناس نائمين, لماذا ينامون, إن أكره شيء أكرهه في حياتي أن أرى إنسانا نائما,لقد دخلت ذات يوم معركة حماسية وبطولية مع الظلم ومع الظالم, وانتصرتُ أنا المظلوم على الظلم وعلى الظالم في معركة الظلام المذكورة في (إلياذتي) , وهذه المعركة التي لا تنتهي فدائما يجب أن يكون هنالك ظالم ومظلوم وحاكم ومحكوم ,كنتُ شجاعاً أقاتل بكل ما أُوتيتُ من مواهب وكنتُ أغزل القصيدة من خيوط بكائي وكنتُ انهمر على أعدائي بسيلٍ جارفٍ من كتاباتي, كنتُ دائما البطل وكنتُ دائما الأسطورة, وكنتُ دائما الحرف والكلمة الساخنة التي لم تبرد أبدا ,واليوم معركتي أصعبُ من كل المعارك فقد قررتُ أن أقاتل النوم وأن أنتصر عليه, لا أريد أن أنام ولا أريد بأن يغلبني النعاسُ أريدُ أن أغلبَ النعاسََ بقوة تحملي أريد أن أنتصر على النوم الذي لم ينتصر عليه أحد, إن النوم يزورني في كثير من الأحيان ولكنني أنتصر عليه يوميا , فهذه معركة لا تنتهي بين النوم وبين الصحو من جهة ومن جهةٍ أخرى بين النور وبين الضياء وبين الليل وبين النهار, وبين الإحساس بالتعاسة وبين الإحساس بالسعادة ,وهل من المعقول أن ينتصر النعاسُ على بطل معركة الظلم والظلام؟ وهل من المعقول أن يبطحني النعاسُ وأن يرميني أرضاً؟ ولقد دخلت ذات مرة معركة طويلة الأمد مع نفسي وانتصرت عليها وكانت إرادتي قوية وكانت الشمس تقاتلُ معي , وذات ليلة من ليالي الشتاء تصارعت مع المطر وآلهة المطر وانتصرت على الاثنين وهل من المعقول أن ينتصر اليومَ على شخصي النعاس والنوم فيغلبني النوم أوالنعاس؟ غلبني النعاس..لا لا لا لم يغلبني فما زالت جفوني مشرعة الأبواب ,وأجفاني صارت ثقيلة..ورأسي تدلى أمامي كحبة برتقال ولكني نهضتُ من غفوتي ومن كبوتي لم أسمح لرأسي بأن يتدلى أمامي أكثر من الحد المسموحُ به.. ها أنا ذا أرفعه بقوة التحمل والإرادة,..حاولت أن أمسك النعاس بيدي ولكن رأسي كان أثقل مني بكثير..كان رأسي جبلا جليديا يذوب ويتهاوي أمامي, وما زلتُ حتى هذه اللحظة أُقاومُ بالنعاس وأتشاجر معه وأريد أن أغلبه, فهل من المعقول أن يكون النعاسُ أقوى مني!!, أنا أقوى من النعاس, وأنا أقوى من الظروف, وأشعر بأن قوتي وإرادتي أقوى من أي قوة ومن أي إرادة ولا يوجد من هو أقوى مني, واليوم سأثبتُ للجميع بأنني أقوى من النعاس الذي يغلبهم طوال الوقت وأتمنى على الجميع أن ينتصروا في حياتهم على النعاس ولو بجولة واحدة أو بجولتين, لماذا دائما المعركةُ تحسبُ نهايتها لصالح النوم والنعاس؟ لماذا لا يستسلمُ النعاس للقوم ولو مرة واحدة!, فلن تغمض لي عين ولن يغمض لي جفن ولن تسكن عيوني داخل مغارة سوداء, سأطلق الرصاص على النعاس وأقتله, سأقطعه إرباً إربا, ولن يجرأ النعاس على زيارتي مملكتي وبستاني الأبيض والأسود, أنا أسهر وأقاوم بالسهر النعاس ورأسي ما زال يتدلى أمامي كأنه قطعة قماش تضربها الرياح ومع ذلك أنا أُقاومُ وأُقاومُ بالنعاس وسأبقى البطل الحقيقي الذي يغلب النعاس سأسهر دائما لينام أحبابي ولتنام معشوقتي , أنا العين الساهرة التي لا تغفو أبدا, وسأعيش أقوى من (أنكيمدو) وأقوى من (جلجامش) الذي غلبه النعاس ,أنا بفضل عيوني سأنتصر على النعاس, إن النعاس حين يسمع باسمي يرتعدُ خوفا مني, فأنا قتلت الأشباح في معركة الأشباح, وأنا قتلت القهر في معركة القهر, وأنا قتلت الحب في معركة الحب, لقد خضت حربا ذات يوم طويلة مع النكد وانتصرت على النكد في معركة النكد الكبيرة, وهل بعد كل هذه الانتصارات يقتلني النعاس في معركة النعاس؟ لا وألفُ لا.
وحتى حين أستسلمُ للنوم لبضع ساعات تبقى آذاني مصغية لأي صوت ولو تمرُ من فوق رأسي ذبابة تطن فإنني أصحو على صوت طنينها, وقلبي دائما في حالة يقظة ولم يسبق لقلبي وأن نام, فحتى أثناء نومي لبضع ساعات يستيقظ قلبي وأستيقظ معه على صوت النضال والكفاح الذي ينادياني, أنا بطل الحواس الخمس, حواسي دائما في حالة يقظة وأرفض أن تنام أذني أو أن ينام قلبي أو أن تنام أصابع يدي, فكثيرا ما أستيقظ من النوم على صوت أصابعي وهي تحاول أن ترسم بالكلمات فكرة جديدة فعقلي يجعلُ أصابعَ يداي تتحرك أثناء النوم لبضع دقائق.





#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الغنج واللذة والصراخ
- يا من يحميني من نفسي
- أعطونا مزيدا من الوقت
- الذين تعلموا بي
- واحد أقوى من مليون
- مؤمن جدا فاسد جدا
- شيء في رأسي
- الشخصية النرجسية
- يا مسلم هذا يهودي يختبأ خلفي
- الجو بارد
- المرأة فاتحة وخاتمة أي موضوع
- سر الكلمات
- تعلّم الشيوعية في خمسة أيام بدون معلم
- ملوك مزيفون
- ذبحوا الشعب
- وأنا سكران
- إما حكمي وإما حكم الآلهة
- الملوك والمدراء والرؤساء العرب
- طريق المواطن الأردني
- الحاكم والشعب والإله


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جهاد علاونه - العين الساهرة