|
مابين وشاية القمر.... وعبور الحدود
سعد محمد موسى
الحوار المتمدن-العدد: 3362 - 2011 / 5 / 11 - 04:36
المحور:
الادب والفن
مابين وشاية القمر...وعبور الحدود سعد محمد الموسوي أن يغادر الجسد ظله ....او يبرح الله ملكوته ... أو حين تهجر الخطى دروبها. كان قلبي عربة تجرّها خيول وحشية تلهث فوق لهيب الحرائق وأوصال الجنود المتناثرة في الأرض الحرام ، باحثاً عن وطن اخر خلف الحدود او حدائق تغفو فيها فراشات في حضرة زهور عباد الشمس او لعله يرتشف قهوته فوق طاولة يتثائب فوقها الشعر في مقاه ٍ تخلو من المخبرين السريين.استيقظت ذات ليلة متخمة برائحة الموت فتناولت بندقيتي وبصقت عليها بعد ان ركلتها وتبولت فوق وصايا الحرب وغادرت الملجأ وجبهة الحرب, تجاوزت نقاط الموت والتفتيش بحثاً عن ملاذ في اقاصي الشمال برفقة صاحبي وكاتم أسراري (مالك). حتى لقاءنا بعراب الحدود صديقنا الكردي (كاكه حمه) الذي استضافنا بدارة بضعة ايام وبضع ليال في جبل حاج عمران منتظرين ان يتوقف هطول الثلج الذي يغلق الطرق الجبلية ،وكنا أيضا نتوسل مجيء غيمة كي تحجب عيون القمر حتى عبورنا الحدود لكي لايشي القمر بخطانا او يفضح تسللنا امام عسس الروابي المتربصين فوق سفوح وقمم الجبال مع فوهات بنادقهم المتحفزة لاقتناص اي شبح يمرفي الليل . في تلك الليلة كان القمر قد استحال من عاشقٍ الى واش ٍ وكانت الليلة الوحيدة التي عاتبت فيها القمر راجياً إياه أن يأخذ سبّة نوم لكي نعبر ثم حلفته بنزيف العشق الذي يجمعنا . في ليلة الانتظار الاخيرة كنا مختبأين وراء صخرة في جبل حاج عمران.
بعد ان ازحنا نسيج العنكبوت وبيضة الحمامة من ملاذ الجبل قبل الهجرة شرقاً ونحن نحثُ الخطى وراء عرابّنا كاكه حمه والذي كان يتأبط ذراع ليلة كانون الاول المتشحة بمعطفها الثلجي في طرقات تغفو في فضاء التوجس وانا ورفيقي (مالك) كنا نتعقبه. حتى أرشدنا (كاكه حمه) الى عراّب اخر يمتطي بغلاً وبمعيته بغليين اخرين كان ينتظر قدومنا مع البغلين المحملين بزوادتين من الماء وبعض الطعام وبطانيات ،اصطحبنا العراّب الجديد ( المهربجي) ثم بعدها ودعنا (كاكه حمه) وسرعان ماابتلعته المسالك الجبليه.ثم أمتطينا بغالنا وسرنا بتوجس وحذر. استيقظ القمر مرة اخرى اثناء مسيرتنا ونحن نسلك الطرق الحليبية. فاعاد قمر الحدود بذاكرتي الهاربه بعيداً الى مدينتي في الجنوب ، فتذكرت قمر مدينتي البعيدة وهو يخشع لأدعية أمي في المساءات القديمة حينما كان يحط كل ليلة كطائر هائم أغوته( بيتونة) دارنا العتيقة وكان يتطلع الى جلساتنا في ليالي الصيف ونحن نستمتع بإلتهام الرقي وإحتساء ماء الفرات البارد من قارورة الفخار فوق سطح دارنا المطلي بالطين، ويبقى القمر مستلقياً طوال الليل على سور السطح حتى يستيقظ ديك جيراننا في بواكير الصباح ويطرده من( البيتونة) فينسل القمر بوجلٍ خفيّ من سور السطح الى غرفة نومة في الطابق العلوي. بعد رحلة طويلة طمأننا العرّاب بأننا وصلنا بسلام وأشارإلينا بأن نسلك هذا الطريق مهتدين الى الضوء الذي يدلّنا على وجود أول قرية خارج الحدود، حينها ودعنا بغلينا وعرابنا وقمر العراق أيضاً. الخنادق تودع الجنود غادر الجنود قاع الجحيم وهم يودعون آخر الجثث وعفونة الملاجىء بعد أن سلموا بنادقهم وخوذهم الى المشاجب في خلفيات جبهة الحرب، عندما صرخ جنديٌ بوجه الضابط : لم أعد أُطالب بإجازتي الإسبوعية بعد اليوم فانا حرٌّ وفي اجازةٍ مفتوحة وهو يلقي بجعبتة العسكرية مغادراً جبهة الحرب حين تم الإعلان عن وقف الحرب الضروس بين العراق وايران. رجع الجنود بذاكرة ممزقة ومعفّرة بتراب معتق بالدمّ ورائحة الموت وفرح معاق الى عتبات البيوت والأمهات اللواتي يأسنَّ الانتظار، فارتسمت ابتسامات غيرمألوفة على وجوه تصدأت من حزن متراكم ومن هلع الموت اليوميّ على تضاريس بقايا وجوه متيبسة لمحاربين زجوا كوقود في حرب الثمان سنوات العدميةّ. تكدس الجنود بالشاحنات العسكرية وبعربات القطار النازح من أقاصي جبهات الموت والمحارق ومن بوابات الجحيم الى مدن وقرى تنتظر معانقة عودة المتبقين من الحرب. الأعيرة النارية كانت تضيء ليالي سماوات المدن وصراخ الأطفال الذي يتعالى مع الأهازيج ، كان كرنفالاً لنهاية تلك الحرب ، بينما النسوة يوقدنَّ الشموع على ضفاف النهرين قداساً لعودة الغائبين وغمسنّ اصابعهن بحناء النذور ورسمنّ فوق الأبواب العتيقة ومزارات القديسين وبوابات المعابد الخشبية الطلاسم المقدسة . البخور والديرم و-الكللّ-( الناموسيات) المنصوبه فوق سطوح البيوت تغتسل بشبقِ قمر آب الذي َفتَقَ الشهوات المؤجلة،وها هو الجندي العائد وقد استلقى بإحضان حريق امرأة بعد سنوات طوال استنزفت وجوده . أول وهلة من تاريخ القلق والمصادرة يشعر بتصالحه مع الجسد ومع الأرض دون استبداد الجاذبية الارضية, فخلع ملابسه ليستحمّ بضوء القمر. العاشر من ايار 2011 ملبورن- استراليا
#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الله والمطر
-
التوحد في حضرة النخلة
-
ثوابت مشتركة للانتفاضات المعاصرة
-
انشودة اذار 1991
-
تراتيل في ساحة التحرير
-
انتفاضة الجسد ..وظل الرصيف
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|